المحكمة الادارية تلقن درسا إضافيا لوزارة العدل: يد السلطة التنفيذية على القضاء غير دستورية


2013-12-09    |   

المحكمة الادارية تلقن درسا إضافيا لوزارة العدل: يد السلطة التنفيذية على القضاء غير دستورية

في 9/12/2013، أصدرت المحكمة الادارية قرارين في المادة الاستعجالية يؤيدان قراريها السابقين الصادرين بتاريخ 23/11/2013 بإرجاء تنفيذ الامرين الصادرين عن رئيس الحكومة التونسية والمتعلقين بتعيين متفقد عام لوزارة العدل ورئيس للمحكمة الادارية دون الاستناد للرأي المطابق للهيئة الوقتية للقضاء العدلي. وقد نص القراران الاستعجاليان على ارجاء تنفيذ قراري رئيس الحكومة لحين تمام البت في أصل النزاع القضائي المنشور والمتعلق بالطعن فيها لتجاوز السلطة. ورغم اكتفاء القرارين الجديدين بتأكيد ما كان تم إعلانه، الا أنهما يشكلان عامل احراج جديد لوزارة العدل، بحيث جاءا ردا على مساعي وزارة العدل في الالتفاف على تنفيذ الاحكام القضائية السابقة على اساس انها أن الأوامر تم الشروع في تنفيذها مما يستحيل معه فعليا تنفيذ احكام بإرجاء تنفيذها.
حاولت وزارة العدل في صراعها مع هيئة القضاء العدلي ان تظهر للرأي العام مظهر المدافع عن القانون ودعت هيئة القضاء في مرحلة اولى الى اعتبار اختلافها مع وزير العدل ورئاسة الحكومة مجرد تنازع على الاختصاص بين مؤسسات الدولة يجب ان يتم الحسم فيه من خلال هيئات عامة كالمحكمة الادارية. وبعد ان التجأ القضاة للمحكمة الادارية وأنصفت المحكمة موقفهم واعتبرت ان "اوامر التعيين تؤثر في عمل مرفق القضاء ويجب تأجيل تنفيذها وإرجاع الحالة الى ما كانت عليه قبل صدورها"، عادت الوزارة لتلتف على تعهداتها السابقة باحترام قرارات المحكمة الادارية وبحثت عن تأويل قانوني قدرت انه يسمح لها بتجاهل القرارات القضائية.
وفي مقابل تعنت الحكومة التونسية ومحاولتها لإيجاد مبررات قانونية لتوجهها، بينت المحكمة في أسانيد قراريها ان ايقاف التنفيذ حتمي أملتها "الاضرار التي يصعب تلافيها والتي تنجم عن تنفيذ اوامر الحكومة على سير مرفق العدالة وعلى هيئة القضاء العدلي" وذلك بعد ان أوضحت رئاسة المحكمة الادارية ان الاستناد للفصل السابع من القانون الاساسي عدد  لسنة 1967 لإجراء تعيينات في المناصب القضائية العليا يشكل خرقا صريحا للدستور المؤقت للجمهورية التونسية و للقانون الاساسي عدد 13 لسنة 2013 المتعلق بإحداث الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي. وقد فرضت المحكمة من خلال قراريها توجها في اجراء الرقابة على دستورية القوانين في ظل الغياب المؤسساتي للمحكمة الدستورية، علاوة على التزامها بالنظر في النزاع في حدود اختصاصها الاصلي المتعلق بالرقابة التي تمارسها على مشروعية القرارات الادارية.
بينت المحكمة الادارية بمناسبة اجرائها لرقابة دستورية على احكام الفصل 07 من قانون سنة 1967 المتعلق بالقانون الاساسي للقضاة ان النص الذي استند اليه وزير العدل ومن بعده رئيس الحكومة التونسية له غير دستوري. وبينت المحكمة ان عيب عدم الدستورية يعود لكون الفصل القانوني المذكور يمس باستقلالية القضاء التي أكد عليها الفصل 22 من القانون التأسيسي عدد 06 لسنة 2011 المؤرخ في 16 ديسمبر 2011، طالما أن مباشرة ممثل السلطة التنفيذية لتعيينات في القضاء بالاستناد اليه يعد تدخلا منها في عمل القضاء.
كما بينت المحكمة في سياق مراقبتها لمشروعية أوامر التعيين توصلا للتصريح بإيقاف تنفيذها ان القانون المحدث للهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي اسند للهيئة صلاحية شاملة في الاشراف على المسارات المهنية للقضاة في مختلف الرتب والخطط القضائية، بما يجعل مباشرة رئيس الحكومة لقرارات تعيين لقضاة دون الاستناد لرأي الهيئة المطابق عملا اداريا مشوبا بعدم المشروعية.  
وتجد وزارة العدل التونسية ومن ورائها الحكومة نفسها اليوم مجددا في موقع الاختبار لبيان صدق نواياها المعلنة في ارساء دولة القانون والمؤسسات وذلك بالنظر لكون القراران الصادران يعدان قانونا قرارين نهائيي الدرجة واجبي التنفيذ لا يمكن الرجوع عنهما الا في صدور حكم في أصل المنازعة يناقض منطوقهما. كما أن الحكمين القضائيين وان كان مفعولهما نسبي الأثر لا يتجاوز حدود المنازعة التي تعلقت بهما، إلا أن طابعهما المبدئي المتمثل في اقرار المحكمة لمبدأ العلاقة العضوية بين الالتزام باستقلالية القضاء وامتناع السلطة التنفيذية عن التدخل في أعمال القضاء من خلال آلية التعيينات يستدعي من المجلس الوطني التأسيسي ان يراجع مختلف التعيينات القضائية التي أجرتها الحكومة وناقضت مبدأ الالتزام باستقلالية القضاء ولم تشملها المنازعة القضائية.
وقد ينهض على هيئة القضاء العدلي واجب اثارة مسألة التعيينات أمام السلطة التأسيسية بشكل يضمن الاستفادة من المبدأ القضائي بشكل يقطع بشكل تام مع محاولات وزير العدل التدخل في القضاء من خلال التعيينات. كما يتعين على هياكل القضاة ايجاد آليات نضالية جديدة من اجل فرض واجب تنفيذ احكام المحكمة الادارية على الحكومة بمناسبة نزاع التعيينات القضائية بشكل يفضي لتحميل المسؤولية الشخصية لكل مسؤول حكومي يمتنع عن تنفيذ الاحكام القضائية. ومن شأن ذلك أن يحول نضال القضاة من اجل فرض استقلاليتهم الى مناسبة للنضال من اجل فرض تنفيذ الاحكام القضائية.
 
 
 

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني