في مستهلّ هذا الأسبوع، راجت أنباء متضاربة حول توجه مجلس القضاء العدلي لتنحية الرئيس الأول لمحكمة التعقيب الطيب راشد تبعا لشبهة الفساد التي تلاحقه. ففي حين أشار بيان ل “حراك القضاة الموقعين” أن مجلس القضاء العدلي سيخصص جلسته بتاريخ 09-03-2021 للتداول في تنحية راشد، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي تسريبات مناقضة مفادها أن المجلس لم يتطرق لموضوع راشد وأن المداولات صلبه خصصت للنظر في إحالة القاضي بشير العكرمي للمحاكمة بتهمة التستر على الإرهاب وقد اتخذ قرارا في ذلك فعلا. يذكر أن راشد أدلى منذ بدء التداول بشبهات فساد حوله أنه ضحية كيدية واستهداف من القاضي العكرمي وذلك انتقاما من هذا الأخير لتنحيته عن خطة وكيل الجمهورية في العاصمة تونس.
تبعا لهذا التناقض، وما نتج عنه من التباس ، أصدر المجلس العدلي بتاريخ 11-03-2021، بيانا كذّب فيه المعلومات المتداولة مؤكدا أنه نظر في طلب وجهته له وزيرة العدل بالنيابة حسناء بن سليمان يخولها مراجعة قرارات إحالة على التأديب التي كانت قد وجهتها له بناء على نتائج عمل تفقدية وزارة العدل. وأشار البيان إلى أن المجلس انتهى إلى رفض هذا الطلب، ورفض طلب إحالة ملف القضاة الذين ورد ذكرهم بتقرير التفقدية للنيابة العمومية فيما قرر إحالة غيرهم لها. ويعكس هنا جدول أعمال المجلس وقراراته التي اتخذها ما يمكن أن نسميه حضورا سياسيا يتكثف من يوم لآخر في ملف كبير القضاة وجب التنبه له.
وزيرة العدل: محاولة فاشلة لمراجعة قراراتها بالإحالة على التأديب
بتاريخ 24-11-2021، أسند مجلس القضاء العدلي للتفقدية العامة لوزارة العدل مهمة مده بمآل الأبحاث في جميع الشكاوى المرفوعة ضدّ كل من الطيّب راشد والبشير العكرمي. وأكدت مصادر طلبت عدم الكشف عن نفسها للمفكرة القانونية أن جهة البحث الإداري حررت تقريرا خصصت جانبا منه لتقييم الأداء المهني للعكرمي في ملفات الإرهاب التي كان تعهّد بها كقاضي تحقيق بالمكتب 13 أو كوكيل للجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس، وورد في خلاصته أن هناك تقصيرا في بعض عمله. كما أشارت هذه المصادر إلى أنّ الجزء الأهم من التقرير اتّصل بما ينسب لراشد من فساد ماليّ، حيث كشفت أبحاثه عن استعماله لدوائر قضائية في صناعة منظومة الفساد القضائي التي يشتبه في تورطه في إدارتها والتي ساعدت شهادات تقدم بها قضاة في كشفها وفي إقامة أدلة على أنّ لها امتدادات تصل لشخصيات سياسية نافذة.
بتاريخ 12-02-2021، وجهت تفقّدية وزارة العدل تقريرها لوزير العدل ومجلس القضاء العدلي[1]. وبتاريخ 22-02-2021، أحالت وزيرة العدل بالنيابة حسناء بن سليمان استنادا لاستخلاصات ذاك التقرير العكرمي وراشد و14 قاضيا ورد ذكرهم في التحقيقات التي شملت الأخير بالذكر على ذات المجلس كجهة تأديب. بعد يوم فقط من قرارها ذاك، عادت الوزيرة لتوجيه مراسلة جديدة لمجلس القضاء تطلب فيها إعادة التقرير وقرارات الإحالة إليها لتراجعها لما تبين لها من تسرب أخطاء فيها ما ورد بمراسلتها، وبهدف تصحيح إجراءات الإحالة على التأديب بما يحمي هذا المسار من المبطلات في صورة المنازعة القضائية كما ورد في بيان صدر عن الوزارة بتاريخ 12-03-2021[2].
ويرجح أن يكون الهدف من طلب الإرجاع حذف بعض الأسماء من قائمة المطلوب مؤاخذتهم تأديبيا بضغط من “مراكز نفوذ”. وفي حال صحّ ذلك، فإن قرار المجلس برفض طلب الوزيرة يكون قد قطع الطريق أمام التدخل السياسي وما يستتبعه من انحراف بالاجراءات وقواعد المؤاخذة والتي تفرض أن تنتهي الصلاحية التقديرية للوزيرة فيما تعلق بالإحالة بمجرد صدور قرار عنها في الموضوع.
التعادل يحسم صراع الأجنحة والخاسر هو القضاء
ما أن ثارت شبهات الفساد القضائي التي تلاحق راشد، حتى نحى هذا الأخير دفاعا عن نفسه في اتجاه ادعاء أنه يتعرض لاستهداف كيدي خدمة لأجندات سياسية بهدف تنحيته عن خطته والهيمنة على مجلس القضاء العدلي[3] كما سبق بيانه. وقد أرجع ذلك إلى تصدّيه لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس بشير العكرمي الذي استعمل سلطته في التغطية على الإرهاب والإرهابيين.
وجد هذا الخطاب صداه في الساحة السياسية لما كان من سابق اتّهام من جانب منها لحزب حركة النهضة بالتورط في الاغتيالات السياسية ومن إدعاء بكون العكرمي تواطأ معها للتغطية على الأدلة التي تثبت جرمها. وأدّى هنا اللقاء الموضوعي بين من يستهدفون العكرمي لاعتبارات سياسية ومن يطلبون حماية راشد لمصالح تجمعهم به إلى مزاوجة أي حديث عن راشد بالسؤال عن الموقف من العكرمي وعمليا إلى ربط مساريْ التحقيق معهما وفق ما نستشفّه من قرار مجلس القضاء العدلي بتاريخ 24-11-2020. وفيما كان يمكن تفهّم هذا التلازم بدرجة أو بأخرى، إلا أن الإمعان في قرارات مجلس القضاء العدلي تظهر أنه ذهب أبعد من ذلك في اتجاه اشتراط تماثل وتطابق في مخرجات الملفين بمعزل عما قد يبينه التحقيق معهما، بدليل إحالتهما معا إلى التأديب.
وفيما وقع اختلاف داخل المجلس حول إحالة العكرمي إلى القضاء الجزائي، انتهى الاحتكام للتصويت إلى رفضها. وفيما بدا قرار الرفض نصرا للشق المدافع عن العكرمي داخل المجلس، فإنه سرعان ما بدا خطوة تمهيدية لتحصين راشد ومن اتّهم معه من القضاة من المساءلة عن جرائم خطيرة قامت أدلة دامغة عليها، حيث انتهى التصويت حول إحالة راشد إلى القضاء الجزائي أو أيضا تنحيته من خطته كرئيس لمحكمة التعقيب إلى الرفض[4].
وعليه، نتبيّن من مخرجات جلسة المجلس أن ما كان من انقسام بين أعضائه فيما تعلق بالتعاطي مع ملف فساد كبير القضاة وفيما ينسب للعكرمي من اتهام انتهى لشبه توافق عنوانه الأهم الحصانة للجميع. ويبدو أن هذا التوافق كان من بين أهدافه حماية “الكبار” الذين استفادوا من الفساد القضائي ووظّفوه لفائدتهم. ومن شأن هذا الأمر أن يحول السؤال عن الفساد القضائي إلى سؤال حول من يرعاه ويحميه من ساسة البلاد وأصحاب النفوذ فيها.
وجه التقرير لما كان وزير العدل محمد بوستة مباشرا لمهامه وتعهدت بنظره خليفته بعد صدور قرار عن رئيس الحكومة بتاريخ 15-02-2021 بإعفائه من مهامه . ↑
ورد في البيان الذي صدر عن وزارة العدل بتاريخ 12-03-2021 ..”تبعا لما تم تداوله بخصوص بلاغ مجلس القضاء العدلي الصادر يوم 11 مارس2021 فيما يتعلق بمراسلة وزارة العدل للمجلس الأعلى للقضاء، يهم الوزارة أن توضّح ما يلي :أولا : بالرجوع إلى محتوى المراسلة ذاتها المشار إليها باطلاعات البلاغ المذكور يشار إلى أن تقرير التفقدية العامة قد سبق وأن أحيل على مجلس القضاء العدلي منذ تاريخ 12 فيفري 2021 وأن قرارها بخصوص الإحالات يرمي وفق ما وضّحته في ذات المراسلة إلى التصحيح الشكلي من خلال احترام مبدأ شخصيّة التتبع و ضمان الاطلاع على الملفات التأديبية تجنبا للإلغاء القضائي للقرارات التأديبية لأسباب شكلية.
ثانيا : عهّدت الوزارة المصالح الراجعة لها بالنظر منذ التاريخ المذكور بالقيام بالتصحيحات المطلوبة.
ثالثا :تؤكّد التزامها المطلق باحترام القانون وعلويته و تطبيق مبادئ المساواة أمام القانون، وتتحمّل مسؤولياتها كاملة من أجل النأي بالملف عن مختلف التجاذبات وتحقيق مبادئ المحاكمة العادلة بشأنه. ↑
ورد هذا في تصريح اعلامي لراشد ادلى به في حوار معه لقناة التاسعة التونسية . ↑
وفق معطيات نشرتها صحيفة الشارع المغاربي في مقال تحت عنوان خفايا اجتماع مُطوّل للمجلس الأعلى للقضاء:صوتان فقط صوّتا لفائدة إعلان الشغور بمحكمة التعقيب و5 أصوات لإحالة كلّ الملفات على النيابة العمومية بتاريخ 12-03-2021 للاطلاع عليه من المصدر ينقر هنا↑
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.