الوصول للمعلومات مضمون قضائياً: شورى الدولة يكرّس علوية حق التقاضي

،
2020-03-30    |   

الوصول للمعلومات مضمون قضائياً: شورى الدولة يكرّس علوية حق التقاضي

بتاريخ 23/12/2019، أصدر مجلس شورى الدولة قرارين إعدادييْن بتكريس حقّ المواطنين باللجوء إليه في قضايا الوصول للمعلومات. وقد صدر هذان القراران عن الغرفة الأولى من المجلس (برئاسة القاضي فادي إلياس وعضوية القاضيين دعد شديد ووهيب دوره) في إطار دعويين تقدّم بهما ناشطون بيئيون في مدينة الميناء-طرابلس بوجه اتحاد بلديات الفيحاء على خلفية رفضه إعطاءهم معلومات بشأن أزمة النفايات في المنطقة. وكان الاتّحاد طلب ردّ المراجعة على أساس أن قانون حق الوصول للمعلومات أناط بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد صلاحية حصرية في النظر في دعاوى مماثلة (الطعن في قرارات رفض الاستجابة لطلبات الوصول للمعلومات) وأن لا صلاحية تاليا لمجلس شورى الدولة فيها.

وإذ ردّ القراران هذا الدفع، فقد تضمّنا أربعة أبعاد حقوقية يجدر لفت النظر إليها.

البُعد الأول: مبدئية ودستورية حق التقاضي

هذا البعد يعكس أهمّ ما جاء في حيثيات القرارين، أي تكريس مبدئية حقّ التقاضي المتمثّل بحقّ المواطن باللجوء إلى هيئة قضائية. وقد استمدّ المجلس هذا الحقّ من أسناد عدة، أبرزها الآتية:

  • الدستور اللبناني الذي أشار في مقدمته إلى مواثيق الجامعة العربية والأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واعتبر أنه على الدولة أن تجسّد هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات من دون استثناء. وقد استنتج مجلس شورى الدولة من ذلك أن المبادئ المكرسة في هذه المواثيق باتت في صلب الانتظام القانوني، وذلك على غرار ما كان المجلس الدستوري أقره في عدد من قراراته من خلال إعلان هذه المواثيق المشار إليها في مقدمة الدستور جزءا لا يتجزأ منه.
  • المعاهدات الدولية التي تعلو من حيث المبدأ القوانين الداخلية. وقد خصّ المجلس بالذكر في هذا المجال العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي جاء في الفقرة 1 من مادته 14: “الناس جميعا سواء أمام القضاء. ومن حق كل فرد، لدى الفصل في … حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية…”.
  • اجتهاد مجلس شورى الدولة والذي استقرّ على أن حق التقاضي هو حق دستوري وأساسي، لا يمكن إنكاره. وأن لكل إنسان الحقّ بالمطالبة بحقه والدفاع عنه أمام القضاء المختص وفقا للأصول والقواعد التي ينصّ عليها القانون.

وبالطبع، من شأن هذه الحيثيات أن تشكّل دعامة لمطالب كثيرة أخرى ربما لا يقرّها اليوم أيّ اختصاص قضائيّ، ومنها العديد من القضايا الإدارية المستعجلة بطبيعتها والتي ما فتئ مجلس شورى الدولة موصدا أمامها بموجب نظامه.

البعد الثاني: ضمان حق الوصول للمعلومات قضائيا

إنطلاقا مما تقدم، أمكن المجلس الردّ على الدفوع بعدم صلاحيته للنظر في رفض الاستجابة لطلبات المعلومات، بما أسهم فعليا في دحض حجج عدد من الإدارات، ومنها الأمانة العامة لمجلس الوزراء، في اعتبار القانون غير نافذ بحجة عدم إنشاء الهيئة، وتاليا في إعطاء زخم جديد لتطبيق القانون.

وقد اعتبر المجلس أن منح الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد صلاحية النظر في الإعتراض على قرار عدم الاستجابة لطلب المعلومات لا يشكل حائلا دون توليه النظر فيه، طالما أن “حقّ التّقاضي” يحول دون إقفال باب اللجوء إلى القاضي المختص. فإعطاء الحق في الإعتراض أمام هيئات أخرى غير قضائية غير القضاء المختص لا يمكن أن يؤدّي، حسب المجلس، إلى إقفال باب اللجوء الى هذا القضاء، وبالتالي فإنه يبقى لصاحب العلاقة الخيار في مراجعة الهيئة أو القضاء المختص. وقد رأى المجلس أن هذا الأمر ينطبق من باب أولى إذا لم تكن الهيئة قد أنشئت بعد، حيث لا يكون لصاحب العلاقة في هذه الحالة غير خيار اللجوء إلى القضاء.

وقد دعم المجلس توجهه بحجة مستمدة من نص قانون الحق بالوصول إلى المعلومات وتحديدا من المادة 19 منه والتي منحت امكانية اللجوء إلى الهيئة الوطنية المستقلة، من دون اعتبار المرور فيها مرحلة واجبة السلوك، والمادة 12 التي وضعت امكانية اللجوء إلى المجلس في حال حصول رفض ضمني بطلب معلومات حول قرارات إدارية غير تنظيمية.

فضلا عن ذلك، اعتبر المجلس أن التذرّع بأن عدم صدور قانون إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد يؤدي إلى غياب أيّ مرجعية للإعتراض مردود بدوره عملا بالقاعدة التي تفيد بوجوب الإستمرار في تطبيق القانون القديم (بما لا يتعارض مع القانون الجديد) في حالة إستحالة تطبيق القانون الجديد.

ومن هذه الوجهة، شكل قرارا المجلس موقفاً رائداً منه لدحض مبرّرات الإدارة للتملّص من قانون الحق في الوصول إلى المعلومات وثنيها عن الاستمرار في رفض هذه الطلبات من دون مبرر مشروع، ولتحفيز المواطنين على المضي في المطالبة بالحصول على المعلومات ذات الطابع العام وتمكينهم من أداء دور أساسي في الكشف عن الفساد.

البعد الثالث: تعزيز الشفافية في عمل اتحادات البلديات

إلى جانب تأكيد المجلس على وجوب تنفيذ قانون حق الوصول للمعلومات، فإنه اجتهد أيضا في اتجاه تعزيز الشفافية في عمل اتحادات البلديات. فبعدما ذكر أن المادة 45 من قانون البلديات تسمح لكل ناخب في الدائرة أو صاحب مصلحة أن يطلب إعطاءه نسخة عن قرارات المجلس البلدي، اعتبر أن هذا النص يطبق أيضا على إتحاد البلديات.

البعد الرابع: تكريس مرجعية المواثيق الدولية

أخيرا، تجدر الإشارة إلى أهمية إستناد مجلس شورى الدولة إلى المعاهدات والإلتزامات الدولية التي وقّع عليها لبنان كمصدر لتكريس حق التقاضي في الحيّز المحلّي، وبخاصة العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، على اعتبار أنها تشكل جزءاً لا يتجزأ من الدستور اللبناني ومن الانتظام القانوني اللبناني. ويتأتّى عن هذا الأمر أثر هام على مجموعة كبيرة من الحقوق المدنية أو الاجتماعية أو الاقتصادية والتي قد لا تجد سنداً لها في المنظومة القانونية اللبنانية، إلا في هذه الاتفاقيات.

انشر المقال



متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، قرارات قضائية ، لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني