صادق مجلس نواب الشعب التونسي في ساعة متأخرة من جلسته المسائية ليوم 05-12-2018 على ميزانية المجلس الأعلى للقضاء المقدرة ب 8,6 مليون دينار تونسي بأغلبية 94 نائبا مقابل اعتراض نائب واحد. شهدت الجلسة في جزئها الأول تدخلات متعددة للنواب. لم يتحدث أصحابها على اختلاف خلفياتهم الحزبية والسياسية عن الموازنة بمفهومها المالي ووجه صرفها بعدما أجمعوا على زهادة اعتماداتها ولكنهم اهتموا بمسائل عدة بشأن أداء المجلس بشكل خاص والقضاة بشكل أعم. ورغم كثرة الانتقادات وقسوتها أحيانا، فقد جاء رد رئيس المجلس الأعلى للقضاء شفافا بما يشكل نموذجا جديدا للعمل النموذجي في هذا الإطار.
انتقادات النواب للأداء القضائي
في سياق الجلسة، وجه النواب عدد من الانتقادات، أمكن تصنيفها ضمن مجموعتين:
أداء المجلس الأعلى للقضاء
انتقد النواب أداء المجلس الأعلى للقضاء من زوايا عدة، أبرزها الآتية:
أنه تأخر في إصدار نظامه الداخلي سنتين بعد بداية عمله،
أنه لم يقدم للسنة الثانية على التوالي تقريرا عن نشاطه السنوي، رغم المطالبات المتكررة له بذلك، في خرق صريح لأحكام الدستور لا يليق بممثل القضاء،
أنه لم يبادر لاقتراح مشاريع قوانين تصلح القضاء،
أنه تأخر في إصدار مدونة السلوك القضائي،
أن أداءه التأديبي ضعيف وأنه يسمح لقضاة تعلقت بهم قضايا جزائية مخلة بالشرف بمواصلة الانتصاب في مجالس القضاء،
أن دفاعه عن استقلالية القضاء كقيمة بقي ضعيفا. وقد برز ذلك وفق عدد من النواب حين تولى أعضاء هيئة الحقيقة والكرامة تكوين القضاة الذين سيحكمون في ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إطار المسار القضائي للعدالة الانتقالية، فيما أن هؤلاء الأعضاء هم الذين حرروا لوائح الاتهام،
أنه لم يتصدّ لتفرد رئاسة المحكمة الإدارية بتعيين المستشارين المساعدين بالمحكمة الإدارية في خرق لأحكام القانون المنظم للمجلس،
أنه أساء وفق عدد من النواب إدارة ملف الحركة القضائية فيما تعلق بالقضاء العدلي، مشيرين بشكل خاص إلى غموض معايير الحركة وآليات التنقيط المتبعة، والمس بالإطار القضائي العددي في محاكم صفاقس بما كان من نتائجه تعطل سير عملها العادي.
عمل القضاة
في هذا السياق، أكد عدد من النواب ضرورة تطوير السؤال بشأن العمل القضائي، من سؤال حول “شروط استقلالية القضاء” إلى سؤال حول الحق في المحاكمة العادلة وجودة العدالة. وقد أثاروا في هذا الإطار عددا من التساؤلات من أبرزها:
أن ثمة بطءاً في فصل المنازعات خصوصا بالمحكمة الإدارية والمحكمة العقارية،
أن عددا من المجالس القضائية لا تلتزم بالمفاوضة عند إصدار الأحكام في مخالفة صريحة للقانون،
أن ثمة حاجة لتوجيه الجهد القضائي نحو الفصل النوعي في المنازعات.
ولم يغب الصراع السياسي المحتدم حاليا بتونس بين المعارضة اليسارية وحزب حركة النهضة عن جلسة النقاش، بعدما بات القضاء أحد ساحاته.
وفي هذا السياق، اتهم نواب الجبهة الشعبية القضاء بضعف الأداء في قضية اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وفي كشف الحقيقة في القضية التي يصطلحون على تسميتها بقضية الغرفة السوداء والتي يتهمون فيها حركة النهضة بإدارة جهاز سري مسؤول عن الاغتيالات السياسية. وقد رد من جهتهم نواب حركة النهضة الاتهام الموجه إليهم باتهام لخصومهم بمحاولة “استئصالهم قضائيا”. وعليه، اتهموا النواب المتدخلين وحزبهم السياسي بمحاولة التدخل في القضاء من خلال الضغط عليه سياسيا وإعلاميا.
ردود رئيس المجلس الأعلى للقضاء
في نهاية الجلسة، تولّى رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر الرد على انتقادات النواب وتساؤلاتهم. وقد أفاد في هذا السياق أن ظروف العمل المادي منعت المجلس الأعلى للقضاء من العمل بالنجاعة المطلوبة. كما لاحظ أن لجان المجلس تشتغل على مشاريع القوانين وينتظر أن تعلن نتائج عملها قريبا، مضيفا أن التقرير السنوي للمجلس سيعرض قريبا على ممثلي السلط الثلاث. كما ذكر أن المجلس وخلافا لما تم ادعاؤه يباشر بالصرامة الواجبة عمله التأديبي، ولكنه أيضا يحترم حقوق دفاع المعنيين بما يبرر بعض البطء مؤكدا أنه تعهد ب 53 ملف تأديبي فصل أغلبها ولم يعد جاريا منها أمامه إلا 26 ملفا.
ويلاحظ هنا أن وضوح تدخل رئيس المجلس وجرأته في تقديم الإجابات عن كل الاسئلة بما فيها تلك التي ظن من طرحها أنها محرجة كان من أثره أن صفق له نواب الشعب طويلا بعد نهاية تدخله. وربما يكون هذا الأداء المتميز لرئيس المجلس من أسباب منح نواب المعارضة لأول مرة أصواتهم لفصل من فصول الميزانية.
خلاصة
وكانت بالتالي جلسة مناقشة موازنة المجلس الأعلى للقضاء لسنة 2019 في مجرياتها عنوانا لتطور الممارسة الديمقراطية في اتجاه يكرس حق الشعب ونوابه في إبداء آرائهم في عمل القضاء ومؤسساته، ويضمن للقضاء أن يطور عمله بفعل هذه الرقابة وأن يعتمد عليها لتعزيز ضمانات استقلاليته.
ما حصل أمس في تونس يصلح حقيقة أن يكون نموذجا حول شفافية الأداء القضائي، وانسجام هذه الشفافية تماما مع مقتضيات فصل السلطات واستقلالية القضاء وبشكل أعم الديمقراطية، بعيدا عن ادعاءات الاستقلالية التي غالبا ما تستخدم لأغراض لا صلة لها بها.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.