هل تعديل قانون الشرطة كاف لوقف تجاوزات أمناء الشرطة المتكررة في مصر؟


2016-04-24    |   

هل تعديل قانون الشرطة كاف لوقف تجاوزات أمناء الشرطة المتكررة في مصر؟

تكررت في الفترة الأخيرة حوادث اعتداء أفراد من الشرطة المصرية، وخاصة أمناء الشرطة على مواطنين. وأدت حادثة اعتداء أمناء الشرطة على أطباء مناوبين في مستشفى المطرية التعليمي في 28-1-2016 الى أزمة بين وزارة الداخلية ونقابة الأطباء. فنظمت نقابة الأطباء جمعية عمومية غير عادية في 12-2-2016 حضرها أكثر من عشرة آلاف طبيب[1]، في مشهد مهيب تجاوز مقر النقابة إلى خارجها في شارع القصر العيني بالقاهرة وسط تضامن عدد كبير من الحقوقيين والشخصيات العامة.

وفي فبراير 2016، قتل رقيب شرطة سائق سيارة أجرة برصاصة في الرأس، مما نتج عنه تجمهر سكان منطقة الدرب الاحمر، القاطن بها الضحية، حول مديرية أمن القاهرة، والهتاف ضد وزارة الداخلية مطالبين بالقبض على المتهم وتقديمه إلى المحاكمة العاجلة.

وكان آخر هذه الحوادث في 19-4-2016، حيث اعتدى أمين شرطة على مواطن بمنطقة التجمع الأول برشاش آلي مما أدى الى موته في الحال. وفي أثناء محاولة المواطنين الامساك به، أطلق النار عشوائيًا، وأصاب اثنين آخرين. وتجمع المواطنون بعد الحادثة مرددين هتافات ضد وزارة الداخلية[2].

الحوادث المذكورة ما هي إلا أمثلة عن اعتداءات تمت خلال الأربعة أشهر الفائتة من عام 2016 الحالي.

وكما ذكرنا، فان هذه الاعتداءات أدت الى حشد وتجمهر وهتافات ضد وزارة الداخلية أكثر من أي وقت مضى خلال الثلاث سنوات الماضية، وهو ما ينذر بخطر على النظام الحالي اذا استمرت هذه الاعتداءات، خاصة اذا تذكرنا أن من الأسباب الرئيسية لثورة 25 يناير، تجاوزات الشرطة المصرية. وهذا ما استدعى تدخل رئيس الجمهورية لمحاولة ضبط الأمور. فاجتمع الرئيس السيسي مع قيادات وزارة الداخلية وشدد على ضرورة محاسبة ومساءلة من يخطئ[3]. كما وجه رئيس الجمهورية، بعد حادثة الدرب الأحمر، وزير الداخلية بضرورة سن تشريعات واتخاذ اجراءات للحدّ من هذه التجاوزات[4]. وعليه، قام مجلس الوزراء بالموافقة على مشروع تعديل قانون هيئة الشرطة، وتم عرضه على إدارة الفتوى والتشريع أمام مجلس الدولة، وإحالته الى البرلمان، لكنه لم يُناقش حتى الآن.

ويتحتم علينا، قبل أن نبدأ في مناقشة القانون، إعطاء نظرة عامة عن الشرطة المصرية، وعن وضع أمناء الشرطة: الشرطة المصرية هي هيئة نظامية بوزارة الداخلية، وتنقسم الى عدة قطاعات نوعية وإقليمية. وتتكون هيئة الشرطة من ضباط الشرطة، ضباط الشرف، وأفراد الشرطة (وهم: أمناء الشرطة، مساعدي الشرطة، مراقبي ومندوبي الشرطة، ضباط الصف والجنود، معاوني الأمن، رجال الخفر النظاميين)[5]. وينظم القانون طريقة ولوج كل فئة إلى جهاز الشرطة، والشروط التي يجب توافرها. ويفرق القانون في أحكامه بين ضباط الشرطة، وأفراد الشرطة. يبلغ عدد أفراد الشرطة حوالي 380 ألف منهم 100 الف أمين شرطة، ولأمين الشرطة دور محوري في عمل جهاز الشرطة حيث يقوم بعمل البحث الجنائي ومتابعة عمل الطب الشرعي، والتحكم في الأحراز والأدلة، وهو ما يعكس أهميتهم داخل وزارة الداخلية[6].
 
في هذا المقال، نلقي الضوء على تعديل القانون المقترح من مجلس الوزراء على مجلس الشعب، مع التساؤل حول كفايته للحد من التجاوزات الحالية لأفراد الشرطة. 
 
نظرة على مشروع تعديل قانون هيئة الشرطة[7]

تناول مشروع تعديل قانون هيئة الشرطة عدة أحكام، منها ما هو متعلق بتنظيم داخلي لأفراد وضباط الشرطة وحقوقهم المهنية من إجازات وغيره، ومنها ما ينعكس بطريقة مباشرة على العلاقة بين الشرطة والمواطن. وسنركز في هذه الفقرة على الأحكام التي تتعلق بالأمر الثاني أي العلاقة بين المواطن وجهاز الشرطة.

نصت التعديلات المقترحة على إضافة واجبات جديدة على ضابط الشرطة، فجاء مقترح تعديل المادة 41 ليضيف ضرورة احترام الضابط لل"الدستور والقانون ومعايير حقوق الانسان في استخدام السلطة والقوة والالتزام بمعايير النزاهة والشفافية والشرعية الاجرائية". ونلاحظ دخول مصطلح معايير حقوق الانسان والحث على احترامها لأول مرة في قانون هيئة الشرطة، وهو الأمر المحمود، ولكن يتطلب تدريباً للضباط على هذه المعايير وما يترتب عليها عمليًا.

كما نصت المادة على واجب الضابط في المحافظة على الكرامة الانسانية، بالاضافة الى احترام معايير حقوق الانسان مرة أخرى في ما يتعلق بالتعامل مع "المتهمين والمشتبه في تورطهم بارتكاب جرائم". وهو الأمر الذي ينبع من الاتهامات الموجهة الى وزارة الداخلية باستخدام التعذيب مع المتهمين لحثهم على الاعتراف.

وحظرت المادة 42 على الضابط أن يستخدم القوة أو الأسلحة النارية إلا في الحالات المصرح بها قانونًا، وهو الأمر الذي يحتاج الى تدريب للضبط عليه ومراقبتهم في هذا الصدد. فمجرد ورود هذا النص في القانون لا يعني بالضرورة احترام وتنفيذ كل الضباط له.

وتضمن مقترح التعديلات إضافة مواد جديدة إلى القانون بهدف ردع ضباط وأفراد الشرطة عن أي تجاوزات. نصت المادة 50 فقرة 2 على مثول الضابط أمام جهة التحقيق لابداء دفاعه خلال 72 ساعة من تاريخ ضبط المخالفة، على أن يفصل فيه خلال 7 أيام على الأكثر. كما نصت المادة 55 فقرة 2 على عدم سقوط الدعوى التأديبية بمضي المدة "اذا كانت المخالفة المرتكبة تمثل انتهاكًا لحقوق المواطنين، أو اعتداء على حريتهم"، وهو ما يعني عدم إفلات أي معتدٍ من العقاب مهما طالت المدة.

ولحل مشكلة احالة افراد الشرطة الى المحاكمة، والقبض والتحفظ عليهم، نصت المادة 77 مكرر 1 على ابلاغ النيابة العامة فورًا عند اتهام فرد شرطة بارتكاب جنحة أو جناية على أن يتم التحفظ عليه لمدة لا تجاوز 24 ساعة لعرضه على النيابة.

ولوضع حدّ لاستخدام أفراد الشرطة أسلحتهم الميري للاعتداء على مواطنين، نصت المادة 77 مكرر 3 على حظر الاحتفاظ بالسلاح الميري كعهدة شخصية، وتسليمه عقب انتهاء الخدمة. ولكن نصت المادة على بعض الاستثناءات على هذا المبدأ، وهو الأمر الذي اذا تُوسع في تطبيقه، قد لا يغير شيئًا على أرض الواقع.

وحظرت المادة المذكورة على فرد الشرطة اساءة استعمال سلطته أو التعسف فيها مع المواطنين، وفي حال تكرار مجازاته بسبب ذلك، أو ثبوت عدم قدرته على السيطرة على انفعالاته النفسية والعصبية، نصت المادة 77 مكرر 4 على عرضه على لجنة متخصصة تضم في تشكيها عناصر طبية في التخصصات النفسية والعصبية للنظر "في الحاقه بفرقة داخلية للتأهيل النفسي والوظيفي". وهو الأمر الجيد من حيث أنه أبعد فرد الشرطة عن التعامل مع المواطنين، وانه هدف الى علاج الأمر بطريقة جذرية.
 
هل التعديلات القانونيةالمقترحة كافية لوقف تجاوزات الشرطة؟

رغم ان التعديلات القانونية المقترحة جيدة، ومهمة لردع تجاوزات الشرطة، ولكنها ليست كافية لوقف هذه التجاوزات وتجفيف مصدرها.
وتشير المبادرة المصرية للحقوق الشخصيةان بين شهر نوفمبر 2015 ومارس 2016، صدرت قرارات تحقيق واحالة الى المحاكمة، بالاضافة الى احكام من محاكم الدرجة الاولى في قضايا جنائية بحق 14 ضابط و16 أمين شرطة على الأقل. وهي قرارات تخص قضايا استخدام القوة القاتلة بشكل غير قانوني، أو الضرب أو التعذيب، كما تشير المنظمة إلى وجود قضايا عنف لم يحقق فيها على الإطلاق او حُفظ فيها التحقيق.

كما أن تجاوزات أفراد وضباط الشرطة لا تقتصر على اعتداءات بدنية واستخدام السلاح للاعتداء على المواطنين، ولكنها تشكل أيضًا تهديد الأشخاص الذين يطالبون بحقهم على أثر هذه الاعتداءات. فعلى سبيل المثال، بعد الاعتداء على أطباء مستشفى المطرية، تعرض هؤلاء الأطباء لضغوط من أمناء الشرطة بقسم المطرية حتى اضطروا للتنازل عن شكواهم.

وهذه الامور تجعلنا نطرح تساؤلا جديا حول قدرة القانون وحده على ردع هذه التجاوزات.

يشير الاستاذ نبيل مصطفى، استاذ القانون باكاديمية الشرطة[8] ان الحل لهذه الأزمة يكمن في تنظيم دورات تدريبية ل"اعادة تأهيل نفسي وتربوي وتثقيفي لرجال الشرطة بكيفية التعامل مع المواطنين".

بينما يرى الخبير الأمني جمال أبو ذكري، مساعد وزير الداخلية الأسبق، أن التعديلات جيدة وستضبط العلاقة بين رجال الشرطة والمواطنين[9].

وأشار اللواء أبو بكر عبد الكريم، مساعد وزير الداخلية للعلاقات العامة والاعلام، أن وزارة الداخلية تقوم باعداد دورات تدريبية لأمناء الشرطة، لرفع قدراتهم وزيادة خبراتهم[10]، وهو ما يعكس فهماً للمشكلة، وإدراكاً بأن التعديل القانوني ليس الحل الوحيد.

كما تشير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في بيانها الصادر بتاريخ 12-3-2016، أن التعديلات تفتقر الى آليات التنفيذ حيث لم تنص على أي آليات رقابية، كما لم تستحدث طرق جديدة للمساءلة والمحاسبة. وقدمت المبادرةعدداً من الاقتراحات لمنع وقوع الاعتداءت، نذكر على سبيل المثال، تحديد حالات استخدام الأسلحة وقصرها على حالات محددة، التحقيق بجدية في الشكاوى المقدمة المتعلقة بالتعذيب، قيام النيابة العامة بدورها في التفتيش على مراكز الاحتجاز، وانشاء لجنة مستقلة للتحقيق في جميع حالات الوفيات والاصابات البالغة التي تتم على ايدي رجال الشرطة  وغيرها من المقترحات.



[1] راجع الموقع الرسمي لنقابة الأطباء.
[2] نشر الخبر في مختلف الصحف المصرية بتاريخ 19-4-2016. راجع على سبيل المثال "شهود عيان: شرطي أطلق الرصاص على مواطن بالرحاب"، نشر على موقع جريدة المصري اليوم.
[3] راجع "السيسي يجتمع بوزير الداخلية ومساعديه ويوجه بمساءلة المخطئين من الشرطة"، نشر على موقع جريدة اليوم السابع بتاريخ 20-4-2016.
[4] راجع "قرارات جديدة للسيسي للحد من تجاوزات أمناء الشرطة"، نشر على موقع جريدة الدستور بتاريخ 20-2-2016.
[5] راجع المادة 1 من قانون هيئة الشرطة.
[6] راجع محمد حمامة "المواجهة المستحيلة بين الداخلية وجماعة الأمناء المحظورة"، نشر على موقع مدى مصر بتاريخ 22-2-2016.
[7] نشر نص التعديلات المقترحة على موقع جريدة اليوم السابع بتاريخ 12-3-2015، تحت عنوان "ننفرد بنشر النص الكامل لتعديلات الشرطة قبل ساعات من ارساله للنواب".
[8] راجع "الشرطة تبدأ اجراءات الاصلاح بتشريعات لتحسين العلاقة بالمواطنين"، نشر على موقع فيتو الالكتروني، بتاريخ 27-2-2016.
[9] المرجع السابق نفسه.
[10] راجع "مساعد وزير الداخلية للاعلام: حادث التجمع يسيء لنا، والعقاب سيكون رادعًا"، نشر على موقع جريدة الوطن بتاريخ 20-4-2016.
انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، محاكمة عادلة وتعذيب ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني