نوّاب الحاكم يتبرّأون منه أمام لجنة الإدارة والعدل: نعارض منصّة صيرفة والحاكم يتجاوزنا بدعم من ميقاتي


2023-07-19    |   

نوّاب الحاكم يتبرّأون منه أمام لجنة الإدارة والعدل: نعارض منصّة صيرفة والحاكم يتجاوزنا بدعم من ميقاتي

أسبوعان هما المتبقيان من الولاية الخامسة لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة المستمر في موقعه منذ العام 1993. الحاكم الصادرة بحقه مذكرة توقيف دولية، والملاحق في أكثر من بلد، لم تنته آماله في البقاء في منصبه. وكثر من المستفيدين يسوّقون لهذه الخطوة بوصفها ضرورية ليستمر في تحمل مسؤولية أفعاله، فيُخفون حقيقة الإصرار على ضمان الحفاظ على المكتسبات التي يؤمّنها سلامة لمنظومة من المنتفعين. إلا أن التطوّرات الحاصلة في الأسابيع الماضية أظهرت صعوبة تسويق هذه الخطوة، ما فتح الباب أمام البحث في الخطوات القادمة.

بيان نواب الحاكم الذي صدر في 6 تموز الجاري أماط اللثام عن التحضيرات لما بعد انتهاء ولاية سلامة، وأضاء على اعتراضات لم تكن معلنة سابقاً من قبلهم على السياسة النقدية التي كان يتبعها سلامة، وأبرز عناوينها مؤخراً، منصة صيرفة، التي أطلقت في 10 أيار 2021، عبر التعميم 157 (“إجراءات استثنائية حول العمليات على العملات الأجنبية”). هذه المنصّة التي قدمت على أنها أداة للحفاظ على استقرار الليرة والمحافظة على هامش متوازن مع سعر الدولار في السوق، كانت وما تزال أداة تربّح لعدد من المضاربين الذي حققوا أرباحاً طائلة من دون مخاطرة (يمكن شراء الدولار على سعر منصة حتى حدود مليار ليرة شهرياً من كل حساب). بالتوازي، تمّ التركيز على أهمية المنصة للناس ولاسيما الموظفين الذين يقبضون رواتبهم الضئيلة أصلاً على سعر صيرفة، بما يعوض لهم القليل من انهيار القدرة الشرائية لهذه الرواتب. وعليه، فقد تكثفت محاولات الإيحاء أن الإبقاء على المنصة هي حاجة شعبية، فيما الواقع أن الفارق بين سعر صيرفة والسعر الفعلي للدولار كلّف الخزينة، بحسب البنك الدولي، خسائر وصلت إلى 2.5 مليار دولار حتى آذار الماضي. 

المضاربون الحريصون على إبقاء المنصة واجهوا زيادة الأخبار عن توجّه نواب الحاكم بعد نهاية تموز إلى إلغاء المنصة، بـ “مناورة” رفعوا فيها سعر الدولار يوم السبت الماضي بنسبة 10% خلال ساعتين، ما دفع حاكمية المصرف إلى التناغم معهم من خلال إصدار بيان أكّد فيه استمرار المنصة بآليات عملها نفسها.

بالنتيجة، فإن تلميح نواب الحاكم إلى الاستقالة إذا لم “تتوافق القوى السياسية في مقاربتها لمعالجة الأزمة الاقتصادية والمالية وغياب خطة شاملة وواضحة لإعادة التوازن المالي والمصرفي، كما وتحقق توازن في موازنة الدولة مما يسمح للمصرف المركزي بوضع الأسس النقدية والمالية لإعادة الثقة”، بدا بمثابة السعي لإبعاد المسؤولية عنهم عن أيّ تدهور نقدي إضافي في فترة ما بعد سلامة. وهو ما ردّ عليه نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي، واصفاً البيان بأنه صادم نظراً “لوجود الخطة ولأن مصرف لبنان، كمؤسسة، كان جزءاً من الفريق الذي شارك في إعدادها ومناقشتها والاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي”. هذا النقاش أظهر أن نواب الحاكم غير مطلعين على كل ما يقوم به حاكم مصرف لبنان، وحتى لو اطلعوا واعترضوا في اجتماعات المجلس المركزي فإن اعتراضاتهم تكون بلا جدوى لأنه لا يؤخذ بها. 

مع طوي صفحة الاستقالة، لم تطوَ صفحة مطالبتهم للسياسيين بتحمّل المسؤولية، من خلال إقرار قوانين تشرّع عمليات التدخّل لحماية العملة الوطنية، ولاسيما منها تشريع استعمال الاحتياطي الإلزامي. وهذا أمر أعادوا التأكيد عليه في اجتماع لجنة الإدارة والعدل، أمس، بعدما أضاف رئيس اللجنة جورج عدوان بنداً على جدول أعمالها، يشير إلى “الاستفسار من سعادة نواب حاكم البنك المركزي حول موضوع دور نيابة الحاكمية بعد 31 تموز الجاري”). وبالفعل، حضر النواب الأربعة للحاكم الجلسة، وتحدّث باسمهم النائب الأول وسيم منصوري، مجيباً على استفسارات النواب. وقد أعاد التأكيد على الموقف الذي صار معروفاً للنواب الأربعة (وسيم منصوري وبشير يقظان وسليم شاهين وألكسندر موراديان) بالحاجة إلى مواكبة تشريعية للإجراءات التي يسعون إلى القيام بها للبدء في معالجة الأزمة، ولاسيما منها إلغاء منصة صيرفة، التي سبق أن أكد شاهين لـ “رويترز” على الحاجة إلى الابتعاد عنها “نظراً لافتقارها إلى الشفافية والحوكمة”. ولفت إلى أن “الأمر يتعلّق بالطريقة التي سيتمّ بها الإلغاء التدريجيّ لصيْرفة”. 

تفاصيل هذه الإجراءات تُركت لجلسة تعقدها اللجنة يوم غد حيث يتوقع أن يدعى إليها وزيرا المال والاقتصاد، على أن يعرض النواب الأربعة، خلالها، خطتهم بشكل مفصّل، وهي تتضمن إجراءات غير شعبوية كما وُصفت. علماً أن عنوانها صار واضحاً: إلغاء صيرفة وعدم استعمال الاحتياطي الإلزامي إلا بقانون ووضع آلية لتوحيد سعر الصرف تدريجياً، بالتعاون مع صندوق النقد الدولي. 

في الجلسة، أعادت بعض الأسئلة النيابية مناقشة دور نواب الحاكم في الفترة الماضية، ومسؤوليتهم في ما آلت إليه الأمور، فأوضح منصوري أن المجلس المركزي لا يملك سلطة تنفيذية، والحاكم لطالما نفّذ سياسات تعارض توصيات المجلس وتوجهاته. وكشف أن النواب الأربعة للحاكم أرسلوا، منذ سنة ونصف سنة، كتباً تعبّر عن مواقفهم وآرائهم بشأن السياسات النقدية التي يتبعها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، إلى الحكومة عبر وزير المال، إلا أنهم لم يتلقوا أي ردّ. خطورة ما يجري تجلت في كشف نواب الحاكم عن تواطؤ بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والحاكم لمخالفة القرارات المتخذة من المجلس المركزي للمصرف، بما يقوّض استقلاليته. فأي قرار لا يناسب توجهات الحاكم كان يلتف عليه بالاتفاق مع ميقاتي ويوسف. وحمّل نواب الحاكم مسؤولية تدهور الوضع النقدي إلى عدد من الإجراءات التي كانت متبعة منها: التوقف عن دفع الديون، سياسات الدعم التي نفذت عبر مصرف لبنان بدلاً من الحكومة، والتي أهدرت نسبة ضخمة من الاحتياطي الإلزامي، إضافة إلى فوضى التعاميم التي لم تؤد سوى إلى زيادة الأزمة. 

بعد انتهاء الجلسة، أشار رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان إلى أنه سيتقدم باقتراح قانون “لرفع السرية عن كل محاضر المجلس المركزي حتى تكون الأمور والمواقف أكثر وضوحاً وشفافية”. وهذا مطلب سبق لنواب الحاكم أن طالبوا به في الجلسة وقبلها في مسعى منهم لتأكيد براءتهم من القرارات والتعاميم التي يتخذها سلامة لا تستوي مع القانون. وأضاف عدوان أنه سيتم التواصل مع الحكومة “حتى يحضر رئيسها ووزيرا المال والاقتصاد الجلسة المقبلة، ويقدّموا هم أيضاً طرحهم للمرحلة القادمة، فهذا شأن حكومي بامتياز ونحن كسلطة رقابية نبني حينها على الشيء مقتضاه”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، البرلمان ، مصارف ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني