دعت بلدية عين دارة بالتنسيق مع البلديات المجاورة الى اعتصام تحت عنوان “سهلنا والجبل” نهار السبت 20 آب الجاري في منطقة ضهر البيدر – خلف مخفر الدرك. الدعوة موجهة الى المناطق المتضررة من قيام مصنع الاسمنت وملحقاته لمالكه “بيار فتوش”، وللتأكيد على ان “معمل الموت لن يمر”.
يأتي هذا الاعتصام بعد حوالي أسبوع على الطعن الذي تقدمت به مجموعة من أهالي عين دارة معهم رئيس بلديتها العميد فؤاد هيداموس أمام مجلس شورى الدولة وذلك لإبطال تراخيص وزارة الصناعة لانشاء معمل الاسمنت ووقف العمل به. وإنضمّ إلى جانب بلدية عين دارة كل من بلديات قب الياس، مكسة، جديتا، المريجات، الفالوغا، حمانا، صوفر، شارون، بدغان، العزونية، اغميدة، بمهرية، عين زحلتا، فضلاً عن عدد من الجمعيات الأهلية والمدنية.
ويعدّ هذا الإعتصام وسيلة للتأكيد على اصرار أهالي المناطق المتضررة على رفضهم لهذا المصنع الذي سيجلب الدمار إلى مناطقهم، عسى أن يسهم هذا التحرك في جعل قرار مجلس الشورى “أكثر انسانية وتعاطف مع إرادة الناس”.
الطعن لوقف التنفيذ والابطال
وفي اتصال مع أحد وكلاء المتقدمين بالطعن المحامي نشأت الحسنية، لفت هذا الأخير إلى أن “الطعن المقدّم هو لوقف تنفيذ وابطال القرار رقم 5297/ت (ترخيص بإنشاء صناعات فئة أولى) تاريخ 8 تشرين الأول 2015 الصادر عن وزير الصناعة والقرارات التكميلية الصادرة عنه تبعاً للقرار المطعون فيه والقاضي بمنح شركة “بيار وموسى فتوش ش.م.ل.” تراخيص بانشاء مصانع ومطاحن صناعية وتجارية – فئة أولى، تحتاج كل واحدة منها لإجازة ترخيص بينما هم يملكون اجازة لمقالع وكسارات وافران حرق واسمنت خطيرة جداً على البيئة”.
وتابع “إنّ أفران الحرق هذه ينتج عنها برك صناعية يقول الخبراء البيئيون أنّ تبريدها ينتج مواد كيماوية تصبح جزء من المياه الجوفية وتضر كل الينابيع التي تغذي جبل لبنان والبقاع وبيروت حيث تصبح ملوثة بأكملها. كما أن موقع العقارات على ارتفاع 1500 متر سيؤدي الى قيام مظلة تلوّث على امتداد قرى جبل لبنان وجزء كبير من البقاع الأوسط والغربي الشمالي. ناهيك عن انها على تماس مع محمية أرز الشوف التي يمنع اقامة اي انشطة صناعية على مقربة منها”.
ولفت إلى انه تمّت المطالبة “بإبطال الترخيص وابطال قرار تكميلي له صدر مؤخراً عن وزير الصناعة ولم يبلّغ به احد بعد، يجيز لشركة “فتوش” باعتبار الترخيص والانشاءات نافذة دون العودة الى سلطة البلدية التي هي السلطة المحلية المعنية باعطاء ترخيص الانشاءات والتي تمنع فتوش عن تقديم مستنداته إليها لأنها مخالفة للقانون”.
وأشار إلى أن “وزير الصناعة تجاوز سلطته ومنح طالب الترخيص إجازة بإنشاء صناعات ثقيلة لا يعود له حق منحها. كما أجاز انشاء واستثمار مقالع وكسارات ومرامل وأفران حرق واستيراد مواد نفطية وانشاء معامل توليد طاقة وكل ذلك يخرج عن صلاحيته وسلطته”. وأوضح أن “المقالع والكسارات هي من اختصاص المجلس الوطني للمقالع والكسارات والتي لم تعرض عليه”.
ونوّه الحسنية بأن “قرار الترخيص استند الى المرسوم رقم 5616/94 الذي ألغي بالمرسوم 8803 تاريخ 4/10/2002، وبالتالي استند القرار الى مرسوم غير موجود. كما أنه صدر استناداً إلى رأي لجنة التراخيص في محافظة جبل لبنان المعنية بالتراخيص الممنوحة إلى المحافظ حق اصدارها. في حين أن المؤسسات الصناعية المجاز لوزارة الصناعة اصدارها يجب ان تبنى على قرار لجنة التراخيص في وزارة الصناعة. وبالتالي يكون القرار قد استند ايضاً إلى رأي لجنة غير مختصة لإبداء الرأي في ما خص المؤسسات المصنفة صناعياً فئة أولى”.
واعتبر “أن حجة وزير الصناعة أن فتوش حائز على ترخيص مسند الى احكام مجلس شورى الدولة غير قائم. اذ إنّ القانون بحدّ ذاته يقول أنه اذا كان لدى احد ترخيص، المفروض أن يعلم المجلس الوطني لأن هو لديه السلطة ليراقب. اذا كان هناك اخلال بترخيص الكسارات والمقالع وحينها يمنع عليه اخذ أي ترخيص آخر لأي مؤسسة صناعية”.
ولفت الحسنية إلى وجود مخالفة “لاسيما أن قرار الترخيص المستند إلى قرار مجلس الوزراء الصادر سنة 1994 حول مخطط توجيهي يصنف موقع الاستثمار منطقة صناعية. وهو تخطى بذلك منطقة عين دارة كونها منطقة سكنية”.
وأضاف أنه “تمّت مناشدة رئيس مجلس الوزراء ان يضع يده على هذا الملف، لأنه في قانون التراخيص على المؤسسات المصنفة فئة اولى أن تعرض على لجنة التراخيص التي يوجد فيها مندوب عن كل وزارة. وفي حال تمّ رفض الترخيص من قبل أي مندوب وزارة، يرفع الأمر إلى مجلس الوزراء. واعتقد أن مندوب وزارة الصحة دوّن اعتراضه ومع ذلك أقّر الترخيص ولم يرفع إلى مجلس الوزراء”.
أهالي عين دارة يرفضون
بفترة قصيرة، تحوّلت عين دارة من منطقة خضراء تعج بالحياة ومن مكان لتلقي العلاج لمن يعاني من امراض الربو والحساسية وخلافها، إلى “وادي الذهب” الذي اثار لعاب أصحاب المرامل والكسارات. فاجتاحوها ونهبوا أرضها رمالاً وحجار حتى باتت مجمّعاً للأمراض السرطانية. بهذه الجملة، يختصر اهالي عين دارة الواقع الذي وصلت اليه منطقتهم من جراء اجتياحها من قبل اصحاب المرامل الذين قاموا بنهبها دون حسيب او رقيب، ودون اي مبادرة في التعويض.
يتحدث ربيع حداد عن منطقته فيقول: “كانت عين دارة تعج بالناس الذين يزورونها للاصطياف والتمتع بمناخها الصحي. ولكن منذ نحو عشر سنوات، بات الناس يتبخرون. ما عدنا نرى احداً جديداً. حتى المغتربين خفّت زياراتهم. المرامل والكسارات قضت على المنطقة. هناك شخص يدعى حافظ يحيى، سافر ثم عاد فوجد أرضه عبارة عن جزيرة محفور على جوانبها من قبل المرامل والكسارات. حتى قال أنه إحتاج إلى هيليكوبتر ليصل إلى أرضه. مناخنا صار موبوئاً، واليوم يأتي فتوش ويريد بناء مصنع لدينا. لا انا ضد قيام المصنع لأنه خراب وتهجير وتلويث للهواء والمياه والارض”.
بدوره، يرفض روجيه حداد قيام مصنع الاسمنت في المنطقة. ويقول: “إنّ المصنع سيتسبب بتلوّث في البيئة؛ الأمر الذي سينعكس بالدرجة الأولى على الأشخاص الذي يستثمرون في الاراضي ويعيشون منها. إن أراضي الضيعة المملوكة بطبيعة الحال باتت اسعارها منخفضة، وربما ستنخفض اكثر من جراء ذلك”. وردّاً على مقولة أن فتوش سيراعي مبادئ السلامة العامة، أجاب: “لقد قمنا بأبحاث عبر الانترنت واكتشفنا أنّ هناك دول تقوم باستيراد المواد التي ينوي هذا المصنع انتاجها وبأسعار مرتفعة لحماية الناس. ذلك أنه مهما اتخذت من اجراءات وقائية فإنها لن تحمي من الانبعاثات”. وعن العرض الذي ممكن أن يُقدّم لأهالي المنطقة حتى يقبلوا، تابع: “جماعة المرامل وعدونا، وجماعة البحص وعدونا، ولم نصل الى نتيجة. ما عدنا نصدق أحد”.
يشدد الشاب كارل حداد (25 سنة) على رفض فكرة قيام أي مجمع مصانع في اراضي تابعة لعين دارة. وقال: “يكفي أن مياهنا باتت غنية بالنيترات، ونسب السرطانيات الى ارتفاع والوفيات على مدى أربع سنوات تخطت الخمسين شخص بالسرطان. مثل هكذا مشروع يوجد مثله على مصغّر في منطقة شكا التي باتت مدمرة بأكملها”. وأشار إلى أن “الكثير من الناس في الضيعة يقومون بيبع أراضيهم اما تحت الضغط او لحاجة الى المال “معتبراً ان ذلك يدخل في سياق تسويات تتمّ من اجل قيام المصنع”.
حداد: سوابق مجلس الشورى لا تطمئن
مجريات الاسابيع الأخيرة في قضية معمل فتوش يوجزها المهندس والناشط عبدالله حداد، الذي سبق أن قام فتوش برفع دعوى “قدح وذم” عليه. وقد تمّ استدعاءه الى المفرزة القضائية فيبعبدا وحداد من الذين تقدموا بالطعن. وقال: “منذ الاستدعاء الاخير لنا في تموز، حاول فتوش خلق وقائع على الارض، من خلال تجاوز موافقة البلدية على رخصة الانشاءات عبر ايداع مبلغ مالي عند كاتب العدل في زحلة، على اساس أن هذا يحل محل الرخصة. مع العلم أنه لم يسبق له أن تقدم بطلب حسب الأصول الإدارية لبلدية عين دارة. بل قام بإيصال اكثر من ثلاث طلبات عبر القائمقام والمحافظ. وفي ذلك تجاوز للصلاحية لأن ذلك من صلاحيات البلدية”.
وتابع: “أراد فتوش أن يبدأ العمل على أرض المعمل الذي يقع في حرم محمية أرز الشوف. وفي المرة الاولى صودف مرور كل من العميد مارون بدر والعميد سليمان يمّين على طريق ضهر البيدر. وشاهدا الجبّالات وأخبرا الضيعة وصار هناك تصدي لها. ووصلت عناصر الدرك وعوضاً عن مؤازرة البلدية التي ارادت أن تسطر محضر ضبط، اتخذت القوى الأمنية موقف قوة الفصل بين الطرفين. كما رُفع السلاح بوجه رئيس بلدية عين دارة العميد فؤاد هيداموس.
وقد تكررت المحاولة مرة اخرى من اسبوعين، عند نقطة حراسة لشرطة البلدية، حيث حاولت الشاحنات المرور بالقوة. وحصل بعض الانفلات ودخل مسلحين الى الموقع وتصدت الناس لهما ووقعت اصابات. واعتصم الأهالي وقطعوا طريق ضهر البيدر نحو خمس دقائق لهدفين. الأول، ان تنسحب الجبالات ومضخات الباطون. والهدف الثاني، تسليم المسلحين إلى القوى الأمنية. وقد فضّ الاعتصام على وعد بتسليم المسلحين إلى مخابرات الجيش. الا أنّ هذا الأمر لم يحصل حتى الآن، علماً انه هناك ادلة وصور لأشخاص معروفين بالأسماء”.
وعن الطعن الذي تقدم به وإن كان هناك امل في أن يضع حداً للقضية، أجاب: “لو كان هناك قانون في هذا البلد، لما وصلنا حتى الى مرحلة تقديم الطعن. وزير البيئة هو الوصي على محمية أرز الشوف. وأي طفل صغير كان ليعلم انه يمنع قيام مثل هذه الصناعات على مقربة من المحمية. سمعنا اشياء تشيّب شعر الرأس من قبل مستشارين في وزارة البيئة. تحدثوا عن أن المعمل هو ألماني وبمواصفات ألمانية. وأنهم أخذوا مواصفات فرن اسمنت ولم يطلعوا على كافة مراحل المشروع الصناعي”. ولفت حداد إلى انه: “لا يوجد طريق لمرور الكاميونات. فالطريق هناك زراعية ومع ذلك حصل على الترخيص”.
واستذكر حداد مسألة رفض الطعن الذي تقدمت به منطقة زحلة، معتبراً أنّ ما يسعف عين دارة نقطتان رئيستيان. “الأولى أن منابع الأنهر كلها من عندنا. والثانية هو أن المشروع يقع في نصف محمية أرز الشوف. وقد طلب فتوش رخصة لنحو مليون متر مربع اضافي يريد ان يقيم عليها كسارات. وليس هذا من اختصاص وزارة الصناعة”. وأوضح أن الحصول على رخصة يتطلب الأخذ برأي المحيط. وبلدية زحلة كانت موافقة. امّا نحن، فبلديتتنا غير موافقة. من هنا لدينا العديد من النقاط الإيجابية التي يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار. لكن السوابق مع مجلس شورى الدولة غير مشجعة ونأمل أن يعودوا إلى ضميرهم في هذا الموضوع”.