“

منذ بداية الثورة تميزت الإنتفاضة الشعبية في طرابلس والتي تربعت على رأس الحراك المناطقي مع تزايد عدد المتظاهرين يوميا في ساحة النور، وقد قدم المتظاهرون إلى الساحة بشكل عفوي تعبيرا عن معاناتهم ضد التهميش والفقر. الإنتفاضة الشعبية في طرابلس سبقت كل النقابات وكان لها الكلمة العليا. فكيف بدا موقف نقابة المحامين في طرابلس من الإنتفاضة الشعبية؟

مع بداية الحراك في 17 تشرين الأول، لم تأخذه النقابات على محمل الجد. ولم يتوقع كثيرون إستمرار المشهد بالشكل الذي استمر عليه. وفي اليوم التالي إجتمع مجلس نقابة المحامين في طرابلس وأصدر بيانا بعنوان: “للتضامن الإيجابي مع رئيس الحكومة لوضع حد للأزمة وإنصاف الشعب المظلوم.”، مع تسليمه بأحقية ومشروعية التحركات الشعبية العفوية. إلا أنه وبشكل عام، شكل البيان صدمة للعديد من المحامين والناشطين أولا من خلال عنوانه البعيد كل البعد عن حقوق الناس، وثانيا بسبب السلبية الواردة فيه، ومفادها أن الأمور تسير إلى إتجاهات في غاية الخطورة وغير محسوبة العواقب وأن التحركات الشعبية غير مؤطرة ولا تملك برنامجا عمليا وسريعا لحراكها، الأمر الذي قد يترك المجال لمحاولة إستغلال مؤذية للتوازن الوطني والإستقرار الإجتماعي.

بهذا الشكل، كان موقف نقابة المحامين بداية. ومع استمرار الحراك الشعبي بحجم أكبر، إجتمعت بتاريخ 20/10/2019 نقابات المهن الحرة في الشمال وصدر عنها بيان بعنوان: “لمشروع إقتصادي إجتماعي لإنقاذ الوضع بعيدا عن أي إعتداء على حقوق الفقراء”. ومن خلال التدقيق في البيان نلاحظ إختلاف لهجة الخطاب ونراه خطا خطوة إضافية في اتجاه الحراك الشعبي. وقد جاء حرفيا فيه: “إن نقابات المهن الحرة في طرابلس والشمال إستشعارا منها بمسؤوليتها الوطنية والإجتماعية، وبما تمثل من أركان وأسس في المجتمع المدني الذي أثبت في الأيام الأخيرة حيوية فائقة وكفاءة عالية ونزاهة ملحوظة وحضارة في التنظيم الذاتي والتقيد بالقوانين والأنظمة ورؤية ثاقبة لحقيقة الأزمة، ترى أن الشعب قد تجاوز الحواجز المصطنعة والإختلافات السياسية والحزبية والدينية والمذهبية، وقد تلاقى في لحظة واحدة عند نقطة واحدة، ضرورة الحفاظ على الوطن، والإنتفاض من أجل كرامته ولقمة عيشه…….” . وفي ختام البيان أعلن المجتمعون أن نقابات المهن الحرة تحيّي هذا الحراك المبارك وتؤيده وتطالب الجهات المسؤولة بالإنصات لمطالب المواطنين. ثم، وفي نفس النهار في 20/10 حصل إجتماع في نقابة المحامين بين مجلس النقابة وعدد من المحامين للنقاش في موضوع الحراك الشعبي.

ومع بداية الأسبوع وتأكيد المتظاهرين بأن ثورتهم ليست مجرد إعتصام عابر في عطلة نهاية الأسبوع، إجتمع نقباء المهن الحرة في 21/10/2019. وفي هذا الإجتماع نلاحظ تبني النقابات لهذا الحراك الشعبي، حيث قرر المجتمعون إنشاء غرفة عمليات مشتركة لنقابات المهن الحرة تتضمن:

• وضع مركز المعونة القضائية والمساعدة القانونية في تصرف الحراك الشعبي..
• إنشاء عيادة طبية ميدانية لنقابتي الأطباء وأطباء الأسنان لمعالجة وتوجيه كافة الحالات الطارئة.
• إنشاء خلية هندسية لمواكبة جميع الأمور التقنية.

في 22/10/2019 إجتمع مجلس نقابة المحامين في طرابلس مع مجموعة من المحامين وتم التباحث في تطورات الحراك الشعبي وتقرر تشكيل لجنة متابعة للحراك ولجنة صياغة الإقتراحات، وتم وضع خط ساخن لنقابة المحامين لمواكبة أي إنتهاك لحقوق المشاركين في الحراك. وبذلك إنتقلنا إلى مرحلة الإجراءات العملية لنقابة المحامين. وبدلا من اقتصار مساعدة المتظاهرين على عدد محدود من المحامين تطوعوا لمساندة المتظاهرين، أصبحت المساعدة القانونية رسميا تحت مظلة نقابة المحامين. وفي نهار الخميس الواقع في 24/10/2019، نظمت نقابة المحامين في طرابلس لقاء تشاوريا حول موضوع الحراك، ثم كان ما يشبه المهرجان وأكدت كل الكلمات على أحقية الشعب بانتفاضته وبوقوف نقابات المهن الحرة بجانب الحراك الشعبي المحق. وبذلك تبنت نقابات المهن الحرة رسميا الحراك الشعبي إذا صح التعبير، وبعدها وضعت خيمة في ساحة النور بإسم تجمع نقابات المهن الحرة.

فمن التضامن الإيجابي مع الحكومة، عادت نقابة المحامين بمعية سائر النقابات المهنية في طرابلس لتؤيد الحراك الشعبي وصولا الى الإجراءات العملية والدفاع عن المتظاهرين. يحسب تاليا للإنتفاضة الشعبية أنها نجحت في تحرير نقابات المهن الحرة وعلى رأسها نقابة المحامين من تبعيتها وتمثيلها للسلطة وعودتها كصوت للناس وتمثيل حقوقهم المشروعة بدلا من تمثيل السلطة.

قوة هذه الإنتفاضة الشعبية يكمن في فرض إرادتها وإجبار النقابات على ركب الإرادة الشعبية والإنضمام الى الثورة، وهذا إنتصار إضافي للناس.

“