وزير العدل يصر على محاربة المؤسسة القضائية، ويتهمها بالتسييس..


2013-11-14    |   

وزير العدل يصر على محاربة المؤسسة القضائية، ويتهمها بالتسييس..

تولت رئاسة الحكومة التونسية تحويل مذكرتي وزير العدل التونسي المتعلقتين بتعيين متفقد عام جديد لوزارة العدل ورئيس المحكمة العقارية الى اوامر فردية نهائية بالتعيين صدرت بالرائد الرسمي للبلاد التونسية. وفيما بدا اختيارا ذا دلالة رمزية، تم اصدار الامرين بتاريخ 07 نوفمبر 2013 الذي تزامن مع يوم اضراب القضاة ضد مذكرات الوزير. ويكشف تاريخ القرار عن مساندة رئاسة الحكومة لوزير العدل في مواجهته للهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي ولهياكل القضاة. فيما يتبين من صدور أمرين من جملة سبعة كان يفترض أن تغطي كامل الحركة التي تولاها الوزير يوم 14 أكتوبر 2013 أن الحكومة بدأت تستعد للمواجهة القانونية مع الهيئة. فقد تولت رئاسة الحكومة التغاضي عن مذكرات العمل التي سبق وان اصدرها الوزير وشملت تعيين رئيس جديد للمحكمة الابتدائية بتونس ومدير لمركز الدراسات القضائية وتعيين المتفقد العام الحالي بخطة رئيس دائرة جنائية استئنافية وتعيين رئيس المحكمة العقارية بخطة رئيس دائرة تعقيبية. ويفسر تعديل الحكومة لقرارات وزيرها بسعيها لإقصاء التعيينات التي لا يجادل أحد في عدم قانونيتها وعجزت مصالحها القانونية عن البحث لها عن تبرير قانوني حتى في قوانين الحقبة الاستبدادية. فيما بتبين من تمسكها بغيرها من التعيينات انها تقدر ان موقفها في شانها يمكن ان يجد له سندا في التأويل الذي قدمه وزير العدل لنص القانون الاساسي عدد 13 لسنة 2013 المؤرخ في 02 ماي 2013 المتعلق بإحداث هيئة وقتية للإشراف على القضاء العدلي. وكان الوزير قد اعتبر في البلاغات الصادرة عنه وتصريحاته الصحفية أن الفصل الاول من القانون المذكور ينص على أن هيئة القضاء تحل محل المجلس الاعلى للقضاء بما يستفاد منه أن المشرع اسند لها صلاحيات المجلس المنحل دون صلاحيات السلطة التنفيذية لينتهي الى كون تعيينات سامي القضاة من صميم اختصاصات السلطة التنفيذية.

اختارت الحكومة التي ترفع لواء تحقيق استحقاقات الثورة ويتباهى اعضاؤها بتمسكهم ببناء دولة المؤسسات والقضاء المستقل ان تحارب من اجل عودة الحياة للقانون عدد 29 لسنة 1967 المؤرخ في 14 جويلية 1967 في فصوله التي صيغت لتضمن للسلطة التنفيذية موطأ قدم في تعيينات القضاة لتحقق نجاعة تدخلها في عملهم القضائي. واعتبر الوزير ومن خلفه الحكومة التي ساندته ان الدفاع عن الصلاحيات المذكورة دفاع عن الدولة والقانون رغم ان الفصل 14 من القانون المحدث لهيئة القضاء نص صراحة على انه "تكون تسمية القضاة وتعيينهم بناء على قرار ترشيح من الهيئة وذلك طبقا لأحكام الفصل 17 من القانون التأسيسي عدد 6 لسنة 2011 المؤرخ في 16 ديسمبر 2011 والمتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية. وتكون ترقيتهم ونقلتهم بأمر من رئيس الحكومة بناء على رأي مطابق من الهيئة" فيما نص الفصل 20 من ذات القانون على ان "تلغى جميع الأحكام المخالفة لهذا القانون الأساسي وتبقى أحكام القانون عدد 29 لسنة 1967 المؤرخ في 14 جويلية 1967 المتعلق بنظام القضاء والمجلس الأعلى للقضاء والقانون الأساسي للقضاة التي لا تتعارض مع هذا القانون الأساسي سارية المفعول". 

تجاهلت الحكومة نصوصا قانونية واضحة وحاولت في بداية الامر ان تفرض سياسة الامر الواقع من خلال عامل المفاجأة في قراراتها الا أنها اصطدمت برفض القضاة الذين شملتهم مذكرات وزيرها لتنفيذها وعاينت توحد القضاة في التصدي لها. فعدَلت الحكومة -في تنازل غير معلن منها – من موقفها وسعت الى ايجاد حاجة لتأويل النصوص القانونية لتصل الى فرض حد ادنى من "حقها المزعوم " في التدخل في ترتيب البيت القضائي. وفي مواجهة حديث استقلال القضاء، اختار وزير العدل ان يرفع لواء فرض تطبيق القانون على الجميع في دفاعه عن موقفها فخرج للإعلام ليلة 12 نوفمبر 2013 ليصرح بكونه يخوض معركة من اجل تحقيق علوية القانون وليلمح الى كون تحركات القضاة مسيَسة بعد ان توجه لمحاوره بالسؤال هل يمكن لك ان تجزم بكون اضراب القضاة غير مسيَس ويضيف: " انا لا يمكن لي ان اجزم بذلك ".

فشلت الحكومة في تصور دور لها في ادارة المرفق القضائي غير ذلك الذي كانت تمارسه حكومات ما قبل الثورة وتبين لها أن التعيينات القضائية عنوان لسلطتها على القضاء وغاب عنها أن وزراء العدل في الأنظمة الديمقراطية لا يباشرون تعيينات القضاة ورغم ذلك فهم يديرون مرفق القضاء ويساهمون في حماية استقلاليته. فعادت الحكومة التي انبثقت عن الثورة ورفعت في بيانها شعار تحقيق استحقاقاتها لتنقلب على قانون الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي الذي سنَ في عهدها ولتسعى الى فرض ارادتها على المؤسسة القضائية من خلال قوانين الحقبة الاستبدادية. واتجه وزير العدل في إطار بحثه عن سند شعبي لتوجه حكومته، الى الرأي العام ليصور له دفاع هيئة القضاء العدلي عن ضمانات استقلال القضاء ومساندة القضاة لها في ذلك كما لو أنها من عناوين الثورة المضادة، في مشهد يتغاضى عن شعارات الثورة ووعودها. وبذلك، تحول قانون 1967 الى دفاع عن الثورة رغم ان الثورة رفعت شعار حل المؤسسات التي ارساها فيما استحال الدفاع عن قوانين الثورة واستحقاقاتها عملا يناوئ السلطة الشرعية ويؤسس لغصب السلطة.

  الصورة منقولة عن موقع Babnet Tunisie

انشر المقال

متوفر من خلال:

استقلال القضاء ، مقالات ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني