بعد طول انتظار، اقرار قانون الهيئة المؤقتة للإشراف على القضاء في تونس: انتخاب نصف الأعضاء من القضاة وأعضاء من غير القضاة


2013-04-25    |   

بعد طول انتظار، اقرار قانون الهيئة المؤقتة للإشراف على القضاء في تونس: انتخاب نصف الأعضاء من القضاة وأعضاء من غير القضاة

تمت يوم 24 أفريل 2013 المصادقة من قبل أعضاء المجلس الوطني التأسيسي التونسي على قانون الهيئة المؤقتة للاشراف على القضاء العدلي. كان ينتظر صدور هذا القانون قبل هذا التاريخ بأجل لا يقل عن سنة كاملة وذلك على اعتبار أن السلطة التشريعية تعهدت في القانون الذي ينظم السلط العمومية باعطاء الأولوية التشريعية لبعث الهيئة التي ينظمها والتي ستحل محل المجلس الأعلى للقضاء الذي يعتبر من مخلفات الحقبة الاستبدادية قبل سنة ونصف من هذا التاريخ.
فشل النواب قبل هذه المرة في المصادقة على مشروع قانون سابق يتعلق بذات الهيئة. وانتهى الامر بهم الى اسقاط المشروع. سقط المشروع الأول بتاريخ 2 أوت 2012 بسبب خلافات شقت المجلس التأسيسي بمجرد الشروع في مناقشته. كان ظاهر الخلاف يتعلق بالاستقلالية المالية والمعنوية لهيئة الاشراف على القضاء العدلي التي تمسكت بها المعارضة فيما رفضها نواب الأغلبية الحاكمة. وفيما كان الفشل السابق في حقيقة أمره نتيجة حتمية لصراع سياسي بين أغلبية أرادت أن تنقلب على تعهداتها السابقة بضمان استقلالية القضاء واصلاح مؤسساته لحين الانتهاء مما اعتبرته مشروعها لتطهير القضاء وأقلية رفضت ما قدرت ما عدته سعيا للأغلبية الى اخضاع القضاء وسعت الى تأكيد قدرتها على اسقاط مشاريع القوانين الأساسية التي لا تستجيب لاشتراطاتها.
أدى الفشل التشريعي السابق لتعطل قاطرة إصلاح القضاء وتمكنت السلطة السياسية بفضله من إجراء حركة قضائية وفق تصوراتها وباستعمال صوري للمجلس الأعلى للقضاء الذي سبق وصرحت بعدم شرعيته.
وبعد انتظار تجاوز الستة أشهر وبفضل ضغط مارسته جمعية القضاة التونسيين بدعم من المجتمع المدني وتمثل في تحركات احتجاجية متكررة وحملات إعلامية منظمة، وجد المجلس الوطني التأسيسي مجبرا على معاودة صياغة مشروع جديد معدل لقانون الهيئة القضائية وتعهد مكتبه بإصلاح الخلل الحاصل وايلاء هذا المشروع الأولوية التي يستحق. فاضطر أعضاء لجنة التشريع العام على تأجيل مشروع قانون تحصين الثورة الذي كانوا بصدد مناقشته ليباشروا التشاور مع هياكل القضاة وخبراء القانون والكتل النيابية في تفاصيل مشروع انشاء الهيئة.
كان ينتظر من مشروع قانون استغرقت مفاوضات انجاز مسودته أمدا مطولا وتعهد من أنجزوه بالسعي لتوافقات تضمن رضاء جميع الكتل النيابية والأطراف المعنية به أن تكون المداولات في شأنه ميسرة اعتبارا للتجاوز الموعود للخلاف، غير أنه وبمجرد نشر مشروع القانون قوبلت بعض فصوله برفض من هياكل القضاة خصوصا فيما تعلق بتركيبة الهيئة وصلاحياتها. وبدا واضحا أن ذات الخلافات تجاوز مداها القضاة بعدما عبرت عديد الكتل النيابية عن رفضها لذات الفصول.
تمسك المعترضون على مشروع القانون برفض الصيغة الأولية للمشروع التي كانت تنص في الفصل السادس على أن الهيئة تتكون من خمسة قضاة معينين بصفاتهم وعشرة قضاة منتخبين يمثلون مختلف الرتب القضائية وخمسة أعضاء يعينهم الرؤساء الثلاث أي رئيس المجلس الوطني التأسيسي ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة علاوة على الهيئة الوطنية للمحامين. كما تمسكت الهياكل المهنية للقضاة بطلب اسناد الهيئة الصلاحية الكاملة في مراجعة التعيينات القضائية التي باشرتها وزارة العدل عبر المجلس الأعلى للقضاء وباعادة النظر في قرارات الاعفاء التي أصدرها رئيس الحكومة وشملت 74 قاضيا.
خاضت جمعية القضاة التونسيين ونقابة القضاة اضرابا مشتركا بينهما يوم 13 أفريل 2013 هو الأول من نوعه في سابقة سجلت اشتراكهما في التحرك لغاية الضغط على السلطة التشريعية للاستجابة لمطالب قواعدهما. وبدا واضحا أن ضغط القضاة كان له أثره على أعمال المجلس خصوصا بعدما أعلن كبار القضاة الذين يفترض أنهم سيكونون أعضاء قارين بالهيئة أنهم سيمتنعون عن المشاركة في أي هيئة لا تستجيب لتطلعات القضاة.
تحول الضغط المتواصل من القضاة الى عامل عزز جانب النواب الذين يساندون مطالبهم وبات مشروع القانون معرضا لخطر الفشل المجدد، فسعت جمعية القضاة الى تعزيز فرص تحول المشروع الى قانون يستجيب لتطلعات القضاة بتحولها الى جهة اقتراح للحلول التي تساعد في تجاوز المسائل الخلافية. وحذرت الجمعية كل الأطراف من الأخطار التي قد تنجم عن الفشل في المصادقة على القانون لكون ذلك سيؤدي بالضرورة لتواصل سيطرة السلطة التنفيذية على القضاء. كما عبرت عن قبولها بحلول تسمح بتحقيق الحد الأدنى المشترط. وفي مقابل ذلك، تمسكت نقابة القضاة بمواصلة التحركات النقابية الاحتجاجية وأكدت أنها لا تقبل مطلقا بهيئة يسمح أن يتواجد في تركيبتها أعضاء من غير القضاة.
أعاد مشروع القانون هياكل القضاة الى نقطة الانطلاق فبعد وحدة استمرت لتحرك يتيم عادت الهياكل لتبادل التهم بينها وخوض حروب بيانات وتصريحات اذ اتهمت النقابة الجمعية بالتورط في حسابات سياسية لغاية تمرير قانون يخدم مصالحها فيما اتهمت الجمعية النقابة بالعمل على افشال قانون الهيئة لغاية استدامة تدخل السلطة التنفيذية في القضاء.
كانت مداولات المجلس التأسيسي حول مشروع القانون صعبة ومتعثرة وبينت هشاشة التوافقات بين الأطراف السياسية التي تكون فسيفسائه وتمكنت رئاسة المجلس من تجاوز الأخطار التي كانت تحدق بالمشروع بعدما التجأت لفكرة تقديم مناقشة الفصول القانونية التي تم الاتفاق في شأنها مع تأجيل غيرها من الفصول لحين التوصل الى توافقات في كواليس المجلس بشأنها.
تمكن المجلس التأسيسي من تحقيق تعديل جوهري في تركيبة الهيئة حقق موازنة بين الخشية التي عبر عنها القضاة بشأن امكانية أن تكون عضوية غير القضاة بتركيبة الهيئة مدخلا لتسييسها وبين تمسك جانب هام من النواب والمجتمع المدني بكون مجلس القضاء يجب ألا يكون مجلسا قطاعيا للقضاة ويتعين أن يضم غيرهم ليكون مستجيبا للمعايير الدولية. وانتهى الأمر الى مصادقة النواب على تصور للهيئة يضمن تواجد غير القضاة بها ويستبعد الساسة من امكانية التواجد وذلك بعدما تم تحديد الأعضاء من غير القضاة بالأساتذة الجامعيين من ذوي الاختصاص القانوني دون سواهم.
 وفي محاولة من جمعية القضاة لضمان قبول أغلبية القضاة بالقانون واضعاف جانب المعارضين له، بادر مكتبها التنفيذي يوم23 أفريل 2013 بتوجيه مراسلة لرئاسة المجلس التأسيسي تضمنت طلب اعادة النظر في الفصلين 9 و18 الذين تمت المصادقة عليهما بتاريخ سابق. وقد تضمن الفصل 9 تنصيصا على منع كل من شارك من القضاة في المؤتمر الانقلابي على جمعية القضاة سنة 2005 من حق الترشح لعضوية الهيئة وأثار غموض الفصل 18 وسوء صياغته احترازا في صفوف القضاة بعدما تم اعتبار أنه يؤدي لايقاف القاضي المتهم  باقتراف جنحة ولو كانت غير قصدية من قبيل الجنح المرورية عن العمل لحين صدور حكم بات في شأنه.
التمست جمعية القضاة من المجلس في اطار الصلاحية المتوفرة له قانونا أن يراجع اعضاؤه  الفصلين مصدر الخلاف المتوقع في اتجاه الحد من التوجه لمعاقبة القضاة وحصر استثناء الترشح فيمن ضلعوا في الانقلاب تخطيطا وتنفيذا. كما طلبت الجمعية من النواب ازالة اللبس توقيا من سوء الفهم والتطبيق لاحقا. وفي سابقة تشريعية، فعل المجلس التأسيسي الفصل 93 من نظامه الداخلي وتولى أعضاؤه رفع الحد من حق الترشح  والغاء التنصيص على المشاركة في الانقلاب كمانع من الترشح وتم توضيح مدلول حالات الايقاف عن العمل بعد الاستثناء الصريح للجرائم غير القصدية من صور الايقاف الوجوبي عن العمل.
وحد التصدي لمشروع القانون في صيغته الأولى القضاة ولكن ذات المشروع أعاد الفرقة بينهم. وبمجرد المصادقة على القانون وقبل ختمه وصدوره بالجريدة الرسمية أكد قانون الهيئة فرقة القضاة حوله, فبعدما بادرت جمعية القضاة التونسيين لاصدار بلاغ تعبر فيه عن رضاها بالقانون على اعتبار أنه يضمن الشروط الدنيا لاستقلالية الهيئة وعبرت عن قبولها بأحكامه وان لم تكن جميعها وفق طلباتها، أعلنت في الجهة المقابلة نقابة القضاة أنها ترفض القانون وتتمسك برفضها المطلق للتركيبة المختلطة للهيئة. رحبت الجمعية بالقانون وهددت النقابة بالتصعيد.
وبعيدا عن الترحيب والاحتجاج كشف مخاض قانون هيئة الاشراف عن القضاء العدلي صعوبة التوصل لقوانين وتشريعات تضمن فعليا الشروط المتعارف عليها دوليا لاستقلال القضاء في ظل الصراعات السياسية التي تميز مراحل الانتقال الديموقراطي كما بينت التجربة أن القضاة يقوم على عاتقهم واجب الصراع من أجل فرض استقلاليتهم. فبفضل نضال هياكل القضاة، تم اقرار القانون بعد أن اعتقد السياسيون أنه استحقاق يمكن تاجيله لما بعد الانتهاء من تصفية حساباتهم السياسية.
وبعيدا عن القضاء وشأنه بينت مداولات القانون الأساسي للهيئة المؤقتة للقضاء العدلي أن الأغلبية الحاكمة وبعد ان فقدت جزءا من كتلتها النيابية بفعل الانشقاقات التي عرفها حزبا المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل من أجل العمل والحريات أضحت عاجزة عن تمرير القوانين الاساسية دون التوصل لاتفاقات مع الأقلية النيابية التي استفادت من توجهها نحو التوحد وتنسيق المواقف. أرسلت الأقلية النيابية بمناسبة مناقشة مشروع هيئة القضاء رسالة الى الأغلبية مفادها أنه أضحى يتوجب عليها القبول بها كشريك في صياغة القوانين الأساسية. ويبدو أن القانون الانتخابي الذي يتعين على المجلس التأسيسي أن يعد مشروعه في المحطة القادمة سيكون بدوره مناسبة لمعاودة الصراعات بين الكتل النيابية ان لم  تتم الاستفادة من تجربة مداولات قانون هيئة القضاء العدلي خصوصا وأن اهتمام السياسيين بالقانون الانتخابي يتجاوز فعليا اهتمامهم بشأن القضاء لتعلقه بمستقبلهم السياسي. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني