ملاحظات حول مشروع قانون “تنظيم وضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على بعض العمليات والخدمات المصرفية”

ملاحظات حول مشروع قانون “تنظيم وضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على بعض العمليات والخدمات المصرفية”

يأتي تدخل المشترع لوضع الضوابط المالية متأخرا، بحيث وصلت البلاد اليوم الى وضع حرج من الشح في العملات الأجنبية. مشروع قانون الضوابط المالية المطروح اليوم أمام مجلس الوزراء ليس مشروع كابيتال كونترول يلبي الحاجة الوطنية لترشيد استعمال السيولة المتبقية بالعملات الأجنبية ضمن إطار خطة استراتيجية، ولا يضيف أي شروط ملحوظة على التدابير الاستنسابية التي سبق أن قررتها المصارف بالاتفاق فيما بينها ومع حاكم مصرف لبنان، بل يمنح غطاءً قانونيا لمدة 3 سنوات لهذه القيود.

يفتقد نص القانون حتى الآن إلى منطق اقتصادي وقانوني مترابط وإلى الوضوح والتفصيل الكافي والشفافية في الأحكام والآليات. لذلك يهمنا توضيح الأسس العامة التي يجدر بنظرنا أن يبنى عليها مشروع القانون، كما أن نبدي ملاحظاتنا الأولية حول المقاربة العامة التي ندعو مجلس الوزراء إلى اعتمادها في تصميم وصياغة مشروع القانون وأسبابه الموجبة.

الأسس العامة

  • يجدر التمييز بين (1) الضوابط على التحويلات الخارجية (2) والضوابط على السحب بالعملات الاجنبية في الداخل (3) والضوابط على السحب بالعملة الوطنية في الداخل. فلكل من هذه الإجراءات وظيفة مختلفة ومفاعيل اقتصادية وقانونية مختلفة.
  • الهدف الأول من هذا القانون يجب أن يكون تنظيم الاستيراد من أجل تأمين الحاجات الأساسية للمجتمع ضمن إطار خطة استراتيجية لاستعمال السيولة المتوفرة في العملات الأجنبية.
  • الهدف الثاني هو الحد من تسرّب العملات الأجنبية إلى الخارج، من خلال منع التحويلات غير الضرورية (هروب الأموال)، وذلك بناء على قواعد ومعايير عادلة وشفافة، وأخذا بعين الاعتبار ضرورة معالجة إشكالية السرية المصرفية المطلقة.
  • من الضروري الحرص على عدم تحويل الضوابط المالية الداخلية إلى قصة شعر (haircut) على المودعين لأن هذا الإجراء يتعلق بإعادة هيكلة ديون المصارف. يجب أن تكون هذه الضوابط عادلة وأن ترتكز على دراسة للأثر المالي.
  • هذا النوع من القوانين هو ظرفي وليس بنيويا ويقتضي بالتالي أن يسري لفترة زمنية محدودة وأن يكون مربوطا بشرط إجراء إعادة هيكلة للدين العام والقطاع المصرفي وبإصلاحات بنيوية جدية وسريعة تعيد الانتظام للحياة المالية في لبنان.
  • يتطلب هذا القانون إنشاء لجنة مركزية خاصة لتنظيم العمليات المصرفية والموافقة عليها (مثل آليات وشروط التحويل الى الخارج وآليات ومعايير التصرف بالأموال الجديدة) تناط بصلاحيات واضحة وصريحة بالنسبة لكيفية تطبيق كل من القيود التي ينص عليها القانون. تكون تابعة لمجلس الوزراء ومشكلّة من أعضاء يمثلون مصرف لبنان ومختلف الوزارات المعنية ومن ممثلين عن المودعين والمجتمع المدني.

الملاحظات

الأسباب الموجبة (1): يقتضي أن يرتكز القانون وأسبابه الموجبة إلى خطة استراتيجية لاستعمال السيولة

تهدف القيود المالية إلى وضع حدّ لتسرّب العملات الأجنبية إلى الخارج، نظرا إلى الشح في السيولة. لذلك تقوم الدول بمنع التحويلات غير الضرورية (هروب الأموال) وتقوم بالموازاة بتنظيم الاستيراد والمدفوعات إلى الخارج بشكل يأخذ بعين الإعتبار حجم الاحتياطي المتوفر بالعملات الأجنبية من جهة، والحاجات الاقتصادية والاجتماعية الأساسية من جهة أخرى.

لقد بات واضحا أن مستوى السيولة أضحى ضئيلا جدا ويتطلب خيارات استراتيجية أساسية من قبل الحكومة، لا سيما في ما يتعلق بتنظيم الاستيراد. ففي السنوات الأخيرة، استورد لبنان ما معدّله أكثر من 4 مليار دولار سنويا من الفيول فقط.

ومن هنا ضرورة أن يتم وضع خطة استراتيجية لترشيد استعمال السيولة المتبقية من جهة، والمواد المستوردة من جهة أخرى، وذلك بناء على جردة دقيقة وشفافة لحسابات مصرف لبنان وعلى تقييم للحاجات الأساسية من قبل الوزارات المعنية. وتوفر هذه الخطة الإطار الصحيح الذي يبنى على أساسه مشروع قانون القيود المالية ويتم تضمينه في الأسباب الموجبة للقانون.

ويجب أن تتضمن، إضافة الى تحديد مستوى السيولة المتوفرة وكيفية ترشيد استعمالها بناء على الأرقام، دراسة وتحليلا لمختلف التدابير المعتمدة وآثارها الاقتصادية والاجتماعية، ولاسيما بالنسبة لتأثير السحوبات بالليرة اللبنانية على مستوى التضخم.

كما يجب أن تتضمن شرحا للمعايير المعتمدة في توزيع الأعباء (المبادئ القانونية والأرقام) وفي تحديد كل من المبالغ والنسب المعتمدة في نص القانون (كسقف السحوبات أو غيره)، إضافة الى دراسة للمفاعيل الاقتصادية والقانونية لكل مادة، من أجل التأكد في صيغة القواعد والآليات من عدم إمكانية تحوير أي من الأحكام عند تطبيقها.

الأسباب الموجبة (2): يقتضي أن تتضمن الأسباب الموجبة تبريرا دقيقا للظروف الاستثنائية وألا يتعدى القانون مدة 6 أشهر قابلة للتمديد بقانون جديد

بما أن هذا القانون ينطوي على تقييد لحركة الأموال ويمس بالملكية الفردية والنظام الاقتصادي الحر، يقتضي أن تحدد أسبابه الموجبة ماهية الظروف الاستثنائية التي تبرر هذه القيود وأسبابها والمؤشرات المعتمدة من أجل تحديد هذه الظروف نوعيا وزمنيا (تاريخ الابتداء وتاريخ الانتهاء)، إضافة إلى ما قد تستتبعه من مفاعيل سلبية يقتضي درؤها من خلال التدابير المعتمدة في القانون. ونورد في هذا الإطار ملاحظتين أساسيتين حول المشروع المقترح اليوم على طاولة مجلس الوزراء:

أولا، ينص مشروع القانون على مدة نفاذ 3 سنوات يعود لمجلس الوزراء تقصيرها عند زوال الظروف الاستثنائية. ونعتبر أنه من الأجدر أن ينص القانون على مدة نفاذ لا تتعدى الستة أشهر تكون قابلة للتمديد بناء على مشروع قانون مقدم من قبل الحكومة ترفق به الأسباب الموجبة للتمديد المبنية على تقارير مصرف لبنان والوزارات المعنية. ومردّ ذلك لما يأتي:

  • من الناحية القانونية، يجدر أن يعمل بالقانون الاستثنائي لفترة محدودة تمدد فقط إذا اقتضى الأمر، وليس العكس، وذلك حفاظا على المبادئ والحقوق المكفولة دستوريا.
  • من الناحية الاقتصادية، يقتضي التنبه إلى أن القيود المالية تؤدي حكما إلى دوامة من الانكماش الاقتصادي والبطالة وارتفاع مستوى الفقر، مما يقضي أن تكون هذه القيود مؤقتة. كما تعطي فترة الثلاث سنوات إشارة سلبية حول الإرادة الفعلية للدول اللبنانية واستعداها الجدي لوضع خطة إعادة هيكلة للقطاع المصرفي كفيلة بتصحيح أوضاع هذا القطاع في المدى المنظور، وباستعادة وظيفة المصارف كوسيط مالي يلعب دورا أساسيا في تنشيط الاقتصاد.

ثانيا، تنص الأسباب الموجبة المرفقة بمشروع القانون بأن “الظروف الاستثنائية أدت بالمصارف منذ تاريخ 17 تشرين الثاني 2019 (تاريخ تعميم جمعية المصارف) إلى اتخاذ تدابير ووضع قيود على حقوق المودعين والعملاء” أدت إلى عدم مساواة يأتي هذا القانون ليصححها من خلال توحيد وتنظيم هذه التدابير. وبيد أنه لا شك اليوم في الحاجة إلى وضع القيود المالية، وبيد أن تنظيم وتوحيد القيود هي من بين الأهداف الأساسية لتدخل المشترع. إلا أن وظيفة المشترع ليست قوننة تدابير المصارف وتنظيم التدابير المعتمدة من قبلها بناء على تقدير المصارف نفسها لماهية الظروف الاستثنائية وتاريخ نشوئها ومن دون أي إعادة تقييم لمدى صحتها ومواءمتها. وظيفة المشترع تكمن في الحفاظ على المصلحة العامة وعلى مواءمة مقتضيات الظروف الاستثنائية مع المبادئ الدستورية الراعية لحق الملكية والاقتصاد الحر والعدالة والمساواة. كما أن اعتماد تاريخ 17 تشرين الثاني يطرح أسئلة قانونية عدة حول المفعول الرجعي للقانون وحول إمكانية مقاضاة المصارف ومحاسبة مصرف لبنان على التدابير المتخذة قبل صدوره.

إقرار قيود مالية متجانسة وغير استنسابية

إنّ تدخّل المشترع يهدف الى وضع القيود المالية وليس الى تنظيم قيود مالية سبق أن تم اعتمادها.

ويهدف هذا التدخّل بشكل أساسي إلى تنظيم جميع الضوابط بحيث:

  • أولا لا يترك أي موضوع للتقدير الإستنسابي من قبل المصارف، كون المصرف ليس جهة رسمية منوطة بصلاحيات تنظيمية بل هو فريق تعاقدي ساهم في إنشاء الوضع الشاذ الذي تأتي هذه الضوابط للحد من مفاعيله على المصلحة العامة.
  • وثانيا، يعطي تفويضا محدودا للصلاحيات للجهاز المنوط بتنفيذ القانون والذي يأتي ليضع الآليات التنظيمية للقواعد والمعايير التي يقررها المشرع بشكل يؤمن التوازن الملائم بين حق الملكية والمصلحة العامة. وهذا ما يشذ عنه مشروع القانون من خلال تفويض المشرع صلاحيته في هذا الشأن بما يتصل بالودائع بالدولار لمصرف لبنان.

لذلك يقتضي اعتماد ضوابط قانونية متجانسة وغير استنسابية، مما يتطلب تحديدا أكبر لمعايير وآليات التطبيق في أحكام القانون. كما يقتضي معالجة موضوع حسابات الشركات التجارية بمعزل عن موضوع الأفراد نظرا لاختلاف الظروف والنتائج.

كما يهدف إلى تنظيم الضوابط بشكل يتم من خلاله ترشيد استعمال السيولة بالعملات الأجنبية بناء على معايير علمية وعادلة. وهذا يقتضي ليس فقط وضع القيود على المودعين والعملاء. وهذا الأمر تم تجاهله كليا من قبل مشروع القانون هذا الذي بين أيدينا، والذي يعطي مصرف لبنان بشكل عام والمصارف بشكل خاص مجالا واسعا للتقدير في تطبيق أحكامه.

تشكيل لجنة مركزية لتنظيم العمليات المصرفية والموافقة عليها

بناء على ما سبق، يقتضي تحديد مختلف الآليات التطبيقية لهذا القانون، بما فيه آليات تضمن الشفافية والرقابة والمحاسبة وآليات للشكاوى والمراجعات حول قرارات المصارف والجهات الناظمة، ولاسيما الآتية:

  • تصدر المراسيم التطبيقية عن مجلس الوزراء عند الحاجة. وهنا لا تجوز قانونا الصيغة التي اعتمدها مشروع القانون في المادة السابعة منه حيث أناط مصرف لبنان بصلاحية إصدار قرارات وتعاميم هي بمثابة مراسيم تطبيقية لقانون الكابيتال كونترول، بناء على اقتراح وزير المالية ومجلس الوزراء.
  • يتم انشاء لجنة مركزية خاصة لتنظيم العمليات المصرفية والموافقة عليها (مثل آليات وشروط التحويل الى الخارج وآليات ومعايير التصرف بالأموال الجديدة) تناط بصلاحيات واضحة وصريحة بالنسبة لكيفية تطبيق كل من القيود التي ينص عليها القانون. ويجدر أن تكون هذه اللجنة المركزية تابعة لمجلس الوزراء ومشكلّة من أعضاء يمثلون مصرف لبنان ومختلف الوزارات المعنية. كما من المستحسن أن تضم ممثلين عن المودعين والمجتمع المدني من أجل ضمان الشفافية والمتابعة والمراقبة والمحاسبة.
  • ويتم رفع السرية المصرفية تجاه اللجنة المركزية من أجل تمكينها من القيام بمهامها مع الحرص على العدالة والمساواة وعدم التمييز بين المودعين.
  • إضافة إلى إمكانية اللجوء إلى القضاء المختص بناء على القوانين المرعية الإجراء، لا بد من تعيين مرجعية خاصة لتتلقى الشكاوى والمراجعات حول جميع القرارات الصادرة عن الجهات المختصة ولاسيما عن اللجنة المركزية تطبيقا لهذا القانون، وتبت بها بشكل سريع وفعال.
  • يقدم مصرف لبنان واللجنة المركزية ولجنة الرقابة على المصارف تقارير دورية إلى مجلس الوزراء حول تطبيق هذا القانون. ويقدم مجلس الوزراء بدوره التقارير الدورية إلى مجلس النواب حول تطبيق القانون. وتنشر جميع هذه التقارير في الجريدة الرسمية وعلى الإنترنت فور صدورها.

تأمين العدالة والمساواة ضمن إطار علمي لإدارة الحجم الإجمالي للسحوبات

تؤدي بعض التدابير المعتمدة حتى الآن والتي يبقي عليها مشروع القانون، إلى إلقاء العبء الأكبر على صغار المودعين، كما وتسمح بالتمييز بين المودعين بشكل اعتباطي. فبينما تضع المصارف سقوف سحب لا تتعدى الألف دولار شهريا في الداخل، يسمح مشروع القانون بتحويل عشرات الآلاف إلى الخارج لتغطية نفقات التعليم، بحيث يتم تبدية الطبقات الميسورة على الطبقات الأكثر هشاشة، من دون أي خطة أو معايير مدروسة، ومن دون تأمين أي حماية اجتماعية، لاسيما في ظل ازدياد الفقر والبطالة بين اللبنانيين المقيمين.

ونتيجة لهذه القيود على سحب الأموال بالعملات الأجنبية، يجد المودع اللبناني نفسه أمام قصة شعر غير مباشرة بفعل تدني سعر العملة الوطنية، بحيث يضطر على سحب أمواله بالليرة اللبنانية ويخسر حوالي 60% من قيمتها كحد أدنى. من الضروري التنبه إلى أن هذه الإجراءات ليست قيودا مالية بقدر ما هي إعادة هيكلة لديون المصارف المستحقة للمودعين، وتحميل المودعين جزءاً كبيراً من خسارة المصارف بينما هدف إعادة الهيكلة هو تجنبهم هذا العبء، وذلك بشكل غير عادل وغير مدروس وخارجا عن إطار خطة شاملة لإعادة هيكلة الدين. لذلك يقتضي بأي مشروع قانون يتعلق بالقيود المالية أن يعالجها.

أما ونظرا لشح السيولة في العملات الأجنبية، فمن المجدي بالفعل دراسة إمكانية فرض السحب بالليرة اللبنانية من الودائع في العملات الأجنبية. ولكن نظرا لأهمية الحفاظ على مبدأ العدالة والمساوة في التدابير المتخذة، يقتضي اعتماد سعر صرف مواز لسعر الصرف الحقيقي المتداول في الأسواق من أجل الحفاظ على القيمة الشرائية للمبالغ المسحوبة. هذا الإجراء يوقعنا حتما في خطر تدهور سعر الليرة الذي لا يمكن تفاديه إلا ضمن إطار خطة شاملة ومتكاملة تؤطّر الحجم الإجمالي للسحوبات بحيث تحدد سقوف السحب إن كان من الودائع بالليرة أو بالدولار على أساس دراسة للأثر على كمية النقد والتضخم وسعر الصرف.

ونرى توجها في النسخة الثالثة لمشروع القانون (المادة 7) نحو تفويض مصرف لبنان تحديد سعر صرف “حده الأقصى سعر الصرف المتداول في الأسواق” ولتحديد سقوف سحب المبالغ. لذلك نورد بهذا الخصوص الملاحظات التالية:

  • يفتقر النص المطروح إلى الوضوح والشفافية إن كان لجهة الأحكام أو لجهة أسبابها الموجبة.
  • يقتضي أن يعتمد النص معايير واضحة وشفافة تبنى على أساس إطار علمي لإدارة الحجم الإجمالي للسحوبات.
  • لا يوجد اليوم في لبنان آلية واضحة وشفافة لتحديد سعر صرف السوق. يقتضي اعتماد سجل طلبات الكترونيا يضمن الفعالية والشفافية في تحديد سعر الصرف.

تصميم الأحكام القانونية بشكل يضمن تأدية الغاية منها، ولاسيما الأحكام المتعلقة بالأموال الجديدة

يقتضي دراسة المفاعيل الاقتصادية والقانونية لكل مادة وكيفية تطبيقها من قبل المصارف، من أجل التأكد في صيغة القواعد والآليات من عدم إمكانية تحوير أي من الاحكام عند التطبيق، ولاسيما في ما يتعلق بالأموال الجديدة.

ففي وضع من الشح شبه الكلي في السيولة بالعملة الأجنبية، وإلى أن يتم إعادة هيكلة الديون السيادية وإعادة هيكلة القطاع المصرفي من أجل إنقاذ هذا القطاع ومحاسبة المسؤولين عن هذا الوضع واستعادة ثقة المودعين والمستثمرين، يجد المشترع نفسه أمام ضرورة تحرير الأموال الجديدة من القيود من أجل إعطاء ضمانة وتحفيز للنشاط الاقتصادي وتحويل الأموال من الخارج حفاظا منه على المصلحة العامة، وذلك بالرغم من الإشكاليات القانونية التي يطرحها هذا التمييز بين الأموال “القديمة” والأموال “الجديدة”. لذلك، وكون هذه الأحكام تشكل استثناءً هاماً لمبدأ العدالة والمساواة المكرس بالدستور وللقواعد القانونية التي ترعى عمل المصارف وعلاقتها بزبائنها وحالات توقفها عن الدفع، يقتضي صياغتها بدقة وربطها بقواعد وآليات صارمة تضمن عدم إمكانية تحويرها عن أهدافها في التطبيق.

يجدر مثلا تحديد مفهوم الأموال الجديدة بشكل دقيق لا يحمل التأويل أو التلاعب، إضافة إلى وضع قواعد واضحة للتعامل مع الأموال التي خرجت من لبنان في فترة تنفيذ الضوابط الاستنسابية من قبل المصارف وعدم التعامل معها كأموال جديدة عند إعادتها الى لبنان. كما يجب التنبه الى عدم إمكانية المصارف من خصم المبالغ التي تم صرفها عبر البطاقات الإئتمانية مثلا خلال الأشهر الأخيرة من المبلغ الإجمالي للأموال الجديدة.

وفي هذا الإطار يقتضي اعتبار الأموال المتأتية من المشاريع الاستثمارية (تجارية، زراعية، سياحية، كما وكل ما نص عليه قانون تنشيط الاستثمارات رقم 360/2001 لهذه الجهة) أيضا من قبيل الأموال الجديدة من أجل إعطاء الثقة وتنشيط الاستثمار. غير أنه يقتضي هنا أيضا التنبه لعدم إمكانية التلاعب بالأحكام وتصميمها بشكل لا يضمن تأدية الغاية.

دراسة شاملة للمعاهدات الدولية المتعارضة مع أحكام القانون والإشكاليات القانونية الناتجة عنها

تكرس اتفاقية صندوق النقد الدولي حرية تحويل الأموال وتحرّم القيود على المدفوعات و/أو التحويلات إلا في حالات استثنائية للغاية. وقد أصدر مجلس صندوق النقد عدة قرارات تعترف للدول الأعضاء بحق وضع قيود على حرية التحويلات في حال اختلال خطير في ميزان المدفوعات لهذه الدول بعد موافقة مجلس الصندوق. كما أبرم لبنان عددا من الاتفاقيات الثنائية تتضمن ضوابط لحرية التحويل منها ما يتوافق مع قرارات صندوق النقد المذكورة أعلاه ومنها ما لا يتوافق معها.

أما في حال عدم توافق بعض اتفاقيات الاستثمار الثنائية مع موقف صندوق النقد، فإن ذلك سيطرح مشكلة قانونية إضافية للبنان، لأنه سيؤدي إلى خلق استثناءات إضافية للقيود على التحويلات لمصلحة مستثمري بعض الدول (الذين يستوفون شروط وصف الاستثمار في القانون الدولي) ومعاملتهم بصورة تفضيلية بالنسبة للبنانيين. أما في حال عدم التزام لبنان بموجباته الدولية، فمن شأن ذلك أن يفتح باباً واسعاً لمقاضاته أمام هيئات التحكيم الدولية، لاسيما الـ  ICSIDلدى البنك الدولي.

وعليه فإن المخاطر القانونية الدولية التي قد تترتب على لبنان قد تكون كبيرة في حال التسرع في إقرار القانون قبل معالجة هذه المسألة. لذلك، يقتضي:

  • لحظ هذا الموضوع ضمن القانون العتيد وأسبابه الموجبة،
  • الاستحصال على موافقة صندوق النقد الدولي إنفاذا للاتفاقية،
  • إجراء مسح شامل لاتفاقيات الاستثمار الثنائية التي أبرمها لبنان لمعرفة ما هي الأحكام التي تنص عليها لجهة حرية تحويل الأموال وما إذا كانت تلك الاتفاقيات متوافقة مع قرارات صندوق النقد أم لا، ولمعرفة فئاتها وما هي الجنسيات المستفيدة من كل فئة وحجم الاستثمارات لكل من الجنسيات المعنية بهذه الاتفاقيات، للتمكن من تقدير مدى المخاطر القانونية التي قد يرتبها القانون الجديد.

جودة النص التشريعي وملاحظات أخرى

  • يقتضي تضمين القانون مصطلحات قانونية متجانسة ودقيقة وأن يبدأ بمادة تتضمن تعريفا لجميع المصطلحات التقنية.
  • يقتضي التأكد من وضوح المواد بما لا يحمل التأويل من أجل الحرص على وضوح وشفافية النص القانوني.
  • يجب توضيح ما إذا كانت التدابير المنصوص عليها تطبق على الحسابات المصرفية أو على المودعين والعملاء وتوضيح كيفية احتساب السقوف وكيفية تعامل القانون مع مسألة الحسابات المصرفية المتعددة للشخص الواحد (سواء في مصرف واحد كما وفي عدة مصارف، ناهيك عن الحسابات المشتركة).
  • يجب توضيح تاريخ احتساب سعر الصرف الرسمي المشار إليه في كل مادة (السعر المعتمد لدى صدور القانون أو بتاريخ التطبيق).
  • من المجدي اللجوء إلى دراسة مقارنة مع قوانين كابيتال كونترول اعتمدت في بلدان أخرى من أجل الاستفادة من الخبرات السابقة في هذا المجال.
انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، لبنان ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، اقتصاد وصناعة وزراعة



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني