وصدرت الحركة القضائية 2018-2019 في تونس… تجاوز للمهل ونقل للمصلحة العامة وتواصل ممارسات التكليف


2018-08-29    |   

وصدرت الحركة القضائية 2018-2019 في تونس… تجاوز للمهل ونقل للمصلحة العامة وتواصل ممارسات التكليف

صدرت بتاريخ 28-08-2018 الحركة القضائية للقضاة العدليين للسنة القضائية 2018-2019. وقد شملت الحركة 680 قاضيا مباشرا أي ما يقارب ثلث القضاة العدليين. كما عززت المحاكم بمائتي قاضيا جديدا من خرجي المعهد الأعلى للقضاء. وبالنظر إلى أهميتها، وكعادتها، تنشر “المفكرة” الحركة مقدّمة تعليقا أوليا عنها، على أن يتم استكماله لاحقا على ضوء ما قد ينكشف من معطيات جديدة أو يصدر من تعليقات.

وبالتدقيق في حركة 2018-2019، أمكن إبداء الملاحظات الآتية:

أولا، بالشكل، يقوم المجلس الأعلى للقضاء العدلي للسنة الثانية بخرق الفصل 47 من القانون الأساسي المنظم لعمله، والذي يوجب أن تعلن الحركة القضائية السنوية قبل موفي الشهر السابع من كل سنة. ويؤدي هذا الخرق الإجرائي للمس من حق القضاة في أن يعلموا مواطن عملهم القضائي قبل أجل معقول من بداية السنة القضائية، وتاليا من حقهم باتخاذ التحضيرات اللازمة لأنفسهم وأسرهم، لما قد يلزمهم من تنقلات من مدن إلى أخرى. كما يمس هذا الخرق من حسن سير مرفق القضاء، بحيث أن إعلان الحركة القضائية قبل أجل معقول من بداية السنة القضائية يتيح لمن ينازعون نتائجها التظلم منها قبل بداية السنة القضائية، مما يضمن استقرار هيئات الحكم ويمنع الاضطراب الذي قد يتولد عن مراجعات نتائج الحركات القضائية خلال فترة العمل القضائي.

ثانيا، يذكر أن القضاة علموا بالحركة بعد نشرها على صفحة التواصل الاجتماعي الخاصة بأحد أعضاء المجلس الأعلى للقضاء. ولا يتلاءم شكل النشر هذا مع الطابع الرسمي لعمل المجلس، علاوة على ما فيه من خرق للقانون الأساسي للنفاذ للمعلومة الذي يفرض عليه أن ينجز موقعا رسميا خاصا به تنشر فيه المعلومات التي يتعين عليه نشرها. ويبدو هذا التقصير باعتبار مصدره فاضحا لمسه بفكرة أن يكون القضاء حاميا لعلوية القانون. ويتعين في هذا الإطار التنبه لكون خرق مجالس القضاء للقانون يشهد حدة أكبر في مجلس القضاء الإداري الذي تمتنع الأغلبية فيه عن إعلان حركة قضائية سنوية، وتعمد لإعلان حركات سد شغور خلال السنة القضائية عوض ذلك. واللافت أن المحكمة تبرر هذا التوجه بأن خصوصيات المحكمة الإدارية تفرض تحللها من الواجب القانوني.

ثالثا، هي حركة نقل وترقيات من رتبة لرتبة قضائية أخرى أكثر منها حركة توزيع مسؤوليات. ويعود هذا الأمر لكون الحركة القضائية السابقة شملت عددا هاما من الخطط القضائية بما فرض شغورا محدودا في تلك المواقع.

رابعا، شملت الحركة 264 قاضيا من قضاة الرتبة الثالثة و153 من قضاة الرتبة الثانية إضافة الى 263 من قضاة الرتبة الأولى. ويعكس هذا التوزيع للمشمولين بها ما بات يميز توزيع القضاة باعتبار رتبهم القضائية، من نقص عددي لقضاة الرتبة الثانية مقابل انتفاخ أعداد قضاة الرتبتين الأولى والثالثة. وتزيد قابلية هذا الأمر للانتقاد إذا عرفنا المهام المتعددة الكثيرة الموكولة لقضاة الرتبة الثانية في مقابل قلة عدد الخطط المخصصة للرتبة الثالثة. وهذا الواقع يفرض إعادة التفكير في قواعد جديدة لتوزيع الخطط الوظيفية تضمن استفادة أكبر من الرصيد البشري لقضاة الرتبة الثالثة أولا وحسن إدارة الموارد البشرية القضائية ثانيا.

خامسا، أدت الحركة لنقلة 64 قاضيا للعمل بمحاكم تتواجد بمدن تبعد عن مقرات عملهم الأصلية في إطار النقلة لمصلحة العمل، أي استثناء عن مبدأ عدم نقل القاضي إلا برضاه. ويتوزع هؤلاء إلى 45 من قضاة الرتبة الثالثة و9 من قضاة الرتبة الثانية و10 من قضاة الرتبة الأولى. ومن اللافت في هذا الإطار أن محاكم جهة سوسة والتي كانت تعدّ من المحاكم التي تشهد رغبة هامة من القضاة للعمل بها تم النقلة إليها لمصلحة العمل. ويستدعي مثل هذا التحول من المجلس الأعلى للقضاء دراسة أسباب عزوف القضاة عن طلب العمل بهذه المحكمة الكبرى، تمهيدا لمعالجتها. كما يفرض هذا الواقع البحث عن تصورات تحفز القضاة على طلب العمل بالمحاكم الداخلية وتشجعهم على الاستقرار بها احتراما لحق سكان تلك المناطق في جودة العدالة.

سادسا، تم تكليف 11 قاضيا بخطة مساعد وكيل جمهورية في حين أنه لا يتوفر فيهم شرط الأقدمية القانونية اللازمة لممارسة تلك الخطة. ويذكر أن ذات المجلس في حركة قضائية لسنة 2017-2018 كلّف 13 قاضيا بخطة قاضي ناحية، وكلّف 21 قاضيا بخطة مساعد وكيل جمهورية، وقاضيين بخطة قاضٍ فردي، كلهم لا يتوفر لديهم شرط الأقدمية. وفيما يستفاد من هذه المقارنة حصول تراجع كمي ونوعي هام في التعويل على التكليف، إلا أنه يكشف في الوقت نفسه عن تواصل التعويل على التكليف بما لا يتناسب مع معايير استقلال القضاء أو حسن سير المرفق القضائي. فمن جهة أولى، من شأن التكليف أن يؤدي إلى إضعاف القاضي المعني به في علاقته بالمسؤولين على المحاكم، باعتبار أنه امتياز مؤقت يمكن سحبه منه في صورة تقييمه سلبيا. وهو من جهة ثانية، يمسّ بحق المتقاضي بالولوج إلى جهة قضائية تتوفر لديها الشروط المحددة قانونا لتحقيق الكفاءة المهنية (الأقدمية).

وترى “المفكرة” أن التعويل على التكليف في خطط قضائية تمس الحريات العامة بشكل أمرا سلبيا يجب العدول عنه مستقبلا حماية لحق المواطن في قضاء مستقل وكفؤ.

سابعا، سبق للمجلس الأعلى للقضاء أن أعلن عند إعداد حركته أنه سيعتمد معايير التنقيط في إسناد الخطط والنقل الاختيارية من محكمة لأخرى. ويمنع اعتماد السرية وغياب الشفافية في التعاطي مع قواعد المفاضلة تلك من تمكين القضاة من الاطلاع عليها، أو من مراقبة مدى التزام المجلس فعليا بما حدد فيها من معايير.

وفي انتظار أن تكشف ردود أفعال القضاة أفرادا وهياكل من مواقف ومعلومات متصلة بهذه الحركة، تنشر المفكرة القانونية الحركة القضائية لتمكين قرائها من الاطلاع عليها وإبداء ما يرغبون من ملاحظات بشأنها.

مقالات ذات صلة:

  • ملاحظات أولية حول الحركة القضائية الجديدة في تونس
  • الحركة القضائية في تونس 2016-2017: خاتمة حركات الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي
  • قراءة في الحركة القضائية لسنة 2015 في تونس: معايير موضوعية رغم الصعوبات العملية
  • قراءة اولية في الحركة القضائية 2014-2015 في تونس

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني