خلاف جديد بين الهياكل القضائية حول زيادة أجور القضاة في تونس: ضمانة للاستقلالية أم رشوة للتنازل عنها؟


2012-10-11    |   

خلاف جديد بين الهياكل القضائية حول زيادة أجور القضاة في تونس: ضمانة للاستقلالية أم رشوة للتنازل عنها؟

أعلنت وزارة العدل التونسية توصلها لاتفاق مع نقابة القضاة التونسيين يقتضي الترفيع في أجور القضاة وتضمن الإعلان الرسمي أن الزيادة المعلنة والتي ستكون في حدود خمسمائة دينار تونسي شهريا ليست الا زيادة اولية سيعقبها التفاوض لغاية التوصل  لتمتيع القضاة بزيادات خصوصية في الاجور.
رحبت نقابة القضاة التونسيين بالقرار واعتبرته من ثمرات نضالها النقابي. واسترابت في مقابل ذلك جمعية القضاة التونسيين من اعلان الوزارة على اعتبار تزامنه مع الحركة القضائية. عدت الجمعية زيادة الاجور المعلنة رشوة يراد بها شراء سكوت القضاة عن الاخلالات التي عرفها التعاطي الرسمي مع ملف اصلاح القضاء..
رفضت نقابة القضاة الربط بين مطالبتها بتحسين الوضع المادي للقضاة والحركة القضائية وذكرت ان اتفاق زيادات الاجور تم التوصل له خلال شهر نيسان/أفريل أي في تاريخ سابق عن الحركة القضائية. وبينت أنها هيكل نقابي يدافع عن مصالح منظوريه. وزيادات الاجور تعد اولوية لكونها من ضمانات استقلال القضاء. فيما رفضت السيدة كلثوم كنو رئيسة جمعية القضاة المطالبة بزيادات الاجور خلال هذه المرحلة وصرحت أن الوضع الاقتصادي يجعل القضاة يتمسكون برفض زيادة اجورهم من منظور وطني ولكي لايتهموا بالانتهازية.
تحول تحسين الوضع المادي للقضاة بفعل حدة التجاذبات التي تحكم المشهد القضائي الى موضوع خلافي، بين شقين أولهما ينادي بمواصلة التفاوض من أجل ضمان تأجير للقضاة يستجيب لقواعد استقلاليتهم وثانيهما يتمسك بتأجيل الحديث عن المسائل المادية لحين تحقيق استحقاقات القضاء خلال المرحلة الانتقالية.
كان تحسين الوضع المادي للقضاة في تأجيرهم من أهم مطلبيات جمعية القضاة التونسيين في تاريخها النضالي اذ انها تمسكت بالمطالبة بتمتيع القضاة بسلم أجور متحرك وإنهاء الربط بين التأجير في الوظيفة العمومية وتأجيرهم.
ظل تأجير القضاة التونسيين لعقود من الزمن من المسائل المسكوت عنها وكان السياسيون يتندرون في مجالسهم بعدم حاجة القضاة لأجورهم لتعويلهم الكبير على الرشوة، إلا أن جمعية القضاة التونسيين نجحت من خلال تحركاتها النقابية التي توجت بإضراب القضاة التونسيين في قصر العدالة بالعاصمة سنة 1985 في فرض مراجعة تأجير القضاة على الحكومات المتعاقبة وكانت جمعية القضاة التونسيين وفية لذات المسار اذ نجحت في صياغة أدبيات تقيم الدليل على أن إعطاء القضاة لحقهم في التأجير الذي يتلاءم مع خصوصيات عملهم ليس مطلبا ماديا وإنما هو ركيزة أساسية من ركائز استقلالية القضاء.
لم يكن متوقعا ان يكون الحديث عن تحسين أجور القضاة مناسبة لتعميق الفرقة بينهم وكان المتوقع أن يؤدي طرح الملف الى صياغة مطالبة تتمسك بالمراجعة الكاملة لنظام الأجور والامتيازات العينية بما يتلاءم مع توصيات المواثيق الدولية لاستقلال القضاء وبما يتطابق مع أدبيات جمعية القضاة التونسيين.
كانت الاخفاقات التي عرفها ملف اصلاح القضاء بسبب تعطل مشروع بعث الهيأة المؤقتة للاشراف على القضاء العدلي. وما اعتبرته جمعية القضاة من محاولة الوزارة منح نقابة القضاة امتيازا بجعلها الطرف المفاوض في زيادات الاجور سببا في تحويل الامر الى سبب جديد للخلاف بين هياكل القضاة.
يكشف مسار التعاطي مع زيادات الاجور ان وحدة القضاة وحسن ادارتهم لتعدديتهم النقابية أضحت من الاولويات التي يتعين عليهم الاهتمام بها لضمان تواصل قدرتهم على النضال من اجل تحقيق استحقاقاتهم خصوصا وأن السلطة السياسية اظهرت رغبة في توظيف صراعات القضاة الداخلية لما يخدم مصلحتها ويقلل من قدرتهم في الضغط عليها .   
 م.ع.ج

انشر المقال

متوفر من خلال:

غير مصنف



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني