مشروع قانون الإيجارات القديمة أو الهروب من أزمة السّكن عبر بوابة المستأجر


2013-02-01    |   

مشروع قانون الإيجارات القديمة أو الهروب من أزمة السّكن عبر بوابة المستأجر

أنهت لجنة الإدارة والعدل في مجلس النواب دراسة مشروع القانون المتعلق بالإيجارات. حافظت اللجنة بشكل عام على أبرز الاقتراحات التي ضمها المشروع بمضمونه الأساسي مجرية تعديلات على عدّة تفاصيل هامّة في موادّه. سبق وسجلّنا في مقال سابق[1]عددا من الملاحظات على هذا المشروع الأساسي ثم جاءت التغييرات العديدة التي أجرتها اللجنة لتستدعي ملاحظات إضافية.
فالمشروع المعدل من لجنة الإدارة والعدل يعالج موضوع الإيجارات ضمن إطار أوسع. هو يشمل موادا تتعلق بالإيجارات السكنية التي ستقتصر دراستنا عليها كما بالإيجارات غير السكنية[2]فيما اكتفى المشروع الأساسي بالأولى منها.
مبدئيا،سعت لجنة الإدارة والعدل إلى تحقيق الهدف ذاته الذي سعى إليه المشروع الأساسي أي “تحرير عقود الإيجار السكني” المعقودة قبل تاريخ صدور القانون 160/1992 (23-7-1992). يقصد بـ”تحرير” تلك العقود إعفاءها من القواعد المنصوص عليها في القانون المذكور وفي طليعتها تلك المتعلّقة بالتّمديد القانوني،أي بإبقاء علاقة التأجير قائمة بقوة القانون. فكان يسمح للمستأجر بالبقاء في المأجور رغم حلول الأجل العقدي المتّفق عليه وذلك مقابل بدل يحدّد المشترع سبل تقديره. من اللازم تحقيق “تحرير” عقود الإيجار هذه وإخضاعها لحرية التعاقد،فمن هذه الناحية،لا يمكننا إلا تأييد مشروع القانون[3]. إلا أن النهج الذي تسلكه لجنة الإدارة والعدل لتحقيق “التحرير” لا يتلاءم مع مستلزمات الإنصاف والعدالة. كما وأن الآليات التي تقترحها اللجنة لمساعدة المستأجر على تحمل الأعباء المالية الناتجة عن التحرير تفضح تقصيرا يتخطى مشروع القانون, لا سيما لجهة تأمين حق المواطن بمسكن ملائم.
فيما يخص نهج تحرير عقود الإيجار المبرمة قبل 1992،تقترح اللجنة تمديد تلك العقود لمدة 9 سنوات من تاريخ نفاذ القانون ترتفع خلالها بدلات الإيجار تدريجيا حتى تبلغ بدلا سمّي “البدل المثل” يحدد رضائيا أو قضائيا. بنهاية السنة التمديدية التاسعة، يصبح الإيجار “حرا” فيخضع لحرية التعاقد بين الفرقاء[4]. يتميز هنا المشروع الجديد عن المشروع الأساسي الذي كان يحدد فترة العقد الممدد بست سنوات فقط إلا أن لجنة الإدارة والعدل تحصر ارتفاع بدلات الإيجار بالسنوات الست الأولى حيث ترتفع هذه البدلات بنسبة 15% من الفارق بين البدل المعمول به قبل نفاذ القانون والبدل المثل في السنوات التمديدية الأربع الأولى ثم بنسبة 20% في السنتين التمديديتين الأخيرتين. أما السنوات الثلاث الأخيرةفيساوي فيها بدل الإيجار البدل المثل. برأينا،هذه الطريقة في احتساب البدلاتغير منصفة بحق المستأجر فالفارق بين بدلات الإيجار المعمول بها حاليا في العقود الممددة والبدل المثل شاسع في معظم الأحيان نظرا لقدم هذه العقود. كان يمكن للجنة الإدارة والعدل أن تستأنس بالقانون الفرنسي حيث حددت المادة 46 من قانون 23-12-1986 التي حررت بعض العقود الخاضعة للتمديد القانوني بأحكام قانون 1-9-1948 مدة الفترة التعاقدية السابقة للتحرير بـثماني سنوات ترتفع خلالها بدلات الإيجار بنسبة لا تزيد عن 12,5 بالمئةحتّى بلوغها البدل المثل. نعتقد إذا أن الأجدر بالمشترع تمديد الفترة التعاقدية التي تزداد خلالها بدلات الإيجار مع اقتران هذه الخطوة بخفض نسبة الزيادة لتخفيف وطئتها على المستأجر.
لا يقتصر الاختلال الناتج عن النهج المعتمد في التحرير على هذه النقطة. فمشروع اللجنة،كالمشروع الأساسي،لا يولي أي انتباه لشخص المستأجر فلا يخصص،على سبيل المثال،موادا للمستأجرين المسنين المستفيدين من التمديد،كما فعل المشترع الفرنسي[5]،وغير القادرين في غالب الأحيان على تكبد زيادة في بدلات إيجارهم نظرا لتوقفهم عن العمل.
فيما يخص آلية مساعدة المستأجر على تحمل الأعباء المالية الناتجة عن التحرير حافظت اللجنة على اقتراح المشروع الأساسي بإنشاء “صندوق مساعدات خاص بالإيجارات السكنية” مجرية تعديلات على مواده. ومن أهم هذه التعديلات توسيع دائرة المستأجرين المستفيدين من الصندوق. ففي المشروع الأساسي، خصصت مساعدات الصندوق للمستأجر الذي لا يتجاوز معدل دخله العائلي الشهري ضعف ونصف ضعف الحد الأدنى للأجور والذي يثبت عسره عن دفع كامل الزيادة المترتبة عن بدل الإيجار.وقد أدخل المشروع الجديد تعديلات على صعيدين: فمن جهة، تشمل المساعدة المستأجرين الذين يتقاضون أكثر من ذلك شرط ألا يتجاوز معدل دخلهم الشّهري ثلاثة أضعاف للحدّ الأدنى للأجور.ومن جهة أخرى، عدت اللجنة عدم تقاضي أكثر من الدخل المذكور قرينة كافية بحد ذاتها على عسرهم عن دفع الزيادة الطارئة على بدل الإيجارات، ولم تعد تشترط أي اثبات آخر عليه. إن هكذا توسيع لدائرة المستفيدين من تقديمات “صندوق المساعدات” خطوة مبررة، نظرا للعبء الذي سيلقيه تحرير الإيجارات وزيادة البدلات المترتبة عليه حتى بلوغه “البدل المثل” في ضوء الأسعار الرائجة حاليا في سوق الإيجارات. بالإضافة إلى ذلك،إن إراحة المستأجر من عبء إثبات عسره عن دفع الزيادة المترتبة على بدل إيجاره هي خطوة منطقية نظرا لصعوبة تقديم هكذا إثبات بمعزل عن إثبات المستأجر لمعدل دخله العائلي الشهري[6].
لكن, أبعد من هذا التوسيع التقني الواجب لدائرة المستفيدين من صندوق المساعدات[7]،تطرح حالات الاستفادة من خدمات الصندوق عيوبا كبرى تكشف توجهات مناقضة لمبادئ التشريع الواجب مراعاتها.
فالملفت للنظر في تنظيم صندوق المساعدات هي الإمكانية الممنوحة لبعض المستأجرين بالاستمرار في الاستفادة من هذه التقديمات بعد خروجهم من رابط الإيجار العقدي وذلك في ثلاث حالات. نصّت على الأولى منها المادّة 16 من المشروع التي تمنح الحق بالاستمرار في الاستفادة من مساعدات الصندوق الشهرية بعد حلول أجل الإيجار للمستأجر الذي يتنازل عن حقه بتمديد عقد التحرير (أي عقد التسع سنوات الذي يسمح،تدريجيا،بتحرير الإيجار) لثلاث سنوات إضافيّة. وتمنح المادّة 22 للمستأجر الحقّ بالاستمرار في الاستفادة من تقديمات الصندوق بعد استرداد المالك للمأجور،لأحد الأسباب المحددة في المشروع،خلال فترة التسع سنوات التمديدية. كما تسمح المادّة 27 للمستأجر الذي يتنازل عن إجارته خلال الفترة التمديدية بالإفادة من تقديمات الصندوق بعد انحلال العقد.
مساعدات الصندوق مرتبطة مبدئيا بعقد الإيجار وهي تهدف كما نصت المادة الثالثة من المشروع إلى “مساعدة (…) المستأجرين (…) عن طريق المساهمة في دفع الزيادات (…) التي تطرأ على بدلات إيجاراتهم”. ويتجلى الارتباط بين مساعدات الصندوق وعقد الإيجار في دفع تقديمات الصندوق الشهرية بين يدي المؤجر لا المستأجر[8]. إن فكّ الارتباط بين تقديمات الصّندوق وعقد الإيجار عبر تقديم المساعدات للمستأجر بعد انحلال أو حلول أجل الرابطة التعاقدية مثير للتساؤل. فإذا كان الهدف من تقديمات الصّندوق مساعدة المستأجر على تحمل الزيادة الطّارئة على بدلات الإيجار،لماذا يواظب الصندوق على تقديمها بعد انتهاء عقد الإيجار؟
عدا عن الخلل في المنطق التشريعي، تنتج هذه المواد اختلالا صارخا في المساواة بين المواطنين،فالمستأجر المستفيد من تقديمات الصندوق بعد انحلال عقده أو حلول أجله سيسعى للاستئجار أو تملك مسكن آخر[9]، مما يضعه في السوق العقارية في موضع تنافس مع مواطنين آخرين،يتقاضون أيضا ما دون ثلاثة أضعاف الحد الأدنى للأجور،ويسعون مثله للاستئجار أو التملك دون أن يستفيدوا من تقديمات الصندوق. الأمر الذي يتناقض بشكل واضح وشروط المنافسة الصحية في هذا القطاع. فالدولة تقترح تقديم دعم مالي لفئة من طالبي الشقق والإيجارات استفادت على مدى سنين طويلة من بدلات إيجار زهيدة على حساب فئة أخرى لا تتلقى أي دعم من الدولة للاستحصال على الإيجار أو الملك. عوضا عن السعي إلى تحقيق المساواة،تساهم لجنة الإدارة والعدل عبر هذه الاقتراحات في تعزيز الفوارق بين المواطنين.
وإذا كان يرجح أن اقتراح لجنة الإدارة والعدل بدفع تقديمات الصندوق للمستأجرين بعد خروجهم من الرابطة التعاقدية يتولد عن نوايا حسنة، إذ أن بدلات الإيجار الباهظة السائدة حاليا تتعدى قدرات معظم المواطنين المالية مما دفع اللجنة إلى السّعي إلى دعمهم عبر تقديمات الصندوق،يبقى أن هذا الاقتراح يشكل أيضا إقرارا من قبل اللجنة بوجود أزمة سكن وتباين واضح بين أسعار الشقق والإيجارات من جهة وقدرات المواطنين المالية من جهة أخرى،وإلا لما اقترحت دعم فئة منهم في هذا المجال.
إن الوسيلة التي انتهجتها اللجنة لمعالجة أزمة السكن أو جزء منها هي كما بيناه غير ملائمة وتحقق أهدافا معاكسة لتلك المبتغاة. لا تتم محاربة أزمة السكن العاصفة بلبنان عبر قانون للإيجارات. المطلوب سياسة متكاملة على عدة أصعدة،إنمائية وإعمارية وإدارية كما وخطة مدروسة في مجال التنظيم المدني. قانون الإيجارات ليس السلاح الملائم على هذه الجبهات. فدخول معركة السكن عبر باب الإيجارات هو في بعض نواحيه إقرار مسبق بالهزيمة وفي نواح أخرى هروب إلى الأمام في مجتمع بات يقف على حافة الهاوية.

*محام متدرج في نقابة بيروت

نُشر في العدد السابع من مجلة المفكرة القانونية
 [1]اقتراح قانون تمديد الإيجارات: أبعد من المالك و المستأجر, بحثاً عن الدَولة،المفكَرة القانونيَة،17-5-2012.
[2] فيما يتعلّق بالإيجارات غير السّكنيّة تكتفي اللّجنة بالتّمديد للإيجارات المعقودة قبل 23-7-1992 حتّى تاريخ 31-12-2018 (الموادّ 38 حتّى 42 من المشروع).
[3] في الآثار السّلبيّة لتمديد الإيجارات ولوازم تحريرها: اقتراح قانون تمديد الإيجارات: أبعد من المالك والمستأجر،بحثاً عن الدَولة،مرجع مذكور أعلاه.
[4] تسمح المادة 16 من المشروع،في شروط معينة،بتمديد العقد لثلاث سنوات إضافيّة.
[5] المادة 29 من قانون 23-12-1986.
[6] لا يحجب تسهيل إثبات عسر المستأجر لجهة معدل الدخل الشهري بعض الشوائب المتعلقة بغرض الإثبات. فالدخل ليس المصدر الوحيد للثراء،لذلك كان من المستحسن طلب تقديم بعض الإثباتات الإضافية  من المستأجر كإفادة بعدم ملكيته أي عقار على أن يولى جهاز رسمي حق التأكد من صحة الإفادات و محاربة الاحتيال ثم إبلاغ النيابة العامة بأي مخالفة.
[7] تحدد المواد 8 حتّى 13 من المشروع الإجراءات التي على المستأجر اتّباعها للاستفادة من تقديمات الصندوق. لن ندرس هذه المواد لكن تجدر الإشارة إلى أنّ المادّة 12 من المشروع تنص على أنه “يلاحق كلّ من أعطى اللجنة إفادة أو تصريحا كاذبا أو استعمل أو استفاد من أي منهما بجرم التزوير واستعمال المزور،وعند اكتشاف أي تصريح أو إفادة كاذبة واستعمالها والاستفادة  منها،على اللجنة،حسب الحالة،أن تبلغ النيابة العامة بالأمر ويسقط حق المستأجر بالحصول على المساهمة من الصندوق”. تناقض هذه المادة مبدأ قرينة البراءة الذي يوجب انتظار حكم قضائي قبل إسقاط حق المستأجر بالحصول على مساهمة من الصندوق”.
[8] المادّة العاشرة من المشروع.
[9] تسمح المواد 16 و17 و 27 من المشروع للمستأجر بالتفرغ عن تقديمات الصندوق لصالح مصدر تمويل يقرضه بالمقابل قيمة المساهمة دفعة واحدة فيعتبر المعطى له قرضا سكنيا.
انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني