وجهة نظر حقوقية في استدعاء القاضي أنس سعدون للمفتشية العامة


2014-01-24    |   

وجهة نظر حقوقية في استدعاء القاضي أنس سعدون للمفتشية العامة

في كل محطة نضالية مفصلية لنادي قضاة المغرب، تتصرف وزارة العدل بنوع من التشنج المتسم بالتسرع غير المحسوب. وآخر الأخطاء ما أقدمت عليه المفتشية العامة التابعة لها من استدعاء للقاضي أنس سعدون العضو النشيط في نادي قضاة المغرب وأحد مؤسسي المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية، للاستماع إليه على خلفية مؤازرته لأحد القضاة المحالين على المجلس الأعلى للقضاء.
والمنسوب للأستاذ أنس سعدون حسب صك الاتهام والعهدة على المفتشين أنه بعث برسائل الكترونية إلى عدد من المنابر الإعلامية يدعوهم فيها إلى حضور مجريات المحاكمة التأديبية للقاضي الذي يؤازره أمام المجلس الأعلى للقضاء، لاطلاع الرأي العام على أجواء هذه المحاكمة وعلى وجهة نظر الدفاع فيها.

وقد تحدث البعض في حينه عن انتهاك سرية المراسلات، لكني لا أرى الأمور من هذا المنظور، فما أعرفه – إذا صحت الواقعة – أن الصحفي يموت ويعذب ويسجن ولا يكشف عن مصادر أخباره، لكننا هنا أمام مخبر في بزة صحافي تطوع من تلقاء نفسه لتبليغ المراسلة التي تلقاها في حينها لجهات "عليا" في الادارة المركزية، ونود ومعنا الرأي العام معرفة هويته وهوية المنبر الذي ينتمي إليه.
ومما أخذ على الأستاذ سعدون حسب ما بلغ به الرأي العام القضائي أن مبادرته خرقت واجب التحفظ والالتزام بالمحافظة على صفات الوقار والكرامة التي تتطلبها مهام القاضي، إنها نفس المآخذ الأزلية؛ ولا ننازع المفتشية العامة في التمسك بها، لكننا نود هنا أن نضع مصداقية هذه المؤاخذات على المحك.

تنظم مؤازرة القاضي لزميله المتابع أمام المجلس الأعلى مقتضيات الفصل 61 من النظام الأساسي لرجال القضاء الذي ينص في فقرته الرابعة على أنه" :يمكن للقاضي المحال على المجلس الأعلى للقضاء أن يؤازر بأحد زملائه أو أحد المحامين، ويحق للمساعد المعين الإطلاع على المستندات كما هو منصوص عليه في الفقرة الثانية. "

قبل أن ندخل في صلب الموضوع ، نسجل من الناحية التاريخية أن مؤازرة القاضي لزميله المتابع أمام المجلس الأعلى كانت في حكم النادر، ولم يكن القاضي المتابع يلتجئ إليها إلا إذا أخذ الضوء الأخضر من أعضاء المجلس الأعلى للقضاء خصوصا المنتخبين منهم، وكان الأمر يعد بعناية، وكانوا هم من يحدد القاضي المؤازر الذي غالبا ما يكون مرشحا محتملا للمسؤولية القضائية، ويحتاج لأن يتعرف وزير العدل على شخصيته الفذة لتسهيل تمرير ملفه في المسؤوليات، والمؤازرة التي شكلت قطيعة مع ما سبقها شكلا ومضمونا هي مؤازرة القاضي السابق جعفر حسون لنائب وكيل الملك بابتدائية اميتنانوت في 2001.

ورغم استعمال الفصل 61 لعبارة المساعد المعين، فإن القاضي المؤازر يقف على قدم المساواة مع المحامي في دوره وتقمص شخصيته في الدفاع، ويجب على غراره أن يستفيد من حقوق الدفاع إلى منتهاها، ولا يجب عليه أن يتصرف كقاض يطأطئ أنفه لمعالي الوزير وجنابي الرئيس الأول والوكيل العام للملك بمحكمة النقض، بل عليه أن يتحرر من قيود التحفظ. وعليه فإن دور القاضي أنس سعدون وهو يؤازر زميله يختلف عن دوره وهو يكيف محضرا أو يحرر متابعة أو يودع مشبوها السجن أو يدبج تقريرا استئنافيا أو يرافع في جلسة علنية، إذ أن جميع أقواله وأعماله المتصلة بالدفاع عن مُؤازره في حدود اللياقة والوقار المتطلبة في المهنة محصنة مثله في ذلك مثل المحامي سواء بسواء ولا تخضع بأي شكل لمنطق التحفظ. وهنا نستحضر كيف تحرر الأستاذ جعفر حسون في مؤازرته لنائب وكيل الملك بابتدائية اميتنانوت من كل قيود التحفظ حينها رغم الحساسية المفرطة للملف المعروض وهو ما لم ينكره عليه الوزير عمر عزيمان حينها بل استحق إشادة منه. نصل إلى كنه المسألة، وما دمنا متفقين على تحصين أقوال القاضي المؤازر وأفعاله في الحدود المعروفة، نصل إلى تحديد علاقة دعوة الصحافة بحقوق الدفاع، ومع تسليمنا بأن الواقعة تمت خارج قاعة مناقشة الملف التأديبي، نقول إن من حق الدفاع في بعض الملفات باعتبار ما يحيط بها من ملابسات المبادرة بإشراك الإعلام في القضية la médiatisation de l'affaire

وفي بعض المناسبات يكون ذلك حيويا بالنسبة للمتابع وللقضية ذاتها. يحكي المحامي الكبير جاك فرجيس كيف أنقد الفدائية الجزائرية جميلة بوحيرد من حكم الإعدام، فيقول كنت متأكدا أن المرافعة التقليدية أمام القاضي كانت ستقود جميلة إلى ساحة الرمي بالرصاص فغيرت الاستراتيجية، وعملت على جعل القضية قضية رأي عام ليس في الجزائر وفرنسا فحسب بل في العالم كله. ولقد استحضر الملك الراحل الحسن الثاني هذا الواقع حين قرر أن يتبنى قضية أحد المواطنين وهو البستاني عمر الرداد الذي اتهم في فرنسا بقتل مشغلته، فكلف جاك فرجيس بالترافع عن البستاني. ورغم قساوة الحكم، فإن فرجيس أعطى للقضية زخما كبيرا في الإعلام العالمي حين قارن محاكمة الرداد باعتباره مسلما بإعدام الضابط اليهودي دريفوس في القرن 19، إذن من حق الدفاع محاميا أو قاضيا أن يشرك وسائل الإعلام في القضية التي يؤازر فيها ولو أمام المجلس التأديبي خصوصا إذا كانت القضية من أساسها قضية رأي عام كقضية الأستاذ نجيب البقاش.

وتبعا لذلك، نصل إلى لب الخطأ الذي أرجعناه للتشنج في اتخاذ المواقف عقب كل محطة نضالية كبيرة لنادي قضاة المغرب. فنحن نشاهد جميعا عبر شاشات العالم، كيف تتسابق الصحافة في كل قضايا الرأي العام على أخذ تصريحات المتابع أو دفاعه أو المطالبين بالحق المدني قبل وبعد كل جلسة. فالأمر عادي لا يضير المجلس الأعلى للقضاء في شيء. وقد يصل الأمر أكثر من ذلك، فيطلب الصحافيون الذين قد يحضرون إلى مقر وزارة العدل والحريات ولوج القاعة؛ ومن صلاحيات نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء اذ ذاك أن يخبرهم بأن جلسات المجلس الأعلى للقضاء سرية لينصرفوا إلى حال سبيلهم وينتظروا في حديقة الوزارة أو في بوابتها. والذي لم يفهمه قصر المانونية (مقر وزارة العدل) حتى قبل ولوجه من طرف الوزير مصطفى الرميد، هو أن المؤسسة القضائية لم تعد قلعة مغلقة أمام الإعلام والصحافة، فقد دشنت انفتاحها على الإعلام في وزارة المشيشي سنة 1993، ويزداد تدخل الإعلام في شؤون المؤسسة القضائية سنة بعد سنة. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، مقالات ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني