انتهاء الفترة الانتقالية لدعاوى إثبات الزيجات غير الموثقة بالمغرب


2019-02-09    |   

انتهاء الفترة الانتقالية لدعاوى إثبات الزيجات غير الموثقة بالمغرب

انتهت يوم الثلاثاء 05-02-2019 الفترة الانتقالية التي نصت عليها مدونة الأسرة المغربية لإمكانية اثبات الزواج الذي حالت ظروف معينة دون توثيقه أمام المحاكم. وهي الإمكانية القانونية التي كانت تستغل أحيانا لتحقيق غايات أخرى بعيدة عن الهدف الذي من أجله ترك المشرع هذا الطريق الاستثنائي لإثبات عقود الزواج وفق ما يراه أكاديمون وفاعلون حقوقيون (ومن أهمها الالتفاف حول القواعد الناظمة لزواج القاصرين)، مع العلم أنه سبق للمغرب أن قام بتمديد هذه الفترة مرتين عند نهايتها. فهل تكون هذه المرة نهاية لهذا الاستثناء الذي كاد يتحول إلى قاعدة أحيانا؟

إثبات الزواج في المغرب والظروف التي تحكمت فيه

قبل صدور مدونة الأسرة في المغرب سنة 2004 التي اعتبرت حينها مدونة متقدمة لكونها نصت لأول مرة على عدة حقوق لفائدة المرأة المغربية، كان العمل السائد وفق مدونة الأحوال الشخصية الملغاة والعمل القضائي كذلك، على أن الزواج يتم بالذهاب إلى عدلين وتوثيقه ثم يصادق عليه القاضي المكلف بالتوثيق. وهذا يعني أن المراقبة القضائية للزواج والتحقق من شروطه كانت لاحقة، وأحيانا كثيرة لم يكن يتم هذا التوثيق مما كان ينتج عنه ضياع حقوق المرأة والأطفال الشيء الذي ترتب عنه توجيه عدة انتقادات لهذه الوضعية والمطالبة بتغريرها من طرف جمعيات حقوقية وغيرها.

ولذلك تم تعديل مدونة الأسرة بحيث أصبح الزواج كله خاضعا لإشراف القضاء من خلال مسطرة الإذن بتوثيقه، وهو الإشراف الذي يتحقق القاضي الملمّ بالأسرة في كل محكمة من محاكم المغرب من شروط الزواج ولاسيما ما تعلق بسن الزوجين. فإذا كان أحدهما قاصرا دون 18 سنة، فإنه يجب اتباع مسطرة خاصة بهذا الغرض.

وفي هذا السياق، نصت المادة 16 من مدونة الأسرة على أنه “تعتبر وثيقة عقد الزواج الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج”. إلا أنها مع ذلك فتحت باب الاستثناء على هذه القاعدة بنصها في الفقرات الموالية من نفس المادة على ما يلي: “إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته، تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات وكذا الخبرة. تأخذ المحكمة بعين الاعتبار وهي تنظر في دعوى الزوجية وجود أطفال أو حمل ناتج عن العلاقة الزوجية، وما إذا رفعت الدعوى في حياة الزوجين”.

وقد نصت المادة على أنه يُعمل بسماع دعوى الزوجية في فترة انتقالية لا تتعدى خمس عشرة سنة ابتداء من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ”، مع الإشارة إلى أن الفترة أصبحت 15 سنة تبعا للتعديلات اللاحقة، فيما كانت خمس سنوات فقط عند صدور المدونة.

والملاحظ أن المادة 16 من مدونة الاسرة حاولت في وقتها الجمع بين أمرين: القاعدة التي هي توثيق عقد الزواج والاستثناء الذي  هو إثباته لاحقا أمام المحاكم بحجة انتشار الأمية وغياب ثقافة التوثيق في البوادي المغربية ووجود حالات إبان صدور المدونة غير موثقة وغير من الحجج التي تم القول بها في حينها، مع أن الظاهر أيضا لمن واكب  تلك الفترة هي أن العديد من مقتضيات مدونة الأسرة عكست طبيعة اللجنة المختلطة التي تم تشكيلها من طرف الملك وقامت بصياغة المدونة وهي لجنة مكونة من المحافظين والحداثيين وبالتالي كان لا بد من أن تنعكس آراؤهم في نصوص مدونة الأسرة.

الاستثناء الذي تم استغلاله لإنتاج مشاكل أخرى

يذهب بعض الباحثين في قانون الأسرة  إلى أن “المادة 16 من المدونة وُضعت لكي تجعل الأصل في إثبات العلاقة الزوجية هو عقد الزواج المكتوب للقضاء على ظاهرة “زواج الفاتحة” الذي كان منتشرا في أنحاء كثيرة من المغرب، لكن تطبيق هذه المادة أفرز واقعا معاكسا، حيث تحولت إلى أداة لشرعنة “الزواج العرفي” والتحايل على القانون من خلال تشجيع تعدد الزوجات وتزويج القاصرات، ومحاولة فرض سياسة الأمر الواقع على القضاء.

وهكذا تمّ تجريد الفقرة الأولى من المادة 16 من كل حماية لها وعرضها لخرق مستمر، بدليل استمرار زواج الفاتحة على نطاق واسع يعاكس روح الفقرة الأولى التي اعتبرت عقد الزواج الوسيلة المقبولة لإثباته. وتؤكد لغة الأرقام هذه الملاحظة، حيث ارتفعت نسب ثبوت الزوجية بصفة غير منطقية بل أن الأرقام تكشف أن نسبة مهمة من دعاوى ثبوت الزوجية تتعلق بحالات زواج حديثة، أبرمت بالمدن، وأحيانا من طرف أشخاص متعلمين”.

ويعطي أحد الباحثين المغاربة في السوسيولوجيا عبد الهاجي الحلحولي تفسيرا لهذه الظاهرة  قائلا:

“على الرغم من التطور الذي عرفته النصوص القانونية وجدتها؛ فإن الظاهرة (علاقة ثبوت الزوجية بتزويج القاصرين) لا زالت في ارتفاع. الشيء الذي يطرح السؤال عن مدى تجذر الظاهرة في سجلات الثقافة التي تظلّ صعبة الذوبان. بل والأكثر من ذلك لم يتوقف الأفراد والجماعات عن إنتاج آليات جديدة وأكثر مقاومة للنص القانوني حتى يتسنى لهم تحقيق ما يصبون له، ألا وهو فعل الزواج من قاصر. خير دليل على هذا القول هي مسألة ثبوت الزوجية التي يوظفها الأفراد للتحايل على المنع الذي يلاقونه عندما يرغبون بالزواج من قاصر. بمعنى أن الفرد لا يقف مكتوف الأيدي أمام الواقع الاجتماعي. بل يقاومه بشتى الوسائل منها الحيلة”.

هل الظروف مهيئة  لنهاية الاستثناء الآن؟

بعد صدور مدونة الأسرة سنة 2004، كان يتم الحديث في عدة مناسبات علمية وإعلامية وخاصة من طرف بعض أعضاء اللجنة التي كلفت بصياغة المدونة ومن بعض الأكاديمين أن الفترة التي نصت عليها المادة 16 وهي خمس سنوات، سوف تتم مواكبها بعدة اجراءات تحسيسية لضمان أن تكون مقدمة لنهايتها واعتبار عقد الزواج هو الوثيقة الوحيدة لاثبات الزواج بالمغرب. لكن بعد نهايتها، تبين أن لا شيء من هذه الاجراءات قد تم وكان لزاما على البرلمان التدخل لتمديد الفترة الانتقالية خمس سنوات أخرى، ونفس الشيء حصل سنة 2016.

ولكن، ما يميز نهاية هذه الفترة الآن (05-02-2019) هو خفوت النقاش حول هذا الموضوع  من طرف الحقوقيين وغيرهم. وربما يعود الأمر لحصول تغيير في مدى النقاش بحيث تتجه الجمعيات الحقوقية ولا سيما النسوية منها للعمل على تغيير كامل لمدونة الأسرة وربطها بالحقوق الدستورية التي نص عليها دستور 2011 وكذا الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة التي صادق عليها المغرب والتي أصبحت وفق ديباجة الدستور المغربي نفسه تسمو على القوانين الداخلية فور المصادقة عليها ونشرها بالجريدة الرسمية.

وأمام هذا الوضع، وفي ظلّ غياب أي تصريح أو توضيح رسمي بشأن مآل موضوع نهاية الفترة الانتقالية المخصصة لإثبات الزواج غير الموثق، وباستثناء البلاغ الصادر عن وزارة العدل المغربية، الذي ذكرت فقط بنهاية الفترة ودعت كافة المعنين بها إلى اللجوء للمحاكم فيما تبقى منها، فإن الترقب يبقى سيد الموقف على اعتبار أن الظاهرة متجذرة في المجتمع ولم تكن هناك إجراءات مصاحبة  للقضاء على أسبابها طيلة 15 سنة الماضية. فهل ينهي البرلمان هذا الموضوع بعدم تدخله مرة أخرى؟

مقالات ذات صلة:

أي مقاربة لمعالجة ظاهرة زواج القاصرات بالمغرب؟

زواج الفاتحة بالمغرب: هل تصمد الأعراف أمام قوة القانون؟

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني