مقترح قانون جديد في المغرب لمواجهة العنف الرقمي ضد النساء


2024-01-05    |   

مقترح قانون جديد في المغرب لمواجهة العنف الرقمي ضد النساء

بتاريخ 4 يناير 2024 أحيل على أنظار لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب مقترح قانون لمواجهة العنف الرقمي ضد النساء تقدم به الفريق الحركي -أحد مكونات الأغلبية الحكومية بالمغرب.

وينص المقترح الجديد على تعديل الإطار المفاهيمي لجرائم العنف ضد النساء، وذلك بإضافة العنف الرقمي، فضلا عن تجريم عدد من الأفعال في حال ارتكابها ضد النساء في الفضاءات الرقمية المتعددة.

أهمية مقترح القانون الذي تنشره المفكرة القانونية تكمن في أنه يأتي بعد توالي صدور تقارير تدق ناقوس الخطر حول تفاقم العنف الرقمي الذي يستهدف النساء بالمغرب، والصعوبات التي يواجهنها في التبليغ عنه أمام السلطات خاصة ما يتعلق بإمكانية تجريمهن وضعف اعمال تدابير الحماية المقررة قانونا.

العنف الرقمي بالمغرب تقارير تدق ناقوس الخطر

كشفت نتائج البحث الوطني حول العنف ضد النساء التي أصدرتها  المندوبية السامية للتخطيط بالمغرب أن قرابة مليون ونصف امرأة مغربية تقع ضحية للعنف الرقمي، بمعدل انتشار يصل إلى 13.8 %، أغلبهن بالوسط الحضري[1] وتزداد حدة العنف الرقمي، بين الشابات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و24 سنة، وذوات التعليم العالي، والعازبات والتلميذات والطالبات، وذلك بسبب الاستخدام المتكرر والمتزايد لتكنولوجيا الاتصالات والشبكات الاجتماعية من طرف هذه الفئة، وقد أبرزت نتائج هذا البحث أن مرتكبي العنف الرقمي هم في الغالب رجال بنسبة 86.2 %، ولا سيما المجهولون منهم بنسبة 72.6 %.

من جهاتها، تؤكّد معطيات المديرية العامة للأمن الوطني وجود ارتفاع في عدد الشكايات المتعلّقة بالعنف ضدّ النساء والفتيات المرتكب بواسطة وسائل التكنلوجيا الحديثة، ففي سنة 2019 سجلت 622 شكاية منها 476 تتعلق بضحية راشدة، و147 تتعلق بقاصر، وارتفع عدد الشكايات المسجلة سنة 2020 إلى 761شكاية، منها 659 تهم راشدات، و109 تهم قاصرات. [2]

أما إحصائيات رئاسة النيابة العامة لسنة 2019 فتظهر تسجيل 80 قضية للتحرش الجنسي في الفضاء الرقمي خلال نفس السنة، توبع على إثرها 79 من الذكور الراشدين، وشخص قاصر واحد من الذكور، فيما لم تُسجّل أيّ قضية للتحرش الجنسي في الفضاء الرقمي ضدّ الإناث. [3]

تبرز هذه المعطيات الإحصائية الرسمية وجود فارق كبير بين الشكايات المسجّلة لدى الشرطة بخصوص العنف الرقمي المرتكب ضد النساءـ، والقضايا التي حركت النيابة العامة فيها المتابعة، والتي لا تتجاوز حوالي 11 %، وهو ما يعني عمليا أن العدد الكبير من شكايات العنف الرقمي لا تأخذ مسارها القضائي لعدة أسباب إما لانعدام الإثبات، أو لتنازل الضحية وعدم رغبتها في متابعة الإجراءات القضائية أمام المحاكم، أو لتفعيل الصلح، أو لأسباب أخرى من بينها إشكالية تكييف الأفعال القانونية بسبب عدم وضوح الإطار القانوني المنظم لعدد من الجرائم [4].

مقترح قانون العنف الرقمي بالمغرب أي جديد؟

يتضمن مقترح القانون الجديد تعديلات على القانون الجنائي، وكذا قانون محاربة العنف ضد النساء، بعد مرور خمس سنوات على دخوله حيّز التنفيذ، يمكن إجمالها في المقترحات التالية:

  • إضافة تعريف للعنف الرقمي إلى المادة الأولى من قانون محاربة العنف ضد النساء، لتشمل “كل فعل أو امتناع، باستخدام الأنظمة المعلوماتية، يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة”.
  • معاقبة الأشخاص الذين يقومون بجرائم التهديد من أجل الابتزاز بأي وسيلة، بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية للقيام بالأفعال المنصوص عليها في الفصول 1- 447 و2-447 من نفس القانون.
  •  تتميم الفصول 1-444 و2-444 بالتنصيص على أنّ جريمة السب أو القذف المرتكب ضدّ امرأة بسبب جنسها يمكن أن تتمّ بأي وسيلة، بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية. وبموجب هذه المبادرة التشريعية يعاقب على السب ّالمرتكب ضد المرأة بسبب جنسها بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية بغرامة مالية من 12.000 إلى 60.000 درهم، وتشدد العقوبة إلى 120 ألف إذا تعلق الأمر بالقذف.

 كما نص مقترح القانون على أنه يعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات وغرامة من 2000 إلى 20 ألف درهم ، كل من قام بالتهديد من أجل ابتزاز الأشخاص بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، وبالحبس من سنة واحدة إلى 3 سنوات وغرامة من 2000 إلى 20 ألف درهم إذا تعلق الأمر بالتهديد من أجل الابتزاز.

ملاحظات على مقترح قانون العنف الرقمي

يأتي مقترح قانون العنف الرقمي في إطار مبادرات تشريعية مماثلة لتعديل قانون محاربة العنف ضد النساء، بعد مرور خمس سنوات على دخوله حيز التنفيذ.

كان لافتا في مقترح القانون الجديد أنه ركز على أهمية الإطار المفاهيمي من خلال حرصه على تعريف العنف الرقمي في صلب المادة الأولى من قانون محاربة العنف ضد النساء، أسوة بالتعريفات التي أوردها هذا القانون بخصوص أشكال العنف الأخرى الاقتصادية والجنسية والجسدية والنفسية، كما أنه عمل على تدقيق عناصر عدد من جرائم العنف ضدّ النساء من خلال التنصيص على كون ارتكابها في الفضاء الرقمي يعتبر مجرما، ومن بينها سب أو قذف امرأة بسبب جنسها.

أضاف المقترح الجديد تجريم أفعال عنف جديدة ترتكب في الفضاء الرقمي كجرائم مستقلة مثل التهديد من أجل ابتزاز الأشخاص بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، والملاحظ في هذا السياق أنه وعلى خلاف توجه المشرع إلى تشديد العقوبات في حالة ارتكاب أفعال للعنف في وضعيات معينة أو ضد اشخاص معينين، اختار المقترح الإبقاء على نفس العقوبات المقررة للجرائم الأصلية، دون اعتبار ارتكابها بواسطة الأنظمة المعلوماتية ظرف تشديد، وهو ما يطرح إشكالية العقوبات التقليدية ومحدودية نجاعتها في مواجهة أشكال الاجرام الحديث.

يلاحظ أنه وبالرغم من تطرق مقترح القانون للإشكاليات التي تواجه الناجيات من العنف الرقمي في لجوئهن إلى سبل الانتصاف القضائي، ومن أبرزها إمكانية تجريمهن، إلا أنه لم يقدم أي مقترحات كفيلة بالتغلب على هذه المعضلة من قبيل التنصيص على أعذار قانونية معفية من العقاب، في حالة ارتكاب ضحايا العنف الرقمي لأفعال يجرمها القانون تحت تأثير الضغوطات التي تعرضن لها من طرف المعنف.

يلحظ أن المقترح لم يتطرّق إلى تدابير الحماية والتي سبق لقانون محاربة العنف ضد النساء أن أقرّها من قبيل المنع من الاتصال بالضحية أو الاقتراب منها، أو إيداع المعنف في مركز للعلاج النفسي، كما أنه أغفل التنصيص على تدابير حماية جديدة تحتاجها الناجيات من العنف الرقمي من قبيل المواكبة النفسية.

في نفس السياق يلاحظ أن المقترح لم يقمْ بتجريم أفعال من العنف الرقمي مثل التنمر والمطاردة رغم أن هذين الفعلين يطرحان إشكاليات على مستوى الممارسة القضائية، حيث سبق لتقرير المجلس الوطني لحقوق الانسان حول التبليغ عن العنف ومناهضة الإفلات من العقاب أن أكد أن عدم دقة بعض التعاريف يؤثر على تكييف المحاكم لعدد من الأفعال مما يؤدي إلى إفلات الجناة من العقاب.

مواضيع ذات صلة

قانون محاربة العنف ضد النساء بالمغرب يدخل حيز التنفيذ

نشر قانون مكافحة العنف ضد النساء بالمغرب في الجريدة الرسمية

تحالف ربيع الكرامة يقدم ملاحظاته حول مشروع قانون مكافحة العنف ضد النساء

قراءة نقدية في مشروع قانون مكافحة العنف ضد النساء في المغرب

قراءة ثانية في مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء في المغرب

الإعلان عن صيغة جديدة لمشروع قانون مكافحة العنف ضد النساء بالمغرب

سابقة حكم قضائي يعتبر زواج التعدد “العرفي” عنفا نفسيا ضد المرأة

أول حكم قضائي لمنع الاتصال بالضحية إعمالا لقانون العنف ضد النساء في المغرب

أول تطبيقات تدابير الحماية في قانون العنف ضد النساء بالمغرب: العلاج النفسي كبديل عن العقاب

تقرير حول واقع التبليغ عن العنف ومناهضة الإفلات من العقاب بالمغرب

ملاحظات حول التقرير الأول للجنة التكفّل بالنساء ضحايا العنف بالمغرب: ماذا عن صعوبات وصول الناجيات من العنف إلى المساعدة القضائية؟

للاطلاع على نسخة من مقترح قانون لمواجهة العنف الرقمي ضد النساء


[1] https://www.hcp.ma/attachment/1813186/

[2] -التقرير الأول للجنة الوطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف، ص 57.

[3] -تقرير رئاسة النيابة العامة لسنة 2019، ديسمبر 2020، ص 300.

[4] -التقرير الأول للجنة الوطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف، ص61.

انشر المقال



متوفر من خلال:

تشريعات وقوانين ، إقتراح قانون ، حرية التعبير ، فئات مهمشة ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني