“أوديسة” عمالية في قصور العدل: قضاء العمل كما تعيشه الأجيرات والأجراء

،
2022-06-21    |   

“أوديسة” عمالية  في قصور العدل:  قضاء العمل كما تعيشه الأجيرات والأجراء
مجلس العمل التحكيمي بيروت

لا يزال الأجراء والأجيرات يلجأون إلى مجالس العمل التحكيمية، بالرغم من كلّ الحواجز التي قد تثنيهم عن ذلك، أو سبق أن أثنت كُثُراً غيرهم. ويقرّر هؤلاء اللجوء إلى القضاء لأسباب عديدة تتجاوز مسألة التعويض المادي الذي فقد أصلاً معظم قيمته. ويخوضون ويخُضن المعركة-الأوديسة الخاصة بهم في أروقة قصور العدل، متنقّلين في عالم قضائي يجهلون معالمه ولغته وقواعده المكتوبة أو غير المكتوبة. نودّ في هذه المقالة تصوير المسار القضائي للأجراء والأجيرات بعيونهم وعيونهنّ ورصده من وجهة نظرهم، وذلك عبر الارتكاز على مشاهداتنا لتجارب العديد من الأجراء التائهين في قصور العدل  اللبنانية عام 2021، وعبر مقابلات أجريناها مع البعض منهم وهم يتخبّطون في وحول العدالة الملتبسة.

وقد اتخذنا هذا الخيار التحريري (أي وصف مسار الأجيرة أو الأجيرة في المحاكم بشكل تسلسلي منذ قراره/ها اللجوء إلى القضاء) لأسباب عدّة، أهمها من دون شك، إعادة الاعتبار لنظرة غير القانونيين لمجرى العدالة عبر التركيز على تجاربهم الشخصية الحسّية والعملية. فغالباً ما يميل القانونيون من قضاة ومحامين وباحثين، إلى فرض مفاهيمهم ونظرتهم إلى عالم القانون، من دون اعتبار نظرات بقية الناس جديرة بالاهتمام العلمي-القانوني، فيما أنّ للعلوم الاجتماعية، كما نمارسها نحن في “المفكرة القانونية”، موقف مختلف من الممارسات القانونية والقضائية “العادية” بطبيعة الحال. ولا شك أنّ لتجارب الناس في المساحة القضائية، الموثقة بشكل منهجي، أهمية مركزية في أيّ عملية تفكير جدّية في إصلاح مجالس العمل مستقبلاً، بدل الاكتفاء بمعايير نظرية مسقطة أو باللغة الأحادية لمهنيي القانون. أما السبب الثاني، فهو أنّ الرحلة القضائية للأجيرة، من وجهة نظرها، تعلّمنا الكثير عن وضعية جميع الأشخاص المهمّشين عندما يلجأون إلى القضاء لمواجهة أطراف يحتلّون مواقع قوّة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، كما هي حال معظم الأجراء في مواجهة أصحاب العمل. وتزداد أهمية هذه المقاربة اليوم بطبيعة الحال، بما أنّ عمليات الاستضعاف والاستغلال، في مجالات العمل وخارجها، اشتدّت حدّتها مؤخّراً بسبب الانهيار الاقتصادي والاجتماعي.

وأخيراً، نودّ القول إنّ التجارب التي نصفها هنا هي سرد مركّب للعديد من التجارب الشخصية التي عاشها عدد من الأجراء والأجيرات الذين تابعناهم/هنّ، ونعرضها فيما يلي كتجربة أجيرة أو أجير واحد أحياناً، لتسهيل عملية الكتابة والقراءة. وهؤلاء الأجراء هم  بشكل أساسي الأجراء الذين يمثلون لوحدهم أمام القضاء، أي من دون محام يمثلهم أو يرافقهم، يذهبون إلى قصور العدل ويتابعون أمورهم بأنفسهم، ما يسمح بتوثيق تجاربهم مباشرة من دون تدخّل المهنيين أو وساطتهم. ويرتكز وصفنا على تجارب أجراء في قصور عدل طرابلس وبيروت وجبل لبنان وأقلامها، قبل الجلسات، وخلالها ومن بعدها، ما سمح لنا بتشكيل صورة مكتملة نسبياً لما أسميناه “أوديسة” الأجير/ة في مجالس العمل، في إشارة إلى العوائق والمطبّات والتعقيدات العديدة التي تواجهه/ها على طريق عدالة يبحث عنها وأصبح الوصول إليها أكثر صعوبة من أي وقت مضى.

ما قبل العدالة : من وين طريق قصر العدل، لو سمحت؟

يقرّر الأجير اللجوء إلى القضاء، لكلّ الأسباب التي أدلينا بها في مقالتنا السابقة، والتي تُظهِر كيف أنّ القضاء يمثّل بالنسبة له ملاذاً فريداً “يحفظ الكرامة” ويسمح بالقيام “بشيء ما” في مواجهة شعور اللاعدالة والعجز، في ظلّ تعثّر الخيارات النقابية وانسداد آفاق سوق العمل. ومن المهم التركيز على نقطتين هنا سبق أن أبرزناهما ولو جزئياً في مقالاتنا السابقة. أوّلاً، مدى الاستثمار الرمزي والشخصي الذي تضعه الأجيرة في الولوج إلى القضاء، ما يسمح لنا بقياس مدى فعالية آليات إحباطها المتأتية عن المؤسّسات القضائية. وهو ما سنراه في الفقرات التالية وفي المقالة اللاحقة بشكل خاص. أما النقطة الثانية والمرتبطة بالأولى، فهي مدى ضبابية فكرة القضاء واللجوء إليه عند معظم الأجراء في هذه المرحلة المبكرة من المسار القضائي، ما يفسّر الضياع الكبير الذي يطبع تجربة الأجراء القضائية من بدايتها إلى نهايتها، ويعزّز مرارتهم/هنّ تجاه إمكانية تحقيق العدالة في مجالات العمل. فـ “القضاء” أو “مجالس العمل” هما في البداية بالنسبة لمعظم الأجراء (إذا استثنينا ذوي التجارب القضائية السابقة) عالم مبهم وبعيد، قد يتّصل بصورة متلفزة رآها الأجير في نشرة أخبار أو مسلسل، أو باسم محام يعرفه من قريته أو عائلته (ونادراً النقابة).

لذلك تدفع ضبابية فكرة العدالة والقضاء في ذهن الأجير إلى اللجوء إلى الدائرة المقرّبة من الأصدقاء والأقارب عند وقوع المشكلة في العمل، وهي غالباً الصرف المفاجئ في أيامنا هذه. وإن لم يكن في هذه الدائرة محام، يلجأ إلى أشخاص في الدائرة نفسها لديهم خبرة في ما يخصّ المرجعيات والإدارات الرسمية، وذلك من أجل بناء علاقة أوّلية، ولو غير مباشرة، مع عالم المؤسّسات العامّة والقضائية التي غالباً ما يجهل الأجير معظم ما يخصّها. ويجعلنا هذا اللجوء التلقائي إلى الأقارب[1] نفهم أحد الأسباب التي تدفع العديد من العائلات اللبنانية إلى تشجيع أحد أبنائها أو بناتها على دراسة القانون: فمعظم الناس، ومنهم قسم كبير من العمال والأجراء، ما زالوا يلجأون أوّلاً إلى من “يفهم بالقانون” من ضمن الدائرة المقرّبة. محامي العائلة أو المحامي الصديق، إن وجد، هي الخطوة الأولى، بغض النظر عن تخصّصه أو عدمه بقانون العمل. ولا شك أنّ لهذا الواقع عوامل عدة تفسيرية نجدها في الوضع القانوني والعمالي اللبناني. أوّلاً، غياب الثقافة القانونية الإجرائية لدى العديد من اللبنانيين، ما يدفعهم إلى التوجّه نحو كلّ من “يفهم” في هذه الأمور في محيطهم المباشر، بغضّ النظر عن أي مقاربة تخصّصية للموضوع. ثانياً، أنّ المحامين المتخصّصين في مسائل العمل، لا بل في أي مسألة من القانون الخاص أو العام، هم أصلاً نادرون في المشهد اللبناني حيث يطغى المحامي غير المتخصّص، القادر على التعامل مع جميع المشاكل التي تواجه أقاربه ومعارفه وزبائنه في حياتهم اليومية وعلى مختلف الصعد. ثالثاً، ضعف الانتماء النقابي في لبنان اليوم، إذ أنّ معظم الأجراء الذين التقينا بهم لم يكن لهم انتماء نقابيا، أو لم يفكروا في اللجوء إلى الشبكات النقابية التي غالباً ما تؤمّن للعمال الدعم القانوني والإجرائي[2]. إن “مثلث الضعف” هذا، ضعف الثقافة الحقوقية وضعف التخصّص القانوني لدى المحامين وضعف الانتماء النقابي، يرمي الأجير بين يدي أقرب الأشخاص الذين يوحون له أنّهم يفهمون شيئاً ما في عالم مجالس العمل التحكيمية، وهو إيحاء يكون أحياناً خاطئاً أو بغير محله، كما عبّر لنا بعض المحامين الذين شاركونا حيرتهم حيال آمال وتوقعات هؤلاء الأجراء الأقارب أو الأصدقاء الذين يأتون إليهم تلقائياً عند حصول الصرف.

تدخل الأجيرة إلى مكتب المحامي غالباً من دون أية معرفة لا بمجلس العمل التحكيمي ولا بالأصول القانونية ولا بما يمكن توقعه منطقياً من اللجوء إلى القضاء أو من المحامي. تأتي متمسكة بتصوّر عام جداً عن العدالة وعن الظلم اللاحق بها، وبإصرارها على نيل حقوقها، لا غير. هي لا تدري أنّ الفرق بين الحق أو العدالة من جهة، والقضاء من جهة أخرى، غالباً ما يكون شاسعاً. في خضم الأزمة الحالية، يقول لنا المحامون إنّ الأجراء يتّصلون بهم بوتيرة أكبر. بعضهم يتوجّه إلى المكاتب و”ما معهم ياكلوا”[3]، وقد تقول لهم المحامية، لا سيما التي تنتمي إلى دائرة الأقارب، أنّها لن تطلب منهم بدل أتعاب إلّا عند انتهاء الدعوى.

“والله شو… كيف بدي… بيجوا عنّا عم يبكوا. ربّي سامحني… كأنّو عم بيشحدوا عرفت؟ وبدّن ينقوا، ومنّا قادرين ومنّا عاملين وما عم يعطونا وما معنا، هيك بيجوا”.[4]

بعض المحامين يأخذون على عاتقهم الملف، فيما البعض الآخر يرشدون الأجراء إلى رفع دعاويهم بأنفسهم من دون الاستعانة بهم بما يوفر عليهم دفع رسوم وتكبّد تكاليف مختلفة. ولا ينبع هذا الإرشاد بالضرورة أو فقط عن حرص المحامي على مصالح الأجير المعني (لا سيما عندما نتبيّن العناء الذي يعيشه هذا الأخير عندما يستجيب ويذهب إلى القضاء منفرداً). فمصلحة المحامي تدخل أيضاً في الحساب. وقد أسرّ لنا محامون عدّة كيف أنّ دعاوى العمل قلّما تثير اهتمامهم، لا بل تدخلهم في حالة “اكتئاب” بسبب التأخير وإطالة أمد الدعوى بشكل مرهق وعدم فعالية المحاكم، وهو الأمر الذي يدفعهم إلى تجنّب قضايا العمل قدر الإمكان في هذه الأيام (“خلص ما عاد آخد عمل”) [5].

كما أنّ أكثرية الأجراء الذين التقينا بهم أكدوا لنا عدم انتسابهم إلى نقابات، لا بل تباهى بعضهم بذلك (“لا الحمدلله منّي بنقابة”[6]) إذ يعتبرونها كالأحزاب، فيما لا يعرف آخرون دورها تماماً، وهنا دليل آخر على ابتعاد العديد من الأجراء عنها. وإذا كان وجود المنظمات النقابية خجولاً بين الكثير من أجراء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، إلّا أنّ دور هذه المنظمات يبرز في المؤسسات الكبرى وتحديداً عند نشوء نزاع عمالي داخلها. ففي هذه المؤسسات حيث العمال أكثر تنظيماً، نجد دوراً أهم لهذه المنظمات، لاسيما عندما يأتي وقت المواجهة القضائية أو ما قبل القضائية. وقد يسمح لنا ذلك باستشراف فرضية انتقال النقابات العمالية، حتى تلك التي حافظت على مصداقيتها في السنوات الأخيرة، من منطق المواجهات العمالية-السياسية العامة مع رأس المال وأصحاب العمل عبر الإضراب أو احتلال أماكن العمل والإنتاج، إلى منطق المساندة القانونية الفردية التي تقدَّم للأجير، وهو تحوّل من الجماعي إلى الفردي يتخطّى الساحة العمالية ليطال العديد من وسائل التحرّك اليوم.

وقد يرافق “الريّس” الأجراء إلى وزارة العمل (هكذا ما زال ينادي بعض الأجراء نقابييهم، فيما أصبح العديد من رفاقهم يخصّون القاضي الذي يرأس مجلس العمل التحكيمي بهذا اللقب، وهنا علامة أخرى على تغيّر الجغرافيا الرمزية للمساحة العمالية وأدواتها: من هو “الريّس” بالنسبة للعمال اليوم؟). يتدخّل في المفاوضات مع صاحب العمل – كورقة ضغط، من أجل إيجاد حلّ حبّي يجنّب اللجوء إلى الخيار المرّ الذي هو مجلس العمل التحكيمي بالنسبة للجميع. وقد تستمرّ مرافقة “الريّس” أو أحد المسؤولين النقابيين في الإجراءات القضائية اللاحقة في حال فشلت المفاوضات، فيرشدون الأجراء نحو محامين معروفين بدفاعهم عن القضايا العامّة وقدموا خدماتهم في السابق من دون مقابل، ما وضعهم على لائحة الحقوقيين الأصدقاء. وقد يتدخّل النقابي في هذه الحالة في كتابة استحضار الدعوى الذي سيتقدّم به الأجير/المدّعي وتنظيم أوراق الملف كافة: فهو تعلّم هذه التقنيات، حتى ولو لم يكن حائزاً على شهادة حقوق، من النماذج التي أعطاه إياها بعض المحامين، ومن الخبرة التي اكتسبها عبر السنوات. وفي بعض الاتحادات الفعالة مثل الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان FENASOL، تقسّم الملفات بين النقابيين الذين يعملون – حتى أيام الآحاد – كلّ واحد في ميدان عمل معيّن. وحتى الأجير الذي يضع صورة زعيمين كبيرين على حساب واتساب الخاص به، انتهى به الأمر إلى اللجوء إلى المؤسسة النقابية للمساعدة التقنية في تقديم الدعوى: فنظام الزعماء يتأقلم مع عدم قدرتهم على مساعدة العمال المصروفين في ظل الانهيار. ويبقى الزعماء على الصورة التي يراها الجميع، فيما المنظمات النقابية التي ما زالت على قيد الحياة تساعد العامل على الأرض في الظلّ، من دون أن يعلم أحد بذلك.

وقد يرافق بعض النقابيين الأجيرات إلى جلسات المحاكمة، حيث لوجودهم وزن مؤثر على مسار القضية قد يدفع القاضي إلى دعوة الفرقاء إلى التشاور مباشرة، بين صاحب العمل والنقابي. “روحوا عنقابتكن”، يردد بعض القضاة في الجلسات[7]، في اعتراف ضمني بعجزهم – وعجز القانون والقضاء – عن إحقاق العدالة في زمن انهيار العملة والتضخّم المفرط، فيتوسّلون الأجيرات والنقابيين، متى كانوا موجودين، بالعودة إلى أسلوب التفاوض المباشر القديم بين الأجيرة وصاحب العمل بوجود النقابة أو المواجهة والضغط في الشارع. وهو أسلوب لم يعد الكثير من النقابيين يؤمنون به حتى. وبالتالي لا القضاة يؤمنون بدورهم فيرسلون العمال إلى نقاباتهم، ولا النقابيون يؤمنون بدورهم فيرافقون الأجراء إلى المحاكم: هذا أوّل تناقضات قضاء العمل اليوم.

درب المحكمة مُعبّد بالكلمات: تحدّي الكتابة ومقاهي قصر العدل

بعد اللقاء الأوّلي مع المحامي أو مسؤولي النقابة، أصبح الأجير يعرف أنّ عليه أن يُقدّم مجموعة أوراق للمباشرة بالدعوى. ولكن كيف له أن يعرف كيفية كتابتها، شكلاً ومضموناً؟ لا شك أنّ الكتابة القانونية تشكل إحدى أكبر العقبات التي تواجه المتقاضين بشكل عامّ والأجراء بشكل خاص، متى كانوا غير قادرين على الاستعانة بخدمات محام. هنا، يتلقّى الأجير نصائح بالتوجّه إلى محلات الطباعة والكافيهات الموجودة حول قصور العدل. وقد يستغرب الأجير هكذا نصائح، فبماذا ستنفعه المقاهي ومراكز التصوير والطباعة، فيما هو يبحث عن وسيلة تسمح له بوضع مطالبه كتابة، بلغة ومنهجية لا يجيدها أبداً، كما تفرضه الأصول القضائية؟ إذ لم يكن الأجير يدري بعد أنّ لتلك المقاهي والمراكز وظيفة أخرى، أكثر أهمية ربما من تقديم القهوة أو تصوير المستندات: تكتب فيها مقابل بعض المال (حوالي مائة ألف ليرة في منتصف عام 2021)، استحضارات المدّعين التائهين الذين يأتون إلى قصور العدل باحثين عن المساعدة. سمعنا كثيراً في أروقة مجالس العمل شكاوى بعض القضاة ورؤساء الأقلام بخصوص رداءة  “استحضارات المقاهي” من الناحية القانونية:

“قلبك بيكون عالعامل. بيجي معو لايحة كاتبلو ياها حدا تحت عندو كمبيوتر، بيكتبلو فيها أشياء ما إلها عازة”.[8]

إلّا أنّنا شاهدنا في الوقت عينه رئيسة قلم تنصح أجيرة أتتْ آخر الدوام بالذهاب إلى المكتبات والإتيان باستحضار، من أجل مساعدتها. وعليه، يظهر أنّ النظام القضائي يغذّي بنفسه الطفيليات التي نمتْ على أطرافه المريضة، فيما هو يشتكي منها خطابياً بشكل دائم. لكن في الوقت عينه، هل ننسى أنّ تلك المراكز هي الملاذ الوحيد لأفقر الأجراء ليقدّموا دعاويهم، في غياب سياسات الوصول إلى العدالة في لبنان؟

تدخل الأجيرة إلى هذه المكتبة المليئة بالناس والضجيج، وتسمع صرخات من نوع “في طوابع”، أو “بدي إطبع ورقتين”. بعض هذه المراكز لا تأخذ على عاتقها نصّ استحضارات العمل كونها “صعبة” عليها و”معقدة”، فتخرج الأجيرة منها باحثة عن مكتبة أو مقهى آخر. هناك، تقف في الصف وراء أشخاص يروون قصّتهم والأحداث التي عاينوها للموظفة على الحاسوب، التي تكتب بإيجاز وبسرعة استحضاراً يتعلق بسرقة سيارة، أو ضياع أوراق ثبوتية، أو جرائم معلوماتية مختلفة. ثم تقترب الأجيرة، حاملة عبء الصّرف وقساوته ومعوّلة على موظفة الحاسوب المستعجلة دائماً لترجمتها إلى لغة المحاكم، لغة القانون التي يفهمها القضاة ولا تفهمها هي. تقف أمامها لتكتب لها دعواها، تحاول التعبير عن مصيبتها خلال دقائق معدودة، محاولة خلالها توضيح مزاياها وكيفية قيامها بالعمل ومشاكلها، وكلّ الزوايا المهمّة بنظرها، ولكنها تصطدم ببرودة وقلّة اهتمام الموظفة. ويحدد احتراق السيجارة بين شفتي الأخيرة الوقت المتبقّي للأجيرة لإنهاء روايتها، فتنتهي السيجارة – والوقت المخصص لها – بصفحة واحدة بسيطة تحملها خائبة. هل يعقل أن تحمل هذه الورقة الهزيلة كلّ الظلم والإهانات والذلّ الذي تكلّمت عنها؟ لا يمكنها إلّا أن تلاحظ كيف أنّ هذه الورقة تشبه بشكل غريب الورقة التي حصل عليها أجير آخر أتى قبلها، وهو صُرف أيضاً، ولكن ظروف عمله وصرفه مختلفة تماماً. إلّا أنّه تحت أنامل موظف أو موظفة الحاسوب في مقاهي ومكتبات قصور العدل اللبنانية، تشبه جميع قضايا العمل بعضها، وكلّ الأجراء يشبهون بعضهم، والعمل واحد والعقد واحد والصرف واحد، فتذوب خصوصية العامل ومزاياه وظروف صرفه في النموذج البارد المعدّ مسبقاً، والذي يحمله كلّ أسبوع عشرات العمّال الخارجين من مقاهي جوار قصر العدل. إلّا أنّه وبالرغم من خيبتها، تدفع الأجيرة البدل المالي المطلوب وتخرج مسرعة نحو قلم المحكمة، آملة أن يكون بين يديها مفتاح العدالة المنتظرة.

ولهيمنة هذه النماذج من الاستحضارات نتائج مضحكة مبكية: هنا، لا يلحظ الاستحضار المطالب الأساسية للأجير لأنّها لا تشبه معظم المطالب المقدّمة عادة. هناك، أجيرة طالبت بإفادة تقول إنّها كانت تزاول عملاً لدى مؤسّسة لكي تقدّمها إلى صاحب العمل الجديد. فبالنسبة إليها هذا هو مطلبها الأساسي، لأنّها بعدما خسرت عملها، أصبح همّها الأكبر إيجاد عمل آخر يؤمّن لها لقمة عيشها. إلّا أنّ ما أعطوها إيّاه في مقهى قصر العدل هو ورقة فيها المطالب التقليدية (الموجودة في النموذج المتوفّر هناك)، لا سيّما تعويض الصّرف والإنذار، وهو ما لا تريد المطالبة به. تقف مصدومة في القلم، غير قادرة على استيعاب الفرق بين ما أتت للمطالبة به، وما تحتويه الورقة الهجينة التي تحملها. بالفعل، تكفينا نظرة سريعة على الملفات القضائية في مجالس العمل لنستنتج كم أنّ استحضارات المقاهي متشابهة فيما استحضارات المحامين غالباً ما تكون مفصّلة أكثر، وقد تحتوي أحياناً شرحاً وصوراً مرفقة واجتهادات محاكم لبنانية وأجنبية ومستندات للإثبات. وهنا دلالة أخرى على اللامساواة الفاقعة بين الأجراء أوّلاً، وبين جميع المتقاضين ثانياً. وليست هذه الورقة اليتيمة سوى بداية معركة الأجير مع الكتابة التي ستستمرّ طوال “أوديسته” القضائية، عند تبادل اللوائح وتقدّم مجريات المحاكمة، حيث ستزيد وحدة الأجير حدةً في عالم قضائي يعير الكلمات المكتوبة أهمية أكبر من الحقوق التي يطالب بها.

داخل قصر العدل: قلم… يطلب منك الكتابة أيضاً

يأتي وقت قصر العدل، مع كلّ ما يحمله هذا المكان من رهبة في الاسم وفي الشكل (أقلّه في بيروت وبعض المناطق) وفي الوجود الأمني. فالأجير الذي بدأ يعي ثقل الخيار الذي اتّخذه باللجوء إلى القضاء، يشعر أنه يدخل مساحة غير لطيفة مع أمثاله في بلد كلبنان. يدخل الأجراء إلى القصر من خلال مركز الشرطة وهي المحطة الأولى، مثل سائر المواطنين الذين لا يتمتعون بامتيازات القضاة والمحامين والأمنيّين وأصحاب النفوذ. يفتشه عنصر أمني (لا سيما في طرابلس وبيروت)، ويسمع أسئلة مثل “لوين رايح ؟”، أو “كيف فايت بالشحاطة؟”. والمفارقة أنّ قصر العدل في لبنان قد لا يضمن العدالة دائماً، إلّا أنّه يضمن “أناقة الجميع” عبر فرضها: فالأجير الذي كان يبلغ راتبه قبل صرفه مليون ليرة (حوالي أربعين دولاراً اليوم) مطالب بأن يرتدي ملابس تشبه ملابس صاحب عمله الذي صرفه، صاحب المدخول الذي يفوق مدخوله بأضعاف الأضعاف. هل هذه هي المساواة أمام القانون بمفهوم القضاء اللبناني، قد يسأل الأجير؟  يقول للدرك: “عندي مجلس عمل تحكيمي”. وما أن يدخل حتى يشعر بوحدة ساحقة، ويجد نفسه ضائعاً لا يعرف أين يذهب. يبتلعه القصر الكبير وقاعاته الواسعة الباردة: من برودة موظفة الحاسوب إلى برودة قصر العدل، لماذا العدالة باردة إلى هذا الحد؟ ينظر إلى كلّ شيء، يسمع كلّ شيء، ولا يفهم شيئاً. هل يسأل الدركي؟ أو ربما محامياً قد يكون لطيفاً؟ أم أحد المتقاضين مثله؟ أين قلم مجلس العمل التحكيمي؟ هكذا قال له محامي العائلة أن يسأل عندما زاره قبل بضعة أسابيع. حين يحصل على المعلومة، يسرع في طريقه إلى القلم مخافة أن يتأخّر: فدوامات زمن الأزمة متقلّبة، قالوا له. أمام القلم، يرى بعض الأجراء الآخرين يرتّبون أنفسهم قبل الدخول، فيفهم أنّ وقت الجدّ قد بدأ.

داخل القلم، زحمة كبيرة من المحامين والمحاميات الذين يدخلون ويخرجون: هل قضايا العمل بهذه الأهمية الاجتماعية والقانونية لتجذب كلّ هؤلاء المحامين الأنيقين؟ يتساءل. لماذا إذاً بدا له محامي العائلة الذي استشاره في البداية محبطاً وغير مهتمّ بقضيته؟ يتساءل أيضاً. لكن أجيرنا لا يعرف بعد أنّ قضايا العمل ليست هي التي تجذب جحافل المحامين بربطات العنق، إلّا أنّ قلم بيروت يضجّ بالناس كونه أيضاً قلم قضاء العجلة، فيما قلم بعبدا يشارك السجلّ التجاري المبنى نفسه خارج قصر العدل، حيث يتدفّق المحامون على الأدراج “طالعين نازلين” على السجلّ، وبعضهم القليل فقط يلتفّ إلى اليمين ليمرّ بسرعة إلى قلم مجلس العمل التحكيمي وقضاياه المتواضعة غالباً (فهي قضايا عمال بأكثريتها الساحقة). أما قلم مجلس العمل التحكيمي في طرابلس، فهو هادئ نسبياً إذ أنّه مستقلّ عن بقيّة الأقلام، فيما قلم الجنايات أمامه يضجّ بالمحامين والمتقاضين. في جميع هذه القصور، تشير جغرافيا الأقلام وتموضعها إلى هرمية القضايا أمام المحاكم اللبنانية، وقضايا العمل لا تحتلّ غالباً سوى موقع متدنّ فيها. كالعادة في عالم القانون، تمتدّ هشاشة العمّال لتصبح هشاشة المحاكم التي يجب أن تحميهم.

 يستجمع الأجير قواه ويدخل إلى القلم. يدخل بخجل مثل العديد من الأجراء، ينتظر الجميع أن ينتهي المحامون من أعمالهم مع “الباش” (وهو اللقب الذي تخصّصه العدلية لرئيس/ة القلم. ففي قصور العدل اللبنانية: لديك لقب إذاً أنت موجود) قبل أن يتكلّموا، فلا بد أن تكون لأعمال حاملي ربطات العنق أولوية على قضيته، أو هكذا يشعر. “مرحبا، عند حضرتك بقدّم الشكوى؟ أوكي أنا كنت إشتغل…”، ويبدأ بسرد ما لديه مرة ثانية بعد محل الطباعة حيث كتب أحدهم استحضاره. ولو كانت معه ورقة الاستحضار بين يديه، إلّا أنّه فهم أنّها لا تحمل قضيته وأوجاعه. بعكس موظفة الطباعة خارج القصر، تتفاعل وتتعاطف الباش معه قائلة “حرام”، فقد اعتادت التعامل مع الأجراء المظلومين. تطمئنه، وتؤكد له أنّها ستسجلّ الاستحضار احتراماً للمهلة. تفتح أوراقها القديمة-الجديدة، تكتب بسرعة وثقة، وهي تتساير في الوقت عينه مع محامية تتمركز في المقعد إلى جانبها لأخذ الاستشارات منها: تنصحها بأخذ قضيتها إلى المصالحة (أي تجنباً للمحاكمة). هنا أيضاً وأيضاً، نظام قضائي لم يعد يثق في قدرته على معالجة مظالم المجتمع، فيدعو الجميع إلى الخروج من قصور العدل والعودة إلى وسائل لا قضائية لحلّ النزاعات، من المفاوضات إلى المصالحات إلى المواجهات النقابية أو غيرها. عودة إلى الوراء؟ قفزة إلى الأمام؟ إلّا أنّ أجيرنا غير مهتم بهذه التساؤلات، همّه قضيته فقط، مصدر رزقه.

في القلم، يجد الأجراء أنواع عدة من التفاعلات. يمكن تلخيصها بثلاثة سيناريوهات: أولاً، سيناريو التعاون والمساعدة كما سبق ورأينا. فبعض الأجراء يدخلون إلى القلم وفي نفوسهم خوف من قول الكلمة الخطأ أو الإضرار بملفّهم بطريقة ما. يرتابون من قول الأشياء بشكل عفوي، إذ يعتقدون أنّ من شأن تدخّلهم “أن يقلب الأمور ضدّهم”[9]، وكأنّهم آتون للمحاكمة، وأنّ محاكمتهم تبدأ منذ دخولهم إلى قصر العدل قبل حتى الوصول إلى القاضي. هنا يكون تعاون موظفي القلم مفيداً إذ أنّهم، وبكلمات الأجراء أنفسهم، غالباً ما يكونون “كتير مناح ومتعاونين، وعسلامتن”[10]، و”ممتازين وما مقصّرين”[11]. يستضيفون الأجراء ويسألونهم بعض الأسئلة ويرشدونهم بشأن كيفية المضي في الدعوى، وعمل المباشرين. يؤكّدون للأجير بأنّه “على قدّ” المهمة، بخاصة أنّ بعض الأجراء يأتون إليهم معترفين أنّهم “لا يفهمون بهالأمور”[12] طالبين المساعدة. يطلب الأجير من الموظف تحديد إطار العمل من دون الغوص في المحتوى والتفاصيل، فهو يريده فقط أن يحدّد له الأوراق المطلوبة ومن ثمّ يمضي وحده، من دون القول له ما عليه التدوين فيها، وإن يحصل ذلك أحياناً. يؤكد له الموظف أنّ بإمكانه مساعدته وأنّه يمكن أن يجري المقتضى القضائي من دون محام، بالرغم من أنّ الأجير يعرف “من دون أي جدل”، أنّه متى كان لديه محام، كان “ظهره أقوى”[13].

إلّا أنّ هذا التعامل المتفهّم تجاه الأجير غير موجود في كلّ مكان. ففي السيناريو الثاني، يشعر الأجير بإهمال بعض الموظّفين ويشتكي من ذلك. يدخل ويجد الموظف على هاتفه بينما هو واقف أمامه مربكاً ومستعجلاً قبل انتهاء الدوام الرسمي، لكي لا يضطرّ إلى العودة يوماً آخر. أحياناً يلوم الموظف الأجير لأنّه نسي لصق طوابع على الأوراق، ويذكّره بقسوة “أنّ الدني مش سايبة”، وكأنّ العدلية صامدة بوجه الانهيار الشامل، واحة نظام وعدالة في المشهد اللبناني. صُرِف من عمله بين ليلة وضحاها، ولم يقبض آخر معاشاته أو تعويضه، وها هو يدخل قصر العدل ليلقى تأنيباً ويعامَل كطفل بسبب طابع أو ورقة.

أما السيناريو الثالث، فتواجهه أقلية من الأجراء المتقاضين المخضرمين. هنا، يدخل الأجير القلم مستنفراً، وكأنّه في معركة مع كلّ من يصادف في طريقه، مدججاً بسلاحَي الغضب المشروع والحنكة الضرورية.

“أنت وحنكتك. بتفوت لعندن بتحسّن الله. وبدك تبرطل. وبنفس الوقت إنت فايت يا قاتل، يا مقتول”[14]

تصل الأمور أحياناً إلى حدّ الصدام مع الموظف غير المتعاون، فيواجهه قائلاً: “احكِ باحترام يا موظف”، أو هكذا يتخيّل الأجير المقهور أنّه قال، عندما يعيش لحظة المواجهة في ذهنه لاحقاً عشرات المرات. ولا ينجح اندفاعه هذا إلّا لأنّه يجازف، والمجازفة مرتبطة بأنّه قد خسر كلّ شيء: “آخر همّي صار هيك، أنا بلا شغل!”[15]. بقدر ما للموظف تجارب قضائية أو نقابية سابقة، بقدر ما يزيد منسوب ثقته بنفسه في القلم ودهاليز قصر العدل: إنّها علاقة قوّة تفاعلية، كباش يعيشه كلّ أجير وكل متقاضٍ بشكل دائم في أروقة بيت القانون الذي وُجد أصلاً لتجنّب القوة.

يسجَّل الاستحضار، ويبدأ طور جديد من أطوار أوديسة الأجيرة القضائية. تخرج من القلم وقد عاد بعض التفاؤل إلى روحها بعد سلسلة الصدمات والخيبات التي واجهتها منذ أن قرّرت اللجوء إلى القضاء. إلّا أنها لا تعرف بعد أنّها سوف تنتظر وقتاً طويلاً، فسوف تمضي أشهر بين تقديم الدعوى وبدء الجلسات، أي بين طلب العدالة والوقت الذي تبدأ فيه مجرياتها. أشهر وسنوات، يخفت خلالها حماسها وتلتبس صورة العدالة أمامها مجدداً.

مدرسة قصر العدل

انتهت فترة الاكتشاف الأوّلي للعالم القضائي، التي يكون أفقها تقديم الاستحضار ضمن المهلة، حسب نصائح محامي العائلة أو المساعد النقابي. في مرحلة ما بعد الاستحضار، قد تعود الأجيرة إلى القلم لتقدّم لوائح جوابية عند ردّ الخصوم، أو قد تُعيّن حتى جلساتها أمام القاضي بعد وقت معيّن. خلال عودتها المتكررة إلى قلم مجلس العمل التحكيمي، أو حتى خلال زيارتها الأولى، لا تتمكّن الأجيرة من الاستمرار إلّا من خلال عملية معرفية أساسية: مراقبة وتقليد ما تراه حوله. فهي لم تتعلّم الإجراءات القانونية في كلية الحقوق، ولا في الجامعة ولا في تدريبات قد تؤمّنها النقابات في بلاد أخرى (وإن وجدت أحياناً في لبنان في الفترة الأخيرة). تكتسب الأجيرة على الأرض وبشكل عملي سلّة من الأصول الإجرائية تشكل تدريجياً رأسمالاً إجرائياً يسمح لها بالمضي قدماً في مسارها وعدم الاستسلام. كيف يحصل ذلك؟ من خلال التماس التكتيك والاستراتيجيات العملية التي يعتمدها أجراء آخرون قبلها والتي تتعرّف عليها من خلال الحديث معهم أو مراقبتهم. فهم قد سلكوا الطريق ذاته، فتتعلّم منهم الخطوات الدقيقة التي يجب القيام بها، وتنتبه إلى الهفوات التي يجب تجنّبها: كيفية الانتقال من موظف إلى آخر، خصائص وأطباع كلّ موظف في قصر العدل وكيفية التعاطي مع كل واحد منهم، الأوراق التي يجب أن تقدمها، إلخ.

في ظلّ غياب سياسات الوصول إلى العدالة، وفي ظلّ تراجع المرافقة النقابية الفعّالة والشاملة، ينشأ تعاضد وتضامن عمّالي عملي من الأسفل، بشكل تلقائي غير منظّم وغير مركزي، يسمح للتجارب وللخبرة العمّالية في القضاء بالتراكم تدريجياً وصولاً إلى تشكيل رأسمال يتشاركه العمال فيما بينهم من دون تدخّل وسطاء قانونيين أو سياسيين. يسأل الأجراء أندادهم عن تجاربهم القضائية. يفهمون أنّ لكلّ “معاناته[16]، ولكلّ معركته، وعندما يقارن وضعه بوضع الآخرين، يشعر أحياناً بأنّه أفضل منهم، أو أقلّه يشعر بتضامن وضعية الضحية المعمّمة – وضعية “السمكة أمام الحوت صاحب العمل”[17]:

“واحد إلو شي 13 سنة رافع دعوى. تعرّفت عليه هونيك بالمحكمة. صار يشكيلي همّو. صار حاطط مواصلات أكتر ما أنا بيطلعلي”[18].

أصبح قضاء العمل وما يدور في فلكه مساحة تلاقٍ وتعارف بين الأجراء. فالأجير يزداد اندفاعه وتوضح خارطة طريقه عندما يرشده أجير آخر ويعلّمه كيفية توسيع حظوظه من النيل من صاحب العمل على كافة الأصعدة: “بوزارة العمل، تعرّفت على واحد صار يقول لي روح عالعمل، وعالضمان وعالصحة…”[19]. تدريجياً، يكتسب العامل معرفته العملية وثقته بنفسه في الوقت عينه: “فهمت كيف إلّي قبلي بيشتغلوا، قلت بدّي كون قوي”[20]. فهو نجح في التغلّب على هشاشته المادية التي منعته من الاستعانة بمحام (“ما فيني إدفع لربع محامي”) وهشاشته المعرفية ليكون قوياً أمام القضاء، يبني قوته تدريجياً من خلال الإلمام  بلغة القانون والقضاء على الأرض، والتي تختلف بالطبع عن لغة كتب القانون في كليات الحقوق.

طبعاً، لا مجال لرسم صورة جميلة مثالية هنا. فإنّ رأس المال العملي هذا لا يحلّ مكان مرافقة وتنشئة قانونية حقيقية للعمال، إن كان من قبل مؤسسات الدولة أو من قبل النقابات. فالوصول إلى رأس المال المعرفي التشاركي يبقى غير متساو، ويرتبط بمجموعة عوامل وشروط، منها الحظ (فقد لا يلتقي العامل المبتدئ بأيّ عامل آخر متعاون خلال زياراته للقصر)، ومنها قدرات العامل الاجتماعية والتفاعلية (فالعامل الخجول والمنغلق على نفسه لا يستفيد بالطريقة نفسها، وقد شاهدنا العديد منهم ينتظرون وحيدين وضائعين في أروقة مجالس العمل). إنها سياسة الممكن العمّالي في زمن الأزمة الطاحنة.

في انتظار الجلسة: وجه العدالة المخيبة

ينتظر الأجير أشهراً طويلة، يبقى خلالها من دون دخل، غارقاً في شعور من الظلم والرؤية المعدومة. هذه هي وحدة الأجير في مساحة عدالة العمل اليوم. يحاول الذهاب إلى قصر العدل أحياناً للاستطلاع. حتى عندما يكون للأجير محام، يصرّ أحياناً على الذهاب معه، بسبب فضوله تارة، أو ليحافظ على صلة مع قضيّته طوراً كي لا يفقدها تماماً ويتركها بين أيدي المحامين. كما يحرص بعض المحامين على حضور الأجراء معهم للمتابعة ولزيادة ثقتهم بأنفسهم. سنتكلّم عن هؤلاء أيضاً فيما يلي.

يأتي زمن الجلسات والأجيرة تنتظرها على أحرّ من الجمر. طبعاً، حصول الجلسة في موعدها ليس مضموناً، إذ أنّ تواجد القضاة والموظفين والمحامين لم يكن دائماً متزامناً في السنتين الأخيرتين، نتيجة الإضرابات القطاعية وتدابير الوقاية من جائحة كورونا والحراكات المختلفة. فكم من مرة ذهبت الأجيرة إلى القصر موعودة بجلسة (وبالفرج، كما تعتقد)، لتعود خائبة بعد أن سمعت عبارات مثل: “ما في قضاة” أو “المحامين ما إجوا” أو “الموظفين معتكفين”؟ هنا، تدخل أجيرة مع محاميتها. انتظرت على باب قاعة المحكمة وسط المحامين الذين ينتظرون من رئيسة القلم لصق “الرول” (قائمة الجلسات وأوقاتها) تصل “الباش”، يرحّب بها الجميع. يدخلون فيما بعد إلى القاعة. يشكّل دخول المحكمة صدمة معرفية للعديد من الأجراء والمتقاضين الجدد، إذ تصطدم صورة العدالة التي نمت في ذهنهم لسنوات مع صورة العدالة كما يرونها في قصور العدل عام 2021:

“ما حسّيت أنّو أنا بمحكمة. ما حسيت إنو أنا عند قاضي. sorry لهالكلمة. من المدخل، لطريقة قعدتن، ما بعرف ما حسيت أنو أنا بمحكمة. الإنسان بيعرف المحكمة من التلفزيون، بيعرف المحكمة من الأفلام. بيعرف المحكمة من أيّة أمور لأنو الإنسان ما بيروح عالمحكمة. أنا فايتة على محكمة على قصر العدل (…). بقضية كنت شاهد. نفس الانطباع. للأسف. ما حسيت حالي “[21].

“أول مرة، ما بتحسّ حالك مواطن شريف إنت وفايت عالمحكمة. العسكري بيتمقطع فيك. والّي على الباب: “اعطيني هويتك”، هيك. ما في احترام للإنسان. مش كلّ العالم مجرمين. نحنا رايحين على المحكمة لأنّو عندنا حق. نحنا منّا مجرمين”[22].

ومن شأن هذه الصدمة أن تؤثر على الأجيرة وعلى صورتها عن نفسها. تأتي إلى العدلية طامحة في الحصول على حقها، إلّا أنّ العدلية أصبحت عاجزة عن تأمين حقها فتمدّها بمرآة مشوّهة ترى نفسها فيها مجرمة أو متسوّلة. فيما كانت تنتشي بالعدالة التي تخيّلتها عند اتخاذها قرار اللجوء إلى القضاء، تجد نفسها أمام شعور عارم بأنّ العدالة التي ترى معالمها اليوم تلوّثها. ويمتزج القرف المعنوي الذي تشعر به الأجيرة في رحلتها القضائية بالقرف المادي الذي ينتابها من جرّاء غياب النظافة في مباني قصور العدل، وهي صدمة عبّر عنها العديد من الأجراء عند الكلام عن انطباعاتهم الأوّلية في العدلية ومجالس العمل:

sorry ” يعني الوساخة، وسخ وسخ. ما فيك تحط إيدك. هالأحواض إلّي عاملينا، ما حدا بيهتم فيها. هيدا قصر العدل. ما في نبريش تنسقى الزرّيعة؟”[23]

يدخل أجير شاب، تغيّب نهاراً كاملاً عن عمله الجديد كي يتابع دعواه، إلى القلم ضائعاً. لا يعرف كيف يمضي بالرغم من أنّه سبق أن أتى من قبل. يمشي ويسأل. ينظر إلى ورقة الجلسات (ولكنّها قديمة وهو لا يعرف ذلك). اقترب منه أحد ليساعده. اعتذر لأنّه لا يعرف الكلمات التقنية، لا بل لا يعرف شيئاً. لا يعرف حتى اسم القاضي، رئيس المحكمة. يأتي ليقدّم نسخة أصلية عن التبليغ لأنّ القاضي رفض النسخة المصوّرة. فهم أنّه لن تعقد جلسات بل ستجري المراجعات لدى الموظفين…على القوس. دخل ليجد القوس الذي يجلس عليه القاضي عادة، مليئاً بالأوراق وقد جلس عليه موظفون رسميون وتدفّق نحوه عشرات المحامين. يفاجأ بالضوضاء فيما كان ينتظر عدالة هادئة. يسمع “نق” الموظفة التي تتذمّر من عدم وجود الكهرباء، ولا حتى أوراقاً لتنظيم المحاضر، ويسمع كيف تأمر الموظفة المحامين أن يجلبوا معهم نسخاً من إشعارات تبليغ ونسخ محاضر. إنها تجربة غربة واستغراب بالنسبة إليه. أتى ليشكو همّه ويطلب حقه في قصر العدل، فوجد جميع فاعلي العدالة يشكون همهم ويتذمرون:

” بدك ياها بطريقة direct؟ (القوس) زريبة sorry يعني with all due respect. مش مفهوم شي من شي. ما بعرف كل واحد كيف بيفكّر، كيف الواحد نواياه. ما بتعرف إذا عنجد عم تسأل السؤال وحدا عم بيفيدك أو عم بيضرّك (…). صارت الجلسة ما شي، بثواني، بثواني فلّلتنا، ما فهمت شي من شي. (…) القاضية ما حكيت معي، ما طلع حسي، أنا حدا كتير بشارع، وإذا عندي شي بدي قولو بقولو. ما حكيت ولا كلمة. مني عارف شو بدي إحكي. يعني ما بعرف إذا الّي رح احكيه بيكون شي منيح أو عاطل، أو إذا بدها تبخعني (…). التجربة كانت كتير weird, so weird. قبل كل شي، فايت عمحل مش فاهم شي من شي. الـ characters الّي هونيك كمان they are weird. أنو القاضي، ما فيك تحكي شي معه”.[24]

أجير آخر في سنّ متقدّم يقف ويبدو على ملامح الحزن ويتذمّر من انقطاع الكهرباء: “معقول قصر عدل وما في كهرباء، بس بالمقابل في زبالة وين ما كان. بتفهم أنّو مش ماشي الحال”.[25] عمل هذا الرجل 45 سنة عند صاحب العمل الذي اتّهمه مؤخراً، عبر محاميه، بالإهمال. أمضى هذا الأجير سنتين ذهاباً وإياباً إلى مجلس العمل ما بين إقفال وكورونا. يقف وحده، من دون محام، لأنّه يستطيع ذلك (هذا ما يقوله أولاً)، وثم يعترف قائلاً إنّه غير قادر على دفع بدل أتعاب محام.

الجلسات مجهولة الموعد، ولكنها أيضاً مجهولة المكان بالنسبة للأجير التائه. لا زمان ولا مكان. في طرابلس مثلاً، يدخل في ممر كبير مهمل جداً، وفجأة يصبح في قاعة كبيرة فيها قاعات محاكمة عديدة، يتوسّط أبوابها ميزان العدالة الكبير. لا يعرف من المرة الأولى أيّ قوس مخصّص لمجالس العمل لأنّ الأوراق الملصقة لا تدلّ على جلساتها، بل تدل أحياناً على الإيجارات، أو القضايا المالية. يذهب ويعود، يسأل فيتبيّن فعلاً أنّ جلسات المجلس تعقد في قاعة الإيجارات والقضايا المالية!

يجلس بعض الأجراء على مقعدٍ أُخرِج من قاعة المحاكمة ووُضِع في الرواق المؤدّي إلى القلم في بعبدا. هنا تجلس امرأة أنيقة تتذمّر لأنّها “تتبهدل” كثيراً في مجالس العمل – وهي أجيرة مصروفة، تعتبر أنّ “تجربتها قصة”[26]، وتقول إنّها تنتظر لأنّه “عم بيقولوا أنّو في جلسة”. إشاعات عديدة في قصر العدل اليوم، أول ضحاياها الأجراء والمتقاضون المهمشون. معها محاميها من طرابلس، لأنّه غير مشمول بإضراب محامي بيروت: كم هي محظوظة، يقول الأجراء الآخرون همساً وهم محرومون من الجلسات بسبب الإضراب. في مكان آخر أجير طُلب منه أن ينتظر وصول مفوّض الحكومة المتأخر. يهزّ قدميه لتمضية الوقت، فهو ينتظره منذ الساعة الثامنة والنصف صباحاً. قبل ساعات الصباح، يقول إنه كان قد انتظر دعواه سنتين في مجلس الشورى الذي اعتبر نفسه غير مختصّ. حياة من انتظار العدالة. في النهاية لم يحضر مفوّض الحكومة ذلك النهار. جلسة أو لا جلسة؟ عدالة أو لا عدالة؟ هذا هو السؤال الأساسي الذي يُهمس في أروقة مجالس عمل لبنان عام 2021.

في جميع قصور العدل، رحلة الضياع هي نفسها. يسأل الأجير موظفاً في القلم. ولكن حتى الموظفون لم يعودوا يدرون أين ستعقد جلسة اليوم. يسأل “وين الجلسات؟”، ويأتي الرد “هيدا إذا في جلسات!”. وعندما يصبح ملمّاً قليلاً بشؤون المحاكم، يغدو سؤاله أكثر دقة: “عالقوس أو بمكتب القاضي اليوم؟”. فهم أنّه عندما يكون هنالك جلسات، تجري الجلسات سواء في المكتب أو حتى في القلم، سواء على الشكل الطبيعي، في قاعة المحاكمة.

“القاضي قرّر يعمل الجلسات بالمكتب (أي القلم هنا)”. بدقائق قليلة، يتحوّل مكتب رئيسة القلم الزجاجي في طرابلس إلى مكتب القاضي، لا بل إلى قوس محكمة ستنعقد الجلسة أمامها. يفاجأ الأجير أمام هذا التغيير. وقفت امرأة بخجل أمام المحكمة المرتجلة، لا تعرف كيفية التصرّف. لا تتجرّأ على التكلّم مع القاضي، هكذا قالت لنا. ننصحها بأن تفعل، لأننا أصبحنا نعرف أنّ الأجير الذي لا يتجرّأ لا يحصل على شيء. دخلت إلى المكتب الزجاجي وسألت القاضي عن قضية زوجها، ضحية حادث عمل، عالقة منذ الـ 2018. برّر القاضي التأخير، والتبريرات عديدة: الجائحة، الإضرابات، الأزمة، إلخ. طلب من رئيسة القلم مساعدتها وحدّد لها جلسة قريبة، قبل أن يكمل سلسلة التبريرات. فقط لأنّها تجرّأت. ماذا يحصل بملفات هؤلاء الذين لا يتجرأون أو لا يعرفون أنّ الجرأة وليس القانون هي سيدة الموقف؟

تعقد أحياناً الجلسات في مكاتب القضاة. عادة قديمة لها أسباب عدة، منها عدم وجود قاعات كافية للمحاكمة، أضيف إليها سبب جديد عام 2021 مع كورونا. كم مرة تأرجح الأجراء والمحامون لوقت طويل، تارة أمام المكتب وطوراً أمام باب المحكمة، لتقول لهم أخيراً رئيسة القلم إنّ الجلسات تحصل في المكتب لأنّ القوس غير معقّم[27]؟ ينتظر الأجير باحترام على الباب، يتكئ عليه. يرى أمامه المحامين يدخلون قبله. ينتظر أن تناديه الكاتبة. عندما يدخل، يكتشف أنّه هذه المرة قريب جداً من القاضي في المكتب، إذ تقلّصت المسافة التي كانت تفصله مع القاضي نفسه عندما كان هذا الأخير يعقد جلساته في قاعة المحكمة الكبيرة سابقاً. سبق وواجه المواعيد والأماكن المتغيّرة، وها هو يواجه المسافات المتغيرة التي تفقده ما تبقى من توازنه الذي عمل على بنائه منذ أشهر في قصر العدل.

ينظر القاضي إلى ملف أحد الأجراء الواقف أمامه. يقول إنّ الخصم لم يبلّغ، فأرجأ الجلسة. لا يفهم الأجير. قالوا له الجلسة اليوم، فأتى. كيف لا جلسة؟ أمام صدمته، يشرح القاضي أنّ هناك إضراب للمحامين، وكان بالتالي لهؤلاء الحق في عدم قبول التبليغ. لا يزال لا يفهم. شرح إضافي: هذه قضية تخصّ المحامين، والمحامي الذي يخالف ذلك يتعرّض لتدبير بحقّه من قبل النقابة. وأمام ذهول الأجير، تأتي الحجة الأخيرة، النهائية: “هذا هو القانون”. وبما أنّ القانون لا يأبه لهلع الأجير وضياعه، وإن بدا القاضي هنا متفهّماً تماماً، قال له إنه سيعيّن جلسة أخرى وإنّ عليه إعادة إرسال التبليغ بواسطة مباشر، وسأله بعناية إذا باستطاعته القيام بذلك في مهلة أسبوعين. أمام علامات الضياع على وجهه، يعيد القاضي الشرح ويتأكد ما إذا كان الأجير قد فهم. أجير ثان، يقف بهدوء، وينظر بعينين تدلان على الحزن، أو على التعب، أو على الضياع، وكيف للباحث المراقب أن يعلم؟ لا تبدأ الجلسة لأنّ الخصم (صاحب العمل) لم يأت، فيبدأ الأجير رحلة البحث عنه في القاعات والممرات، ويتجرّأ ويسأل محامياً شاباً عمّا إذا كان هو محامي الخصم: ألم يتبلّغ هذا الأخير عبر التلفون وتعهّد بالحضور؟ تعهّد! ولكن يبدو أنّه لن يفي بوعده… إلّا أنّ حلّ العدالة حاضر وسريع: أرجأ القاضي الجلسة.

أما عندما تعقد الجلسات في قاعة المحاكمة، فيدخل إليها الأجراء حذرين، فيما المحامون يدخلونها بثقة. يمثل الأجراء المدعون، ويقفون أمام القوس بعد مناداة رئيسة القلم، لكن وفي الكثير من الأحوال لا يجدون الخصم حاضراً (صاحب العمل أو محاميه)، بل يقف مكانهم محامي الضمان. وفي كل مرة – أو على الأقل في المرات التي كنا موجودين فيها، نرى الأجراء مستعدين ليشرحوا بالتفصيل ما حصل مع صاحب العمل. بعض القضاة يسمع، فيما قضاة آخرون يدعون الأجراء إلى تدوين ما يريدون قوله: لعنة الكتابة تلاحق الأجراء حتى النهاية. أجير ثان، عندما رغب أن يزيد إيضاحات عن نزاعه مع صاحب العمل الذي صرفه، قاطعه القاضي بدعوته إلى تدوين كلّ ذلك على ورقة وضمّها إلى الملف. هل الورقة هي لتثبيت الحجج؟ أو لتأكيد القاضي على حياده كون ما يكتب يقرأ من قبل الفريق الآخر بفعل مبدأ الوجاهية؟ أو … يقبل الأجير ذلك، لا بل يشكر القاضي. بالرغم من ذلك، انتظره في القلم كي يعيد مرة أخرى ما قد قاله، فهو لا يثق بقدرته على الكتابة، يريد أن يقول كلماته بفمه. يصرّ القاضي على اقتراحه. أكتب! هكذا تقول العدالة اللبنانية للأجير الضائع. أمام مشهد ضياعه، نعرّفه على نقابي لكي يساعده في الكتابة.

أجراء اختنقوا من ضيق مساحة جلسة لا مكان فيها لعرض آلامهم، فينتظرون انتهاء الجلسات لقول المزيد      لقاض لا وقت دائما لديه لسماع المزيد. أجراء يريدون الكلام وقضاة لم يعد بإمكانهن سماع كل آلام الأزمة اللبنانية، هذا جزء آخر من وضع مجالس العمل التحكيمية اليوم. ومَن تعب ولم يعد يهمّه الوضع لأنّه فهم أنّ الفائدة من معركته ضئيلة جداً، صار “يروح يتسلّى بالمحكمة”[28]

ويبقى الانطباع الأخير عند الأجير مزيجاً من التعب والقرف:

“بيعلّولك [قلبك]، كأنّو شغلة وحدة بدّي قلّك ياها بلبنان، كأنّو إنسَ الموضوع وخلص، [العدالة] شكلية بس، عرفت؟ يعني حتّى إنت إنو خلص ما بقا إلك جلادة بقا، خلص إنس الموضوع. عرفت كيف؟ يعني بيخلّوك إنت إنو توصل لمواصيل تقلّن خلص ما بقا بدّي شي يا عمّي خلص كتّر خيركن. يعني بتعرف التاكسيات والإيجار والنطرة وهالاشياء كلّها، عرفت كيف؟ وهلّق إلي سنة ما في شغل ولا شي، بتعرف الوضع كلّيًّا يعني”.[29]خلاصة الموضوع: لازم تجيب حقك بإيدك مش بالقضاء”[30].

قادت المفكرة القانونية انتاج هذه المواد. هذا المنتج هو جزء من مواد شبكة عملي، حقوقي! وهي شبكة تضم منظمات المجتمع المدني تعمل على تحقيق العدالة والحماية الاجتماعية والقانونية الشاملة لا سيما الحماية للأفراد العاملين في سوق العمل النظامي وغير النظامي في لبنان، بما يتوافق مع القانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون العمل اللبناني ومعايير العمل الدولية.

تدعم منظمة أوكسفام الشبكة وينسقها المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين بالتنسيق مع المفكرة القانونية في إطار مشروع “تعزيز العمل اللائق وتنمية الأعمال المستدامة في البقاع، لبنان.”

تم إنتاج هذه المواد بدعم مادي من البرنامج الأوروبي الإقليمي للتنمية والحماية لدعم لبنان، الأردن والعراق (RDPP II) وهو مبادرة أوروبية مشتركة بدعم من جمهورية التشيك، الدنمارك، الإتحاد الأوروبي، ايرلندا وسويسرا. تمثل هذه المواد آراء شبكة عملي، حقوقي!، ولا تعكس بالضرورة سياسات أو آراء منظمة أوكسفام أو المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين أو البرنامج الأوروبي الإقليمي للتنمية والحماية أو الجهات المانحة له.


[1] في ما عدا أقلية تعمل في المؤسسات الكبرى، أو المنتمية إلى نقابة فاعلة، كما سنرى فيما بعد.

[2] مثلا اتحاد النقابات FENASOL الذي يقدم المشورة والنصح، وأحيانا يذهب ممثلوه مع الأجير إلى المحكمة، ويساعدونه في طلب المعونة القضائية، إلخ.

[3] مقابلة مع محام، طرابلس، 17 حزيران 2021.

[4] مقابلة مع محامية، طرابلس، 18 حزيران 2021.

[5] مقابلة مع محام في قلم مجلس العمل التحكيمي، بعبدا، 1 حزيران 2021.

[6]  مقابلة مع أجير صرف من عمله المتواضع، بيروت، 2 حزيران 2021.

[7] مقابلة مع رئيس اتحاد نقابات، 23 نيسان 2021.

[8] مقابلة مع رئيس مجلس عمل تحكيمي، 1 حزيران 2021.

[9] مقابلة مع أجير صرف من عمله في مطعم، 20 آذار 2021.    

[10] مقابلة مع أجير صرف من عمله المتواضع، بيروت، 2 حزيران 2021.    

[11] مقابلة مع الأجير نفسه.

[12] مقابلة مع الأجير نفسه.    

[13] مقابلة مع أجير صرف من عمله المتواضع، بيروت، 2 حزيران 2021.

[14] مقابلة مع الأجير نفسه.    

[15] مقابلة مع الأجير نفسه.    

[16]

[17] مقابلة مع أجير مدير فرع، بيروت، 23 آذار 2021.

[18] مقابلة مع أجير صرف من عمله في مطعم، 20 آذار 2021.    

[19] مقابلة مع الأجير نفسه.

[20] مقابلة مع الأجير نفسه.

[21]  مقابلة مع أجيرة صرفت من مؤسسة رائدة، طرابلس، 29 حزيران 2021.

[22] مقابلة مع الاجيرة نفسها.

[23] مقابلة مع الاجيرة نفسها.      

[24] مقابلة مع أجير مهندس، جبل لبنان، 8 حزيران  2021.    

[25] مشاهدة قلم مجلس العمل التحكيمي، بعبدا، 16 حزيران 2021.    

[26] مشاهدة قلم مجلس العمل التحكيمي، بعبدا، 16 حزيران 2021.    

[27] مشاهدة جلسات مجلس العمل التحكيمي، بيروت، 30 أيلول 2021.

[28] مقابلة مع أجير صرف من عمله في مطعم، 20 آذار 2021.    

[29] مقابلة مع أجير صرف من عمله، طرابلس، 29 حزيران 2021.    

[30]   مقابلة مع أجير صرف من عمله ،بيروت، 20 آذار 2021.    

انشر المقال

متوفر من خلال:

حقوق العمال والنقابات ، قضاء ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، مساواة ، عمل ونقابات ، المرصد القضائي ، محاكم إدارية ، قرارات قضائية ، فئات مهمشة ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، لا مساواة وتمييز وتهميش



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني