برنامج “عقد الكرامة” في تونس: جرعة مسكنة جديدة لأزمة البطالة


2017-03-20    |   

برنامج “عقد الكرامة” في تونس: جرعة مسكنة جديدة لأزمة البطالة

أعلنت الوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل بتاريخ 15-03-2017  إنطلاق عملية التسجيل في برنامج "عقد الكرامة" والذي يمثل أحدث البرامج المطروحة من قبل وزارة التكوين المهني والتشغيل مما سيمكن من تشغيل 25 ألف من العاطلين عن العمل من حاملي الشهادات العليا في القطاع الخاص قبل موفى شهر أفريل حسبما صرح به وزير التكوين المهني والتشغيل عماد الحمامي[1].

يعتمد هذا البرنامج بالأساس على تنفيذ عقد مدته سنتان ينتفع بموجبه طالب الشغل بمنحة شهرية تقدر ب 600 دينار تتحمل منها الدولة النصيب الأكبر ب 400 دينار فيما تدفع المؤسسة الخاصة التي ستنتدبه باقي الأجر المقدر ب 200 دينار، على أن يتحول بعد مرور العامين إلى انتداب رسمي من قبل المؤسسة. ويأتي إنطلاق برنامج عقد الكرامة تزامناً مع تصريح رئيس الحكومة بأن "الدولة غير قادرة على التشغيل حاليا" وأن الجهود تتجه نحو دعم المبادرة الخاصة مع انطلاق حملة جديدة تحت عنوان "إنجم – ( أستطيع )" للتحفيز على المبادرة الخاصة والتعريف بمختلف مراحل إنجاز المشاريع[2].

يعزز برنامج عقد الكرامة مجموعة الآليات والبرامج السابقة التي تعتمدها الحكومة للحدّ من نسبة البطالة المرتفعة لتصبح عدد الآليات المعتمدة حاليا والموجهة بالأساس لحاملي الشهائد العليا أكثر من 10 آليات[3] تحمل في ظاهرها حلا للتشغيل وتخفي في باطنها مسكنات للوضع الاجتماعي المتأزم وترويضا للإحتجاجات الإجتماعية المطالبة بالحق في العمل الذي يضمنه الدستور التونسي[4]. ومن شأن هذه الجرعات المسكّنة أن تغني السلطة الحاكمة عن فتح إصلاحات هيكلية وجوهرية. ويتبين من تعداد جملة هذه الآليات والبرامج والحملات اعتماد الخيار الحكومي  في كل مرة على تكثيفها بإضافة آلية جديدة من قبل كل حكومة جديدة يقع تنصيبها وذلك على حساب نجاعة الخيارات[5].

في المقابل ورغم تأكيد الطرف الحكومي في كل مرة على أن جملة الآليات والبرامج الموضوعة تمثل خطوة حقيقية لإدماج العاطلين عن العمل في المؤسسات الخاصة عن طريق التكفل بجزء هام من الأجر وتحفيز المؤسسات بتمتيعها بمجموعة من الحوافز والإعفاءات الجبائية، فإن مؤسسات القطاع الخاص  كثيراً ما تحيد عن جملة الأهداف وذلك بالإلتجاء إلى هذه الآليات لسد الشغورات ثم التخلص من المتربصين الذين انتهت فترة عقودهم دون القيام بانتدابهم وطلب تعويضهم بمتربصين جدد لضمان استمرار تمتع المؤسسة الخاصة بالإعفاءات والامتيازات وهو السيناريو الذي يخشى أن يعاد مرة أخرى مع "عقود الكرامة" رغم تأكيد رئيس الحكومة يوسف الشاهد بأن “عقد الكرامة سيكون عقد شغل حقيقي لا تربص ولا تكوين” [6].

يضاف لكل ما ذكر أن النسبة المستهدفة بمثل هذه البرامج تعد نسبة ضعيفة (25 ألف عاطل عن العمل سيتمتعون بعقد الكرامة مقابل 240 ألف حامل لشهادة عليا يحق لهم التمتع بهذا البرنامج) مقارنة بعدد العاطلين عن العمل إذ يفوق عدد العاطلين عن العمل 600 ألف عاطل منهم 240 ألفا من الحاملين لشهائد عليا لتصل نسبة البطالة في تونس 15.5 بالمائة [7].

 يمثل الحصول على العمل الهاجس الأكبر للعاطلين عن العمل خاصة من حاملي الشهائد الجامعية العليا والذين طالت بطالتهم وتشاركهم الحكومات هذا الهاجس في نفس الوقت تنفيذا لوعودها وخوفا من ردود الفعل الاحتجاجية الغاضبة. لكن رغم ذلك، يبقى الإرتفاع المتواصل لعدد العاطلين عن العمل غير متزامن مع تطور نسبة النمو الاقتصادي ومع تطور فرص العمل. وأمام هذا العجز الاقتصادي تجد الحكومة نفسها مضطرة لإطلاق حملات وبرامج جديدة تخفيفا لحدة الاعتصامات والتوترات ومطالب التشغيل الفوري وتفضيلا للكم على الكيف ودفعا غير مجد للعمل والاستثمار في القطاع الخاص المتأثر بدوره  بالظروف الأمنية والسياسية الصعبة.

 


[1]  تصريح لإذاعة صفاقس ، 10 مارس 2017.
[2]  محاضرة رئيس الحكومة يوسف الشاهد أمام طلبة معهد الدراسات العليا التجارية بقرطاج – 18 مارس 2017.
[3]  تتمثل هذه البرامج في :  1 برنامج فرصتي ، 2 صك تحسين التشغيلية بمرحلة تجريبية ، 3 عقود إدماج حاملي شهادات التعليم العالي ، 4 تربصات الإعداد للحياة المهنية ، 5 عقود التأهيل والإدماج المهني ،  6 عقود إعادة الإدماج في الحياة النشيطة ،  7 برنامج مرافقة باعثي المؤسسات الصغرى ، 8 برنامج الخدمة المدنية التطوعية ، 9 الآلية 16 المتعلقة بعملة الحضائر,10 يضاف إليها الآلية 16 أو ما يعرف بعملة الحضائر. – المصدر : موقع وزارة التكوين المهني والتشغيل.
[4]  الفصل 40 من الدستور : " العمل حق لكل مواطن ومواطنة ، وتتخذ الدولة التدابير الضرورية لضمانه على أساس الكفاءة والإنصاف ولكل مواطن ومواطنة الحق في العمل في ظروف لائقة وبأجر عادل."
[5]   سنة 2011 حكومة محمد الغنوشي وحكومة الباجي قائد السبسي : برنامج منحة أمل  200 دينار منحة لكل عاطل عن العمل / سنة 2012 حكومة حمادي الجبالي : التخلي عن منحة أمل. / سنة 2013 حكومة علي العريض : إعادة منحة أمل ب 200 د وتوسعة عدد المنتفعين بها. / سنة 2013 حكومة المهدي جمعة : برنامج صك تحسين التشغيلية. / سنة 2014 – 2016 حكومة الحبيب الصيد : برنامج فرصتي. / سنة 2016 – 2017 حكومة يوسف الشاهد :برنامج عقد الكرامة.
[6] تصريح رئيس الحكومة يوسف الشاهد في 18 نوفمبر 2016 أمام مجلس نواب الشعب بمناسبة عرض بيان الحكومة حول تقديم قانون المالية العامة لسنة 2017
[7]  إحصائيات سنة 2016 – المصدر : المعهد الوطني للإحصاء.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، لا مساواة وتمييز وتهميش



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني