عقوبة الإعدام في 2018 تفتح نقاشا حول وظيفة الإعلاميين والحقوقيين


2018-02-09    |   

عقوبة الإعدام في 2018 تفتح نقاشا حول وظيفة الإعلاميين والحقوقيين

من الشعارات المتوقع رفعها بشدة في سنة 2018 هي إلغاء عقوبة الإعدام. فإلى جانب تشديد لجنتي تنقيح المجلة الجزائية ومجلة الإجراءات الجزائية، المستحدثتين من قبل وزارة العدل، إلى ضرورة أنسنة العقوبات، مع المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام كأولوية، كما صرّحت الأستاذة منية قاري[1] في حوار سابق مع المفكرة، تعمل منظمات المجتمع المدني والحقوقيون الناشطون في هذا المجال على تشكيل قوة ضغط مدنية لنفس الغاية. وقد بادرت الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان في تونس لعقد أول جلسة نقاش في 2018 حول هذا الموضوع، في 26 جانفي، محاولة تفعيل هذه القوة لإحداث التغيير المرجو هذا العام. إستهدف هذا النشاط الصحفيات والإعلاميات (التأنيث هنا يشمل الذكور والإناث)، وفقاً لأهمية السلطة الرابعة في رفع الوعي العام وتحقيق التوافق الشعبي المطلوب لإلغاء هذه العقوبة، كما صرّحت الاستاذة فاطمة قاري خلال النقاش.

وفي هذا الإطار، أشار الأستاذ توفيق بودربانه[2] خلال مداخلته إلى عاملين لإعاقة إلغاء هذه العقوبة. الأول أنَّ العنصر الديني لطالما شكّل العائق الأساسي خلف إبقاء عقوبة الإعدام قائمة في المجلة الجزائية رغم توقف العمل بها منذ عام 1991، مستشهداً بمحاضرة ألقاها الأستاذ سامي برام والتى تركَّز فحواها على إلغاء عقوبة الإعدام من منظور إسلامي. وقد شدد بودربانه على أنَّ إلغاء عقوبة الإعدام هي دلالة على التطور البشري، حيث أن العديد من أشكال القصاص في الإسلام تم توقيف العمل بها لما فيه خير لتطور المجتمعات الإسلامية. كما دعا "بودربانه" تونس أن تكون السبَاقة، كما عهدها العالم العربي دائماً، في إيجاد طريقة للتطوير من خلال "الشرع" لا من خارجه، مقترحاً إشراك علماء الزيتونة ورجال الدين في النضال من أجل إلغاء عقوبة الإعدام. خصوصاً أنَّ رجال الدين يمكن أن يكون لهم دور كبير في توحيد صفوف الشعب في سبيل إلغاء هذه العقوبة.

العامل الثاني للقبول الشعبي لعقوبة الإعدام هو الترابط القوي الذي ساهمت الدولة التونسية في تنميته منذ 2015، مع إقرار قانون مكافحة الإرهاب، في عقول العامة بين هذه العقوبة ومكافحة الإرهاب، ما شكّل إلتفافا شعبيا لصالح عقوبة الإعدام، ضارباً الخطاب الحقوقي بعرض الحائط. في هذا الإتجاه، أشارت أ. أماني بولارس[3] "أنَّ عددا كبيرا من الإعلاميين لا يحمل الوعي والثقافة الكافية بأهمية إلغاء عقوبة الإعدام. كما لا يحمل الوعي الكافي في طرح العديد من المواضيع." فأحياناً يتحرك الإعلاميون ضد أنفسهم. شهدنا ذلك بعد إعادة طرح قانون جزر الإعتداء على الأمنيين. فبالرغم من أنَّ هذا القانون يمسهم مباشرة، إلاَّ أننا شهدنا العديد من الصحفيين والإعلاميين سخروا منابرهم للدفاع عن هذا القانون. فقط عندما تدخلت نقابة الصحفيين للتوضيح، انخفض هذا الحماس الإعلامي غير المبرر.

من جهة أخرى، قالت أمينة زيّاني[4] "أنَّ بعض الصحفيين يقتصر عملهم على الإخبار دون تحليل. بالإضافة إلى أن عملهم المهني يغلب عليه الطابع العاطفي والإنفعالي والمواقف الشخصية. حيث نجد أنَّ الإعلامي يحرَّض على عقوبة الإعدام من خلال خطاب تشفّ. شهدنا ذلك مثلاً بعد حادثة طعن الأمني في باردو في نوفمبر 2017". في الواقع، أشارت يسرى فراوس[5]، خلال حوار قامت به المفكرة القانونية سابق لجلسة النقاش، إلى أنَّ الخطاب الإعلامي فيما يخص الحقوق يعود تدريجياً إلى ما كان عليه في عهود الديكتاتورية السابقة من خلال محدودية حضور الحقوقيين في المشهد الإعلامي الذي أصبح قليلا جداً في فترة ما بعد إقرار دستور 2014، وإن حصل فيكون هذا الحضور للدفاع عن النفس أو لتلقي التهم من قبل المحاورين من نوع الخطاب الحقوقي بالنخبوية، أو الإتهام بتمويل مشبوه أو فرض أجندات أجنبية على البلاد التونسية. وشددت "فراوس" أن هناك نزعة لتشويه العمل الحقوقي من خلال وصف عمله بالفاشل أو بالثانوي في ظل الأزمة الإقتصادية الخانقة في البلاد. في الواقع، هناك شبه غياب لأوجه الشراكة بين المؤسسات الإعلامية والمجتمع المدني، باستثناء نقابة الصحفيين التى تعمل على تعديل الكفّة من خلال عملها على ترشيد التعامل الإعلامي مع الملفات الحقوقية.

إلغاء عقوبة الإعدام يحتاج إلى دعم إعلامي كبير، نظراً لضرورة تشكل حشد شعبي في هذا الخصوص. يمكن أن نستنتج من النقاش الذي دار خلال هذه الجلسة أنه غير متوفر حالياً بالإمكانيات المطلوبة. ولكن عمل المنظمات الحقوقية قائم وجدي. فالفدرالية الدولية لحقوق الإنسان وضعت براهينها لأجل تشجيع الدولة التونسية لإتخاذ قرار إلغاء هذه العقوبة. من هذه البراهين أن عقوبة الإعدام غير قابلة للمراجعة. تساءلت منية عرفاوي[6] في هذا الخصوص "هل إعدام ناصر الدمرجي، وهو شخص نُفّذت في حقه عقوبة الإعدام، ردع لجريمة إستغلال الأطفال جنسياً والإعتداء عليهم بالقتل الوحشي؟ كما ذكرت "العرفاوي" قضية ماهر المنّاعي، القابع اليوم في السجون التونسية والمحكوم عليه بالإعدام، بالرغم من أنه اكتشف خيط رائته، وتساءلت: ماذا لو كانت نفذت بحق هذا المتهم عقوبة الإعدام؟" في الواقع، من أبرز الحجج المقدّمة من قبل النشطاء الحقوقيين لدحض تمسّك الدولة التونسية بهذه العقوبة هي أنها عقوبة غير قابلة للمراجعة، خصوصاً أنَّ عددا لا يستهان به من الذين حكموا بالإعدام ظهرت براءتهم فيما بعد. اقترح محمد يوسفي[7] في نهاية هذه الجلسة العمل على إشراك النواب والسياسيين في المطالبة بإلغاء هذه العقوبة. كما دعا إلى العمل على تشكيل شبكة بين الإعلاميين في هذا الخصوص مع العمل على الإنتشار الجغرافي من أجل توسيع حجم المطالبة لتكون وطنية شاملة.

 


[1]  أستاذة جامعية وعضو في لجنة تنقيح مجلة الإجراءات الجزائية

[2]  رئيس الهيئة العليا للحقوق والحريات الرئيسية

[3]  أعلامية في الإذاعة الوطنية التونسية

[4]  صحفية

[5] ممثلة الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان في تونس

[6] صحفية

[7]  عضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحفيين التونسيين

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، مقالات ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني