الإعلان عن الميول الجنسية المثلية في ظل حالة قوانين تجرم على هذا الأساس، وأحكام اجتماعية قاسية، هي الخطوة الأصعب لأي شخص ينتمي إلى مجتمع "الميم".
في المقابل، كل مبادرة لإعلان الأفراد عن هويتهم الجنسية، تشكل خرقاً للحظر، وتفتح الباب أمام التقبل والحد من التمييز تجاه الأشخاص على هذا الأساس. من هذا المنطلق أطلقت أمس، بتاريخ 16 نيسان 2018 "هيومن رايتس ووتش" و"المؤسسة العربية للحريات والمساواة"، تقريراً تحت عنوان "الجرأة في وجه المخاطر، نضال مجتمع الميم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا". بالإضافة إلى سلسلة فيديوهات تحت عنوان "لست وحدك" تظهر ناشطي مجتمع الميم "يصفون رحلتهم بقبولهم لذاتهم، باللغة العربية، من أجل مواجهة الأساطير والتصدي لعزل عديد من الأشخاص منهم في المنطقة". إلى ذلك يقدم الناشطون "رسائل دعم وتشجيع لأفراد المجتمع نفسه في العالم العربي".
ينطلق التقرير من القوانين وهي ليست عينها في مختلف أنحاء المنطقة، غير أن أغلبها تجرَم ممارسة الجنس بالتراضي بين راشديّن من الجنس نفسه. تقريباً جميع البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تجرم أشكالا من العلاقات الطوعية بين البالغين، يمكن أن تشمل الجنس بين غير المتزوجين، "الخيانة" الزوجية والعلاقات بين شخصيّن من الجنس نفسه". ومع القوانين يتوقف التقرير عند البعد السياسي-الإجتماعي والديني المولّد للعنف ضد الأشخاص على خلفية ميولهم الجنسية، ليبين تفاصيل القمع الذي يتعرض له أفراد مجتمع الميم، عبر القصص التي يرويها الناشطون، وكيفية تأثرهم المباشر بها.
"لا أدري لماذا قبضوا علي، فأنا رجل وكانت لدي لحية كاملة آنذاك! أطلق سراحي أخيراً بعد ثلاثة أيام وبعد إرغامي على التوقيع على اعتراف وتعهد بعدم التشبه بالنساء مجدداً. كم امرأة يعرفون تربّي لحية؟".
هذه شهادة لرجل تم اعتقاله في الكويت بموجب قانون أقر عام 2007 يجرّم "التشبه بالجنس الآخر" وفقاً لما جاء في التقرير. وهو قانون يعرض "متحولو/ات النوع الاجتماعي للاعتقال التعسفي والمعاملة المهينة والتعذيب في عهدة الشرطة". في الامارات العربية المتحدة النص القانوني شبيه، حيث يعاقب "كل رجل تنكر بزي امرأة ودخل مكاناً خاصاً بالنساء أو محظور دخوله لغير النساء"، وهو يستخدم لاعتقال متحولي/ات النوع الاجتماعي. دول أخرى مثل لبنان وسوريا وإمارة أبو ظبي تحظر الجنس "المخالف للطبيعة". أما قطر فهي "تحظر الجنس خارج الزواج للمسلمين، وتفرض عقوبات على أي ذكر مسلم أو غير مسلم قاد أو حرّض أو أغرى ذكراً آخر لممارسة (ما يسميه القانون) اللواط أو الفجور". إلى ذلك تستخدم، دائماً وفقاً للتقرير، "العديد من الدول قوانين الآداب ومصطلحات مثل شائن وفاسق والحياء من دون تعريفها" لملاحقة وتجريم المثليين/ات والمتغيرين/ات.
يمتد القمع إلى حظر حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات. فمع العلم أنه لا توجد قوانين في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحظر الدعوة إلى المثلية الجنسية كما هو الحال في دول عديدة أخرى، إلا أن هذا المنع يتم تحت أغطية قانونية أخرى. المثال الأحدث على ذلك، ويوثقه التقرير، هو استخدام أحكام حول "التحريض على الفجور في قانون مكافحة الدعارة "لملاحقة شبان يشتبه برفعهم علم قوس القزح في حفلة لفرقة "مشروع ليلى" خلال شهر أيلول 2017. وتمت ملاحقة آخرين بسبب استخدامهم تطبيقات أو منصات تحادث للمثليين على الأساس نفسه. كما يبين التقرير أن تسجيل الجمعيات التي تعمل على قضايا التوجه الجنسي والهوية الجندرية أمر شبه مستحيل في عدد من الدول منها الأردن والامارات والبحرين والجزائر ومصر (…)، وذلك بسبب قوانينها. وأن معظم "الجمعيات التي تعمل على قضايا التوجه الجنسي والهوية الجندرية تفضل في معظم البلدان عدم التسجيل والعمل في الخفاء، أو لو تذكر عند التسجيل عملها على حقوق مجتمع الميم".
في المقابل، لا تقدم أي دولة من الدول المذكورة في التقرير[1] أي "إجراء معياري يسمح لمتحولي/ات النوع الاجتماعي بتغيير علامتهم/هن الجندرية قانونياً على أوراقهم/هن الثبوتية، ولا تعترف أي منها بفئة جندرية غير ذكر أو أنثى". يضيف التقرير أن هذا الواقع يعرّض الأشخاص متحولي/ات النوع الاجتماعي وذوي/ات الهوية الجندرية غير النمطية إلى الإضطهاد في كل مرة يضطرون فيها إلى إظهار الأوراق الثبوتية، وللإعتقال بموجب القوانين التي تجرم الجنس المثلي".
أما في السياق السياسي والاجتماعي والديني فقد "أدت أشكال التعصب الديني إلى تراجع حقوق المرأة والحريات الجنسية والتنوع الديني في السنوات الأخيرة". في المقابل، "أتت الثورات العربية في 2011 بإصلاحات جديدة في بعض البلدان، لكن نتائجها على مجتمع الميم جاءت متفاوتة على المدى القصير". ذلك أنه من النتائج الايجابية لثورات 2011 العربية أنها "منحت عدد كبير من أفراد مجتمع الميم في انحاء المنطقة أدوات جديدة للتعبئة وبناء التحالفات". في هذا المجال ينقل التقرير عن داليا عبد الحميد من "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، أن "الثورة خلقت طرقاً جديدة للدفاع عن الحقوق والتعبير عن قضايا لم يكن ممكناً تصورها قبل 2011. خاصة فيما يتعلق بالهوية الجندرية والجنسية، حصل تحول وتغيير في طريقة تفكير الشباب بالهوية الجندرية والجنسية، بعد العنف الجنسي الذي حصل في ميدان التحرير والنشاط حوله".
من جهتها، تعبر مالا بادي عن أثر الثورة في المغرب على تعبيرها عن قضيتها: "وجدت نفسي في الشارع مع آلاف المغاربة نردد شعار حرية، عدالة، مساواة (…) في المجتمعات ومع الناشطين شعرت أنني بين أشخاص لا ضرورة لأن أخافهم لأننا هتفنا معاً لا خوف بعد اليوم (…) فبدأت أظهر توجهي الجنسي تدريجياً، وكتبت على يافطة لا للمادة 489".
هذا الواقع ينعكس حاجةً إضافية لوضع استراتيجيات عمل محكمة للدفاع عن حقوق وحريات أفراد مجتمع الميم. يشير التقرير إلى أن "الناشطين أصبحوا أكثراً استعدادا لمواجهة النكسات مما كانوا عليه قبل عقد ونصف". وفيما يلقي التقرير الضوء على عدد من المنظمات والمبادرات بالتفصيل، فإنه يعكس مدى استمرار الحاجة إلى تأمين سلامة أفراد الميم على صعد عدة، لا سيما النفسية، الصحة الجنسية، الأمن الالكتروني وغيرها. ومن الأدوات "الجوهرية" خلال هذه المرحلة كان بناء تحالفات و"إقامة شراكات مع منظمات حقوق الانسان ومنظمات حقوق المرأة". إلا أن هذه التحالفات لا تأتي دائماً في سياق علني، حيث تضطر العديد من الجمعيات والمنظمات لإخفاء دعمها أو عملها على قضايا تتعلق بحقوق أفراد مجتمع الميم. عن هذا الواقع تعبر شهادة أحد الناشطين التونسيين: "طلبنا من إحدى المنظمات التي تنظم حملات اجتماعية أن تدربنا. كان الجواب يمكننا مساعدتكم لكن لا يمكن أن نرتبط بكم لأن هذا الأمر خطير".
إلى ذلك تحدثت الناشطة والمسرحية شيرين زعمط من الأردن، خلال المؤتمر، عن الفن كأداة للتوعية والتقبل الاجتماعي: "اخترت الفن كونه الطريقة الألطف وفيها الكثير من التسامح، الفن طريقة للتطور والثورة ويعطي انطباعات مختلفة للمتلقين". وترى أن "الفن والمناصرة يتكاملان ويصبح العمل أقوى فيصيب الهدف". واختارت زعمط "المسرح التعبيري الذي يشارك فيه أفراد بقصصهم الشخصية، وليس ممثلون مدربون على أداء أدوار". وتكلمت عايدة من تونس عن " تنظيم مهرجان أفلام تتعلق بقضايا مجتمع الميم، والدور الايجابي الذي تلعبه نوادي السينما في هذا المجال".
[1] – الأردن، الامارات، البحرين، تونس، الجزائر،السعودية،السودان،سوريا، العراق، عمان، فلسطين، قطر، الكويت، لبنان، ليبيا، مصر، المغرب، موريتانيا، واليمن.