8 آب يوم للعدالة لضحايا إجرام النظام: “كلّنا ضحايا والمجرم واحد”


2021-08-10    |   

8 آب يوم للعدالة لضحايا إجرام النظام: “كلّنا ضحايا والمجرم واحد”
اتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيا من المشاركين في مسيرة ضحايا النظام

شهدت بيروت في 8 آب 2021 مسيرة العدالة لضحايا النظام مشى فيها الضحايا من مختلف الفئات بدءاً من ضحايا تفجير مرفأ بيروت وجرحاه ومعوّقيه مروراً بأهالي ضحايا الإخفاء القسري وضحايا الإجرام البيئي وقتل الأنهار وضحايا المصارف والقوانين غير المنفّذة وضحايا الاحتكارات وضحايا الفساد وغيرهم. وحملت المسيرة عنوان “كلّنا ضحايا والمجرم واحد”. وأُعلن يوم الثامن من آب يوماً للعدالة لضحايا إجرام النظام في لبنان، كما جاء في دعوة جمعية أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت والجرحى والأشخاص الذين استجدّت لديهم إعاقة جرّاء التفجير، بالتعاون مع عدد من الجمعيات والمنظمات في لبنان. ومشى المشاركون في المسيرة الاعتراضية التي انطلقت من مرفأ بيروت مروراً بمنطقتي الجميزة ومار مخايل حيث انتهت إلى ساحة مواجهة لإهراءات القمح المدمّرة “تقديراً وحباً لمن فقدنا، نحمل فيها قضايانا كضحايا إلى مركزها المحقّ من أجل وقف قتلنا الدائم والبطيء”.  

وجاءت المسيرة بعد أربعة أيام من ذكرى مرور عام على تفجير مرفأ بيروت، وعام على تظاهرة 8 آب 2020 التي نظمتها مجموعات من الحراك احتجاجاً على التفجير يومها، وضدّ المنظومة الفاسدة التي أرهقت البلاد والعباد من الفقر والجوع. وكانت تلك التظاهرة شهدت عنفاً مفرطاً من السلطة وأجهزتها الأمنية وأدّت إلى إصابة 728 شخصاً نقل بينهم 153 على الأقل إلى المستشفيات بحسب تقرير هيومن رايتس ووتش، وتسببت بفقأ أعين ستة من المتظاهرين. 

ومشى الجميع خلف مجسّم عن تمثال “الباكِيَتان” (Deux pleureuses) وهو من أعمال النحّات يوسف الحويّك دشّن في العام 1930 ويمثّل سيدتان تبكيان فوق قبر وكان موضوعاً في ساحة الشهداء قبل استبداله في 6 أيار 1960 بتمثال الشهداء الحالي الذي يرمز إلى البطولة والشهادة. 

مشى الجميع خلف مجسّم عن تمثال “الباكِيَتان” (Deux pleureuses) وهو من أعمال النحّات يوسف الحويّك دشّن في العام 1930

حلواني: إنّه يوم العدل ويوم الفعل

تمثّل الضحايا بلجنة أهالي المفقودين والمخطوفين خلال الحرب اللبنانية، الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوّقين حركياً، المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين، ناشطي الكورة المنكوبة بشركات الإسمنت ومقالعها، ناشطي نهر الليطاني في برّ الياس المقتولة بالتلوّث والسرطان، رابطة المودعين، الاتحاد الدولي للشباب اللبناني والجمعية اللبنانية لأولياء الطلاب في الجامعات الأجنبية. وشارك في التنظيم فرقة زقاق والمفكرة القانونية.  

واختصرت كلمة لجنة أهالي المفقودين والمخطوفين التي ألقتها رئيستها وداد حلواني فئات الضحايا معتبرة أنّ هذا اليوم هو “يوم التهميش الاجتماعي، ويوم العدالة لضحايا إجرام النظام في لبنان، وضحايا الحرب، وضحايا الأعمال التفجيرية، وضحايا الصراعات السياسية المسلّحة، وضحايا الخطف والإخفاء القسري، وضحايا العنف  الفئوي، وضحايا الإهمال الإداري، وضحايا الانهيار الاقتصادي، وضحايا الإجرام البيئي، وضحايا القوانين غير المطبّقة”. وهو، وفق حلواني “يوم كي نستذكر ونقول كلّنا ضحايا والمجرم واحد”، مصنّفة التاريخ بأنّه “يوم للماضي والحاضر والمستقبل في نظام يدوس على مواطنيه بدل حمايتهم حيث تُهمّش الضحية ويُبّجل الزعيم”. واعتبرت أنّ يوم 8 آب هو “يوم للضحايا الذين يشكل وجودهم وصوتهم قوة ترفع العدالة معياراً للحياة وحقاً للممات”، و”يوم نعلن فيه عن إرادتنا بالعيش في نظام المواطنة والحقوق والمسؤوليات، إنه يوم للرفض، رفض العفو المتكّرر، رفض ما يحلّل الجرم  ويحرّم علينا حقنا بمعرفة من يقتلنا كل يوم”. ودعت الجميع إلى الوقوف جنباً إلى جنب والتقدّم سوية في مسيرة عدالة الضحايا، فهذا “يوم الخيار، يوم العدل ويوم الفعل”. 

الأهالي يعيدون صياغة المشهد

تخلّل النشاط محطّات عدّة لكلّ منها دلالتها ورمزيّتها. فعند الساعة الخامسة انطلق أهالي ضحايا تفجير المرفأ بيروت من أمام مبنى جريدة النهار باتجاه مرفأ بيروت رافعين صور شهدائهم. وفي الأزقة التي شهدت عمليات الكرّ والفرّ بين المتظاهرين والقوى الأمنية قبل عام، وحيث فقئت العيون، مشى الأهالي نزولاً باتجاه  البوابة رقم 3 حيث كان الجميع بانتظارهم، واستقبلوهم بالتضامن والتصفيق. 

عند مدخل المرفأ، اصطفّ شبّان وشابات من فرقة “زيرقون” وفرقة “لبَن” المسرحية يحملون المشاعل، ومن حولهم ممثلو فئات “ضحايا النظام” يرفعون لافتات تختصر معاناتهم وقضيتهم. وهناك وقف الأشخاص ذوو الإعاقة، ومن بينهم من أصيب في تفجير المرفأ رافعين شعارات تطالب بحقوقهم البديهية. إلى جانبهم وقفت أمهات وشقيقات يحملن صوراً لبعض من فُقدوا خلال الحرب الأهلية، ولم يُعرف شيء عن مصيرهم لغاية اللحظة. في إحدى الزوايا وقف ناشطون من البقاع مع يافطة “الليطاني يقتلنا”، فيما كُتب على لافتة ناشطو الكورة “تفجير الجبال، المجرم واحد”. ورفع آخرون يافطة تندّد بالاستيلاء على أموال الناس وجنى عمرهم. واتهمت لافتة أخرى رجال السلطة بـ”المحاصصة في نهب المال العام”، ونددت أخرى بالاحتكارات المعمّمة، أما المطلب الجامع فكان “رفع الحصانات”. وذيّلت كلّ هذه اللافتات بوسم #المجرم_واحد.

من اللافتات التي حٌملت خلال المسيرة

عند الساعة الخامسة والنصف عصراً عبر أهالي الضحايا إلى داخل المرفأ، وساروا باتجاه الإهراءات. وعلى الرخامة التي حفرت عليها بعض من أسماء ضحايا تفجير المرفأ ودشّنت بعد شهر من المجزرة، بحثوا عن أسماء ضحاياهم، وهناك ركعوا، مرّروا أصابعهم على الأسماء، أقاموا العزاء والرثاء وودعوا أحباءهم للمرّة الألف، وعادوا يحملون ثلاث نعوش مليئة بالورود ليخرجوا إلى قافلة ممثلي الفئات التوّاقة لمعرفة الحقيقة وتحقيق العدالة من ضحايا النظام.  

موكب جنائزي ومسيرة    

ومع خروج الأهالي من المرفأ، مشى خلفهم كلّ الضحايا: الأهالي يحملون توابيت رمزية لفلذات أكبادهم، ووراءهم مشى ممثلو بقية الفئات المتضرّرة ومعهم حملة المشاعل، وسار الجميع في موكب صامت باتجاه شارعي الجميزة ومار مخايل، الأكثر تضرّراً بفعل التفجير. مشوا يعزّون أنفسهم وضحايا المدينة المنكوبة  في شوارع الأحياء التي شهدت الفظاعات ليلة التفجير، ووسط الأبنية المتضرّرة والمنازل المدمّرة، والحانات المقفلة والمحال والمطاعم القليلة التي أعادت فتح أبوابها. وعلى شرفات الأبنية وقف بعض الأهالي ممّن تمكنوا من العودة أو الصمود، في حين خرج العمّال والزوار من المطاعم والحانات لتحية الموكب. وعند العبور بشركة الكهرباء انعطفت المسيرة يساراً فشقّ صوت محي الدين اللاذقاني الصمت ليوقف السائرين أمام منزل ذويه حيث فقد والده، وهناك عاهد روح أبيه من جديد على المضي قدماً حتى تحقيق العدالة.

أكمل الموكب مساره نحو المحطة النهائية في باحة مطلّة على المرفأ يتصدّرها مسرح ذو خلفية سوداء حيث وُضعت النعوش على سكك متحرّكة. على يمين المسرح جلست فرقة موسيقية بقيادة المايسترو لبنان بعلبكي، وعلى عزف الموسيقى الجنائزية فُتحت الستائر السوداء على مشهد مبنى إهراءات القمح، في حين بدأت النعوش ترتفع حتى بدت بصرياً وكأنّها تجاوزت الإهراءات وارتفعت نحو السماء.

نعوش مليئة بالورود حملها أهالي الضحايا

في الختام ارتقى الضحايا وبدأ مسار الأهالي الطويل 

بعد اكتمال مراسم العزاء، حان وقت الغضب، فطالبت سيلفانا اللقيس، رئيسة الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوّقين حركياً، بالعدالة ورفع الحصانات ومعاقبة المسؤولين. وشدّدت على ضرورة الحصول على تعويضٍ عادلٍ عن دماء الشهداء والجرحى الذين استجدت لديهم إعاقات، واعتبرت “أنّ من حقهم أن يستمروا في حياتهم الطبيعية، ومن حقهم أن يحظوا برعاية الدولة الغائبة عنهم، ومن حقهم أن يمحوا آثار الجريمة التي تركت آثارها على أجسامهم ونفسياتهم. لكن هل من مجيب؟”

وانتقدت اللقيس في كلمتها لامبالاة المسؤولين تجاه ما حدث معتبرةً أنّ هذا أكثر قسوة من الانفجار و”فقدان الإحساس بوطن لجميع بناته وأبنائه هو ألم لا يحتمل ولا يمكن أن يقاس. وهذا لم ولن نقبل به”.

وأكدت اللقيس على ضرورة محاسبة المرتكبين لأن ذلك مدخل طبيعي للوصول إلى الحقوق وأن المكان الطبيعي للمجرمين هو السجن وليس الوزارات والإدارات الرسمية، مطلقةً صرخةً تحذيرية “ستلي هذه الوقفة وقفات أخرى وصولاً للعدالة المنشودة التي لن تستقيم بدون إنصاف الجرحى الذين استجدت لديهم إعاقات وعودتهم إلى الحياة الطبيعية باستقلالية وبدون منةٍ من أحدٍ، فالعدالة حقنا ولا عدالة من دوننا”. 

واعتبر إبراهيم حطيط، الناطق الرسمي باسم أهالي ضحايا تفجير المرفأ وشقيق الشهيد ثروت حطيط، بدوره أنّه “من المعيب، لا بل من المخزي أمام هول الجريمة وبشاعتها أن يصّر البعض ممن يعتبرون أنفسهم أنصاف آلهة على التمسك بحصاناتهم السياسية والطائفية والحزبية والنيابية، متجاوزين أوجاعنا وآلامنا ودموع أيتامنا وأراملنا، متسللين للزواريب القانونية التي يفصّلونها حسب مقاساتهم ليضللوا الرأي العام بمتاهات مجلس محاسبة الرؤوساء والوزراء الميت أصلاً منذ سنة 1991، إلى مجلس القضاء الأعلى، وصولاً للجنة تحقيقٍ برلمانية يكون فيها الخصم هو الحكم، ثم تتالى تصريحات الثعالب كل يعلن استعداده لرفع الحصانات بطريقة “لي ما بدو يجوز ابنته بيعلي مهرها في محاولةٍ مكشوفةٍ للهروب إلى الأمام”.

ووصف حطيط النواب والوزراء بـ”الكاذبين المنافقين” داعياً إياهم إلى إسقاط الحصانات قائلاً : “إن كنتم حقاً تريدون إسقاط الحصانات فأقرب طريقٍ إلى ذلك هو الذهاب للهيئة العامة لمجلس النواب والتصويت على ذلك لنعلم ويعلم اللبنانيون جميعاً من هو الصادق ومن هو الكاذب فيكم، وباقي ما تبقى مجرد مناوراتٍ مكشوفة المراد منها تسجيل نقاطٍ في لعبة الانتخابات”. 

ونصح الجميع بعدم تسييس القضية: “اسمعوني جيداً للمرة الخمسين اقولها، دمنا ليس للبيع، ونرفض تسييس قضيتنا والمتاجرة بها، نحن أولياء الدم لم ولن نسمح لأحد بتبني قضيتنا واستعمالها بالإستهدافات السياسية ولتسجيل النقاط على هذا الطرف أو ذاك، أبعدوا قضيتنا عن سياساتكم الضيقة وأحقادكم القذرة فسياستكم لا تعنينا لا من قريب ولا من بعيد، كل ما يهمنا في هذه القضية هو الوصول لحقيقة من تسبّب بقتل فلذات أكبادنا وتقطيع أطراف هؤلاء الشهداء الأحياء ليحملوا أوجاعهم مدى الحياة، فضلاً عن تدمير نصف العاصمة وترويع وتهجير أهاليها”. وأكد أنّ كل ما يطالب به أهالي الضحايا “هو العدالة لكل هؤلاء لترتاح أرواح شهدائنا وضحايانا، فهل نطلب المستحيل من حقيقة وعدالة في بلد أدمن مسؤولوه تضييع الحقيقة وتمييع العدالة؟” 

 

وهدد حطيط بانتزاع حق الضحايا من عيون المعنيين، “لن نناشدكم ولن نتوسّل إليكم ولن نتسوّل منكم هذا الأمر بل سننتزعه من عيونكم انتزاعاً، فنحن قوم ميتون ميتون، متنا يوم فجّر فسادكم مرفأ بيروت ودُفنت أرواحنا مع أحبائنا، لذلك توقعوا منا كل شيء، ونحن نعلم أنّكم ستتحصّنون خلف دروعكم بوضعنا بمواجهة إخوتنا في القوى الأمنية، ومع تقديرنا أنهم مضطرون للقيام بواجبهم الوظيفي إلاّ أننا سنضطر للمواجهة معهم مهما كلفنا هذا الأمر من ثمن سنضطر إلى ذلك آسفين حفظاً لحقنا وحق دماء شهدائنا التي لا ولن نسمح أن تذهب هدراً، نعم قررنا استهداف بيوت كل من لا يمتثل للعدالة، بل وكل من يساعد على ذلك فانتظرونا”.

ووجه حطيط تحيته للبنانيين الذين تضامنوا مع الأهالي في الرابع من آب قائلاً: “المشهد الذي شاهدناه في الرابع من آب حقيقة بيكبر القلب ورغم بعض الشوائب التي حصلت خلاله ورغم أنّ العديد دخلوا على خط تصفية الحسابات الداخلية والأجندات الخاصّة، إلّا أنّه لم يستطع أن يشوش على المشهدية العامة لخروج الشعب اللبناني النظيف والمؤيد لقضيتنا لهؤلاء ألف ألف تحية وحب وامتنان، وأتمنى عليهم جميعاً مساعدتنا والوقوف دوماً إلى جانبنا كي لا يكون 4 آب مجرد ذكرى سنوية.”

وجدد حطيط ثقته بالقاضي بيطارواصفاً إياه “بالشجاع النزيه”: “لن نتركك وحدك ونعلم ما تتعرض له من ضغوطاتٍ فامضي فالتاريخ سيسجل إسمك بأحرفٍ من ذهب”.

واعتبر جنيد سري الدين، العضو المؤسس في فرقة زقاق التي نظمت المشهدية مسرحيا، في حديث إلى “المفكرة” أنّ مشاركة هذه الجمعيات والفئات هو بهدف التذكير أنّه مع كل محطّة زمنية قصيرة في هذا الوطن تنشأ فئة لديها قضية مجمّدة لا يحق لها معرفة الحقيقة، ويعزو ذلك إلى أنّ مسار العدالة “مكربج” وفاشل ومهمل بالدرجة الأولى، وأن هذه المجموعات التي شاركت اليوم في الموكب هي مجموعات لديها حق لا تستطيع الوصول إليه لذلك فمسارها نحو العدالة طويل.

انشر المقال

متوفر من خلال:

اختفاء قسري ، احتجاز وتعذيب ، قضاء ، الحق في الصحة ، حريات ، عدالة انتقالية ، عمل ونقابات ، حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة ، بيئة ومدينة ، فئات مهمشة ، سياسات عامة ، لبنان ، أجهزة أمنية ، حراكات اجتماعية ، البرلمان ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، مؤسسات عامة ، عدالة انتقالية ، أحزاب سياسية ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، نقابات ، مجزرة المرفأ



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني