“
مساء الخميس 17 تشرين الأول 2019 اندلعت التحركات الشعبية من بيروت لتجتاح البلاد في كل المناطق اللبنانية رفضاً لفرض ضرائب إضافية على الفقراء، ولسياسة إفقار المواطنين والإستمرار بالفساد والهدر. لكن، وللأسف لم تمر الاحتجاجات من دون حوادث مؤسفة، أولها وفاة عاملين سوريين اختناقاً في بيروت في اليوم الأول جراء حرق الإطارات بجانب مبنى يتواجدان فيه مقابل ساحة الشهداء، ومن ثم مقتل الشاب حسين العطار على طريق المطار نهار السبت(19/1/2019).
واستشهد حسن العطار حين كان يتصدى لشخص أراد الإنتفاع من تسكير الطرقات عبر نقل الناس من مطار بيروت على دراجته النارية مقابل مبالغ مالية. ومع الشهداء الثلاثة، نتج عن استخدام القوى الأمنية القوة لقمع المتظاهرين وقوع عشرات الجرحى في ساحة رياض الصلح مساء ليلتي الخميس والجمعة (17و18 تشرين أول).
وتُشير المعلومات إلى أن الصليب الأحمر نقل في أول يومين نحو 156 جريحاً في بيروت وحدها، ونقلت قوى الأمن الداخلي عبر صفحتها على الفايسبوك وقوع 52 إصابة في صفوفها خلال فض تظاهرة الجمعة.
وتُشكل قضية عدم اهتمام الدولة بالجرحى الذين وقعوا خلال فض التظاهرات فضيحة استهتارها بأرواح مواطنيها، حيث حكمت عليهم بأنهم “مشاغبين”، وسمحت للقوى الأمنية أن تنهال عليهم بالضرب المبرح، وتلكأت في تكفُل علاجهم.
إضاءة الشموع عن أرواح العاملين السوريين: “شهداء الانتفاضة”
المعلومات عن العامليّن السوريين شبه غائبة عن وسائل الإعلام، حيث ضاعت قضية استشهادهما بتصدر الحراكات الشعبية نشرات الأخبار، خاصة وأن الناس لم تخرج من الشوارع منذ ستة أيام متواصلة. وبدعوة من مجموعة “البلد بِساع الكل” المهتمة بقضايا العمال واللاجئين الأجانب، مساء الأحد، أضاء عدد من الشبان والشابات الشموع عن أرواح العامليّن السوريين، إبراهيم يونس وإبراهيم حسين. واعتبرتهما المجموعة “شهيدا الانتفاضة”، مؤكدة على “كل الحب والدعم لجميع العمال والعاملات على الأراضي اللبنانية واللاجئين/ت فيها”، بحسب نص الدعوة على فايسبوك.
بحسب رواية أحد المقربين للشابين عبر تلفزيون المؤسسة اللبنانية للإرسال، أن الشابيّن كانا يسكنان ومعهم رفيق ثالث في محل (مستودع) داخل مبنى سكني، وهي محلات منعزلة عن المبنى. كان العاملان نائميّن لحظة اندلاع الحرائق على الطريق من قبل متظاهرين، إلاّ أن النيران امتدت إلى المحلات حيث ينام العمال، وتعرضا للاختناق بينما تمكن العامل الثالث من النجاة.
مجموعة “البلد بِساع الكل”، شجبت استهتار الدولة بحقوق العمال وبحياتهم لا سيما العمال السوريين والأجانب. وبالتالي حمّلت وزارة العمل ومالكي المبنى والدولة مسؤولية استشهادهما، وطالبت المجموعة بتحقيق فوري لمعرفة كيف يُترك العمال ليباتوا في منشأة غير مجهزة بأدنى متطلبات السلامة، أقلها مطفأة حرائق.
الشاب حسين العطار: “شهيد مغدور بتفلت السلاح
طلقة نارية أودت بحياة الشاب حسين العطار على طريق المطار في الضاحية الجنوبية لبيروت السبت 19 تشرين الأول. الرواية الأولية تُفيد بأن الشاب ذات الـ 25 عاماً ، نزل مثل شُبان كُثر إلى الشارع لقطع الطريق للضغط على الحكومة لتنفيذ مطالبهم. على طريق المطار حيث قطع ورفاقه الطريق استغل البعض الحراك لإستيفاء الأموال من المسافرين مقابل نقلهم على الدراجات النارية وتلقي مبالغ مالية. حاول حسين التصدي لأحد هؤلاء، ويدعى خ. ع.، إلا أن الأخير تهجم على المتظاهرين وأطلق النار بين أقدام حسين. ثم جرت مصالحة بين الشبان والمنتفع خ. ع.، إلا أنه عاد بعد عشر دقائق وأطلق النار في صدر حسين العطار ليرديه قتيلاً. والد العطار الشهيد، تحدث إلى موقع “يا صور” أثناء تشييع إبنه المغدور وأكد أن حسين “شهيد الثورة”، داعياً اللبنانيين إلى الإستمرار بالتحرك معتبراً أن جهات من السلطة السياسية تحمي المتفلتين من القانون أمثال قاتل إبنه. وشدد الوالد على أن المتضررين من الحراك السلمي هم من غدروا بإبنه، مؤكداً على أن “العائلة بأكملها مستمرة بالنزول إلى الشوارع للمشاركة بالتظاهرات”. ورفض الوالد أي محاولة لتحريف الحراك باستشهاد حسين ، وأمل أن نصل إلى وقت “ندعس فيه الطبقة السياسية الفاسدة لأي جهة انتمت” محملاً مسؤولية خسارته لإبنه للدولة الغائبة. وأكد الوالد، أن حسين كان يأتي إلى البيت وثيابه ملوثة جراء عمليات الحرق لقطع الطرقات، وعندما يسأله عن هدفه من ذلك كان الشاب الراحل يقول: “يا بابا إذا أنا ما نزلت مين بده ينزل على التحركات”.
جرحى فض التظاهرات: هل تحمي قوى الأمن المتظاهرين أم تنهال عليهم بالضرب؟
يُظهر تقرير الصليب الأحمر لليومين الأولين في تظاهرات بيروت، نقل 156 جريح، من بينهم 64 مصاباً مساء الجمعة.
لربما اعتقدت السلطة أنها ستحبط بالقمع التحركات وتهدئ من حدة الغضب الشعبي، فردت على المتظاهرين بالهراوات وبالصواعق الكهربائية، وقامت القوى الأمنية بشيطنة المطالبين بحقوقهم وسعت لكسر أرجلهم، ظنا منها أنها ستشل حركتهم من أرجلهم فتشل حراكهم المطلبي في الوقت نفسه. ويُشار إلى أن العديد من ضحايا الهراوات أكدوا سلمية تحركهم، وأن عناصر الأمن انهالوا عليهم بالضرب بعشوائية تامة، بعدما حمّلت القوى الأمنية جميع من تظاهروا مسؤولية حصول أحداث شغب من قبل قلة منهم.
ويتضح أنه بعدما توجه البعض من ضحايا الضرب إلى المستشفيات للعلاج من الإصابات البليغة، عادوا ووجدوا أنفسهم أمام مصاعب تأمين تكاليف العلاج، وأن أي من السلطات لم تسأل عن أعداد المصابين من المواطنين.
وعلى عكس ما يُراد من كبح التظاهرات، فإنه لليوم السادس على التوالي يستمر اللبنانيون بالنزول إلى الشوارع في مشهد يُعد الأهم من بين ما شهدته البلاد خلال عقود.
وفي ظل استمرار الشعب بالنزول إلى الساحات والشوارع لستة أيام متتالية حتى بعد إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري ما سمي بورقة الإصلاحات، نجد أن التعامل مع التظاهرات اختلف، فاستمرت التظاهرات بشكل سلمي من دون أي تجاوزات من قبل المتظاهرين و قوى الأمن، فيما تصدى الجيش اللبناني ليل 21 تشرين الأول لمتجولين على الدراجات النارية يرفعون أعلام حزب الله وحركة أمل، ويمنعونهم من الدخول إلى ساحتي التظاهرات في رياض الصلح وساحة الشهداء، الأمر الذي اعتبره كثيرون أن الجيش يقوم بدوره الحمائي للتظاهرات.
إذن، لكيلا تبقى أصوات الأشخاص الذين تعرضوا للانتهاكات من قبل القوى الأمنية عند فض التظاهرات خاصة ليل 18 تشرين الأول في بيروت، نرفع بعض الشهادات آملين أن تقوم السلطات بدورها للتحقيق في ما حصل، وتمنع تجاوزات عناصرها بحق المتظاهرين السلميين.
موثق بالفيديو: كسر بالرأس والقدم وجرح في الوجه
يظهر فيديو تم نشره على وسائل التواصل الاجتماعي، كيف وقع الشاب أمير الكعكي تحت أقدام عناصر قوى الأمن الداخلي بعدما انهال عليه بعضهم (بعض العناصر الأمنية) بالضرب المبرح. الفيديو يُظهر نحو ثلاث عناصر أمنية، قيل إنهم من الأمن الداخلي، ومن ثم سُمع صوت طلق ناري لحظة صراخ متظاهرين نحو قوى الأمن ليكفوا عن ضرب الشاب وتركه، مما منع المتواجدين في الشارع من التقدم نحوه. العناصر الأمنية تركوا أمير مضرجا بدمائه وعاجزاً عن الحركة وغير قادر على الصراخ من شدة الوجع.
تتحدث شقيقة الكعكي، أميرة الكعكي، مع المفكرة عن شدة الإصابات التي أصيب بها أمير ذات الـ 32 عاماً، مؤكدة أن أخيها كان يُمارس حقه في التظاهر سلمياً، ولا يوجد مبرر لضربه بهذه الطريقة. إذ تبين أن الشاب مصاب بكسر في الرأس، وجرح في وجهه، وكسر في قدمه ويحتاج إلى عملية. القضية لم تنته هنا، بل أن هؤلاء اللذين تعرضوا خلال التظاهر لأقسى أنواع الضرب في مكان عام، خلال مشاركتهم في تحرك مطلبي مُحق، يصطدمون بعدم مقدرتهم على دفع تكاليف علاج الإصابات. فقامت شقيقة الكعكي بوضع منشور على صفحتها على فايسبوك تحاول جمع التبرعات لتأمين التكلفة. والحال أن عائلة الشاب تنقلت بين عدة مستشفيات حتى تتمكن من إيجاد مستشفى تستقبله على حساب وزارة الصحة. ذهبوا إلى مستشفيات المقاصد التي امتنعت عن قبول مريض على نفقة الوزارة، والمستشفى الحكومي أشار إليهم بأن الوزارة مغلقة يومي السبت والأحد فلن يتمكنوا من إخضاعه للعملية قبل نهار الاثنين، فتم نقله إلى مستشفى كمال جنبلاط التي قبلت إخضاعه للعملية بعد دفع تأمين بقيمة 500 دولار أميركي جُمعت من متبرعين، كما ما تبقى من كلفة علاجه في ظل تمنع السلطات عن اتخاذ موقف مما جرى معه ليل الجمعة. حتى لم يأت أي مسؤول في السلطة على ذكر ما حصل، وكأنهم صدقوا الرواية الأمنية التي حمّلت جميع المتظاهرين مسؤولية تصعيد الأمور.
نتيجة القمع أيضاً، أصيب الشاب حسن عباس ذات الـ 29 عاماً ويعمل مياوماً في شركة، فإذا توقف العمل يوماً لا يتقاضى أي أجر عنه، وهو معيل وحيد لأسرته.
توجه الشاب إلى رياض الصلح مع الآلاف للتعبير عن مطالبه المعيشية، فقررت القوى الأمنية قمع المتظاهرين، وانهالت عليهم بالهراوات مما أدى إلى إصابة حسن في الرقبة، والعين، وجرح بليغ في القدم، وكسر في الركبة. الضرب المبرح الذي تعرض له حسن أفقده ذاكرته، حيث استفاق في المستشفى غير مدرك لكُل ما حصل معه في هذا اليوم. فسارعت أمه تطلب من رفاقه نشر رقم هاتفها على وسائل التواصل الاجتماعي علها تجد من يساعدها في تأمين كلفة العلاج حتى تدفع للمستشفى التي رفضت أن تقوم بالعملية ما لم تؤمَن الأموال. وبرغم استفادة حسن من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إلا أن عدم توفير دفعة أولى مالية كتأمين يشكل عائقاً أمام تمكنه من الخضوع للعلاج.
بقي الشابان أمير وحسن يوميّن رهينتا النظام الإستشفائي من دون الخضوع للعمليات الجراحية في قدميهما، الأقدام التي على ما يبدو أن القوى الأمنية تستهدفها عند فض كل تظاهرة.
ضربوا كل من وجدوه في طريقهم
شاب عمره 21 عاماً طلب عدم ذكره اسمه، توجه عند الساعة التاسعة مساء تظاهرة 18 تشرين الأول، برفقة صديق له ليأخذ دراجته النارية ويعود إلى منزله. يتفاجأ الشاب بالهجوم عليه من قبل نحو خمسة عناصر من مكافحة الشغب، فينهالون عليه بالضرب المبرح ثم يُنقل إلى أحد المخافر في شاحنة ومعه نحو 25 شخصاً آخر. صديقه، وهو الآخر كان متواجداً في المكان انما لا يعتبر نفسه مشاركا في التظاهرة بل أن فضوله لرؤية التظاهرات عن قرب حثه على النزول إلى ساحة رياض الصلح، يقول أن فترة وجوده في رياض الصلح لم تستغرق سوى نصف ساعة، وأن بعض العناصر الأمنية شدوه من ملابسه لحظة توجهه للخروج وبدأوا يسحلونه أرضاً لأمتار، وينهالون عليه بالضرب بالهراوات.
ويستغرب الشاب كيفية اختيار الأشخاص لضربهم، فعلى ما يبدو أن عناصر الأمن ضربوا كل من وجدوه في طريقهم بغض النظر عن ما إذا كان يُحدث شغباً أم لا.
“