فساد القطاع الصحي في تونس يقتل


2016-08-17    |   

فساد القطاع الصحي في تونس يقتل

 أدى الكشف بداية الشهر السابع من سنة 2016 عن تعمّد مؤسسات استشفائية أغلبها مصحات خاصة اعتماد لوالب منتهية الصلاحية في عمليات القسطرة لعدد من مرضى القلب إلى تسلط الاهتمام العام على الفساد في القطاع الصحي. وهو اهتمام جديد لم يحظ به قطاع الصحة من قبل رغم أن المعهد الوطني للإحصاء في تونس كان قد أعلن في مطلع ذات السنة  عن دراسة أكد فيها أن قطاع الصحة إلى جانب قطاع الأمن هو أكثر القطاعات التي ينخرها الفساد[1].

وفي الوقت الذي ثارت فيه أسئلة عن المصحات[2] والمستشفيات المتورطة في الفضيحة الطبية وعدد المرضى المتضررين، صرح رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء في الإعلام بأنّ قاضي التحقيق بالمكتب الرابع بالمحكمة الابتدائية بتونس يتعهد بقضية فساد صحي لا تقل في خطورتها عن قضية "اللوالب القلبية منتهية الصلاحية" وتتمثل في قضية "البنج الفاسد". وتتصل هذه القضية بوجود شبهات حول صفقات في مواد للتبنيج كانت قد تسببت في سحب بنج "بروبوفال" من الأسواق التونسية وفي حالات وفاة بسبب مخدر تبنيج "فاكاين". وقد اتهمت في هذه القضية شركات تونسية [3].

وفي إطار محاولتها التعاطي مع آثار الفضيحة  في شقها الأول، تولت وزارة الصحة التونسية إعلان اتخاذها عددا من القرارات التأديبية ضد المصحات الخاصة بعد ثبوت تورطها في قضية اللوالب القلبية منتهية الصلاحية[4]. وقد قوبل تعاطي وزارة الصحة على هذا الوجه بانتقادات  من قبل الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي والبعض من منظمات المجتمع المدني[5]. فعقوبات التوبيخ والغلق المؤقت عقوبات تعد بسيطة أمام حجم الضرر المسبب فيه. وتبعاً لذلك، أكّد وزير الصحة التونسية على تكوين لجنة لمراجعة القوانين الإدارية في اتجاه تشديد العقوبات أكثر ضد المخالفين، كما سيتم تنقيح كراس الشروط المنظم للمصحات الخاصة حسب ما أعلنه خلال الندوة الصحفية.

أما فيما يتعلق بالشقّ الثاني من الفضيحة التي تتعلق بالبنج الفاسد، فإن الصيدلية المركزية للبلاد التونسية تبقى المسؤولة الأولى بوصفها "المخوّلة دون غيرها قانونيّا باستيراد الأدوية وترويجها في القطاعين العمومي والخاص"[6]. وهو ما أجابت عليه الصيدلية المركزية "بادعاء أن الصيدلية المركزية تورد الأدوية بصفقات تتم عن طريق اللجنة العليا للصفقات العمومية"[7].

تحول ملف الفساد الطبي سريعا إلى حرب نقابية سلاحها البيانات. فبتاريخ 6 أوت 2016، أصدرت الغرفة النقابية الوطنية للمصحات الخاصة، وهي عضو في الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية المنظمة النقابية الممثلة للأعراف، بيانا اعترضت فيه على حملات التشهير المفرطة بالمصحات وتوعدت بالرد عن طريق غلق قاعات عملياتها الخاصة بهذا الشأن. ثم تلا هذا البيان من ناحية أخرى عقد الشركة العربية للصناعات الصيدلانية (سيف) ندوة صحفية في 9 أوت 2016  تنديدا بقرارات وزارة الصحة المتعلقة بسحب تراخيص صنع وتسويق 5 أنواع من الأدوية. وتواصلت معه التصريحات الصحفية والإذاعية لمختلف الأطراف إما تبرئة أو توضيحا أو اتهاما. ويخشى أن يؤدي تدخل دوائر النفوذ إلى حجب الحقيقة في ملف يهم صحة المواطن بدعوى الحفاظ على نشاط المؤسسات الصحية وحاجة الاقتصاد الوطني لها.  



[1] المسح الوطني حول نظرة المواطن إلى الأمن والحريات والحوكمة المحلية بين سبتمبر 2014 و أكتوبر 2015 – المعهد الوطني للإحصاء.
[2] تم طرح قضية اللوالب منتهية الصلوحية في مقال بعنوان " طبيبة تكشف تجاوزات في مستشفى الرابطة وآلات قلب انتهت صلوحيتها ورغم ذلك تزرع في قلوب المرضى وأطباء غير مختصين يعالجون المرضى " صدر بجريدة الجمهورية الأسبوعية من 7 إلى 13 جويلية 2011.
[3] تصريح للقاضي أحمد الرحموني رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء ، تصريح للصباح نيوز – بتاريخ 8 أوت 2016 .
[4]شملت هذه القرارات ثلاثة أصناف : التوبيخ / الغلق الوقتي لمدة شهر أو لمدة 3 أشهر / الغلق النهائي للقاعة  .كما شملت العقوبات قسم أمراض القلب بمستشفى سهلول – ولاية سوسة.إذ تم إعفاء رئيسة قسم أمراض القلب بالمستشفى المذكور وإحالتها على مجلس التأديبمع الطبيبين المتورطين في عملية وضع القوالب.واقترنت هذه العقوبات التأديبية الإدارية بتتبع قضائي بعد تقديم شكايات جزائية في الغرض.وتم تكوين لجنة من الأطباء لتأمين المتابعة الصحية لمدة 24 شهرا لحالة المرضى المعنيين والتثبت من حالتهم الصحية.وقد وضعت هذه اللجنة رقما مجانيا على ذمة المرضى وعائلاتهم يمكّنهم من خلاله الاتصال بالأطباء أعضاء هذه اللّجنة للإجابة على كافة استفساراتهم  .
 
[5] بيان منظمة أنا يقظ / بيان الاتحاد العام التونسي للشغل.
[6]يراجع بيان وزارة الصحة بتاريخ 09-08-2016  
[7]تدخّل رئيس مدير عام الصيدليّة المركزيّة الأمين مولاهي في برنامج 'أحلى صباح'  باذاعة موزاييك اف ام اليوم الثلاثاء 9 -08- 2016، وأكّد أنّ ما تمّ تداوله وقع تهويله بشكل كبير، موضّحا أنّهم يقتنون الأدوية المورّدة سواء بالاتفاق المباشر أو عن طريق الصفقات تحت إشراف اللجنة العليا للصفقات العموميّة التابعة لوزارة الحوكمة ومكافحة الفساد.
 
انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، الحق في الصحة والتعليم



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني