Combat Trauma: Imaginaries of War and Citizenship in post 9/11 America – Nadia Abu El Haj


2024-04-23    |   

Combat Trauma: Imaginaries of War and Citizenship in post 9/11 America – Nadia Abu El Haj

Combat Trauma: Imaginaries of War and Citizenship in post 9/11 America – Nadia Abu El Haj

Verso Books, 2022.

في كتابها صدمة المعركة، مُتَخيّلات الحرب والمواطنة في أمريكا ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، تختار نادية أبو الحاج، الأمريكية من أصل فلسطيني والأستاذة في الأنثروبولوجيا بكلية برنارد وجامعة كولومبيا،  البحث في تطوّر خطاب الطبّ النفسيّ عمّا صار اليوم معروفا باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) منذ حرب فيتنام وصولا إلى حروب ما بعد الحادي عشر من سبتمبر وتدرس تأثير هذا الخطاب على تمثّلات العسكرة والمواطنة وصورة الجندي في الولايات المتحدة الأمريكية.

تنطلق أبو الحاج في تحليلها من رصد السياق الذي وقع فيه إقرار اضطراب ما بعد الصدمة كتشخيص مُعتمد في الطبعة الثالثة من الدليل التّشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية في 1980. أتى هذا الاعتراف الرسمي بعد أكثر من عقد من تصاعد احتجاجات قدامى المحاربين في فيتنام وبالتزامن مع تنامي الاحتجاجات النسوية ضد جرائم الحق العام مثل الاغتصاب وتنامي الاهتمام بالضحايا.

شكلت الفظاعات التي ارتكبها الجنود الأمريكيون في فيتنام  سببا رئيسيّا في  ظهور جملة من الأعراض النفسية لدى قدامى المحاربين بعد عودتهم. تمثلت هذه الأعراض في الاكتئاب والقلق وتزايد السلوكات العنيفة والإدمان والانتحار وهي الأعراض التي جذبت انتباه السلطات والرأي العام على حدٍّ سواء. وقام جملة من الأطباء النفسيين، من أبرزهم روبرت جاي ليفتون، بصياغة مصطلح متلازمة حرب فيتنام لتوصيف هذه الحالات وتشخيصها. وقد اعتبر الأطباء أن الشعور بالذنب هو السبب الرئيسي لهذه الأعراض. فالجندي الذي اُجبر من خلال الخدمة العسكرية على المشاركة في حرب إمبريالية غير مشروعة على شعب آخر وشارك في مجازر ومذابح ضد المدنيين يعود إلى الولايات المتحدة بكل تلك الذكريات والصور ناهيك عن ذكريات وصور رفاقه القتلى والمصابين ليلاقي استقبالا فاترا من مجتمعه الرافض للحرب. من أجل هذا، اعتبر الأطباء النفسيون الذين عاينوا وتابعوا هذه الحالات أن من أنجع الطرق العلاجية هو الانخراط في التظاهرات والحراك الدائر ضدّ الحرب وذلك لجبر الضرر المعنوي وتبديد الشعور بالذنب. بهذا تخلص الكاتبة إلى أن خطاب الطب النفسي في هذه المرحلة  ينخرط في نقد جذري للحرب الأمريكية باعتبارها حربا امبريالية غير مشروعة تُرتكب خلالها فظاعات وجرائم تخلّف شعورا بالذنب لدى الجنود ما يسبّب جملة من الأعراض النفسية لديهم. بهذا المعنى يُصوّر الجندي على كونه جانيا مصدوما ذاتيا أو Self Traumatized perpetrator.

في التشخيص الرسمي المعتمد لاضطراب ما بعد الصدمة الذي وقع إقراره سنة 1980، تمّ التوسع في أسبابه الممكنة لتشمل جملة من الحوادث المدنية. كما تمّ التخلي عن جانب كبير من إرث النقد الجذري للحرب مع الإبقاء على الشعور بالذنب كعارض أساسي له.

لاحقا وبسبب رغبة الحكومة الأمريكية الجمهورية آنذاك بقيادة ريغان في تجاوز مخلفات حرب فيتنام، سلط الضوء بالأساس على جرائم الحق العام في تقاطع مع الحركات النسوية التي صعّدت نضالها للاعتراف بضحايا الاغتصاب. فانعكس ذلك بالتخلي تدريجيا عن الشعور بالذنب كعارض مرضي رئيسي لاضطراب ما بعد الصدمة. إذ أن الشعور بالذنب الذي وقع اعتماده في سياق الجنود العائدين من حرب فيتنام، تحوّل إلى نوع من لوم الضحايا في سياق جرائم الاغتصاب. 

يظهر هذا التطور جليا في المراجعة التي وقع إقرارها سنة 1987 للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، والذي كما تحاجج نادية أبو الحاج قد أفرغ هذا التشخيص من آخر تأثيرات النقد الجذري الذي قام به أطباء نفسيون للحرب الأمريكية على فيتنام.

بعد هذا العرض التاريخي، تدرس نادية أبو الحاج تأثير هذه التطورات على حروب ما بعد الحادي عشر بعد التحولات في مفهوم اضطراب ما بعد الصدمة والتركيز على الضحيّة. إذ لم يعد  الجندي العائد من فيتنام كما كان الحال في السبعينات ضحية لارتكابه فظاعات في حرب غير مشروعة، بل وقع إعادة تأويل معاناته لتصبح ناتجة عن شعوره بالخذلان من المجتمع ومن المناهضين للحرب الذين لم يقّدروا تضحياته على الجبهة بينما كانت الحياة تسير على طبيعتها لدى عموم المواطنين. هذه القراءة الاسترجاعية هي التي قدمت الأسس النظرية لتمثلات اضطراب ما بعد الصدمة في حروب ما بعد الحادي عشر من سبتمبر. فالنقاش اليوم عن اضطراب ما بعد الصدمة لدى الجنود العائدين، لم يعد يترك مجالا للحديث عن ضحايا الحروب الأمريكية من عراقيين وأفغان وغيرهم. فأصبح هذا الجندي هو الشاهد الوحيد المخوّل للحديث عن حقيقة الحرب وأهوالها، فهو الضحيّة التي تستوجب الدعم والتضامن وتقديم العناية اللازمة مع التغييب الكامل لأي نقاش جدي عن مدى شرعية الحرب أو المسؤولية الأخلاقية عن الجرائم المرتكبة.

تثبت أبو الحاج أن هذا التصوير للجندي المصدوم ينخرط في سياق أوسع يكرس الفصل بين المدني والعسكري مع إعطاء القيمة العليا لهذا الأخير. وهو ما ينعكس في اختفاء الفوارق في الخطاب السياسي الأمريكي الرسمي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي ليجتمعا على ضرورة الالتفاف حول الجنود المصابين أو المصدومين، الذين تحولوا لرمز للوحدة الوطنية في ظل الانقسامات المختلفة التي تعصف بالمجتمع الأمريكي. وعليه تعددت التظاهرات والاحتفالات الرسمية بقدامى المحاربين وتحوّلت إلى ما يشبه طقسا مدنيا لتقديم مراسم الشكر والعرفان.

 تقدّم نادية أبو الحاج عرضا مكثفا لمختلف الطرق العلاجية لاضطراب ما بعد الصدمة ولمختلف النقاشات النظرية المصاحبة لها في عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر. فمع ارتفاع تكاليف العناية النفسية بقدامى المحاربين، وفي ظل سياسات التقشف، اختارت السلطات الصحية الأمريكية التركيز على تقنيات علاجية قصيرة المدى من قبيل  Prolonged Exposure Therapy  

و  Cognitive Processing Therapy.

إلا أن هذه التقنيات أثبتت محدوديتها خاصة في ما يتعلق بالشعور بالذنب المتعلق بارتكاب جرائم  وفظاعات خلال الحرب. فتشخيص اضطراب ما بعد الصدمة في شكله الحالي صار اختزاليا ولا يتسع لتوصيف المعاناة الناتجة عن شعور بالذنب أو عن التساؤلات الأخلاقية الملازمة له. مما دفع بالعاملين في مجال العناية بقدامى المحاربين إلى اعتماد مفهوم الاصابة الأخلاقية أو Moral injury لتجاوز هذا القصور. وطوروا تباعا جملة من التقنيات مثل  Adaptation disclosure. وبالتوازي مع ذلك تنامت مبادرات إعادة التأهيل المجتمعي لتشمل نشاطات روحية يقودها رجال دين وتقوم على ما يشبه تشجيع التوبة والانخراط في أعمال نافعة للمجتمع المحلي، وثقافية من قبيل عروض مسرحية ذات صبغة تنفيسية (catharsis). وتلاحظ أبو الحاج أنه على رغم التساؤلات الأخلاقية الظاهرية التي تقوم عليها هذه الممارسات العلاجية ، فإنّها لا تعدو كونها محاولات لمساعدة الجنود على استئناف حياتهم الطبيعية، من دون مساءلة لطبيعة عملهم أو مشروعيته الأخلاقية. 

تغفل هذه المقاربات أي نقاش حقيقي حول ضحايا الجنود وتختزل صدمتهم في حادث مأساوي في سياق مهني لم يكن من الممكن تجنّبه. هذا التطوّر يشكل قطيعة تامة مع تراث الطب النفسي النقدي الراديكالي لحرب فيتنام و تماهيا كاملا مع الخطاب المهيمن عن العسكرة في أمريكا ما بعد الحادي عشر من سبتمبر.

(مراجعة حمدي قزارة).

انشر المقال

متوفر من خلال:

تونس ، مجلة تونس



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني