القضاء الاداري المصري صونا لحق الدفاع: وقف تنفيذ قرار منع دخول المحامين إلى مقار نيابة أمن الدولة


2016-08-17    |   

القضاء الاداري المصري صونا لحق الدفاع: وقف تنفيذ قرار منع دخول المحامين إلى مقار نيابة أمن الدولة

“إن قضاء مصر لم ينعزل يومًا عن أبناء شعبه، عزلة مادية أو عزلة فكرية تعجزه عن إدراك معاناة الناس، فأبواب المحاكم والنيابة العامة كانت دائمًا مفتوحة أمام المواطنين. وقد استقر في يقين شعب مصر أن القضاء ملاذ المظلوم وسند الضعيف، وأن الحق إن ضاع في أي مكان آخر في الدولة فإنه مصون بين يدي القضاة، وأن العدل إن غاب أو غُيب عنهم، فإنه حاضر في أحكام القضاء…وشهدت مصر أعلامًا من المحامين نذروا حياتهم للمدافعة عن الحق والسعي الى العدل، وعرف القضاة للمحاماة مكانتها، وحفظ المحامون للقضاة منزلتهم، وناصروهم ودافعوا عنهم ضد كل اعتداء على اختصاصهم أو استقلالهم”. بهذه الحيثية المهمة، لخصت محكمة القضاء الاداري في حكمها الصادر بتاريخ 21-6-2016 أسباب وقف تنفيذ قرار منع دخول المحامين إلى مقر نيابة أمن الدولة. وهي الحيثية المهمة في ظل تعنت قبل النيابة العامة في التعامل مع المحامين وتعرضهم لعدد من الانتهاكات غير المسبوقة في ما يخص حق الدفاع.وتعكس هذه الفقرة نظرة المحكمة للمحامين المبنية على الإحترام المتبادل والندية وتقدير المهنة، وليس النظرة الفوقية التي انتشرت في الآونة الأخيرة من قبل بعض المحاكم وبعض دوائر النيابة العامة[1]. ومن دلائل تدهور العلاقة بين المحامين والأجهزة القضائية في الفترة الأخيرة، نقل مقر مكتب النائب العام الى منطقة الرحاب في ضواحي القاهرة ومنع المحامين من مقابلة النائب العام وأعضاء النيابة وتعاملهم مع موظفي المقر، بالاضافة الى منع المحامين من دخول نيابة أمن الدولة[2]. وقام المحامون مالك عدلي، سامح سمير، محمد عيسى ومحمد عزب بالاضافة الى محامين آخرين بالطعن على هذا القرار الأخير لوقف تنفيذه بصورة مستعجلة، وفي الموضوع لالغائه. ونتناول في هذا المقال حكم المحكمة الادارية العليا القاضي بوقف تنفيذه لحين الفصل في دعوى الالغاء.

تنظيم دخول المحامين إلى نيابة أمن الدولة: عمل اداري أو عمل قضائي؟
من الأمور التي تُطرح دائمًا على القضاء الإداري عند الطعن على أي قرار صادر من جهة قضائية هي طبيعة هذا العمل، وتحديداً إذا كان إدارياً يجوز الطعن عليه أمامه أم قضائياً بحتاً. وكان هذا الأمر طُرح من قبل في قضية الطعن على قرار حظر النشر الصادر في قضية “تزوير الانتخابات الرئاسية”، والتي ذهبت المحكمة فيه إلى إعلان اختصاصها على أساس أن قراراً مماثلاً هو إداري وأن صفة العمل القانوني ترجع الى “طبيعته وجوهره بغض النظر عن شخص مُصدره”[3]. وهو القضاء الذي تستقر المحكمة عليه في الحكم بوقف تنفيذ قرار منع المحامين من دخول مقر نيابة أمن الدولة حيث تراجع المحكمة طبيعة القرار وليس جهة اصداره. وعليه، اعتبرت المحكمة أن كلا من رئيس مجلس القضاء الأعلى، والنائب العام ومحامي عام نيابات أمن الدولة العليا ووزير العدل ووزير الداخلية (المطعون ضدهم) يمثلون في هذه الدعوى جهة الادارة وليس جهة قضائية. وانطلاقا من ذلك، ذهبت إلى القول بأن “تمكين المحامين من الدخول الى مقار النيابة العامة والمحاكم لمباشرة أعمال مهنتهم واجب على جهة الادارة طبقًا لنصوص الدستور والقوانين التي سيرد تفصيلها في هذا الحكم”، بحيث يكون “عدم تدخل جهة الادارة لإزالة العوائق والعقبات والقيود التي توضع في سبيل مباشرة المحامين لأعمال مهنتهم وتحجبهم عن الدخول الى مقار النيابة العامة والمحاكم يشكل قراراً ادارياً يجوز اختصامه أمام هذه المحكمة، ولا يعد عملاً من أعمال القضاء”.
وباستقرار قضاء المحكمة الادارية على مراقبة كافة الأعمال الادارية أياً كان مُصدرها، تبسط ولايتها على عدد كبير من القرارات وتعزز حق المواطن في التقاضي والتظلم ضد تلك القرارات، كما تعزز حمايتها للحقوق والحريات العامة.

مبدأ سيادة القانون كأساس لتنظيم العلاقة بين القضاء والمحاماة  
استندت المحكمة في هذا الحُكم لمبدأ سيادة القانون المنصوص عليه في الدستور واعتبرته أساس بنيان الدولة، وهو المبدأ الذي ينظم سلطات الدولة كما ينظم علاقتها بالمواطنين. وأكدت المحكمة أن الدستور نظم سلطات القضاء والنيابة العامة والمحاماة كما كفل للمحامين “الضمانات والحماية الواجبة” أثناء ممارستهم لحق الدفاع أمام المحاكم وهيئات التحقيق والاستدلال. واعتبرت المحكمة أن كلاً من المحامي وعضو النيابة والقاضي شركاء في إقامة العدل، ذلك لأن الحق لا يتحقق إلا إذا وُجد توازن بين سلطة الاتهام وحق الدفاع. فكلا من عضو النيابة والقاضي يمثلان سلطة الدولة في التحقيق والاتهام وإصدار الأحكام. أما المحامي فيمثل سلطة الضمير عند أداء واجبات حق الدفاع. وهنا يُطرح تساؤل حول ماهية حق الدفاع وهل يتوقف عند مجرد حضور المحامي مع المتهم في مرحلتي التحقيقات والمحاكمة؟

ماهية حق الدفاع
نصت المادة 54 من الدستور على ضرورة أن يبلغ محامي المقبوض عليه فور القبض عليه، وعلى عدم جواز بدء التحقيق معه الا في وجود محاميه او ندب محام له، وهي المادة التي تكفل حق الدفاع في الدستور المصري الحالي. وقد اعتبرت المحكمة أن المادة 54 نسخت كل نص في قانون الاجراءات الجنائية يجيز إجراء التحقيق مع المتهم في غياب محام[4]. ويشير هذا الأمر إلى وجود مواد في قانون الاجراءات الجنائية تشوبها شبهة عدم دستورية وهو الأمر الذي يحتاج إلى اهتمام خاصّ وسريع من السلطة التشريعية في مصر لمراجعة قانون الإجراءات الجنائية الذي يعتبر من أهم القوانين الضامنة لحق الدفاع والمنوط بها حماية المواطنين من التعسف ضدهم من قبل القائمين على تنفيذ القانون مثل الشرطة، وتوفير التوازن بين سلطة التحقيق والاتهام وحق الدفاع. كما يسجل أن المحكمة رفضت اعتبار أن تقرير سرية التحقيق في قضية معينة يؤدي الى منع المحامي من الحضور مع المتهم ومنعه من دخول مبنى النيابة الذي يجرى فيه التحقيق، وهو الدفع الذي تقدمت به هيئة قضايا الدولة لتبرير قرار منع المحامين من دخول مقر نيابة أمن الدولة.

وشرعت المحكمة في تفسير أن واجب الدفاع يتحمله كل من جهة التحقيق والمحكمة من جهة والذي يتمثل في واجب تمكين المتهم من الاتصال بمحاميه أو ندب محام له وعدم بدء التحقيق معه الا في وجود محام، ومن جهة أخرى المحامي الذي عليه واجب أداء يتمثل في الدفاع عن المتهم وبذل كل الجهد والطاقة اللازمين لذلك وأن يتحمل أعباء الدفاع عن المتهم، وإلا يمكن معاقبته جنائياً أو تأديبياً حسب نص القانون. وفسرت المحكمة أن واجب جهة التحقيق والمحكمة لا يتوقف عند مجرد الحضور الشكلي للمحام بل عليها أن تمكن المحامي من الاتصال بالمتهم وحضور التحقيقات معه ومن الاطلاع على التحقيقات والدعاوى والأوراق القضائية والحصول على البيانات المتعلقة بالدعاوى التي يباشرها، وعلى المحامي أن يبدي كل أوجه الدفاع التي يراها وعلى المحكمة أو هيئة التحقيق أن تقبلها أو ترفضها حسب القانون.

وفي سبيل تحقيق واجب الدفاع، فان لكل محامٍ الحق في دخول مقار المحاكم والنيابات “موفور الكرامة” حيث أنها ساحة عمله التي يمارس فيها رسالته وواجبه في الدفاع.

وبناء عليه اعتبرت المحكمة أن المشرع لا يملك أن يقيد حقاً دستورياً مثل حق الدفاع بما يمس أصله وجوهره وبالتالي فلا تملك جهة الادارة، من باب أولى، أن تقيد أو تضيق على ممارسة هذا الحق ولو بشكل غير مباشر. وعليه، فإن وضع قيود على دخول المحامين الى مقار المحاكم والنيابات العامة، ووضع قيود على الأعمال الادارية المكفول لهم القيام بها طبقاً للقانون ينال من حق المحامي في الدفاع ومن حقوق المتهمين أيضاً. واستناداً على ما سبق، اعتبرت المحكمة أن قرار منع المحامين من دخول مقر نيابة أمن الدولة يخالف الدستور، وقانوني المحاماة والاجراءات الجنائية ويهدر حقوق المحامين ويخل بحق الدفاع، مما يؤدي الى وقف تنفيذه لحين الفصل في الدعوى المُقامة لالغائه.

للإطلاع على الحكم انقر/ي هنا



[1] راجع منة عمر، “من يحمي المحامين المصريين؟“، نشر على الموقع الالكتروني للمفكرة القانونية بتاريخ 3-7-2016.
[2]المرجع السابق نفسه.
[3] راجع منة عمر، “هل يوقف القضاء الاداري قرارات حظر النشر في مصر؟”، نشر على الموقع الالكتروني للمفكرة القانونية بتاريخ 26-2-2016.
[4] على سبيل المثال راجع المادة 124 من قانون الاجراءات الجنائية التي تسمح بالتحقيق مع المتهم في غياب محام في حالتى التلبس، والسرعة بسبب الخوف من ضياع الأدلة.
انشر المقال



متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، محاكمة عادلة وتعذيب ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني