مسيرة الذكرى السنوية الثالثة لتفجير 4 آب: العدالة رغمًا عنكم… مستمرّون


2023-08-05    |   

مسيرة الذكرى السنوية الثالثة لتفجير 4 آب: العدالة رغمًا عنكم… مستمرّون

أحيا ضحايا تفجير مرفأ بيروت الذكرى الثالثة للمجزرة بمسيرة موّحدة أكدّت ثبات مطالبهم بالوصول الى العدالة، مهما طالت ومهما تعرّضت لعراقيل، فبات 4 آب موعدًا سنويًا لبيروت مع الحزن والغضب، الحزن على أرواح ظلمت والغضب على حقيقة ما زالت مطموسة أو مخبأة بإرادة سياسية، تحت ركام الإهراءات والمرفأ وفي أروقة القضاء.

4 آب تاريخ بات محفورًا في أعماق الذاكرة الجماعية للبنانيين يعجّ بالكثير من الأسى والألم، يعود فيه أهل المدينة وأهل الضحايا، إلى العام 2020، حين قطع الانفجار أوصالها، ومزّق أجساد المقيمين فيها لبنانيين وأجانب،  إلى يوميات الانفجار المشؤوم وصوره المؤلمة، يتجاوزون أسوار الصمت والعجز ليقولوا: لن ننسى ولن نيأس، سنطالب بالعدالة حتى آخر نفس.

ثلاث سنوات مضت على التفجير المدمر المميت، 36 شهرًا، 1095 يومًا وليلة قضاها كلّ الذين تسبّبوا بهذا التفجير من دون ألم أو حسرة أو صحوة ضمير، يسرحون ويمرحون، من دون حسيب أو رقيب، من دون مساءلة ولا محاسبة، بينما قضاها أهالي  الضحايا والشهداء والجرحى، على مدخل قصر العدل، يبحثون عن الحقيقة والعدالة. ولأنهم أصحاب حق، يؤمنون ويعون أنّ تفجيرًا بهذا الحجم لا يمكن أن يفلت مرتكبوه والمتسببون به من العقاب، لذلك لن يسمحوا بدفن الحقائق مهما طال الزمن، ولو كانوا مدركين أنّ الطريق أمامهم طويل وربما طويل جدًا. 

وها هم أهالي الضحايا وعشرات المتضامنين والمتضامنين والمعنيين بالعدالة، وفي الذكرى السنوية الثالثة لتفجير مرفأ بيروت، يعودون إلى المكان الذي عصف فيه، ليذكّروا بـ 235 ضحية سقطت جرّاء هذا التفجير، وبآلاف الجرحى والمعوّقين والمشرّدين، وليؤكدوا أنّ لا عزاء لهم ولا راحة لنفوس الضحايا إلّا بمعرفة الحقيقة والمحاسبة وتحقيق العدالة. 

غياب حقائق وتعطيل وعرقلة

“العدالة رغمًا عنهم… من أجل العدالة والمحاسبة مستمرّون”، شعار اختاره أهالي الشهداء والضحايا، ليكون عنوان مسيرتهم السنوية الثالثة، التي حلّت يوم أمس الجمعة، في غياب الحقائق بسبب انقسامات سياسية وتعطيلات قضائية وعرقلات سياسية وحزبية، عدّدتها ماريانا فودوليان رئيسة جمعية أهالي ضحايا انفجار بيروت وشقيقة الضحية غايا في كلمتها منذ بداية تعيين القاضي فادي صوان في العام 2021 كالآتي:
– حجبت السلطات السياسية والأمنية  الإذن عن كبار الأمنيين، مدير عام الأمن العام ومدير عام أمن الدولة، ولم يرفعوا الحصانات لملاحقة السياسيين الوزراء والنواب المدعى عليهم.

– لم يعجبهم القاضي فادي صوان “قبعوه” عندما استدعى السياسيين وكبار الأمنيين. ثم تمّ تعيين  القاضي طارق بيطار وقبل أن يبدأ جلسات التحقيق بدأ تدخّل السياسيين وأرسل وزير الاقتصاد رسالة يطلب منه إخراج الأعمال الحربية من التحقيق.

– حاولوا تحويل الملف من المجلس العدلي للمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وعندما تصدّى الأهالي لهذه المحاولة تعرّضوا للضرب في عين التينة (مقر رئيس مجلس النواب) ودخلوا المستشفيات.

– مارسوا التعسّف باستعمال حق الدفاع، فقدّموا حوالي 44 دعوى غير جدّية بردّ القاضي ونقل الملف والمخاصمة لتجميد التحقيق وباستطاعتنا القول لدفنه.

– عرقلة أحد الأحزاب: تنصيب أنفسهم قضاة واستباق التحقيق وطلب تسكيره من أساسه واعتباره حادثة والطلب من شركات التأمين التعويض على المتضرّرين، خلال 54 ساعة  قرروا أنّ لا علاقة لدولة العدو بالتفجير (بركي هنّي عندن صور الأقمار الاصطناعية).

– حملات وظهور إعلامي شبه دائم لتشويه سمعة القاضي وللضغط المعنوي عليه. إرسال عناصر حزبية إلى العدلية للترهيب والتخويف.

– تهديد مجلس القضاء الأعلى عبر الإعلام والطلب منه قبع القاضي، وفي حال لم يستجب يجدون له حلًّا. والحل كان تخريب السلم الأهلي وسقوط ضحايا في تظاهرة مسلحة، كل ذلك لقبع القاضي.

– عام 2022 عرقلة وزير المال: دعاوى أمام محكمة عدد قضاتها غير مكتمل، وبحاجة إلى مرسوم تشكيلات وتوقيع وزير المال عليه، امتنع الأخير بأمر من رئيس مجلس النواب، فتوقف التحقيق. 

– وزير العدل:  عندما طلب أهالي الضحايا منه أن  يجمع مجلس القضاء الأعلى من أجل مرسوم التشكيلات، رفض وقال إنّه ليس لديه  صلاحية، وعاد وجمع المجلس من أجل بدعة القاضي الرديف.

– وأخيرًا انقلاب ممثل الحق العام (القاضي غسان عويدات) على الحق العام. 

المسيرة

تمّ إحياء الذكرى الثالثة للتفجير ضمن مسيرة مركزية موحّدة، انطلقت من مركز إطفاء بيروت في الكرنتينا باتجاه مرفأ بيروت، شارك فيها الأهالي وحشد من المواطنين الذين توافدوا من بيروت ومختلف المناطق اللبنانية، رفعوا خلالها صور الضحايا والشهداء ولافتات تؤكد أنّ الجريمة لن تمرّ،  والمواجهة مستمرة حتى تحقيق العدالة وتحرير البلد من “سلطة النيترات” ودعت إلى إسقاط جميع الحصانات. 

كما رفع المشاركون الرايات السوداء واتشحوا بدورهم باللباس الأسود، تعبيرًا عن الحزن الشديد الذي تمثله الذكرى.
وتقدّم المسيرة عدد من سيارات فوج إطفاء بيروت وسيارات الإسعاف وعناصر فوج الإطفاء والدفاع المدني. 

وحين وصلت المسيرة إلى تمثال المغترب، مقابل الاهراءات، كانت الساعة قد تجاوزت السادسة فبدأت تلاوة أسماء الضحايا وسط تصفيق حار. تلا ذلك تلاوة الكلمات التي شددت على “ضرورة محاسبة المتورّطين والمسؤولين عن انفجار مرفأ بيروت”، وحمّلت السلطة السياسية ومعها جزء من القضاء عملية عرقلة وتعطيل  التحقيق وإصدار القرار الاتهامي. 

وقالت فودوليان في كلمتها إن جريمة تفجير 4 آب 2020 الفظيعة أخذت حق الضحايا والشهداء الـ 235  في العيش أثناء فترة السلم، وهم في عملهم وبيوتهم الآمنة وعلى الطرقات،  وأخذت حق الضحايا الأحياء في صحتهم وتركت المئات منهم بإعاقات دائمة. وهجّرت الأهالي من منازلهم ودمّرت مرافق عامّة منها المرفأ ومؤسسة كهرباء لبنان.

وأضافت: “تلاها جريمة تانية من 3 سنين وهي: قتل العدالة وهي جريمة ما زالت مستمرة”. 

الرؤساء والوعود الفارغة

وذكّرت ماريانا  بكلام الرؤساء الثلاثة في الذكرى السنوية الثانية حين قال رئيس الجمهورية ميشال عون “سنحاسب كلّ من يثبت تورّطه لأن لا أحد فوق القانون ولا قيامة للبنان من دون العدالة الناجزة”، واعتبر  رئيس مجلس النواب نبيه بري شهداء 4  آب شهداء كل لبنان “هم ضحايا جريمة أصابت كل لبناني والمسار اللي بوصل للعدالة هوي القانون والدستور”. أما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فقال: “يوم حزين لن ينجلي سواده قبل معرفة الحقيقة الكاملة. لترقد أرواح الضحايا بسلام وتتبلسم قلوب ذويهم… ولا قيامة للبنان دون العدالة الناجزة …”.
وسألت ماريانا: “أين أنتم يا رؤساء من كلامكم، ماذا فعلتم لجلاء الحقيقة؟ من 3 سنين وأهالي الضحايا والشهداء على الطرقات عم يطالبوا بالعدالة، والعدالة معرقلة بفعل السياسيين والأحزاب، شعار مسيرتنا نحو “العدالة والمحاسبة …. مستمرّون” وهو حقيقة وناتج عن عذاب، وعرقلة وتعطيل، وأخيرًا ملاحقات قضائية، ليس للمجرمين، بل للأهالي الذين يطالبون بالعدالة”.

المحامية سيسيل روكز شقيقة الضحية جوزيف روكز، أكدّت أهمية  التحقيق المحلي للوصول من خلاله إلى نتيجة وقرار اتهامي، لذلك ذكرت القضاة والمحامين بمطلب الأهالي باستكمال  التحقيق، في جريمة التفجير.

وإذ شكرت القضاة الشرفاء الصامدين بوجه طبقة سياسية، واعتبرته إنجازًا بحد ذاته، توجّهت إلى ممثل الحق العام غسان عويدات، سائلة إياه: هل أنت راض عمّا تقوم به من عرقلة التحقيق؟ مضيفة: “مبروك عليك لقبك الجديد ممثل على الحق العام وليس ممثل الحق العام وممثل للسلطة السياسية الفاسدة”.
وطلبت روكز  من القاضي حبيب رزق الله الذي تمّ تعيينه للتحقيق في شكوى  البدء بالتحقيق: “مش هلقد بدها وقت”. 

أما ميراي خوري والدة الضحية إلياس، فتوجّهت إلى المجتمع الدولي بالقول: “نحن هنا لمناشدة الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان مرارًا وجميع البلدان التي تؤمن بحقوق الإنسان لإصدار قرار من أجل إجراء تحقيق مستقل ومحايد في إطار الأمم المتحدة”. 

وأشارت إلى أنّ “هذه الجريمة ليست قضية لبنانية فقط، فالضحايا من جميع الجنسيات، ولو حدثت هذه الجريمة في بلادكم، فهل كنتم ستنتظرون كلّ هذا الوقت؟”. 

وتعهّد بول نجّار من “تجمّع 4 آب” ووالد الطفلة  ألكسندرا، بإكمال المسيرة في المطالبة بالتحقيق، مستعيدًا اللحظات التي مرت عليهم لحظة الانفجار، ومجددًا وعده لطفلته بتحقيق العدالة مهما كثرت الصعاب، “فبدون عدالة لن يكون لدينا وطن”. 

وفي كلمته، اعتبر وليام نون شقيق الضحية جو، أنّ الإرهابي هو من أدخل النترات وكل من تقاعس في الدولة عن القيام بعمله كما يجب،  من مسؤولين وقضاة، نواب، وزراء، وأمنيين. 

كلام نون جاء ردًا على إشكال وقع بين عدد من الشبان خلال الوقفة، وتوجه نون، إلى المشاركين الذين يرددون  شعارات سياسيّة ويرفعون أعلاما حزبية بالقول: “السياسة برّا، هون لـ 4 آب وبس”.

وكان الإشكال وقع بين مناصري الكتلة الوطنية والنائب في تكتل لبنان القوي سيزار أبي خليل، كما أفاد بعض المشاركين.  

وبالتوازي مع الوقفة الشعبية الحاشدة، توقف مرفأ بيروت عن العمل، وأطلقت البواخر والسفن الراسية على أرصفته صافراتها تعبيرًا عن الحزن في هذه الذكرى.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، حركات اجتماعية ، حرية التعبير ، حرية التجمّع والتنظيم ، لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، مجزرة المرفأ



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني