رسم عثمان سلمي
https://www.behance.net/othmanselmi
تُصدر المفكرة القانونية اليوم ورقة بحثية بعنوان “الحراك القضائي في تونس 2021 – 2022 مقاومة استثنائية في زمن الاستثناء”، أنجزتها الباحثة أميمة مهدي.
يأتي هذا الإصدار، تزامنًا مع الذكرى الثانية لمذبحة القضاة، حين عزل الرئيس قيس سعيّد 57 قاضيًا وقاضية بشكل تعسّفي بناء على تقارير أمنية ومن دون احترام أبسط حقوق الدفاع. شكّلت الإعفاءات محطّة مفصلية في مسار وضع اليد على السلطة القضائيّة منذ 25 جويلية 2021. ومهّدت لما نشهده اليوم من توسّع للانتهاكات ضدّ الحريات العامّة بإيقافات وملاحقات طالت عددًا كبيرًا من الأصوات المعارضة أو التي لا تروق للسلطة، من سياسيّين وإعلاميين ونقابيّين ونشطاء.
جوبهت هجمات السلطة بحراك قضائي خاضت خلاله القاضيات والقضاة مقاومة تصعيديّة وأشكالًا نضالية عدّة للدفاع عن استقلاليّتهم وعلويّة القانون. فتشكّلت مقاوماتهم المهنية داخل المحاكم كما العلنيّة في الفضاء العام، وخيضت التحرّكات الجماعية بما فيها الإضراب عن العمل وحتى الإضراب عن الجوع مرورًا بإنشاء جبهات مدنية وحقوقية، ليصنعوا أحد أهمّ الحراكات القضائية دفاعًا عن استقلالية السلطة القضائية. حراك استثنائي ليس فقط في أشكاله ومدّته وتعدّد فاعليه، بل أيضًا في طبيعة السياق السياسي الذي انبثق منه وفي مكانته المركزيّة في المعركة الديمقراطية. ففي ظلّ مضيّ الرئيس سعيّد قدمًا في تدمير المكتسبات الديمقراطية والحقوقية، شكّل الحراك القضائي آنذاك الرافعة الأهمّ للحراك الديمقراطي وسط ارتباك وسلبية وضعف تفاعل القوى المدنية والديمقراطية مع الخطوات الهدّامة المتسارعة.
في هذه الدراسة، حاولت أميمة مهدي توثيق مختلف محطّات الحراك وتحليل استراتيجياته وأدواته، وميزاته ونقاط ضُعفه، باستعمال تقنيات مختلفة، من بينها الملاحظة بالمشاركة من خلال الحضور في جلّ التحرّكات، مع الاعتماد بالأخصّ على مقابلات فرديّة مع فاعلين مركزيين داخل الحراك وخارجه. ولم تختزل الباحثة الصراع في طرفين متناقضيْن (السلطة التنفيذية والقضاء)، وإنّما سعت إلى إبراز تعدّد المتدخّلين وتنوّعهم واختلاف استراتيجيات المقاومة ومقاربة الاستقلالية داخل المشهد القضائي في حدّ ذاته، فضلًا عن تطوّر المواقف المعارضة تبعًا لتطوّر حدّة هجمات السلطة.
وتأمل “المفكرة” من خلال هذه الدراسة المساهمة في إثارة النقاش حول هذا الحدث التاريخي الهامّ ليس فقط في مسار السلطة القضائية ومجتمع القضاء، بل أيضًا في تاريخ الحركة الديمقراطية ومقاومة الاستبداد. وهدفنا من ذلك ليس فقط الإسهام في فهم أفضل لهذه التجربة واستخلاص الدروس منها، بل أيضًا الإسهام في فهم أسباب انتكاسة الديمقراطية في البلاد بعد 25 جويلية 2021 وعجزنا الجماعي عن حماية مكتسبات الثورة.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.