مصرف لبنان يصادر أموال كهرباء لبنان: الدولرة هي الحل؟


2023-08-10    |   

مصرف لبنان يصادر أموال كهرباء لبنان: الدولرة هي الحل؟

منذ بدأ تسعير الكهرباء على أساس التعرفة الجديدة، أي منذ تشرين الثاني 2022، ظلّت الأمور ضبابية بالنسبة للمستهلكين والمتابعين. كم ستبلغ الفاتورة الشهرية؟ إلى كم ساعة ستصل التغذية؟ هل ستفشل الخطّة المبنية أساساً على نزع التعديات وتسديد الإدارات الرسمية ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين والسوريين للرسوم المتوجبة عليها؟ وفي الأساس، هل من العدل زيادة التعرفة مع استمرار التقنين القاسي، خاصة أنه لطالما ربط رفع التعرفة بالكهرباء 24/24؟ مع بدء الجباية التي تأخرت حتى شهر حزيران 2023 بسبب تأخر جباية المتأخرات والإضرابات التي شهدتها المؤسسة، بدأت تتكشف بعض الأجوبة. 

الضربة الأولى التي أصابت الخطة هي تخفيض عدد ساعات التغذية المقرّرة ما بين 8 و10 ساعات في الأول من كانون الأول 2022 إلى 4 ساعات فقط (موخّراً ارتفعت التغذية في بيروت إلى 6 ساعات). العوامل عديدة أبرزها عدم التزام مصرف لبنان بتأمين 600 مليون دولار لتشغيل المعامل في الفترة الفاصلة بين بدء التسعير على التعرفة الجديدة وبدء الجباية، فاكتفى بتخصيص 300 مليون دولار للمؤسسة، ما يعني تلقائياً عدم القدرة على شراء كميات الفيول المطلوبة لتغطية التغذية ل8 ساعات طيلة الفترة الفاصلة بين رفع التغذية وبدء الجباية على السعر الجديد. كذلك فإن المؤسسة، ومن خلفها وزارة الطاقة واللجنة الوزارية المعنيّة بمراقبة تنفيذ الخطة، تتحمل المسؤولية بسبب سياستها الحذرة التي انتهجتها، مفضلة تجنّب المغامرة بزيادة الإنتاج (لم تصرف من المبلغ المرصود أكثر من 190 مليون دولار) كي لا تضطر لاحقاً إلى التراجع تحت أي ظرف.

في ظل الواقع المرير الذي تمثّل بانعدام توفّر الكهرباء لفترات طويلة، رحّب كثيرون بقرار زيادة التغذية إلى 4 ساعات. لكن مع بدء الجباية، بانت المفاجأة. فقيمة فواتير شهريْ 11 و12 من العام الماضي بدت هائلة بالمقارنة بما سبقها. وللتذكير، فإن التعرفة مقسمة لقسمين: 

  • الشق الأول ثابت: 21 سنتاً عن كل أمبير واحد (أغلب العدادات المنزلية قدرتها 15 أمبير ما يساوي 3.15 دولاراً) زائد 4.3 دولار بدل تأهيل وكلفة طابع وضريبة على القيمة المضافة، ما يجعل الشقّ الثابت يصل بالحدّ الأدنى إلى 10 دولار. وهذا المبلغ يرتفع كلما زادت قدرة العدّاد وتغيّر نوعه. 
  • الشقّ المُتغيّر هو المرتبط بالاستهلاك. وقد حدّدت المؤسسة كلفة الكيلوواط لأول 100 كيلوواط بـ 10 سنتات، على أن يرتفع السعر إلى 27 سنتاً عن كل المصروف الإضافي. 

دولار الكهرباء يفوق دولار السوق السوداء

هذه التعرفة طُبقت على الفاتورة الأولى التي وُزّعت بعد رفع التعرفة، مع تسعير الدولار حينها ب54 ألف ليرة سعر منصة صيرفة آنذاك، أي نحو 43 ألف ليرة زائد 20٪ فرضها مصرف لبنان كشرط لتحويل أموال الجباية إلى الدولار، بحجة الفارق الشاسع حينها بين سعر صيرفة وسعر السوق الذي كان تخطى 80 ألفاً. حينها، ابتُدعت فكرة غريبة تنصّ على فتح حساب باسم وزارة المالية تسجّل عليه العمليات التي يجريها مصرف لبنان لصالح كهرباء لبنان، تمهيداً لتحميل الخزينة الخسائر أو الأرباح الناتجة عن الفارق بين سعر السوق وسعر مبيع الدولار للمؤسسة، من دون أن يعرف أحد أسس تحديد سعر السوق. بالنتيجة، سجّلت فواتير شهريْ تشرين الثاني وكانون الأول 2022 خسائر لم تعرف قيمتها بعد. لكن في الفواتير الخاصة بشهريْ كانون الثاني وشباط والتي بدأت جبايتها في بعض المناطق، تبيّن أن سعر دولار الكهرباء ارتفع إلى 104 آلاف ليرة، أي ما يزيد عن سعر السوق بنحو 15٪، ما يعني تسجيل أرباح في حساب وزارة المالية.

لكن بالتوازي مع هذه الحسبة، كانت حسبة أخرى تشهد تفاعلاً بين الناس. إذ أن 

الأسعار بدت أقرب إلى خوّة فرضت على المشتركين من دون أن تقترن بتحسّن جدّي في التغذية. إذ أن أربع ساعات في اليوم لا يمكن أن تعفي عن المولدات الخاصة فضلا عن أن الرسوم الثابتة لوحدها كانت كفيلة في رفع قيمة الفواتير، بغض النظر عن حجم الاستهلاك. وإذا كانت المؤسسة تحسّبتْ لتفاقم المشكلة في فواتير كانون الأول وشباط، نظراً لمضاعفة سعر الدولار، إذ عمدتْ إلى تخفيض الرسوم الثابتة بنسبة 25% وكذلك تخفيض سعر الكيلوواط للشطر الثاني من 27 إلى 26 سنتاً، إلا أن هذا التخفيض لم يمنع تضخم قيمة الفواتير نظراً للارتفاع الكبير في سعر الدولار. 

كهرباء لبنان ترفض زيادة التغذية إلى 10 ساعات

في سعيٍ للاستفادة من زيادة كميات الفيول المستوردة من العراق (1.5 مليون طن بدلاً من مليون طن)، تقترح وزارة الطاقة زيادة التغذية إلى نحو 10 ساعات، لكن لا تزال المؤسسة متحفظة على هذه الزيادة لسببين: الأول هو الهدر غير الفني الذي يمكن أن يزيد من خسائر المؤسسة في حال زيادة الإنتاج قبل ضبط المخالفات بشكل جدّي وفعّال. والثاني يتعلق بحاجة 3 مجموعات في معمل الزهراني إلى الصيانة لتتمكّن من العمل بفاعلية. والسبب الثالث يتعلّق باستمرار الإدارات الرسمية بعدم دفع مستحقاتها إلى المؤسسة كما ينصّ الاتفاق. وهذه الإدارات، بحسب إحصاءات المؤسسة ارتفعت حصتها من مجموع الطاقة المنتجة من 11% قبل العام 2019، إلى نحو 25% حالياً. ويعود ذلك إلى حصول العديد من المرافق على كهرباء 24/24 مثل مطار بيروت ومحطات المياه في أغلبية المناطق. واللافت أن وزارة الطاقة نفسها، وهي التي أعدّت خطة الطوارئ وتتبع لها مصالح المياه، لم تلزمها بالدفع، ما قد ينعكس على باقي الوزارات. 

رسوم “الدولة” أكبر من رسوم المولدات

لكن مع ذلك، فإن المؤسسة مطالبة بزيادة الإنتاج وعدم تحميل أغلب المشتركين وزر ارتكابات فئات محدودة يفترض معالجة وضعها على حدة. خاصة أن زيادة الإنتاج يفترض أن تصب في مصلحة المؤسسة، إذ أن هذه الزيادة يُفترض أن تساهم في زيادة الاستهلاك على أساس الشطر الأعلى من شطريْ التعرفة، وفي مصلحة المشتركين بحيث يمكن أن تنخفض قيمة الفاتورة الإجمالية للطاقة نتيجة انخفاض فاتورة المولّدات. علماً أن آلية التسعير الراهنة معطوفة على حجم التقنين قد تزيد عن تسعيرة المولد، خاصة بالنسبة للصناعيين  الذين لا يستفيدون من التعرفة المخفّضة. إذ لا ينبغي المقارنة في سعر الكيلو واط فقط بل بإجمالي الفاتورة بالمقارنة مع حجم التغذية. وبالرغم من أن الرسوم الثابتة متقاربة (في حال كانت قدرة العداد هي نفسها)، فإن الرسوم الرسمية تغطّي 4 ساعات تغذية فقط، فيما رسوم المولد تغطي حتى 24 ساعة تغذية. ولذلك، ثمة من يؤكد أن العدالة تفرض أن يكون الرسم مرتبطاً بعدد ساعات التغذية. ففي حال التغذية 24/24 يُدفع الرسم كاملاً، على أن ينخفض هذا الرسم كلما انخفضت التغذية، إن لم يكن توازياً فمن خلال شطور محددة أيضاً. وبالتالي، فإن الحصول على 4 ساعات تغذية ينبغي أن يقترن بتعرفة ثابتة متناسبة. فإذا كانت التعرفة الثابتة 10 دولارات ينبغي أن تنخفض إلى حدود دولارين مع افتراض وجود 5 شرائح وعدم الاكتفاء بتخفيض الرسوم 25%، التي تبين أنها تبقى مرتفعة حتى بالنسبة  لمنطقتي جزين والبقاع الغربي، حيث التغذية تقارب 18 ساعة يومياً حالياً (بسبب استفادتهما من المعامل المائيّة). علماً أن هاتين المنطقتين تشهدان توترات مستمرة على خلفية الفواتير المرتفعة وعلى خلفية تراجع التغذية من 22 ساعة إلى 18 ساعة.

صفر استهلاك وفاتورة ب 72 مليون ليرة

المشكلة الأكبر واجهت الصناعيين، فهؤلاء لديهم إما محطات خاصة أو عدادات ثلاثية الأطوار (“تريفازي”). أحد المشتركين، وهو يملك محطة خاصة بقدرة 500 “ك ف أ”، نشر فاتورته على وسائل التواصل تظهر أن كمية الاستهلاك بلغت صفر، لكن مع ذلك كانت قيمة فاتورته 72 مليون ليرة مع احتساب سعر الدولار على 52320 ليرة. وهي موزعة كالآتي: مجموع الاستهلاك صفر، بدل التأهيل 9،3 مليون ليرة، رسم الاشتراك 55.8 مليون ليرة، الضريبة على القيمة المضافة 7،1 مليون ليرة. 

هذه الفاتورة لم تكن استثناءً إذ أن اعتراضات كبيرة عبّر عنها مواطنون دفعوا الملايين بدل كهرباء مقطوعة بشكل شبه دائم. وقد أدّى ذلك بالبعض إلى تقديم طلبات لإلغاء العدّادات وبآخرين إلى التمنّع عن الدفع. لكن مع ذلك، تؤكد مصادر مسؤولة في شركات التوزيع أن هذه الخطوات لا تزال محدودة ولم تتحول إلى ظاهرة، مفترضة أن الناس لا تزال متردّدة في التخلي عن كهرباء الدولة. 

الرسوم ستنخفض 50%

يجزم المدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك في حديثه للمفكرة أن بعض الاعتراضات محق، وخاصة تلك المتعلقة بالصناعيين. ولذلك، يكشف أن المؤسسة ستقوم بتعديل التعرفة، آملاً أن تتمكن من البدء بتطبيق التعديلات في فواتير آذار. ويوضح أنه سيتم تخفيض الكلفة الثابتة من الفاتورة بنحو 50% بالنسبة للمشتركين بعدادات 15 و20 أمبير وبنسبة أقل بالنسبة للاشتراكات الأخرى، بحيث يُلغى رسم التأهيل مقابل تعديل طفيف لرسم الاشتراك، على أن يُزاد سعر الكيلوواط في الشطر الأول نحو سنت واحد أو إثنين (سبق أن خُفّضت الرسوم الثابتة في فواتير شهريْ 1 و2 بنسبة 25%). كذلك فإن التخفيض سيطال المشتركين الذين قدّموا طلبات للحصول على عدّاد لكن بسبب عدم توفر هذه العدّادات (لم يتقدّم أيّ عارض إلى المناقصات التي أجرتها المؤسسة بسبب ربط الدفع بمصرف لبنان)، ركّبت المؤسسة لهم قواطع على أن يتم احتساب مصروف مقطوع بقيمة 300 كيلوواط. هؤلاء ستُخفّض مقطوعيتهم إلى النصف لتكون أكثر عدالة. 

مصرف لبنان يصادر أموال الكهرباء

كذلك يطالب مجلس إدارة المؤسسة بإلغاء نسبة ال 20% التي فرضها مصرف لبنان على عمليات تحويل العملة، من دون أن يتجاوب الأخير، علماً أن هذه النسبة لم تعد مبررة إذ أنها تجعل دولار الكهرباء أغلى من دولار السوق السوداء. والأسوأ من ذلك أن المؤسسة غير قادرة، بحكم نظامها القانوني، على شراء الدولار من مصادر أخرى، انطلاقاً من أن المصرف المركزي هو مصرف القطاع العام. والمصرف إذ يدرك هذا الوضع وبدلاً من التجاوب مع مطالب تخفف الأعباء عن كاهل المشتركين، ذهب إلى التوقف تماماً عن تحويل أموال المؤسسة، علماً أنه منذ الاتفاق على الخطة لم يحول سوى 19،8 مليون دولار منها 9 مليون دولار لصالح مؤسسات التوزيع. ولما كانت هذه الشركات تجبي بالليرة النقدية حصراً، فقد تحولت المؤسسة إلى أكبر جهة تجمع الليرات النقدية لمصرف لبنان بما يسمح له بالتحكّم بحجم الكتلة النقدية بالليرة. إذ يشير رصيد حساب المؤسسة في المصرف إلى جمع 3 تريليون ليرة (يرجح أن يرتفع المبلغ إلى نحو 5 تريليونات مع انتهاء جباية شهري كانون الثاني وشباط) بقي منها بعد عمليات التحويل 2 تريليون ليرة (أغلبها جُبي على سعر 52300 ليرة للدولار)، أي ما يعادل 40 مليون دولار. 

فيما تؤكد مصادر مصرفية أن هذه الإشكالية، أي توقف مصرف لبنان عن صرف الليرات، لا تقتصر على المؤسسة فقط، وهي يفترض أن تحلّ فور الاتفاق مع الحكومة على آلية واضحة. إلى ذلك الحين، تبقى مشكلة “تغريم” المستهلكين 20% إضافية قائمة وتؤدي إلى ظلمهم. لذلك، تشير مصادر متضررة إلى ضرورة مواجهته باتفاق المؤسسة مع المورّدين على دفع مستحقاتهم بالليرة، خاصة أن تقلبات سعر الصرف صارت محدودة. وإذ يتوقّع أن لا يوافق المصرف المركزي على هكذا خطوة ستؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار بسبب توجه الموردين إلى صرف أموالهم في السوق السوداء، فلن يكون أمام المصرف سوى العودة إلى الاتفاق الأولي، أي إلى تحويل أموال المؤسسة إلى الدولار على سعر صيرفة من دون أيّ زيادة. أما في حال إلغاء هذه المنصة، فتنتظر كهرباء لبنان أن يحدد لها المصرف سعر الصرف لأنها لا تملك سلطة تحديده. أما اقتراح إصدار الفواتير بالدولار، وهو اقتراح يتبناه وزير الطاقة، فقد سقط في مهده نظراً لمخالفته لقانونيْ المحاسبة العمومية وحماية المستهلك.

انشر المقال

متوفر من خلال:

سياسات عامة ، البرلمان ، أحزاب سياسية ، لبنان ، مقالات ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني