الحراك القضائي في تونس 2021-2022: مقاومة استثنائية في زمن “الاستثناء” (3)


2024-06-28    |   

الحراك القضائي في تونس 2021-2022: مقاومة استثنائية في زمن “الاستثناء” (3)

أصدرت المفكرة القانونية في جوان/حزيران 2024 ورقة بحثية بعنوان الحراك القضائي في تونس 2021-2022: مقاومة استثنائية في زمنالاستثناء، من إنجاز الباحثة أميمة مهدي. تهدف الورقة إلى المساهمة في توثيق وتحليل الحراك الذي خاضه القضاة دفاعا عن استقلالية السلطة القضائيّة، إزاء هجمات السلطة التنفيذية منذ 25 جويلية 2021، من خلال الوقوف على أهمّ فاعليه وتسلسل أحداثه ودينامياته الداخلية وتفاعلاته مع مختلف المتدخّلين والسياق. وقد ارتأينا نشرها بطريقة مجزّئة على الموقع لتسهيل الاطلاع على فحواها من قبل المتابعين والقرّاء. بعد أن تعرّضنا في الجزء الأول إلى تاريخ الحراكات القضائية في تونس، وفي الجزء الثاني السياق العام للمواجهة التي فُرضت على القضاة بعد 25 جويلية 2021 ومحطاتها الأولى، نواصل في هذا الجزء الثالث تناول أبرز حلقات المواجهة، عبر الإطاحة التدريجيّة بالمجلس الأعلى للقضاء المنتخب، وصولا إلى “مذبحة القضاة” في 1 جوان 2022 وما تلاها من ردّة فعل من الجسم القضائي دفاعا عن استقلاليته (المحرّر)

3. الإطاحة التدريجية بالمجلس الأعلى للقضاء

لعلّه يجب التذكير بأسباب تركيز سعيّد على المجلس الأعلى للقضاء، ولماذا مثّلت الإطاحة به محطة هامة في الاستراتيجية العامة لتغيير نظام الدولة ومؤسساتها. إذ أنّ المجلس الأعلى للقضاء لا يمثّل المؤسسة المنتخبة الممثلة للقضاة فقط. بل هو حجر الزاوية الذي تتركّز عليه استقلالية السلطة القضائية وأحد شروطها. يختصّ المجلس حصريّا بإدارة المسيرة المهنية للقضاة وهو بذلك يتولّى تنظيم نُقل ورُتب القضاة ويحصّنهم من آليات الضغط عليهم وهو ما يمنحهم استقلالية هيكلية ضامنة لاستقلاليتهم الوظيفية. ففي استقلالية المجلس عن السلطة التنفيذية وعن أيّ تدخّل خارجيّ، حماية للقضاة من أيّ تنكيل أو تهديد قد يأتي من السلط الأخرى، بما يساهم في استقلالية قرارهم وقدرتهم على القيام بدورهم المفترض في حماية الحقوق والحريات. وبالعودة إلى التاريخ المظلم للقضاء في تونس، ندرك مدى أهميّة ضمان استقلالية هذا المجلس الذي تمّ تطويعه آنذاك من قبل نظام بورقيبة وبن علي ومُورس من خلاله ترهيب عموم القضاة وعقاب “المتمرّدين” منهم بالنقلة التعسّفية. وهي آليّة تنكيل وترهيب ضاربة في القِدم رغم التنصيص على منعها منذ دستور 1861 أي قبل بداية الاستعمار[1]. لم يخرج سعيّد إذًا عن التكتيكات القديمة التي انتهجتها الأنظمة المستبدّة السابقة لوضع اليد على القضاة الذين يملكون مفاتيح السجن ومنافذ العقوبات. فكرّس جهوده للإطاحة بهذا المجلس الذي يقف بينه وبين القضاة الذين أبدى البعض منهم ممانعة إزاء نزواته وأوامره، خصوصا فيما يتعلّق بتتبّع خصومه. واتّبع في ذلك خطوات تكتيكية عدّة لتحقيق أهدافه.

خطاب الشيطنة ورفع شعار “تطهير القضاء”

فور انتهائه من تمرير الأمر 117، كان على سعيّد تعيين حكومة جديدة. وقبيل تنصيبها حتّى، أعلن شارة بداية المواجهة مع السلطة القضائية حيث التقى يوم 04 أكتوبر 2021 رئيس المجلس الأعلى للقضاء ورفع لأوّل مرّة حينها شعار “تطهير القضاء”. لم يتمّ استعراض الحديث الذي جمع رئيس المجلس آنذاك بسعيّد أو بثّه، بل اكتفت رئاسة الجمهورية بنشر خبر قصير عن اللقاء، يُعلن تأكيد سعيّد على “أن تطهير البلاد يتطلّب تطهير القضاء حتى يضطلع بدوره التاريخي”. جاء هذا اللقاء في سياقٍ تميّز بتسارع الأحداث وبإصرار سعيّد حينها على محاسبة خصومه من السياسيين. فقد تركّزت كافة تصريحاته آنذاك على تقرير محكمة المحاسبات المتعلّق بالانتخابات التشريعية والسياسية الأخيرة وحول استتباعاتِه القضائيّة التي وَجبَ ترتيبها لضرب الفاسدين حسب رأيه. عدم إثارة التّتبّعات ضدّ الخصوم فسّرها سعيّد بتقاعس القضاء عن القيام بدوره وبالتالي وجب تطهيره لتطهير البلاد كافّة.

رغم تعدّد الملفات التي وَجبَ حلّها وصعوبة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، واصل سعيّد حملته ضدّ القضاة متهما إياهم بعدم تحمّل المسؤولية في اللحظة التاريخية وبالتّقاعس عن إقامة العدل. ومن ثم، صعّد من خطابه ليتّهِمهُم بالدفاع عن الفاسدين وبحماية المنظومة السابقة. وبالتوازي مع الحملة التي شنّها سعيّد للضغط على القضاء وتشويهه لدى الرأي العام، ارتفع عدد إحالات المدنيين على القضاء العسكري. وبينما تصاعدت الأصوات الحقوقيّة المندّدة بذلك، تمّ إخراج القضاء العسكري في صورة توحي بالجديّة وسرعة الإنجاز مقابل صورة القضاء العادي المتراخي في تناول ملفّات من أجرم سابقا وهو ما تمّ تفسيره بفساد القضاء وتواطئه مع الأحزاب التي كانت في الحُكم.

إعلان النوايا وبداية الإطاحة بالمجلس الأعلى للقضاء

تمتّ الاطاحة بالمجلس الأعلى للقضاء المنتخب على مراحل عدة ودقيقة. كانت أولى الخطوات بتاريخ 28 أكتوبر 2021. استهلّ سعيّد الاجتماع الثالث لمجلس الوزراء، الذي ترأسه في ذلك اليوم، بالإعلان عن أوّل نقطة بجدول الأعمال والتي تتعلّق بمشروع مرسوم يهدف لاختصار آجال البتّ في تقارير دائرة المحاسبات، وقد دافع سعيّد عن مبادرته معتبرا أنه “لا معنى لأحكام تصدر بعد عقود بدون أثر قانوني” مؤكّدا بأنّه “على القضاء أن يضطلع بدوره كاملا في هذه المسألة”. على إثر هذا الاجتماع، تمّ الإعلان أيضا بطريقة مقتضبة بالبلاغ المنشور عن تكليف وزيرة العدل بإعداد مشروع يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، وقد كانت المرة الأولى التي يتمّ التصريح فيها عن نية سعيّد للإطاحة بالمجلس القائم آنذاك.

جاء الردّ أوّلا من قبل جمعية القضاة التي كانت أوّل من التقط رسائل الاتهام الموجهة للمجلس الأعلى للقضاء وللتهديدات التي تحيط به وبالقضاة. فأصدرت بيانا مطوّلا بنفس اليوم، تناول عدة نقاط، لعلّ أهمّها:

1-الاعتراف بنواقص القضاء وبإخلالاته مع الإصرار على أنّ إصلاحه هو مشروع ممتدّ في الزمن ولا يمكن أن يتحقّق بإلغاء المكتسبات الدستورية لاستقلال القضاء،

2-التأكيد على استقلالية السلطة القضائية مع الإشارة إلى أنّ الإصلاحات المتعلّقة بنظام السلط لا يجب أن تؤول إلى الانتقاص من الموقع المتكافئ للقضاء إزاء بقية السلط ولا لجعله في موقع الجهاز التابع للسلطة التنفيذية،

3-التأكيد على أن عملية محاسبة القضاة الذين تعلقت بهم شبهات، لا يُمكن أن تتمّ بقرارات من السلطة التنفيذية بل باتباع المسارات التأديبية القانونية،

4- دعوة المجلس الأعلى للقضاء لتفعيل آليات الرقابة الداخلية وتسريع النّظر في ملفّات القضاة الذين شملهم تقرير التفقدية العامة بوزارة العدل مع استحثاث هذه الأخيرة على استكمال الأبحاث في الشكايات المقدمة لها “دون ابطاء” وتسريع إحالتها على أنظار المجلس (مشيرة بذلك إلى أنّ هذه الأخيرة تتحمّل أيضا مسؤولية تأخّر محاسبة بعض القضاة).

ويبدو أنّ دعوة جمعية القضاة الموجّهة للتسريع في البتّ في الملفات التأديبية المحالة إلى المجلس قد أحدثت صدى في أروقته. فقد أعلن مجلس القضاء العدلي بعد أربعة أيام من صدور البيان إصدار عدة قرارات تأديبية. كما تمّ، يوم 06 نوفمبر، طرح مشروع مدوّنة أخلاقيات القاضي من قبل المجلس الأعلى للقضاء على القضاة قصد تجميع ملاحظاتهم قبل اعتمادها.

اتّخذت كذلك جمعية القضاة الشبّان الموقف الرّافض نفسه، معتمدةً في ذلك على خطاب أشدّ بالمقارنة مع جمعية القضاة. إذ دافعت عن المجلس الأعلى للقضاء، معتبرةً أن التفكير في حلّه أو التمهيد لذلك، من دون أي مبرر ومن دون أخذ رأي القضاة، “يوجب على كافة أفراد الشعب التونسي وفي طليعتهم القضاة، مواجهته لما في ذلك من تقويض لأسسِ الدولة الديمقراطية”. كما صرّح الرئيس الشرفي لاتحاد القضاة الإداريين عن رفضه تمشّي سعيّد الذي اعتبره تدخلًا مباشرًا في السلطة القضائية. وفيما عدا الفاعلين المذكورين، لم تصدر أيّ تصريحات رسمية أخرى عن بقية الهياكل التمثيلية للقضاة بل صمت ممثّلوها وكبار قضاتها عمّا كان إعلانا رسميّا بهدم أعلى رمز ومؤسسة للسلطة القضائية المستقلّة.

لم تتأخر خطوة سعيّد الثانية والتي أتت أكثر وضوحا وصدامية. كان ذلك في غرة نوفمبر 2021، خلال أوّل لقاء ثنائي جمع سعيّد بوزيرة العدل، القاضية ليلى جفّال، المعيّنة حديثا بالحكومة. واستنادا لما تمّ نشره على الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية على الفايسبوك، فقد أثار سعيّد، بكلّ تشنّج، ما أسماه الفساد المستشري في صفوف القضاة “الفاعلين”، ملوّحا أمام الكاميرا بعدّة وثائق تثبت، حسب قوله، تورّط عديد القضاة “الذين أجرموا في حقّ المتقاضين وأجرموا ترتيبا على ذلك في حقّ الشعب التونسي”، مشيرا إلى عدة ملفّات من بينها قضيّة الشهيدين. وفي غياب أي ردّ من قبل الوزيرة حسب الفيديو الذي تمّ نشره، واصل سعيّد اتهام العديد من القضاة بالتنصّل من مسؤولياتهم وتعطيل مصالح المواطنين عبر التصريح بالحكم بعد مدة تقاضٍ طويلة، وباستغلال الحصانة القضائية للإفلات من العقاب رغم قيامهم بتجاوزات مالية وأخلاقية، حسب قوله. وعليه، دافع سعيّد عن مبادرته لتنقيح قانون المجلس الأعلى للقضاء، معتبرا بكلّ بساطة أنه لا يعدّ تدخّلا في الشأن القضائي وأنّه يهدف لتحقيق استقلالية القضاء. كما ذكّر بمُقترحه الذي قدّمه سنة 2015 فيما يخصّ تركيبة المجلس الأعلى للقضاء (تقضي باعتماد قضاة متقاعدين بالإضافة للقضاة المنتخبين)، معتبرا أنّ عدم اعتماد مُقترحه كان السبب وراء فشل المجلس حسب قوله (وهو ما سيتمّ اعتماده في التنقيح فيما بعد).

عزّز سعيّد خطوته الثانية في هذا الخصوص بلقاء آخر في نفس اليوم، جمع بينه وبين وزيرة العدل والرئيس الأول لمحكمة المحاسبات، أكّد خلاله على وجوب تعديل قانون المجلس الأعلى للقضاء مشيرا هذه المرة لما وصفه بـ”المناورات والحسابات” في عملية اختيار أعضاء المجلس وفي الحركة القضائية (نقل ورتب) “التي يعلمها كافة الشعب التونسي”. كما تعمّد في هذا اللقاء أيضا تقديم “مؤيدات” للتجاوزات ملوّحا ببعض الوثائق أمام الكاميرا. فتحدّث عن الجرائم الانتخابية المضمّنة في تقرير محكمة المحاسبات (تمويل أجنبي) وتقرير وزارة العدل الأمريكية الذي يثبت إبرام عقود من قبل أحزاب تونسية مع شركات علاقات عامة وضغط أجنبية. كما تحدّث أيضا، عن جرائم أخرى متعلّقة بالنواب فذكر الخيانة والعمالة والتحرّش الجنسي والعنف قائلا أنّه “لا توجد تقريبا مخالفة أو جنحة أو جريمة وردت في القانون الجزائي لم يقع ارتكابها (من قبل النوّاب)”. وختم تصريحه بالتساؤل حول أسباب تأخّر القضاء الجزائيّ في ترتيب الآثار القانونية لهذه التجاوزات وتنزيل العقوبات “بسرعة” مؤكّدا أنّ هذه الجرائم ثابتة و”من المفترض أن يتولّى القضاء الجزائيّ إسقاط هذه القائمات الانتخابية”.

جاء الردّ على الاتهامات مؤسّساتيّا هذه المرة. إذ أجاب المجلس الأعلى للقضاء ببيان للرأي العام[2]، بعد عقد جلسة عامة طارئة بتاريخ 04 نوفمبر. كان البيان مقتضبا مباشرا وواضحا من دون تعليل أو تعليق ليختزل موقف المجلس ممّا أثاره سعيّد في ثلاث نقاط:

-رفض المساس بالبناء الدستوري للسلطة القضائية وبالضّمانات المكفولة وفي مقدّمتها المجلس الأعلى للقضاء بمقتضى مراسيم،

-التشديد على أنّ إصلاح القضاء لا ينبغي أن يكون في إطار التدابير الاستثنائية،

-التنبيه من خطورة الضغط على القضاء ومساءلته خارج الأطر القانونية،

من جهة أخرى، شهدتْ تلك الفترة تحرّكات أخرى من قبل كلّ من المجلس الأعلى للقضاء وجمعية القضاة. فعلاوةً على المشاركات الإعلامية، توجّهت الجمعية، في غرة نوفمبر، لوزيرة العدل للتفاوض وتقديم مقترحاتها الإصلاحية البديلة وبالتالي التخلي عن تنقيح قانون المجلس الأعلى للقضاء. بينما توجّه المجلس الأعلى للقضاء لحشد شركاء وحلفاء من المجتمع المدني. فتمّ تنظيم لقاء مع ممثلي عدّة جمعيات ومنظمات، في غرة ديسمبر، لمناقشة المخاطر التي تحدق بالمجلس والمساندة التي يمكن توفيرها. وقد أثمر هذا اللقاء إصدار بيان جماعي لـ17 منظمة وجمعية عبّروا من خلاله عن تمسّكهم بالمجلس الأعلى للقضاء كمؤسسة دستورية معتبرين أنّ التدخّل التشريعي في قانونه ليس أولوية.

اعتبار القضاء وظيفة وليس سلطة

الهجمة الثالثة لسعيّد على المجلس الأعلى للقضاء تمثلت في اعتبار القضاء مجرد وظيفة. فبعد لقائه مع وزيرة العدل بشهر تقريبا، استقبل سعيّد رئيسَ المجلس الأعلى للقضاء ورؤساء المجالس القضائية[3] في قصر قرطاج. خلال هذا اللقاء، علاوة على تكرار تعبيره عن استيائه من أعمال القضاة وإشارته للفساد السياسيّ والماليّ الذي يشوب العديد منهم، حسب رأيه، ودفاعه عن إحالة المدنيين على المحاكم العسكرية[4]، صرّح سعيّد، ولأوّل مرة، أنّ القضاء ليس بسلطة وإنّما وظيفة. جاء إنكار سلطة القضاء وما تقتضيه من فصل بين السلط ومن استقلالية هيكلية ووظيفية للقضاة، في شكل محاضرة ألقاها سعيّد على ضيوفه من دون أن يقدّم الفيديو المنشور على صفحة الرئاسة أي ردّة فعل أو تفاعل من قبلهم. دافع سعيّد على هذه الفكرة المخالفة تماما لدستور البلاد ببعض الحجج التي تغيب عنها أيّ وجاهة قانونية أو سياسية أو علمية. فقد أنكر مفهوم “السلطة القضائية” بحجّة أنّ السلطة والسيادة للشّعب وحده الذي تصدر باسمه الأحكام القضائية. كما أضاف أنّ “القضاء وظيفة مستقلة عن بقية الوظائف الأخرى ولكنّها (هذه الوظيفة) ليست سلطة مستقلة عن الدولة”.

اعتبار “القضاء وظيفة” من قبل سعيّد عكس تصوّرا مخالفا تماما لشكل الدولة ولنظام الحكم الذي أتى به دستور 2014، فكان من غير المستبعد أن يعلن سعيّد عن نيّته تغيير الدستور وفرض مشروع البناء القاعدي[5] الذي كان يحمله منذ 2013، وهو ما بادر بالقيام به بعد مرور ثلاثة أيام. فاستقبل يوم 9 ديسمبر، العميد الصادق بلعيد، والعميد محمد صالح بن عيسى وأستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ، ليعلن خلال اللقاء أنّ المشكل في تونس يعود لدستور 2014 الذي “لا يمكن أن يتواصل العمل به” وبالتالي وجب تغييره، وهو ما دأب على تحقيقه في الأشهر التالية.

على المستوى القضائي، تتالت البيانات المنشورة من قبل المجلس الأعلى للقضاء، وجمعية القضاة واتحاد القضاة الإداريين التي تدعو في مجملها لعدم المساس بالمجلس الأعلى للقضاء والتمسّك باستقلالية السلطة القضائية. كما واصل المجلس الأعلى للقضاء في حشد المناصرين، فنظّم اجتماعا بالهياكل التمثيلية للقضاة والمهن الممثّلة بالمجلس بتاريخ 14 ديسمبر. لقاء أعلن بعده المجلس عن وحدة موقف الحاضرين وتمسّكهم بالضمانات المكفولة للقضاء وفي مقدّمتها المجلس الأعلى للقضاء. وهو ما تناقضت معه تصريحات ومواقف بعض المشاركين فيما بعد، وعلى رأسهم الهيئة الوطنيّة للمحامين ونقابة القضاة. في المقابلات التي أجريناها في إطار هذه الدراسة مع مختلف الفاعلين، سألنا عن هذه النقطة بالذات. وقد أفاد رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر بأنّ أغلب الهياكل تخلّت عن المجلس ولم تدافع عنه بعد أن أكّدت عكس ذلك خلال الاجتماع المذكور، باستثناء جمعية القضاة. أمّا القاضي أيمن شطيبة، رئيس نقابة القضاة الحالي، فقد رفض الإجابة عن السؤال، بما أنّه يتعلّق بمواقف النقابة التي اتّخذت قبل بداية عُهدته.

سجّل آخر يوم من سنة 2021، تواصل التصعيد من قبل سعيّد بواسطة وزارة الداخلية، هذه المرّة. فقد مثّل اختطاف نور الدين البحيري الذي سيتّضح فيما بعد أنّه وُضع تحت الاقامة الجبرية من دون إذن قضائي، حدثا معبّرا عن انتفاء أيّ خطوط حمراء لدى السلطة. فقد تمّ قطع طريق القيادي بحركة النهضة والاعتداء على زوجته التي كانت ترافقه من قبل أعوان بزي مدنيّ ومن ثمة اقتياده لمكان غير معلوم دون تقديم أيّ إذن أو قرار، ليتمّ التأكّد متأخرا ذلك اليوم، عن طريق وزيرة العدل، بأنّه وُضعَ تحت الإقامة الجبرية. بعد ثلاثة أيام من الواقعة وتعكّر صحة نور الدين البحيري الذي تمّ نقله إلى المستشفى على خلفية إضرابه عن الطعام، جاءت المعلومة الرّسمية على لسان وزير الداخلية الذي دافع عن قراره عبر اتهام النيابة العمومية بالتقاعس. فقد صرّح خلال الندوة الصحفية، بأنّ الأبحاث الجارية من قبل الشرطة العدلية قد توصّلت لمعلومات تُفيد بوجود شبهة إرهابية. مضيفا أنّه رغم إعلام النيابة العمومية بذلك لم تقم هذه الأخيرة بأيّ إجراء ممّا دفعه لاتخاذ هذا القرار إحساسا منه بالمسؤولية وحرصا منه على حماية البلاد، حسب تعبيره. اتّهام النيابة العمومية بالتقاعس خصوصا فيما يتعلّق بملفّات حسّاسة كالجرائم الإرهابية، مثّل الغطاء المثالي لإبعاد النظر عن الانتهاكات التي شابت عملية الإيقاف. اتهام خطير دفع المحكمة الابتدائية بتونس للردّ عليه معبّرة عن استغرابها من تصريحات الوزير ومؤكّدة بأنّ النيابة العمومية كانت قد أحالت الملف المذكور على أنظار القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، يوم 22 ديسمبر وأنّ هذا الأخير بدأ الأعمال التحقيقية.

تواصلت محاولات الضغط على القضاء، وبالأخصّ على جهاز النيابة العمومية، عبر توجيه أصابع الاتهام له من جهة وتهديده بالتطهير من جهة أخرى، وهو ما كان له آثار عدة على الأعمال القضائية[6]. فقد مثّل صدور الحكم الغيابي بالسجن لمدة أربعة أعوام في حق الرئيس الأسبق منصف المرزوقي (في محاكمة لم تتجاوز أعمالها الشهر) بعد أن اتهمه قيس سعيّد علنا “بالتوجّه للخارج للإضرار بمصلحة البلاد”، ومن بعده الإحالة التي شملت 19 منافسا لسعيّد من أجل جرائم انتخابية[7]، إشارات هامّة على النجاح النسبيّ للمحاولات المتكرّرة للتدخّل في القضاء. تدخّل علنيّ، واجَهه المجلس الأعلى للقضاء أساسا (شاركته في ذلك جمعية القضاة من بين الهياكل التمثيلية) بإصدار بيانات متتالية تدعو القضاة للتسمك باستقلاليتهم وتدين الضغط المسلّط عليهم. أبدى كذلك المجلس الأعلى للقضاء أشكال مقاومة أخرى. فقد شكّل رأيه المنشور بتاريخ 11 جانفي 2022 والذي تعرّض لمواطن الخلل المتعلّقة بمشروع مرسوم الصلح الجزائي الذي أعدّه سعيّد (فيما يخصّ المتورّطين في قضايا فساد) أحد الأسباب التي سرّعت بالإجهاز عليه[8]. في الجانب المقابل، نشأت “مبادرة” من قبل أشخاص لم يعلنوا انتماءهم السياسي، تحت عنوان “تونسيون من أجل قضاء عادل”. أعلنت هذه المبادرة عن تنظيم تحرك بتاريخ 14 جانفي، لمطالبة قيس سعيد بحلّ المجلس الأعلى للقضاء لأنّه المرفق الذي يحصّن حركة النهضة وجماعتها من المحاسبة، حسب تعبيرهم. دعوة وصفتها جمعية القضاة بالمريبة خصوصا وأنّ هذا التحرّك الميداني لم يحظَ باستجابة شعبية. ورغم ذلك تمّ تسويقه والتركيز عليه في مقابل التعتيم على الانتهاكات التي طالت صفوف المتظاهرين ضدّ الانقلاب في تحرّكات أخرى في ذات اليوم. وهو ما كان يُنبئ بقرب مضيّ سعيّد قدما في آخر خطوات الحلّ.

وضع حدّ للمِنح

بعد توسّع دائرة المتظاهرين ضدّ سعيّد خلال الذكرى الحادية عشرة للثورة، تمّ الإجهاز الأخير على المجلس الأعلى للقضاء في خطوتين لم تتجاوز الفترة الفاصلة بينهما ثلاثة أسابيع. بدأت الأولى بوضع حدّ للمنح والامتيازات المخوّلة لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء بمرسوم صدر بتاريخ 19 جانفي 2022،[9] بعد يوم من لقاء جمع سعيّد مع العميديْن الصادق بلعيد ومحمد صالح بن عيسى والأستاذ أمين محفوظ، تطرّقوا خلاله إلى محور “المرفق العمومي للقضاء” حسب نصّ البيان. في اليوم الموالي لإصدار المرسوم المعلّق للمنح، استقبل سعيّد وزير الداخلية توفيق شرف الدين، مستغلاّ كعادته المناسبة لتمرير رسائل عدّة. لم يتطرّق الرئيس، خلافا لما كان متوقّعا، إلى الاعتداءات التي طالت المتظاهرين في 14 جانفي، بل خصّص أغلب الكلمة التي تمّ نشرها على صفحة الرئاسة لموضوع القضاء. كرّر سعيّد اتهامه للقضاة بالفساد والتقاعس، وصولا إلى “تسريح ارهابيّين بعد قيام قوات الأمن بعمل مضنٍ لإيقافهم”، والولاء لبعض الجهات السياسية، مؤكّدا تحصّله على تقارير حول تجاوزات القضاة. كما صرّح بأنّ حصانة القضاة هي حصانة وظيفية لا يمكن التمسّك بها عند المحاسبة، مشدّدا على أنّ “القضاء وظيفة وليس سلطة”. اتّهامات، كرّرها سعيّد خلال اللقاءات الأخرى التي جمعتْه برئيسة الحكومة بذات اليوم، أو بالأخيرة ووزيرة العدل ووزير الداخلية يوم 24 جانفي. في مقابل هذه الهجمات المتتالية التي قادها سعيّد ضدّ القضاة، دافع المجلس الأعلى للقضاء عن نفسه بآليّاته المعتادة. فأصدر بيانا مكتوبا (كان آخر بيان له قبل حلّه) للرأي العام بتاريخ 21 جانفي 2022. في كلماته الأخيرة، جدّد المجلس دعوة القضاة للتمسّك باستقلاليّتهم وأدان حملات الضغط والتشويه التي طالتهم دون ذكر سعيّد أو تصعيد الخطاب تجاهه.

حلّ المجلس الأعلى للقضاء

في الليلة الفاصلة بين يومي 05 و06 فيفري 2022 وبساعة تتجاوز منتصف الليل، أطلّ سعيّد من داخل مقرّ وزارة الداخلية وفي حضرة كوادرها للإعلان عن إعداده لمرسوم جديد للمجلس الأعلى للقضاء. كما دعا عموم المواطنين للتظاهر أمام مقرّ المجلس الأعلى للقضاء الذي اعتبره “في عداد الماضي” حسب تعبيره.

لم يكتفِ سعيّد برمزيّة المكان فقط للإعلان عن حلّ المجلس، بل أردف تصريحه بالتذكير بقضية اغتيال الشهيد شكري بلعيد التي وافقت ذكرى استشهاده ذلك اليوم. وأكّد بأنّ التونسيين سيُطالبون بهذه الذكرى بمعرفة الحقيقة وبحلّ المجلس الأعلى للقضاء “لأن القضية بقيت لسنوات عديدة في رفوف المحاكم، ووقع التلاعب بها من قبل عدد من القضاة الذين لا مكان لهم في قصور العدالة إلاّ كمُتّهمين”.

خلال ذات اليوم ورغم غرابة الدعوة للتظاهر المقدّمة ممّن استقرّ في أعلى هرم السلطة، أعلن أشخاص قدّموا أنفسهم على أنهم أعضاء في “جبهة 25 جويلية” التي لا تضمّ أحزابًا أو جمعيات معلنة أو شخصيات معروفة، في سيناريو شبيه بالمظاهرات التي مهّدت للانقلاب، دخولهم في اعتصام مفتوح أمام مقر المجلس الأعلى للقضاء للمطالبة بإصدار مرسوم يقضي بحله. رغم ضعف عدد المتظاهرين، تمّت الاستجابة للمطالب ممّن نادى أوّلا المواطنين للتظاهر، فتمّ غلق مقرّ المجلس بالقوّة العامة ومنع أعضاؤه من دخوله على نحو أثار موجة من المواقف الرّافضة.

وعليه، وفي تناسق تامّ مع الاستراتيجية المتّبعة في علاقة بالبرلمان المنتخب، تدرّج سعيّد في مرحلة أولى في إضعاف المجلس الأعلى للقضاء وتشويه أعضائه نازعا عنهم أيّ مصداقية ومشروعية مستعملا بذلك خطابا شعبويّا يقوم على التخوين والاتهام بالمؤامرة والفساد والإرهاب. ومن ثم، انتقل إلى هدم المؤسسة، مع تصوير ذلك على أنّه مطلب شعبي، لتعويضها بأخرى على المقاس تنتصر لأفكاره وتصوّراته المنفردة. كالعادة، يسوّق الرئيس معركته التطهيرية على أنّها تتعلّق بأشخاص مجرمين ومفسدين، ليلبسها فيما بعد لكامل المؤسسة من دون الفصل بين ممارسات الأفراد (على افتراض صحّة الادّعاءات) واستمرارية المؤسسات وعملها المستقلّ عن سلطته. فلا يخُوض في حلول أخرى كالانتخابات السابقة لأوانها التي تجدّد التمثيلية وتبقي على المؤسسة، بل يذهب مباشرة إلى ضرب المؤسسة وصلاحيّاتها، بما يدعم هيمنته على السلطة ويسمح له بتطويع آخر مؤسسة قد تمثّل ضمانة وحماية للقضاة المقاومين والمتقَاضين.

وردا على ذلك، تتالت البيانات الرسمية للعديد من القوى السياسيّة (حزب العمّال، حركة النهضة، تنسيقية الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية، حراك مواطنون ضدّ الانقلاب) والجمعيات (بيان موقّع من قبل 45 جمعية ومنظمة) وعلى رأسهم بعض الهياكل الممثلة للقضاء وهم جمعية القضاة التونسيين وجمعية القضاة الشّبان، اتحاد القضاة الإداريين واتحاد قضاة محكمة المحاسبات. بالمقابل، اختارت نقابة القضاة التّموقع بصفة مغايرة معلنة عن لقائها بوزيرة العدل وتمسّكها برؤيتها الإصلاحية التي تنصّ على إدخال تغيير في خصوص تركيبة وصلاحيات المجلس الأعلى للقضاء.

ومقابل اتساع دائرة الرّفض في الداخل والخارج (المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، مفوّض السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، سفراء مجموعة الدول السبع، المفوّضية السامية لحقوق الإنسان) والتناول الإعلامي لهذا القرار، حصّن سعيّد قراره باستقباله لوالد الشهيد شكري بلعيد وشقيقه والتذكير بملفّ الاغتيال من جهة، وبتحيِيده الواضح لقطاع المحامين من جهة أخرى. فقد صرّح عميد المحامين ابراهيم بودربالة بأنّ العمادة لن تتفاعل مع الأحداث الجارية إلاّ بعد النظر في أحكام المرسوم الجديد (الذي سينشئ المجلس القضائي الجديد)، مفيدا بأنها كانت قد طالبت بإعادة النظر في هيكلة المجلس على أسس صحيحة وليس على أساس “محاصصات حزبيّة”، حسب تعبيره. كما انضمّت العمادة لجمعية المحامين الشبان ولهيئة الدفاع عن الشهيدين لتنظيم ندوة صحفية تحت عنوان “الجهاز السري المالي لراشد الغنوشي والسقوط المدوي للحماية القضائية” تمّ بثّها على القناة التلفزية الرسمية مباشرة، في سابقة هي الأولى من نوعها. فلم يسبق أن تمّت إذاعة أيّ ندوة صحفية مباشرة على القناة الوطنية فيما عدا تلك المنظمة من الجهات الرسمية كرئاسة الحكومة أو بعض الوزارات. خلال هذه الندوة الصحفية، أعلنت هيئة الدفاع عن الشهيدين عن رفع شكايات “ضد كلّ القضاة الذين عطّلوا مسار القضية وتورّطوا في التستر على ملفات ذات العلاقة” وعن عزمها تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقرّ المجلس الأعلى للقضاء للتصدي لما أسمته بالأخطبوط القضائي المتورط في التغطية على الإرهابيين حسب تعبيرهم، خصوصا بعد صدور قرار المحكمة الإدارية بإلغاء قرار إيقاف القاضي البشير العكرمي عن العمل الصادر عن المجلس الأعلى للقضاء[10]. لم يكن من باب الصدفة، تزامن مكان وزمان الوقفة الاحتجاجية التي دعت لها هيئة الدفاع، مع الدعوة التي كانت قد أطلقتها جمعية القضاة في اليوم السابق. فقد سبق لهذه الأخيرة أن أعلنت عن تنظيمها وقفة احتجاجية أمام مقرّ المجلس احتجاجا على قرار غلقه وتمسّكا بشرعيّته، مع دعوة القضاة للتعليق التامّ للعمل بكافة محاكم الجمهورية يومي 9 و10 فيفري 2022. دفع ذلك جمعيّة القضاة إلى تغيير مكان الوقفة بهدف عدم إحداث أيّ صدام بين المختلفين ونقلت وقفتها إلى مقرّ المحكمة الابتدائية بالعاصمة، لتتفادى السلطة بذلك سيناريو تحوّل وقفة القضاة إلى اعتصام في مقرّ المجلس[11].

مقابل المشاركة الضعيفة للقضاة بهذه الوقفة، بلغت نسبة نجاح إضرابهم عن العمل 80% حسب جمعية القضاء التونسيّين. وهو ما علّقت عليه عمادة المحامين عبر بيان مجلسها بتعبيرها “أنّ الإضرابات العشوائية والمخالفة للقانون ستعمّق من أزمة القضاء ومن انعدام ثقة المواطنين فيه وأنّ اضراب القضاة يعتبر غير مشروع حسب المعايير الدولية وهو من قبيل إنكار العدالة”. من جهتها، وجّهت وزيرة العدل ليلى جفال كتابا إلى المحاكم كافة مرفقا بقوائم أسماء القضاة العاملين في كل محكمة مطالبة بتوجيه استجواب جماعي لهم فيما يتعلّق بالإضراب. كما توصّلت لمعطيات القضاة المضربين بهدف تسليط عقوبة اقتطاع الأجر لكلّ يوم عمل غير منجز.

لم ينجح الإضراب الذي قادته الجمعيّة، ولا بيانات التنديد، ومن بينها بيان الجلسة العامة للمجلس الأعلى للقضاء الذي نشر من دون ختم أو إمضاء، في تغيير الأمر الواقع. فخَتم الرئيس مرسومه المُحدِث للمجلس الأعلى المؤقت للقضاء الذي حلّ محلّ المجلس المنتخب الذي كان قائما.

تخلّى المرسوم عدد 11 لسنة 2022 عن تعدّد الاختصاصات الممثّلة بالمجلس وأقصى بذلك المحامين (الذين كانوا ممثّلين بالمجلس المنحلّ) والخبراء المحاسبين والباحثين المستقلّين، لتقتصر العضوية على القضاة وحدهم. كما جرّد المرسوم القضاة من مكسب دستوري ضامن لاستقلالية مجلسهم وهو المتعلّق بالانتخاب. فأصبح كلّ أعضاء المجلس بمقتضى هذا النصّ معيّنين من قبل رئيس الجمهورية، لا مُنتخَبين من قبل القضاة، منهم من يعيّن بالصفة، ومنهم قضاة متقاعدون يختارهم الرئيس وحده. في هذا الإطار، جاء المرسوم كتطبيق مباشر لأفكار سعيّد التي ردّدها سابقا. فانتصر من خلاله لمقترحاته التي لم يتم أخذها بعين الاعتبار سابقا من قبل النواب المؤسسين، والتي تفسّر حسب رأيه تعثّر عمل المجلس المنتخب.

مقابل إصرار سعيّد وإقدامه على تحقيق مبتغاه، اتّسمت الصورة العامة للقضاة بالضعف والشتات وسط هياكل تمثيلية مبعثرة. فبينما اختارت الجمعية تنظيم ندوة صحفية والتوجّه للرأي العام، آثر اتحاد القضاة الإداريين إعلان الإضراب عن العمل بالمحكمة الإدارية يوم 17 فيفري، فيما كانت النقابة، التي غّيرت من موقفها وصرّحت بأنّ المرسوم لم يعتمد على مقترحاتها، تنظّم مؤتمرها الانتخابي لاختيار مكتب جديد.

وسط موجة من البيانات الصارخة والدعوات الموجّهة للقضاة المقترحين لرفض التعيين والعضويّة، واصل قطار سعيّد رحلته ليبلغ محطّته الموالية والمتعلّقة بتعيين أعضاء المجلس المؤقّت. فنصّب المجلس الجديد في قصر قرطاج حيث استقبل القضاة المختارين ليقوموا بتأدية اليمين أمامه بتاريخ 07 مارس 2022.

4. مذبحة القضاة: آخر فصول المواجهة

بعد تنصيب المجلس الجديد، تراوحت مواقف الأوساط القضائية حوله بين الاعتراف به ومقاطعته. فبينما قرّر المجلس الوطني لجمعية القضاة عدم التعامل مع المجلس المؤقت، غير الشرعيّ في نظرهم، صرّح الرئيس الجديد لنقابة القضاة بأنّ المجلس الجديد “أصبح بعد تركيزه، واقعا لا يمكن نكرانه” وبالتالي سيتعامل المكتب الجديد للنقابة معه. أمّا رئيس الجمهورية فسيدرك شيئا فشيئا أنّ الإطاحة بالمجلس المنتخب غير كافية للتحكّم في القضاة وقراراتهم وهو ما سيدفعه لاتخاذ خطوات فجّة أكثر.

على المستوى السياسي، تفاقمت الأزمة خصوصا بعد عقد مكتب مجلس نواب الشعب اجتماعا افتراضيا بتاريخ 28 مارس 2022 قرر خلاله عقد جلسة عامة في غضون يومين بهدف إلغاء الإجراءات الاستثنائية، وجلسة عامة ثانية يوم 2 أفريل للنظر في الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية الخطيرة في البلاد.

بتاريخ 30 مارس وفي ظلّ تواصل غلق مقرّ مجلس النواب، التأمت جلسة عامة افتراضية عبر وسائل الاتصال الرقمية ترأسها طارق الفتيتي، النائب الثاني لرئيس البرلمان[12]، للنظر في مشروع قانون يقضي بإلغاء الإجراءات الاستثنائية التي أقرّها سعيّد وما ينجرّ عنها من تشريعات. فتضمّن النصّ المقترح ما يلي:

“تُلغى جميع الأوامر الرئاسية والمراسيم الصادرة بداية من تاريخ 25 يوليو 2021، وبالخصوص الأوامر المتعلقة بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب وكذلك المتعلقة بالتمديد في التدابير الاستثنائية وكذلك إحداث المجلس الأعلى المؤقت للقضاء”.

تمّت المصادقة على مشروع القانون المذكور بموافقة 116 نائبا من كتل النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة والديمقراطية (حزب التيار الديمقراطي) وتحيا تونس ومستقلون، من دون تسجيل أي احتفاظ أو اعتراض، بينما دعا رئيس كتلة حركة النهضة عماد الخميري إلى تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية سابقة لأوانها.

جاء ردّ سعيّد ساعات قليلة بعد الجلسة العامة. فأطلّ من خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي، في مشهد مشابه تماما ليوم 25 جويلية، ليعلن عن قراره بحلّ البرلمان وعدم اعترافه بقانونيّة وشرعية الجلسة معلّلا بأنه كان قد جمّد أعماله سابقا. وصف سعيّد، وهو محاط بأعلى كوادر الجيش والأمن رُتبا، الجلسة العامة الافتراضية بـ”محاولة انقلابية فاشلة” وبأنها “تآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي”. كما أعلن عن ملاحقة المشاركين فيها جزائيّا وعن فتح دعوى قضائية بأمر من وزيرة العدل بمقتضى الفصل 23 من مجلة الإجراءات الجزائية[13]. وهو ما فتح جبهة جديدة للصراع بين سعيّد والقضاة، في جهازي النيابة العمومية ثمّ التحقيق على وجه التحديد.

يوم واحد بعد حلّ البرلمان، أعلنت وزارة العدل عن ترؤّس الوزيرة ليلى جفّال للجلسة العامة للنيابة العمومية التي انعقدت لأول مرة في تاريخ البلاد التونسية. لقاء جفّال بقضاة النيابة العمومية، جاء في إطار الإعداد للوثيقة التوجيهية للسياسة الجزائية وفق “مسار تشاركي”، حسب نصّ البيان، بحضور الرئيس الأول لمحكمة التعقيب ووكيل الدولة العام ومدير المصالح العدلية والمتفقّد العام بوزارة العدل وعدد من إطارات الوزارة. لم يتضمّن البلاغ المنشور على الصفحة الرسمية للوزارة أيّ توضيح في علاقة بهدف الاجتماع المحدّد أو مُخرجاته التطبيقية. بل اقتصر على تقديم الرّسائل التي وجهتها الوزيرة، حول أولوية مكافحة الاحتكار والتهريب الذين يصرّ سعيّد على تقديمهما كالأسباب الأساسية للأزمة الاقتصادية. بينما أشار البلاغ أيضا بأنّ “نجاح تنفيذ السيّاسة الجزائيّة يبقى رهين اضطلاع النيابة العمومية بدورها في إثارة التتبعات الجزائية ضدّ مرتكبي الجرائم المتعلقة، خاصّة بالاعتداء على الأمن القومي”. اجتماع أثار ريبة العديدين، من بينهم جمعية القضاة الشبان التي بادرت إلى إصدار بيان وصفت فيه الاجتماع بالسابقة الخطيرة في تاريخ القضاء التونسي وتمسّكت فيه باستقلالية النيابة العمومية عن السلطة التنفيذية. وقد أكّدت الجمعية على رفض ترؤّس الوزيرة للنيابة العمومية، وعلى أنّ هذا الاجتماع “من شأنه أن يوهم بسيطرة وزيرة العدل على وكلاء الجمهورية كقضاة وانحيازهم لها وهو ما يمسّ من حيادهم أمام المتقاضين والرأي العام ويزعزع الثقة في أعمالهم”.

بدأت أولى ملامح التوتر بالظهور بعد مرور أسبوعيْن من حلّ البرلمان. فبعد الاستماع إلى 6 نواب، من بينهم رئيس البرلمان راشد الغنّوشي ونائبه الثاني طارق الفتيتي، من طرف الوحدة المركزيّة لمكافحة الإرهاب بثكنة بوشوشة في قضية التآمر على أمن الدولة، أعلنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس، بتاريخ 14 أفريل، عن إحالة الملفّ إلى التحقيق من أجل تهمة “التكوين والانخراط والمشاركة في وفاق بقصد الاعتداء على الأشخاص والأملاك والاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة وإثارة الهرج” وتعهيد الملفّ لعميد قضاة التحقيق.

وفي حين تصاعدت المواقف المستنكرة لهذه الملاحقات[14]، عبّر سعيّد عن عدم رضاه عن مدى تقدّم الأبحاث والملاحقات. فخلال لقائه وزيرة العدل بتاريخ 15 أفريل، انتقد سعيّد عدم قيام النيابة العمومية بدورها حسب رأيه قائلا بأنّ هناك “أشخاصا قاموا بمحاولة انقلاب ولم يقع اعتقالهم ولم نطلب ذلك ولم تقم النيابة بدورها”، مضيفا بأنّ “الحقّ واضح و(أنّ) التلاعب بهذه الحقوق واضح أيضا”.

لكنّ ما كان سعيّد يعيبه على عمل النيابة العمومية من “بطء ولا مسؤولية”، تبيّن فيما بعد أنّه لم يكن يُترجم تقاعسا أو ولاء سياسيّا، بل جاء في نطاق تحمّلهم للمسؤولية. فقد عبّر القضاة في مناسبات عدة وخلال المقابلات التي أجريناها معهم في إطار هذه الدراسة، عن خلوّ الملفّات المقدّمة من أيّ إثباتات أو دلائل جدّية تدفع بهم للقيام بأبحاث تحقيقية أو إصدار بطاقات إيداع بالسجن.

بعد مرور أكثر من شهر في ظلّ فترة هادئة توهم بأنّ الحرب قد وضعت أوزارها، تبيّن فيما بعد أنّها كانت مرحلة الهدوء التي تسبق العاصفة. ففي غرة جوان، نظّمت هيئة الدفاع عن الشهيدين ندوة صحفية تحت عنوان “مستجدات ملف الجهاز السري لحركة النهضة” وذلك على خلفية قرار تحجير السفر على 34 شخصا مشمولا بالبحث من بينهم رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي من قبل قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بأريانة. لتردّ عليها حركة النهضة بندوة صحفية أخرى واصفة القرار المذكور بالتصفية السياسية.

وبعد سويعات من تراشق الاتهامات، تمّ الإعلان عن إعفاء 57 قاضيا[15] بقرار من سعيّد وحده متجاهلا ومتجاوزا بذلك المجلس الأعلى للقضاء المؤقّت الذي فرضه سابقا. فعمد إلى تنقيح المرسوم عدد 11 لسنة 2022 مسندا لنفسه صلاحية العزل التي كانت اختصاصا حصريّا للمجلس، من دون أيّ مسار تأديبيّ وبناء على “تقارير من الجهات المخوّلة”. مهّد سعيّد لقراره بخطاب طويل خلال اجتماع مجلس الوزراء حيث اتهم القضاة بالفساد والتواطؤ مع المجرمين والتّخاذل وتبديد أعمال الشرطة البطولية في مكافحة الإرهاب. وخصّ بالذكر بعض القاضيات متّهما إياهنّ بـ”الزنا” وخلص لعدم أحقّيتهنّ لممارسة القضاء لمساسهنّ “بشرف” المهنة. نشر القائمة الاسمية للقضاة المعفيين كان صادما ليس فقط لإدراجها أسماء قضاة عُرفوا بنزاهتهم، بل أيضا لذكرها قضاة لم يُعرف أنّهم موضوع شكاية ولم يتعلّق بهم أيّ بحث من قبل التفقدية العامة للقضاء. علاوة على ذلك، مثّلت طريقة عزل القضاة التي نُفّذت بجرّة قلم صدمة كبيرة في صفوف القضاة، خصوصا وأنّ سعيّد لم يتردّد في تغيير النصّ القانوني وإقرار العزل بكلّ بساطة من دون تحقيق أو بحث أو تقديم اتهامات أو أدلة أو إثباتات، بل من دون مواجهة المعنيين بالأمر أو احترام حقّهم في الدفاع أو اتّباع الإجراءات المنظّمة لمسارات التأديب أو حتى احترام للمجلس الأعلى المؤقّت الذي نصّبه. هذا بالإضافة للتشويه والتخوين المجاني دون تقديم أيّ مجال أو فضاء للردّ عليه من جهة، وللتّنصيص بعدم إمكانية الطعن في القرار لدى المحكمة الإدارية إلا بعد ثبوت براءة المعنيّين من التتبعات الجزائيّة التي نصّ مرسومه على إثارتها، بحكم باتّ، أي بعد سنوات طويلة.

حادثة عزل القضاة من طرف السلطة التنفيذية، أو كما سمّتها المفكّرة “مذبحة القضاة”، لم تكن الأولى من نوعها بعد الثورة. فما أقدم عليه سعيّد يذكّر بقرار العزل الذي اتّخذ سنة 2012 من قبل وزير العدل آنذاك، نور الدين البحيري القيادي بحركة النهضة. عشر سنوات بعد تلك الحادثة، “مازال القضاء لم يتعافى بعد من مخلّفات تلك الحادثة حتى بعد صدور أحكام قضائية تبطله” حسب رئيس جمعية القضاة، أنس الحمادي.

وبعد إصدار بيانات مندّدة بقرار العزل من قبل جمعية القضاة التي وصفت القرار بالمذبحة، ومن قبل اتحاد القضاة الإداريين الذي وصف القرار بأنه إنهاء لكل مقومات استقلال القاضي واستقلالية القضاء ومن قبل جمعية القاضيات التونسيات التي اعتبرته انحرافا خطيرا، قامت جمعية القضاة بتنظيم جلسة عامّة لتجميع القضاة. فكان الاجتماع لحظة بداية تشكّل جديد لتحرّكات القضاة ومقاومتهم.

اجتماع القضاة وبداية العمل الجماعي

كان الاجتماع الطارئ للمجلس الوطني لجمعية القضاة استثنائيا بكلّ المقاييس. فقد مثّل، أوّلا، أكبر تجمّع في تاريخ القضاء بحضور 1200 قاضية وقاضٍ على أقلّ تقدير. ثانيا، عقدت الجمعية مجلسها الوطني بحضور كلّ الهياكل التمثيلية الأخرى للقضاة وهي اتحاد القضاة الإداريين، نقابة القضاة، جمعية القاضيات التونسيات، اتحاد قضاة محكمة المحاسبات وجمعية القضاة الشبان، وهو بذلك ضمّ جمهورا أوسع من المنخرطين بالجمعيّة. ثالثا، لقد مثّل هذا الاجتماع لحظة وجدانية عميقة توحّد خلالها القضاة رغم اختلافاتهم خصوصا بعد سماع مختلف الشهادات المقدمة من زملائهم المعزولين. رابعا، لقد شكّل الاجتماع النواة الأولى للتنسيق القادم بين الهياكل التمثيلية للقضاة وتوحيد صفّهم ولو بصفة مرحليّة. خامسا، في ظلّ غياب هيكل مؤسساتي ممثّل للقضاة وإرادتهم ويدافع عن استقلاليتهم ومصالحهم، خصوصا بعد حلّ المجلس الأعلى للقضاء، مثّل هذا الاجتماع محاولة عفويّة لتجمّع القضاة وتنظّمهم ومن ثمّ أخذ قرارهم بصفة جماعيّة ومباشرة.

إذا تجمّع القضاة من كلّ المشارب خلال المجلس الوطني الطارئ لجمعية القضاة واستمعوا لشهادات زملائهم حول أسباب عزلهم والمغالطة التي مارسها سعيّد للتخلّص من قضاة النيابة العمومية والتحقيق الذين رفضوا الانصياع لأوامره. فقد تبيّن بأنّ من أصل 55 قاضيا عدليا معزولا، هناك 45 قاضي لم تتعلّق بهم أيّ ملفّات تأديبية وقد تمّ إعفاؤهم بناءً على تقارير أمنية أو لعدم استجابتهم للضغوطات السياسية التي مُورست عليهم. كما تبيّن أنّ 52% من القضاة العدليين المعفيين ينتمون إلى جهازيْ النيابة العمومية والتحقيق، وهو ما يتطابق مع القراءات التي تعتبر أنّ قرار العزل لم يندرج أبدا في إطار “التطهير” أو مكافحة الفساد أو القطع مع الإفلات من العقاب، بل لا يمكن فهمه إلا ضمن الاستراتيجية المتّبعة لتطويع القضاء وافتكاك مفاتيح السجن. كما تحدّث بعض القضاة عن أنّ قرارات العزل والأسباب التي تمّ التسويق لها (خصوصا تلك المتعلقة بالحياة الخاصة للقاضيات) جاءت كعقاب لرفضهم تدخّل أفراد من عائلة سعيّد في ملفّات محلّ نظرهم، أو لأنّهم عبّروا، كمواطنين مشاركين في الشأن العام، عن آرائهم السياسية على مواقع التواصل الاجتماعي. خرج بذلك القضاة عن صمتهم المطبق وقدّموا لأوّل مرّة سردية مختلفة تُجيب على اتهامات الرّئيس وتقدّم معلومات مباشرة للرأي العام. لقد كان في دفاع القضاة عن أنفسهم بوجوه متأثّرة وبروايات تسرد قِصصهم الشخصيّة وما واجهوه من ضغوط وقع هامّ خصوصا لدى وسائل الإعلام. فقد شدّت شهادات القضاة المعزولين الاهتمام بتفاصيلها وطابعها الذاتيّ الذي غالبا ما يغيب وراء الخطاب القانوني المؤسساتي الذي لا يصل للمتلقّين.

الإضراب عن العمل والإضراب عن الطّعام

قبيل انتهاء الاجتماع وبتصويت جميع القضاة الحاضرين وحضور ممثّلي مختلف الهياكل التّمثيلية، تمّ إقرار تعليق العمل في المحاكم كافة لمدة أسبوع، وتنفيذ اعتصام مفتوح في المحاكم، وإحداث هيئة تنسيقية تضمّ مختلف الهياكل الممثّلة للقضاة لاتّخاذ القرارات المشتركة واللازمة. وقد شكّل إعلان الإضراب من قبل الهياكل التمثيلية كافة عاملًا أساسيًّا في إنجاحه، خصوصا خلال الأسبوع الأوّل حيث بلغت نسبة تطبيقه 99% في محاكم البلاد كافة، حسب جمعية القضاة.

كما أثارت مذبحة القضاة مساندة أوسع في أوساط الحقوقيين والسياسيين والمجتمع المدني، بالمقارنة مع حلّ المجلس الأعلى للقضاء مثلا. إذ استقبل أمين عامّ الاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، أعضاء من جمعية القضاة للتعبير عن مساندة الاتحاد لمطالب القضاة، كما عبّر الاتّحاد في تصريحات إعلامية عدّة عن رفض قرارات العزل. بدورها، أعلنت منظمات نسوية عدة، في مقدمتها الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، مساندتها لهذه المطالب. وفي هذا الإطار، انتظمت وقفة احتجاجية نسويّة أمام قصر العدالة في تونس في 8 جوان 2022 احتجاجاً وتنديداً بالتعرّض لكرامة القاضيات والقضاة.

ويلحظ أن القضاة استمرّوا في إضرابهم رغم بلاغ وزارة العدل باتّهام المضربين بتعطيل سير العمل وهرسلة وتهديد الذين لم ينفّذوه. لا بل عمدوا إلى تمديده لأسبوع ثانٍ ثمّ لأسبوع ثالث وذلك في جلسة عامة للقضاة اشتركت فيها ودعتْ إليها جميع الهياكل القضائية. وفي أعقاب الجلسة المذكورة، أعلن كلّ من القضاة حمّادي الرحماني ورمزي بحرية والطاهر الكنزاري عن انطلاقهم في إضراب الجوع احتجاجا على قرارات الإعفاء التي طالتْهم.

ساهم إضراب القضاة بشكليْه في إضعاف حدّة المواقف المناهضة للقضاة والأصوات المدافعة عن قرار سعيّد. بل انتشرت شهادات من وجوه عُرفت بمساندتها للرّئيس ومساره، حول نزاهة عدد من القضاة من ضحايا الإعفاء. وقد مثّل الإضراب عن الطّعام وهو شكل احتجاجي لم يسبق للقضاة أن خاضوه خُطوةً نضاليّةً شدّت الرّأي العام ورجّت المتابعين لهذا الملفّ. وهو ما منح القضاة تغطيّة إعلاميّة (وطنيّة وخاصّة دوليّة) ومساندة واسعة غير مسبوقة. تقدُّم القضاة في هذه المواجهة يُقرأ أيضا من خلال انسحاب سعيّد من الصورة وتغيير خطواته التكتيكية. فلم يعد يقود المواجهة من قصر قرطاج باستعمال خطاب التشويه والاتهام، بل قام بتقديم وزيرة العدل للواجهة وتصويرها على أنّها تتحكّم وتقود الحملة لوحدها، هذا بالاضافة للترويج بأنّها كانت المهندسة الوحيدة لتلك القائمة التي دسّت فيها أسماءً من دون علم الرّئيس.

تواصلت المواجهة إذًا باستعمال وزارة العدل التي واصلت تصعيدها وأعلنت بأنّها شَرَعت في إجراءات صرف غرامة الإعفاء للقضاة المعنيين. صرف الغرامات لم يكن مجرّد رسالة بعدم التّراجع ولو خطوة واحدة عن قرار الإعفاء، بل قرأه القضاة المعفيّون أيضا كمحاولة لإذلالهم وترذيل مقاومتهم وتصويرها لدى الرأي العام ليس كمعركة مبدئية بل كمفاوضة وضغط لتحقيق مكاسب ماديّة أعلى.

حشد الحلفاء للمساندة والدعم

في الأثناء، توسّعت دائرة الدعم والمساندة خصوصا في أوساط المجتمع المدني والحقوقيين. وبدعم من عدة منظمات، تكوّنت لجنة مدنيّة للدفاع عن استقلالية القضاء، ضمّت عدة شخصيات حقوقيّة بهدف إسناد تحركات القضاة والدفاع عن استقلاليتهم. قامت هذه اللجنة أساسا بالتنسيق مع محامين عدّة للطعن في قرارات العزل المتعلّقة بالعديد من القضاة لدى المحكمة الإدارية وبالاتصال بالعديد من المنظمات لتوفير المساندة اللاّزمة وكسر الحصار المفروض على القضاة.

على المستوى الوطني أيضا، ومقابل اصطفاف عمادة المحامين الواضح خصوصًا بعد إصدار بيانها المُدين لإضراب القضاة والداعي لوزارة العدل للتدخّل، تشكّلت أوجه جديدة للمساندة تحت راية المحامين. لقد كانت أشكال مساندة عفوية وغير مهيكلة، وأحيانا من خارج أطر العمادة وهياكلها. فكان الفرع الجهويّ لسوسة أوّل من سارع لرفض قرار الإعفاء عبر بيانه الصادر بتاريخ 03 جوان معتبرًا صراحةً أنّ هذا الأخير يُؤسّس لوضع السّلطة القضائيّة تحت هيمنة السلطة التنفيذية. من جهة أخرى، تمّ إصدار بيان موقّع من قبل 135 محاميًّا ومحاميّة تحت عنوان “محامون يُسندون القضاة للتصدّي لاستهداف السلطة القضائية” استنكروا فيه “تخاذل” العميد ومجلس الهيئة الوطنية للمحامين في التصدّي لاستهداف القضاة حسب تعبيرهم. بينما اختار الفرع الجهوي لهيئة المحامين بتونس بقيادة رئيسه محمّد الهادفي أن يُعلن موقفا مخالفا تماما لموقف المجلس الوطني للهيئة مستعملا في ذلك خطابا حماسيّا وتصعيديّا فتضمّن البيان:

“إنّ محامي فرع تونس باقون هنا في الصفّ الأوّل في حصن الدّفاع الأخير عن الحرية والحق والعدل والقانون، ولو تساقط الكلّ على الطريق، وبقينا وحدنا في هذه المعركة الوجودية معركة الحقوق والحريّات.”

كذلك الأمر في الجمعية التونسية للمحامين الشبان، حيث خرج عضوان من المكتب التنفيذي للجمعية، وهما عدنان العبيدي وطاهر الدلاّلي، عن الموقف الأغلبي، وأصدرا بيانا للتنديد بشدة بموقف العمادة معتبريْن إياه انحرافا عن مسار وثوابت المحاماة واصطفافًا أعمى مع السلطة.

أمّا على المستوى الدولي، فقد تتالتْ بيانات المساندة لإضراب القضاة، جاء أبرزها من الاتحاد الأوروبي للنقابات وهيئة الرؤساء للاتحاد الدولي للقضاة. كما قام الرئيس الشرفي للاتحاد الدولي للقضاة بزيارة رسميّة لتونس بهدف إعداد تقرير للاتحاد الدولي للقضاة وللمقرّر الخاص للأمم المتحدة لاستقلال القضاء والمحاماة. خلال الزيارة، قام هذا الأخير بلقاءات مع أطراف عدّة للاطّلاع على حقيقة الأزمة وأسبابها، بينما رفضت السلطات التونسية مقابلته.

مع اقتراب موعد الاستفتاء وصدور النسخة الأولى لمشروع الدستور في 30 جوان وتدهور حالة القضاة المضربين عن الطعام، قامت عدة منظمات وجمعيات بزيارات دعم وتضامن للقضاة المضربين بقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ونقابة الصحفيين والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات. كما تَلَتهُم في ذلك مجموعة من العمداء السابقين للمحاماة. خلال الزيارات المتعاقبة، أكّد الزائرون دعمهم للقضاء كما دعوا القضاة المجتمعين لرفع تعليق العمل بالمحاكم وإيقاف الإضراب عن الطعام مع الالتزام بخوض أشكال نضالية مختلفة.

نهاية تجربة العمل الجماعي للهياكل القضائية في موازاة انطلاق “الاستفتاء”

بعد شهر من تعليق العمل بالمحاكم وعلى إثر إيداع الطعون ضد قرارات الإعفاء لدى المحكمة الإدارية، تمّ رفع الإضراب بعد تشقّق الوحدة التي جمعت الهياكل التمثيليّة. فأعلن، في مرحلة أولى، اتّحاد القضاة الإداريين واتّحاد قضاة محكمة المحاسبات ونقابة القضاة في بيان مشترك عن قرارهم برفع الإضراب مع دعوة السلطة التنفيذية إلى فتح باب التفاوض. بينما أعلن الشقّ الآخر المتكوّن من جمعية القضاة وجمعية القاضيات التونسيات والجمعية التونسية للقضاة الشبان في بيان آخر لهم، علاوة عن رفع الإضراب، الانطلاق في مشاوراتٍ موسّعة بخصوص الأشكال النضالية الأخرى التي يمكن اتّباعها لمواصلة التحرّكات. هكذا إذًا، تشتّتت وحدة الهياكل الممثّلة للقضاة وانقطع العمل المشترك بينها. وقد أشّر التشتّت الحاصل حول الاستراتيجية التي يجب اتباعها في التعامل مع قيس سعيّد إلى تباينات أكثر عمقا بشأن الرؤية السياسية لاستقلالية السلطة القضائية ومكانتها في نظام الحكم الديمقراطي، وهو ما سنعود إليه في القسم الثالث.

رفع الإضراب عن العمل لم يرافق رفع الإضراب عن الطعام. فقد أصرّ القضاة الثلاثة على مواصلته. وإذ تدهور بنتيجة ذلك الوضع الصحّي للقاضي رمزي بحرية والقاضي حمادي الرحماني الذي تمّ نقله إلى المستشفى يوم 04 جويلية 2022. كما أعلن القاضيان قيس الصباحي وأحمد العبيدي، انضمامهما إلى إضراب الجوع.

وقبل ما يقارب ثلاثة أسابيع من الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، وخصوصًا بعد تعليق الإضراب عن العمل، ضعُفت المُساندة المقدّمة للقضاة. فقد تركّز اهتمام المجتمع المدني والسياسيين والحقوقيين على واجهة أخرى من الصراع مع قيس سعيّد. وقد تمحور السؤال المركزي آنذاك حول طريقة التعامل مع الاستفتاء المطروح واشتدّت النقاشات بين موقفين أساسيين: الأوّل موقف مبدئي رافض للمشاركة ومقاطع لها باعتباره خطوة مفروضة من قبل سعيّد وتدخل ضمن مسار لا دستوري ومرفوض في الأصل. والثاني براغماتي وقوامه المشاركة في الاستفتاء عبر التصويت الرافض لمشروع الدستور على أمل إسقاطه. على المستوى القضائي، لم يشارك القضاة في أيّة نقاشات عامة حول مشروع الدستور وحول مقتضياته المتعلّقة بالسلطة القضائية التي أصبحت بمقتضى الدستور وظيفة كما أرادها الرّئيس سعيّد. فقد كان الرفض الموجّه لمشروع الدستور المقدّم لا يقوم فقط على الهيمنة الواضحة على السلطة القضائية وإنّما على نظام الحكم ككلّ وعلى المبادئ الأساسية المتعلقة خصوصا بالحقوق والحريّات. لقد كان دستورا مرفوضا جملة وتفصيلا من قبل أهمّ المنظّمات والجمعيّات والحقوقيين والسياسيين الذين لم يحسموا الطريقة المثلى التي يجب اتباعها لإسقاطه لغياب أهمّ المعطيات المتعلقة بالانخراط الشعبي بعملية الاستفتاء.

في تلك الأثناء، واصلت جمعية القضاة الدفاع عن قضية القضاة المعفيين لوحدها تقريبا في الفضاء العام. وفي هذا الإطار، عمدت إلى تنظيم ندوتين صحفيتين خلال شهر جويلية لكسر العزلة السياسية والإعلامية التي عانى منها القضاة آنذاك ولمتابعة التواصل مع الرأي العام والتذكير بالقضية.

وبعد نجاح سعيّد في تمرير مشروع الدستور وتاليا في تركيز سلطته ونظام حكمه، لم يتبقَّ الكثير بالنسبة للحراك القضائي. وعليه، وتبعا لتدهور الوضع الصحي لبقية القضاة المضربين عن الطعام وايداعهم بالمستشفى، تمّ تنظيم ندوة صحفية من قبل جمعية القضاة في تاريخ 02 أوت أعلنتْ فيها عن رفع إضراب الجوع للقاضي محمد الطاهر الكنزاري الذي خاضه لمدة 38 يوما، وللقاضييْن أحمد العبيدي وقيس الصباحي اللذيْن خاضاه لمدة 25 يوما.

رفع إضراب الجوع كان بمثابة انسحاب من المعركة بتقدّم سعيّد الذي واصل في تجاهل القضاة ومقاومتهم وإن منحتهم الأيام اللاحقة وميض أمل جاء بمثابة مكافأة معنوية لحراك استثنائي.

فرحة بانتصار قضائي لم تدمْ طويلا

بعد أيام من رفع الإضراب، وتحديدا في تاريخ 10 أوت، أصدر الرئيس الأول للمحكمة الإدارية قرارات إيقاف تنفيذ بخصوص 49 من قرارات الإعفاء. هذا القرار أحيا الأمل لدى القضاة المعفيين ومناصريهم وبخاصة أن الرئيس سعيّد كان أوحى بقبوله الاحتكام للقضاء حين صرّح بحقّ القضاة في الطعن أمام المحكمة الإدارية، رغم تعارض ذلك مع مرسوم الإعفاء الذي كان علّق صراحة حقوق القضاة في الطعن إلى حين صدور أحكام جزائيّة باتّة في المؤاخذات المفترضة ضدّهم.

وإذ أمل كثيرون أن ينهي هذا الانتصار معاناة العدد الأكبر من القضاة المعفيين وانعطافة في اتجاه إعادة التوازن في العلاقة بين القضاء والسلطة السياسية، بادر عشرات من القضاة بالتنسيق مع جمعية القضاة إلى تنظيم احتفال وقد اختاروا المكان نفسه الذي شهد إضراب الجوع أي نادي القضاة، كدلالة على أن هذا الانتصار جاء تكليلا لتضحيات هؤلاء. وقد تم تصوير مشاهد الحفل وتداولها على مواقع التواصل الاجتماعي.

إلا أن هذه الفرحة لم تدمْ طويلا، بحيث سارعت السلطة السياسية إلى رفض تطبيق هذه القرارات. وعليه، رفضت وزارة العدل التحاق القضاة بمكاتب عملهم بعد تغيير الأقفال، معلنة عن تهيئها لمباشرة تتبّعهم جزائيا متمسّكة باتهامهم بجرائم خطيرة، وذلك ردّا على ما أثارته المحكمة الإدارية في قرارات إيقاف التنفيذ لجهة عدم تقديمها أيّة وثائق تُثبت ذلك.

وفيما قد يفهم تعنّت السلطة السياسية هذا على أنه ردة فعل على مظاهر الاحتفال التي شكلت تحدّيا مباشرا لها وبمثابة انتصار عليها، فإنه يسجّل في الوقت نفسه أن هذا التعنّت يندرج ضمن ممارسات سلطة 25 جويلية التي قلما تراجعت عن أي من قراراتها وتحديدا في المجال القضائي. كما ترجم عدم احترام سعيّد لقرارات المحكمة الإدارية نيّته في مواصلة مشروع الهيمنة على القضاء بطرق ووسائل مختلفة. فقام باعتراض الحركة القضائية المقدّمة من قبل المجلس الأعلى للقضاء المنصّب على الأقلّ في ثلاث مناسبات. فقد تضمّن المقترح الأوّل المقدّم من المجلس المؤقّت تعيينات للقضاة المعفيين وبالتالي أخذ بعين الاعتبار قرارات المحكمة الإدارية التي كانت لصالحهم وهو ما رفضه الرئيس. أمّا المقترحان الثاني والثالث فلم يستجيبا لتطلعات هذا الأخير الذي طلب من المجلس التنسيق مع وزيرة العدل لإعداد الحركة وهو ما لم يقبله أعضاء المجلس. نتيجة لذلك، تمّتجميد الحركة القضائية لأكثر من عام في حادثة غير مسبوقة. وفي تاريخ 30 سبتمبر 2023، صدرت الحركة القضائية من دون إدراج القضاة المعفيين مع تضمّنها نقلا تعسفية في صفوف القضاة الفاعلين والمؤثّرين في الحراك. كما أحدثت الحركة القضائية شغورا في المجلس نفسه أدّت لاستحالة النظر في مطالب رفع الحصانة التي تهمّ القضاة المعفيين للقيام بالتتبّعات التي أطلقتها السلطة ضدّهم. عبّرت الجمعية عن رفضها لمضامين هذه الحركة القضائية التي أسمتها بحركة “الجزاء والعقاب” بينما اعتبرتها النقابة حركة تاريخية حسب نصّ بيانها. في الأثناء، توسّع مجال سيطرة وزيرة العدل على القضاة وتحكّمها بمساراتهم المهنية عبر تغيير مناصب القضاة باستعمال مذكّرات عمل ومن دون اللجوء للحركة القضائية. ينضاف ذلك إلى تواصل عمليات التشويه والترهيب للقضاة الذين يبدون مقاومة لسيطرة الرئيس ووزيرة العدل كما يتمّ تسليط عقوبة الإيقاف عن العمل على القضاة الذين يقومون بعملهم باستقلالية عن السلطة ورغباتها. تواصلت بعدئذ الفُرقة داخل جمهور القضاء وهياكلهم التمثيلية وخفّ زخم الحراك ومقاومته. إلا أن هذا الحراك والذي استمرّ قرابة سنة، وبلغ ذروته مع بروز أشكال نضالية جديدة أهمها إضراب الجوع، يبقى بمعزل عن نتائجه تجربة فريدة في تاريخ القضاء التونسي وذاكرته. وبالنظر إلى أهميته، رأينا من المفيد التوقف بصورة أكثر تفصيلية عند الوسائل والاستراتيجيات المستخدمة فيه بهدف استجلاء نقاط ضعفه وقوّته واستشراف فرص استمرار هكذا تجربة وحدودها في آن.


[1] الفصل 28 من دستور (قانون) الدولة التونسية المؤرّخ بــ26 أفريل 1861.

[2] المجلس الأعلى للقضاء (2021). بيان، بتاريخ 04 نوفمبر 2021.

[3] شارك في هذا اللقاء كلّ من القاضي يوسف بوزاخر – رئيس المجلس الأعلى للقضاء، والقاضية مليكة المزاري – رئيسة مجلس القضاء العدلي، والقاضي عبد السلام مهدي قريصيعة – الرئيس الأوّل للمحكمة الإدارية، والقاضي محمد نجيب القطاري – رئيس مجلس القضاء المالي.

[4] دافع عن المحاكم العسكرية قائلا أنها تطبّق القانون وتخضع له وأنها ليست محاكم استثنائية.

[5] أنظر الورقة البحثية التي أصدرتها المفكرة القانونية حول مشروع البناء القاعدي: مهدي العش، محمد الصحبي الخلفاوي، الرئيس يريد: تناقضات نظام البناء القاعدي ومخاطره، المفكرة القانونية، جويلية 2022.

[6] المفكرة القانونية، “القضاء التونسي في حقبة الاستثناء: بطاقات رصد من داخل المحاكم”، المفكرة القانونية تونس، 06 ديسمبر 2021.

[7] تضمّن البلاغ أيضا بأنه تعذّر إحالة بعض الأشخاص لأسباب تتعلق ببعض الإجراء ات الخاصّة. ممّا رجّح التأويل بأنّ الاحالة قد ضمّت أيضا من ترشّحوا للانتخابات الرئاسية من المحامين والذين يفرض المرسوم المنظّم لمهنتهم اتّباع إجراءات خاصّة لتتبّعهم وكذلك قيس سعيّد الذي منعت حصانته الرئاسية من إحالته على خلفية حملته الانتخابية وما ورد بتقرير محكمة المحاسبات بشأنها.

[8]أسماء سلايمية، الصلح الجزائي: آلية قديمة لبناء جديد؟، المفكرة القانونية، 17 فيفري 2022.

[9] الجعيدي، محمد عفيف، “سعيّد يلغي امتيازات أعضاء المجلس الأعلى للقضاء: القضاء يعاقب بقانون”، المفكرة القانونية، 20 جانفي 2022.

[10] اعتبر عدد من المتابعين بأنّ مجلس القضاء العدلي أقرّ قرار الإيقاف عن العمل ضدّ البشير العكرمي بمعرفة سابقة ومتعمّدة للخروقات التي تمّ الاستناد عليها فيما بعد من قبل المحكمة الادارية لإبطاله، وبالتالي تمّ الترويج إلى أنّ المجلس الأعلى للقضاء ساهم بطريقة ملتوية في تبييض البشير العكرمي الذي تتّهمه هيئة الشهيدين بالتواطىء وبتزييف الحقائق.

[11] تمّ تغيير مكان الوقفة الاحتجاجية التي انطلقت عند الساعة الحادية عشرة صباحا من أمام قصر العدالة في منطقة باب بنات في تونس العاصمة.

[12] قام طارق الفتيتي بترأس هذه الجلسة بعد أن أعربت العديد من الكتل البرلمانية والنواب عن رفضهم المشاركة في أي اجتماع أو جلسة يترأسها راشد الغنوشي لاعتبارهم بأنّ وجوده في المشهد ينزع عن خطواتهم أيّة مقبولية شعبية ويعرقل أيّ إمكانية لإيجاد حلّ للأزمة.

[13] الفصل 23 من مجلة الإجراءات الجزائية: لكاتب الدولة للعدل أن يبلغ إلى الوكيل العام للجمهورية الجرائم التي يحصل له العلم بها وأن يأذنه بإجراء التتبعات سواء بنفسه أو بواسطة من يكلفه أو بأن يقدم إلى المحكمة المختصة الملحوظات الكتابية التي يرى كاتب الدولة للعدل من المناسب تقديمها.

[14] بتاريخ 08 أفريل 2022، منظمة العفو الدولية تدعو في بيان السلطات التونسية إلى إسقاط التحقيقات القضائية التي بدأتها ضد عدد من النواب وتقول “إن هذه التحقيقات الجنائية ذات الدوافع السياسية ترقى إلى مستوى المضايقة القضائية وهي خير تعبير عن قبضة الرئيس الآخذة في تضييق الخناق على نظام العدالة الجنائية وإساءة استخدام السلطات المتزايدة للمحاكم لاستهداف منتقدي السلطات”.

[15] بمقتضى الأمر الرئاسي عدد 516 لسنة 2022 بعد تنقيح المرسوم عدد 11 لسنة 2022 المؤرخ في 12 فيفري 2022 والمتعلق بإحداث المجلس الأعلى للقضاء المؤقت

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، المهن القانونية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني