أصدر رئيس المحكمة الإبتدائية بتزنيت –جنوب المغرب- مؤخرا، أمراً استعجاليا قضى برفض الطلب الذي تقدمت به النيابة العامة من أجل حجب صفحة فيسبوكية واسعة الانتشار بعلة مخالفتها لمقتضيات القانون المتعلق بالصحافة والنشر.
ملخص القضية
تتعلق وقائع القضية بطلب استعجالي تقدمت به النيابة العامة لرئيس المحكمة الابتدائية بتزنيت يعرض فيه أن المدعى عليها هي صفحة فيسبوكية تشتغل في ميدان الصحافة الإلكترونية دون توفرها على تصريح بالنشر طبقا للمواد 21-22-24-72 من القانون المتعلق بالصحافة والنشر، وأنه نتيجة لذلك تمت متابعة المسؤول عنها من أجل نشر أخبار زائفة ووقائع غير صحيحة بواسطة وسيلة إلكترونية وعدم التصريح بنشر صحيفة إلكترونية وأن هذا الملف ما يزال معروضا على أنظار القضاء. كما أن المدعى عليها ما زالت تنشط في الميدان الصحفي دون ملاءمة وضعيتها مع ما يستوجب القانون المذكور وتعمل على نشر مواد إعلاميّة عبر شبكة الإنترنت حسب الثابت من خلال المستخرج الإعلامي المدلى به رفقة الطلب، لذا فإنه يلتمس الحكم بحجب الموقع الإلكتروني للجريدة الإلكترونية المدعى عليها مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل وبتحميلها الصائر.
أدرجت القضية بالجلسة العلنية التي حضرها المسؤول عن الصفحة الفيسبوكية المدعى عليها وأكد أنه أوقف نشاطه الإعلامي منذ عشرة أيام، وأن الأمر مجرد صفحة على موقع التواصل الاجتماعي غير خاضعة لقانون الصحافة.
موقف المحكمة
قضى رئيس المحكمة برفض الطلب المقدم من النيابة العامة لحجب صفحة فيسبوكية، اعتمادا على العلل التالية:
- الدعوى المنظورة تسند إلى مقتضيات المادة 20 من القانون رقم 13-88 المتعلق بالصحافة والنشر، وهو نصّ خاص، أسند المشرع بمقتضاه لقاضي المستعجلات اختصاص الطلب في طلبات حجب مواقع الصحف الإلكترونية، التي لم تلائم وضعيتها القانونية مع مقتضيات القانون المذكور؛
- – النازلة المعروضة تهدف في جوهرها إلى اعمال الجزاء القانوني المنصوص عليه في المادة السالف ذكرها، بحجب الموقع الإلكتروني للجريدة المدعى عليها ولذلك يتعين النظر فيها، باعتبار تلك الأحكام، وما دام أن اختصاص القضاء الاستعجالي بصفة عامة، رهين بالبتّ في الإجراءات الوقتية التحفظية التي لا تمسّ بجوهر الحق، واتخاذ الإجراء الذي يتناسب والحالة المعروضة عليه انسجاما مع طبيعة ونوع الظروف المنشئة لحالة الاستعجال والمصلحة الواجب حمايتها.
- الثابت من خلال استقراء وثائق الملف أن الأمر يتعلق بحساب خاصّ، مفتوح عبر صفحات الفيس بوك والذي يشكل من حيث طبيعته وطريقة عمله منصة ومساحة لتبادل الأفكار والآراء ونشر المقالات، وأن هذه الأخيرة حتى ولو كانت تكتسي صبغة إعلامية، فذلك لا يغير من نظامها القانوني طالما أن العبرة في تطبيق أحكام قانون الصحافة ليست بمحتويات المنشورات وإنما بالوعاء الذي أفرغت فيه والذي يتعين أن يتّخذ وصف جريدة أو مطبوع وفقا لمقتضيات البند الثاني من المادة الثانية من القانون المذكور وهو أمر منتفٍ في النازلة.
وعليه اعتبر رئيس المحكمة بأن طلب النيابة العامّة الرامي الى حجب صفحة فيسبوكية يفتقر للمؤيد القانوني اللازم لصحته ويتعين لذلك رفضه تطبيقا للفصلين 1 و32 وما يليهما و149 من قانون المسطرة المدنية والمادتين 2-20 من القانون 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر.
تعليق على الحكم
تكمن أهمية هذا الحكم الذي تنشره المفكرة القانونية في كونه يعيد إلى الواجهة مقتضيات قانون الصحافة والنشر بالمغرب الذي وضع آجالا للمواقع الإلكترونية من أجل ملاءمة وضعيتها القانونية.
وكان لافتا أنه لم يساير النيابة العامة في محاولتها لتوسيع نطاق مفهوم المواقع الإلكترونية التي يفرض القانون ملاءمة وضعيتها، واعتبر أن الصفحة الفيسبوكية التابعة للمواقع الإلكترونية لا تخضع لمقتضيات قانون الصحافة، مستعملا حيثيات تكرس حرية التعبير والنشر والتي تبقى حقا لا يمكن تقييده إلا باحترام مبدأيْ الضرورة والتناسب، وذلك حينما أشار في تعليلات الأمر الاستعجالي إلى أن الفيسبوك “يشكل من حيث طبيعته وطريقة عمله منصة ومساحة لتبادل الأفكار والآراء ونشر المقالات”، وحتى ولو اكتسى صبغة إعلامية، فذلك لا يغير من نظامه القانوني لأن العبرة في تطبيق أحكام قانون الصحافة ليست بمحتويات المنشورات وإنّما بالوعاء الذي أفرغت فيه والذي يتعين أن يتخذ وصف جريدة أو مطبوع.
ووفقا لمعطيات الوزارة الوصيّة، ارتفع خلال سنة 2021 عدد تصاريح إحداث جرائد ورقية بالمغرب، إذ بلغ العدد الإجمالي لتصاريح الصحف 452 مقابل 387 سنة 2020 في حين انتقل العدد الإجمالي للجرائد الإلكترونية المصرح بها إلى 1138جريدة إلكترونية مقابل 1016 خلال نفس الفترة، ومن بينها 679جريدة إلكترونية وضعها ملائم لمقتضيات قانون الصحافة والنشر. ووفقا لنفس المعطيات، فقد توقفت 78جريدة إلكترونية عن الصدور أو جرى حجبها بموجب قرارات قضائية استعجالية لعدم ملاءمة وضعيتها[1].
وفي هذا السياق، اعتبر المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تقريره السنوي أن المواكبة واقتراح صيغ وأشكال بديلة لممارسة حرية والتعبير، تبقى أنجع من حجب المواقع الالكترونية، من أجل ألا يكون لذلك أثر مرعب[2] يحد من ممارسة حرية التعبير.
للاطّلاع على الحكم، إضغط/ي هنا
مواضيع ذات صلة
جدل جديد بالمغرب بشأن ملاءمة ممارسة مهنة الصحفية مع قانون الصحافة والنشر
نقاش في المغرب بعد نشر ضوابط للتعاليق بالمواقع الالكترونية
حرية التعبير في مصر بين الحجب والمصادرة: حجب موقعي أرشيف الانترنت وهيومن رايتس ووتش
حجب 21 موقعا في مصر بالتزامن مع دول خليجية: حرية الرأي بين مطرقة الطوارئ وسندان مكافحة الإرهاب
حكم اداري بحجب موقع اليوتيوب لمدة شهر: القوامة على المواطنين في ظل الدستور الجديد
قانون المطبوعات 2012 يدشن حكمه في الأردن: حجب 263 موقعا إلكترونيا
تحريك دعوى قضائية للطعن بقرار حجب المواقع الإلكترونية في الأردن
[1]– معطيات رسمية لوزارة الاتصال بالمغرب أوردها التقرير السنوي للمجلس الوطني لحقوق الانسان حول حالة حقوق الانسان بالمغرب لسنة 2021، ص 79
[2]– اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، التعليق العام رقم 34.