الترسيم البحري: الاقتراح الأميركي يحرم لبنان من حقل “قانا”


2022-04-11    |   

الترسيم البحري: الاقتراح الأميركي يحرم لبنان من حقل “قانا”
المصدر: Wikimedia commons

    

بعد نحو شهر على صدور بيان بعبدا الذي يرحّب بالوساطة الأميركية ويرفض بشكل “لطيف” اقتراح الموفد الأميركي أموس هوكشتاين الذي يعطي لبنان 600 كلم مربع فقط من حقوقه في مياهه، التي تتراوح بين 860 كلم مربعاً و2430 كلم مربعاً، لم يطرأ أي جديد على الملف. لا أُعلن عن استئناف المفاوضات غير المباشرة في الناقورة ولا أُبلغ الجانب الأميركي رسمياً بالقرار اللبناني.

وبخلاف ما تسرّب عن الاقتراح الأميركي، فهو لا يعطي لبنان أي حصة من حقل قانا اللبناني، بل أكثر من ذلك يقضم جزءاً كبيراً من المياه اللبنانية بطريقة مشبوهة تؤكد وجود مصلحة إسرائيلية في تعرّج الخط. رغم ذلك، ثمة مؤشرات عديدة تؤكد أنّ لبنان لن يدافع عن الخطّ 29 المتين قانونياً وتقنياً بحسب مصادر معنية، بل سيكون أقصى مطالبه هو الخطّ 23. [U1] 

     ملف الترسيم مجمّد. المشكلة الأساس أنّه أخذ منحى تراجعياً لم تُحسب تداعياته بعد. جلسات التفاوض غير المباشر في الناقورة توقّفت بحثّ إسرائيلي، ثبّته الموفد الأميركي آموس هوكشتاين بتفضيله تولّي مسؤولية نقل الاقتراحات بين لبنان والعدو الإسرائيلي على عقد اجتماعات غير مباشرة بين وفدي الطرفين، بحضور أميركي وأممي. وافقا على ذلك، وبالتالي وافقا ضمناً على إلغاء أي دور للأمم المتحدة، حتى بوصفها مستضيفاً وشاهداً. انطلق هوكشتاين في جولات مكّوكية انتهت بتقديمه اقتراحاً مكتوباً (وزّعته السفيرة الأميركية دوروثي شيا على الرؤساء الثلاثة)، لم يكن صعباً الاستنتاج أنه يحاكي الموقف الاسرائيلي، طالباً من لبنان الموافقة عليه. الخط المُقترح، كما صار معروفاً، هو خطّ متعرّج يقع بين الخطّ الذي اقترحه الموفد الأميركي الأسبق فريديريك هوف، والذي يعطي لبنان 550 كلم مربعاً من المساحة التي أقرّها لبنان في المرسوم رقم 6433 تاريخ 1/10/2011، والبالغة 860 كلم مربعاً (الخط 23). لكنه لا يعطي لبنان أكثر من 50 كلم مربعاً إضافية تقريباً بالمقارنة مع خط هوف. الملفت أنّ هذا الاقتراح يعتبر أنّ الخلاف لا يزال بين الخط 23 والخط 1. ويتجاهل تماماً ما سبق أن طالب به الوفد اللبناني في الناقورة، أي الخط 29، الذي يؤكد حقّ لبنان في الحصول على 2430 كلم مربعاً.

بخلاف المُتداول لجهة أنّ هذا الخط المتعرّج يهدف إلى جعل حقل قانا مشتركاً، بالرغم من أنّه يقع كاملاً شمال الخط 29، فإنّ مصادر مسؤولة تؤكّد أنّ الاقتراح يُبقي الحقل في المياه الفلسطينية بشكل كامل، من دون نفي احتمال أن يكون جزء بسيط منه في الشطر اللبناني من الخط المقترح، انطلاقاً من وجود هامش للخطأ في المسوحات المعلنة. وهذا ما يُثير تساؤلات إضافية عن سبب تعرّج الخط، لتُجيب المصادر بأنّ ذلك قد يكون ناتجاً عن مسوحات إسرائيلية غير مُعلنة تتبيّن وجود مؤشرات لحقول أو مكامن في المنطقة بين الخط 23 والخط المقترح، الذي يقضم جزءاً كبيراً من البلوك اللبناني رقم 8.

الترسيم مقابل العقوبات؟

بحسب المعلومات، جاء تحرّك هوكشتاين بناء على إشارات إيجابية كان حصل عليها من الجانب اللبناني تؤكّد استعداده للتنازل عن المطالبة بالخط 29، الذي عرضه الوفد المفاوض في الناقورة، والبحث في الخط المقترح. وعليه، وصل الموفد الأميركي إلى لبنان عارضاً اقتراحه على الرؤساء الثلاثة. في الاجتماع الرئاسي الذي عُقد في بعبدا كانت العبارة الأكثر تعبيراً هي الترحيب بالوساطة الأميركية وبالاقتراح الأخير، مع رفضه عملياً، من خلال الدعوة إلى العودة إلى اتفاق الإطار الذي أعلن الرئيس بري عن إنجازه في الأول من تشرين الأول 2020 (دعا البيان الصادر عن الاجتماع الولايات المتحدة الأميركية إلى “الاستمرار في جهودها لاستكمال المفاوضات وفقاً لاتفاق الإطار بما يحفظ مصلحة لبنان العليا والاستقرار في المنطقة”). وهو اتفاق يعيد للأمم المتحدة دورها كراعية للمفاوضات غير المباشرة، كما يعيد التأكيد على مبدئية الخط 23، على قاعدة “لا نريد كوب ماء زيادة عن حصتنا ولا نقبل التنازل عن كوب ماء”. وهذا يقود أيضاً إلى التخلّي عن المطالبة بالخط 29، بالرغم من أنّ مصادر مطّلعة تجزم أنّ الوفد اللبناني قدّم كلّ الحجج القانونية والتقنية التي تؤكّد حق لبنان في الترسيم انطلاقاً من هذا الخطّ، بخاصة أنّ المرسوم 6433 الذي سبق أن أقرّ المنطقة الاقتصادية الخالصة، على اعتبار أنّ الخط الحدودي الجنوبي هو الخط 23، تضمّن في المادة الثالثة منه إشارة إلى أنه “يمكن مراجعة حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة وتحسينها وبالتالي تعديل لوائح إحداثياتها عند حالتين:

1- توافر بيانات أكثر دقة،

2- وفقاً للحاجة في ضوء المفاوضات مع دول الجوار المعنية.

بحسب المعطيات التي قُدمت في اجتماعات الناقورة، بدا جلياً تحقق الشرط الأول. فالبرامج الإلكترونية المستعملة للحصول على الإحداثيات تطوّرت بشكل ملحوظ، وأدت عملياً إلى تعديل الخط الحدودي. وأوضحت مصادر مطلعة أنّ هذا أمر متعارف عليه، وما عُرض من مبررات تقنية وقانونية لتثبيت الخط 29، بدا الأمتن من كل النواحي. وما يزيد من هذه المتانة هو حُكم محكمة العدل الدوليّة في النزاع الكيني – الصومالي، في تشرين الأوّل الماضي، الذي لم يأخذ بعين الاعتبار أي تأثير لنتوء صخري قبالة الشاطئ، شبيه بصخرة تيخيليت، التي يعطيها الخط 23 نصف تأثير وخط هوكشتاين تأثيراً كاملاً، فيما لا يعطيها الخط 29 أي تأثير.

شبهة تطبيع

لم يصل تعديل المرسوم إلى برّ الأمان، بسبب تنوّع المصالح السياسية، وعدم القدرة على إغلاق الأبواب أمام “المساعي الأميركية”. أما الرسالة التي وُجّهت إلى الأمم المحتدة وفيها تأكيد على حق لبنان بالخط 29، فتعامل معها الجميع على اعتبارها غير جدّية ولا قيمة قانونية لها. أضِف إلى أنّها لن تؤثر على قدرة إسرائيل على التنقيب في المناطق التي تعتبرها ملكها كما يحصل في حقل كاريش، الذي يعود جزؤه الشمالي إلى لبنان، بحسب الخط 29. لكن في المقابل، بدا اقتراح هوكشتاين أصعب من هضمه حتى على الراغبين في إقفال الملف، بما يسمح بتسويق إنجاز يفتح الباب أمام تحريك ملف التنقيب الذي صار مرتبطاً بشكل عضوي بالترسيم، من دون نسيان      ملف الغاز المصري، الذي يتولّاه الموفد الأميركي نفسه.

وبالرغم من أنّ حزب الله كان يؤكد أنه يسير خلف الدولة اللبنانية في ملف الترسيم، إلّا أنه استشعر بعد تحرك هوكشتاين قراراً بتسهيل مهمة الموفد الأميركي، إضافة إلى شكوك بتكريس التطبيع الاقتصادي مع العدو، وإن بشكل غير مباشر، من خلال الاتفاق الضمني والمسبق على تقاسم عائدات الحقول المشتركة. خطوته الأولى كانت عدم المشاركة في اللجنة الوزارية – التقنية التي كان يُفترض أن تدرس العرض المقدّم من الموفد الأميركي، ما أدى فعلياً إلى إنهاء احتمال الخروج برد متوافق عليه. لذلك، كان البديل اجتماعات تقنية في بعبدا، خلُصت إلى رفض الطرح الأميركي. وهو ما حسمه اجتماع الرؤساء الثلاثة الذي عقد في 18 آذار الماضي.

في هذا السياق، لم يكن ممكناً تجاهل الخطوات الإضافية التي قام بها حزب الله، ومنها اعتبار رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد أنه “من الأفضل أن يبقى الغاز مدفوناً في البحر إلى أن يتمكن لبنان من منع إسرائيل من المسّ بقطرة ماء واحدة”. ومن ثم تأكيد النائب حسن فضل الله عدم الثقة في الوسطاء الأميركيين.

بالنتيجة، خرج الاجتماع الثلاثي في بعبدا ليؤكد ما طلبه بري الذي اشترط مسبقاً التأكيد على اتفاق الإطار. لكن هذا الردّ “اللبق” لم يوضح ما هو الاقتراح البديل للبنان. هل يتمسك بالخط 29، أم يعود إلى الخط 23 أم يصل إلى خلاصة أخرى؟ بحسب مصادر مطلعة، فإنّ الإدارة الأميركية مهتمة بما بعد بيان بعبدا، وبمعرفة حدود التفاوض. حتى اليوم لم يرسل لبنان أي رد رسمي على المقترح الأميركي، وهو سيكتفي بالبيان الذي صدر بعد اجتماع بعبدا. وتؤكد مصادر مقرّبة من القصر الجمهوري أنّ لبنان لم يبلغ الجانب الأميركي أي ردّ، لا مكتوباً ولا شفهياً. وهو ينتظر حالياً زيارة من هوكشتاين، أو من السفيرة الأميركية، لإبلاغه الرأي اللبناني. وهو الرأي نفسه الذي صدر بعد اجتماع بعبدا بين الرؤساء.

في السياق نفسه، ترفض مصادر معنية بالملف اعتبار أنّ البيان يشكل رداً سلبياً على المقترح، مؤكدة أن فيه إيجابيات تتمثّل بالتقدّم المُحرز حتى لو كان بسيطاً. أما الحديث عن الأرقام والخطوط، فترفض المصادر الخوض به تماماً، انطلاقاً من أنّ طلب العودة إلى اتفاق الإطار، يعني أن التفاوض في الناقورة هو الذي سيُحدّد الحدود النهائية. ولذلك، فإنّ الأولوية تبقى حالياً لتكريس المبدأ العام في التفاوض غير المباشر. ومتى تم الاتفاق عليه يكون الترسيم قد انتهى. هذا أمر يُدركه المفاوضون في الناقورة جيداً. ولذلك، لم يحتج الوفد اللبناني للإشارة إلى الخط 29 حتى يردّ عليه العدو بخط وهمي يقع شمال الخط رقم واحد الذي يعتبره العدو هو الخط الحدودي، ولكن بمجرّد اعتماد آلية مُحدّدة للترسيم يتحدّد رأساً تأثيرها في تحديد الحدود البحرية. وهو الأمر الذي يُدركه كل الأطراف ويكوّنون آراءهم على أساسه.

في المقابل، تؤكد مصادر التقت الموفد الأميركي أن ما يهمّ الأميركي حالياً ليس رفض الاقتراح أو قبوله، بقدر الخطوة التالية التي يُريدها لبنان. بمعنى، إذا كان الجانب اللبناني دعا أميركا إلى استمرار جهودها، فيُفترض أن يكون له تصوّر حول ما يريده من اتفاق الإطار والعودة إلى الناقورة. وتُشير المصادر إلى أنّ الاهتمام ينصبّ حالياً على موقف حزب الله تحديداً. وهم يُرصدون ما ينشر في وسائل إعلام مقربة من الحزب، باعتبارها تُعبّر عن موقفه، الرافض للمقترح، من دون أن يدركوا بعد ما هي حدود الموقف اللبناني الذي لا يزال مفتوحاً على الكثير من الاحتمالات. لكن الجميع أدرك أن الدفاع عن النقطة 29 ليس من بينها، فهي تشكل استفزازاً للأميركي، القادر على عرقلة كل الملفات. لكن في المقابل، لا يبدو لبنان قادراً على التراجع شبراً واحداً عن الخط 23، وهي مُعضلة تتعارض مع الاقتراحات التي قدّمها الجانب الأميركي والتي تأكل من الحد الأدنى من الحقوق اللبنانية.

انشر المقال

متوفر من خلال:

أحزاب سياسية ، منظمات دولية ، لبنان ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني