مشروع قانون لمكافحة الشائعات في مصر: خطوة إضافية لفرض الحقيقة الرسمية… بقوة العقاب


2020-01-20    |   

مشروع قانون لمكافحة الشائعات في مصر: خطوة إضافية لفرض الحقيقة الرسمية… بقوة العقاب

في نوفمبر 2019، أحال رئيس مجلس النواب علي عبد العال مشروع قانون مكافحة الشائعات إلى لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية[1]. وهو الأمر الذي يثير عددا من التساؤلات حول أهمية هذا القانون في ظل وجود نصوص أخرى في المنظومة التشريعية المصرية التي تجرم ترويج الشائعات. كما أنه يطرح علامات استفهام حول أولويات مجلس النواب في دور انعقاده الأخير، خاصة في ظل أجندة تشريعية مزدحمة بمشاريع قوانين مهمة مثل تلك المكملة للدستور (قوانين انتخابات مجلس النواب والشيوخ وقانون الإدارة المحلية المُنظم لانتخابات المحليات[2])؛ وتلك المتعلقة بأمور حيوية مجتمعية مثل قوانين الإجراءات الجنائية[3]، والأحوال الشخصية والعمل.

وينص مشروع القانون على عقوبات سالبة للحرية تصل إلى السجن ثلاث سنوات والغرامة مئة ألف جنيه لكل شخص يثبت أنه وراء صنع أو ترويج أو نشر شائعة كاذبة[4]. ويرجح أن يطال هذا القانون كل من ساهم في نشر “الشائعة” حتى لو كان ب “شير” أو “ريتويت” على حساب من حسابات التواصل الاجتماعي. وقد برر النائب سليمان وهدان طرحه لمشروع القانون مشيراً إلى أن الشائعات التي يتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر بشكل واضح على تماسك المجتمع والأمن القومي المصري[5]. ونحاول في هذا المقال تسليط الضوء على مشروع القانون المذكور مع مناقشة مدى أهميته في ظل القوانين المعمول بها حاليا من ناحية، ومن ناحية أخرى تسليط الضوء على ما يأتي به من جديد مما قد يؤدي إلى مزيد من تقييد حريتي التعبير وتداول المعلومات.

مشروع قانون مُكرر يوسع من نطاق عقوبة نشر الشائعات

  • المشاريع الحالية المجرمة لنشر الشائعات

تعتبر محاولات السيطرة على كافة وسائل التواصل الاجتماعي، والمحتوى المتداول على تلك المنصات الإلكترونية أحد الأهداف الرئيسية للنظام المصري خلال الأعوام الماضية، نظرًا للدور الجوهري الذي لعبته تلك المواقع في خروج الجماهير إلى الشوارع إبان ثورة يناير 2011. وهو ما انعكس بشكل واضح على أولويات المشرع المصري الذي تبنّى عدداً من القوانين التي قد تحدّ من تأثير تلك المواقع، وذلك بالتوسع في فرض العقوبات على ما قد يتم نشره ويعتبر من قبيل الإشاعات والأخبار الكاذبة[6]. حقيقة، تحتوي المنظومة التشريعية المصرية على عدد من النصوص التي تتعامل مع جريمة نشر الشائعات والأخبار الكاذبة في الظروف المختلفة سواء في حالة السلم أو الحرب، كما تحتوي على نصوص متعلقة بنشر الشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي على وجه التحديد، كذلك تقر تلك التشريعات عدداً من العقوبات السالبة للحرية والغرامات من جرّاء ارتكاب هذه الأفعال[7].

فعلى سبيل المثال، يعاقب قانون العقوبات كل من أذاع عمداً أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة بالحبس والغرامة[8]. كما يعاقب كل من نشر بسوء قصد أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو أوراقاً مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذباً إلى الغير بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه[9]. في الوقت نفسه، تصدى قانون مكافحة الإرهاب لجريمة الترويج للأفكار أو المعتقدات الداعية إلى ارتكاب أعمال إرهابية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بالنص على عقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن خمس سنوات لكل من أنشأ أو استخدم موقعاً على شبكات الاتصالات لهذا الغرض[10]، كما أضاف نصًا خاصًا يجرم نشر أو إذاعة أية أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أعمال إرهابية وقعت داخل البلاد[11]. من جهة أخرى، حظر قانون تنظيم الصحافة والإعلام على كافة المواقع الإلكترونية والوسائل الإعلامية نشر أو بث أية أخباراً كاذبة، واعتبر المواقع والحسابات الإلكترونية الشخصية التي يبلغ عدد متابعيها أكثر من خمسة آلاف متابع وسيلة إعلامية، وبالتالي تخضع لهذا الحظر وما يترتب عليه من إجراءات قد يتخذها المجلس الأعلى للصحافة والإعلام[12].

  • مشروع القانون: تعريف أوسع للجريمة وغياب الركن المعنوي

وعليه، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما هي الإضافة التي يقدّمها مشروع القانون الجديد في ظلّ ترسانة القوانين الموجودة حاليًا التي تجرم إذاعة ونشر الأخبار الكاذبة؟ أولًا، يقدم مشروع القانون الجديد تعريف أوسع لجريمة ترويج الشائعات، بالإضافة إلى توسيع نطاق العقوبة لتشمل معاقبة كل شخص يثبت أنه وراء صنع أو ترويج أو تجنيد أو نشر أي شائعة كاذبة”. وهو الأمر الذي قد يترتب عليه معاقبة كل من سيعيد نشر منشور أو تغريدة تحمل شائعة باعتباره “مُروجا” لتلك الشائعة. بالإضافة إلى ذلك، شدد القانون المُقترح عقوبة نشر الشائعات إلى الحبس لمدة قد تصل إلى ثلاث سنوات، والغرامة التي قد تصل إلى مئة ألف جنيه، بعد أن كان الحد الأقصى لهذه العقوبة هو الحبس لمدة عام وفقاً لقانون العقوبات. كذلك لم يتعرض النص المُقترح إلى نيّة الشخص مُرتكب الفعل (الركن المعنوي للجريمة)، فبينما ينص قانون العقوبات على ضرورة توافر شرط التعمد أو سوء القصد من وراء نشر الأخبار الكاذبة، ويشترط قانون مكافحة الإرهاب توافر نية الترويج للأفكار الإرهابية كأركان رئيسية لوقوع الجريمة، اكتفى مشروع القانون المُقترح بمعاقبة كل من ثبت عليه أنه نشر أو روج للشائعة بغض النظر عن الدافع وراء ارتكاب هذا الفعل. وهو الأمر الذي قد يُعرض آلاف المواطنين لعقوبة الحبس جراء إعادة نشر أي منشور إلكتروني أو تدوينة حتى ولو لم يكونوا على علم بأنها قد تتضمن أخبار كاذبة أو تعد شائعة وفقًا للقانون، بما يتعارض مع مفهوم العقوبة كجزاء يقرره المشرع عن فعل مقصود يُعد جريمة. وبالتالي، فإننا نرى أن توسيع نطاق العقوبة، وتغليظها، واختفاء الركن المعنوي المكون للجريمة من الأساس، يمثل انتهاكا واضحا للمفاهيم الأساسية التي يجب مراعاتها عند إقرار أي تشريع جنائي، مثل ضرورة توافر النية الجرمية ومبدأ تناسب العقوبة مع الجُرم، بالإضافة إلى توسيع مفهوم المسؤولية الجنائية.

إنشاء جهاز لرصد الشائعات: حلّ فعّال أم مزيدٌ من السيطرة

من ناحية أخرى، استحدث مشروع القانون آلية جديدة لمكافحة ظاهرة انتشار الشائعات، وهي إنشاء جهاز دائم لرصد الشائعات يعمل على اتخاذ كافة الإجراءات القانونية داخليًا وخارجيًا حيال مروجيها، بالإضافة إلى إصدار بيانات رسمية للرد عليها بمجرد ظهورها وانتشارها. على أن يكون هذا الجهاز تابعًا لمجلس الوزراء، ويضم في عضويته ممثلي وزارات الدفاع والداخلية والخارجية والعدل والاتصالات، وكذلك ممثلين عن المخابرات العامة والأوقاف والأزهر والكنيسة والمجلس الأعلى للصحافة والإعلام[13]. وهو الأمر الذي قد يراه البعض خطوة إيجابية تهدف إلى الحد من ظاهرة انتشار الشائعات، وتعمل على نقل الحقيقة إلى المواطن. ولكننا من ناحية أخرى نرى أن إنشاء مثل هذا الجهاز سوف يرسخ فكرة الصوت الواحد والحقيقة الواحدة التي يملكها جهاز واحد من أجهزة الدولة دون غيره، ويعزز الطابع الشمولي لنظام الحكم. فبموجب هذا المُقترح سيتم إدراج أية أخبار أو بيانات قد تنشرها إحدى الصحف أو ينشرها أحد المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي، وتخالف البيانات الصادرة عن هذا الجهاز من قبيل الشائعات. وهو ما يعصف بإمكانية وجود مناخ ديمقراطي يحتمل وجهات نظر مختلفة، ويجعلنا نتساءل عن ماهية الهدف الحقيقي لإنشاء هذا الجهاز: هل هو مكافحة الشائعات فعلًا أم منع أي أفكار أو آراء مغايرة؟ فبدلًا من ترسيخ مفهوم مركزية الحقيقة وجعلها في يد جهاز أو هيئة بعينها، يجب تشجيع الوزارات والهيئات الحكومية المختلفة على تفعيل خدمات التواصل مع المواطنين الخاصة بها كخطوة أساسية لمكافحة الشائعات.

فعلى سبيل المثال، أصدر النائب العام الجديد حمادة الصاوي في نوفمبر الماضي قرارا بإنشاء إدارة البيان والتوجيه والتواصل الاجتماعي في مكتب النائب العام[14]. تلك الإدارة التي تتكون من وحدة مختصة بالتواصل مع وسائل الإعلام، وأخرى للتعامل مع الإعلام الإلكتروني والتواصل الاجتماعي، ووحدة الرصد والتحليل التي تتولى تحليل المضمون الإعلامي اليومي. ويعتبر الغرض الرئيسي لإنشاء تلك الإدارة هو تحقيق التواصل الفعال بين النيابة العامة والمواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتوضيح الحقائق للرأي العام ودحض الأخبار والبيانات والشائعات الكاذبة حول ما تباشره النيابة العامة من اختصاصات. وهو الأمر الذي ظهرت نتائجه الإيجابية بصورة كبيرة خلال الشهرين الماضيين، حيث نشرت النيابة العامة عددا من البيانات السريعة والتفصيلية بخصوص عدد من القضايا التي تنظرها، وهو ما أدى إلى انحصار دائرة الشائعات فيما يتعلق بتلك القضايا، نظرًا لتوافر المعلومات الدقيقة من مصدرها الرسمي. من وجهة نظرنا، أن اتباع مثل هذا الأسلوب في كافة الوزارات والهيئات والمصالح الحكومية سوف يقضي بشكل كبير على الشائعات، وكذلك سيعمل تدريجيًا على تعزيز الثقة بين المواطنين وتلك الجهات. فالمُغذّي الرئيسي لأي شائعة هو غياب المعلومات حول واقعة أو موضوع يشغل الرأي العام، فتلك هي البيئة التي يصبح من السهل خلالها اختلاق وترويج الشائعات، لذلك فإننا نرى أن إقرار قانون الحق في تداول المعلومات[15]، هو أحد الحلول الرئيسية أيضًا لمكافحة الشائعات[16]. فمع غياب تداول حقيقي للمعلومات بالنشر والإتاحة، ودعمها ببيانات دورية صادرة عن الهيئات المختلفة بالشكل الذي يسمح للصحافة والمواطنين بأداء دورهم الرقابي، وإبداء الرأي والتفاعل مع القضايا السياسية والاجتماعية التي تشغلهم، ستظل مركزية الحقيقة في أيدي المؤسسات الرسمية فقط، وهو ما سيؤدي بطبيعة الحال إلى التعامل مع أي رأي مخالف لها باعتباره شائعة أو خبر كاذب.

خاتمة

يعتبر مشروع القانون المُقترح بشأن مكافحة الشائعات استمرارا لمنهج المشرع المصري في السيطرة على المحتوى المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي، ومحاولة الحد من تأثيرها على المواطنين.

فلا أحد ينكر ضرورة التصدي للأخبار الكاذبة والشائعات ومروجيها، ولكننا نرى أنه لا ضرورة لإقرار أو حتى مناقشة مثل هذا المقترح في ظل البنية التشريعية الحالية التي تعاقب مرتكبي هذا الفعل في أكثر من موضع وفي عدد مختلف من التشريعات. بالإضافة إلى ذلك، لم يقدم المشروع المُقترح تعريفًا واضحًا لماهية الشائعات، وهو الأمر الذي قد يتم استخدامه كأداة جديدة لحبس المعارضين للسياسات الحالية للنظام المصري. في الوقت نفسه وسع من نطاق التجريم ليشمل كل من يروج للشائعة وليس فقط ناشرها، وهو الأمر الذي قد يشمل العديد من المواطنين الذي قد يقدمون على نشر معلومة ما على حسابتهم الشخصية. كما نذكر أن مناقشة مثل هذا القانون في هذا الوقت من عمر مجلس النواب الحالي مؤشر واضح على انصراف أولويات المجلس عن قوانين أكثر أهمية تمس حياة ملايين المواطنين.


[5] راجع المرجع رقم (1).

[6]  حسن مسعد – كيف نجحت الدولة المصرية في السيطرة على الإعلام الاجتماعي؟ – موقع المفكرة القانونية – 16 مايو 2019.

[8] راجع المادة (102) مكرر من قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 وتعديلاته.

[9] راجع المادة (188) من قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 وتعديلاته.

[10] راجع المادة (29) من قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015.

[11] راجع المادة (35) من قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015.

[12] راجع المادة (19) من قانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018. أيضًا، راجع/ أحمد صالح – قوانين جديدة لتنظيم الإعلام في مصر: نحو تأميم الصحافة والإعلام والمواقع الإلكترونية؟ – موقع المفكرة القانونية – 21 يوليو 2018.

[13] راجع المرجع رقم (1).

[15]  راجع نص المادة (68) من الدستور المصري.

[16] راجع/ أحمد صالح – هل يكفل المشرع المصري أخيراً الحق في تداول المعلومات؟ – موقع المفكرة القانونية – 20 فبراير 2018.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، البرلمان ، إقتراح قانون ، مقالات ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني