محكمة التمييز تفتح باب التنفيذ على أموال مصرف: هل يسقط غضب فرنسبنك “قدسية الودائع”؟


2023-02-04    |   

محكمة التمييز تفتح باب التنفيذ على أموال مصرف: هل يسقط غضب فرنسبنك “قدسية الودائع”؟
رسم: رائد شرف

أصدرتْ محكمة التمييز في تاريخ 1/2/2023 قراريْن بنقض القرار بوقف تنفيذ الحجز الذي كان ألقاه مُودعان على موجودات فرنسبنك في فروع عدة، والسماح مجددا لدائرة التنفيذ في بيروت بمعاودة التنفيذ على موجودات هذا المصرف ضمانا لإيفاء الشيك المصرفي المسحوب من هذا المصرف لصالحهما.

ويذكر أن رئيسة دائرة التنفيذ في بيروت مريانا عناني كانت قد باشرت إجراءات الحجز على موجودات فرنسبنك وتابعتها بعدما رفضت القاضية الابتدائية رولا عبدالله وقف تنفيذها في قرارها الصادر في 7/3/2022. إلا أن هذا الحجز سرعان ما اصطدم بضغوط هائلة من قبل جمعية المصارف وصلت إلى حدّ إعلان هذه الأخيرة إضرابا احتجاجيّا ضدّ ما أسمتْه “الشعبوية” القضائية وذلك يومي 21 و22 آذار 2022. وقد استتبع إعلان إضراب المصارف مواقف خارقة للعادة صدرتْ عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي ذهب إلى حدّ الدعوة لعقد جلسة حكومية للنظر في ما أسماه “الخلل القضائي”، مع استدعاء كبار القضاة بهدف تحميلهم مسؤولية إصلاحه. وقد انتهت هذه الضغوط إلى إصدار محكمة استئناف بيروت برئاسة القاضي حبيب رزق الله (وهو زوج ابنة رئيس جمعية المصارف السابق جوزف طربيه) قرارا بوقف تنفيذ الحجز على موجودات فرنسبنك، وذلك بتاريخ 22/3/2022، أي بالتزامن مع إضراب المصارف وتحت وطأته. هذا القرار هو بالذات الذي تم نقضه من قبل الغرفة الثانية لمحكمة التمييز والمكونة من رئيستها مودي مطران والعضوين سميح صفير وحسن سكينة.

وإذ نقضتْ محكمة التمييز قرار محكمة الاستئناف على خلفيّة تعرّضها لأساس النزاع والذي ما يزال عالقا أمام المرجع الابتدائي على نحو يمسّ بحق المحاكمة على درجتين، عادتْ وقررت أن الشيك المصرفي يشكل سندا تنفيذيا صالحا معتبرة أنه لا يوجد أي سبب لوقف تنفيذه. وكانت المفكرة القانونية قد نشرت تعليقا للمحامي د. باسكال ضاهر حول المخالفات التي وردتْ في قرار محكمة الاستئناف، وهو تعليق ذهب في الاتجاه نفسه. 

يستدعي توجه محكمة النقض في هذا الخصوص الملاحظات الآتية:

أولا، أنه يعرّي الممارسة التي تمثلت في تسديد حقوق المودعين بموجب شيكات مصرفية مسحوبة على مصرف لبنان في معرض تسديد ودائعهم. وفي حين زعمت المصارف أنّ سحب شيكات مماثلة يبرئ ذمتها تجاه المودعين، فإن هيئات قضائية عدة أثبتت أنها ليست كذلك بشكل عام وبخاصة في الظروف الحاضرة. إذ يجد حامل هذا الشك نفسه أمام استحالة قبض قيمته، فلا يكون له إلا إيداعه لدى مصرف آخر، هذا إذا تسنى له فتح حساب لدى هذا المصرف، ليعود المصرف الآخر إلى حجز وديعته، مما يدخل المودع بالنتيجة “في دوامة لا تنتهي من القيود على حقه بتحريك أمواله والتصرف بها”. وقد جاء قرار محكمة التمييز ليؤكد ضمنا في سياق رفضه وقف تنفيذ الشيك على ذلك.

ثانيا، أنه توجّه يفتح الباب واسعا أمام تقديم طلبات حجز على موجودات مجمل المصارف التي عمدت إلى تسديد حقوق المودعين لديها عن طريق هذا النوع من الشيكات. ومن شأن هذا الأمر أن يدفع المجلس النيابي إلى تسريع إقرار اقتراح قانون تقييد حقوق المودعين، وذلك تغطية لممارسات المصارف، وعمليا لاستبدال الكابيتال كونترول غير النظامي السائد حاليا بكابيتال كونترول نظامي. وهذا ما نستشفه من تسريبات أشارت إلى سعي رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى تسريع إقرار قانون الكابيتال كونترول. وهذا ما نقرأه بوضوح في ما نقلته صحيفة نداء الوطن لجهة أنّ بري بات “متفهماً جداً لموقف المصارف ومتعاطفاً معها بشدة، لذا فهو راغب في الدعوة إلى جلسة تشريعية يقر فيها مشروع قانون ضبط السحوبات والتحويلات”. وقد اعتبرت الصحيفة أن هذا التعاطف يتأتى من “الأحكام التي تصدر في الخارج لمصلحة مودعين، وإلى الحكم الذي صدر أمس الأول محلياً ضد فرنسبنك”. وبذلك يخشى أن يستتبع هذان القراران إقرار قانون من شأنه أن يعطل مفاعيلهما كما مفاعيل أي دعوى قضائية أخرى ترمي إلى استرداد الودائع.

ثالثا وأخيرا، أنّ توجه محكمة التمييز يعكس تصميما من عدد من القضاة في حماية حقوق المودعين في مواجهة المصارف، على نحو يؤدّي إلى خرق جدار الإفلات من العقاب والمسؤولية والذي ما يزال سائدا إلى أكبر قدر ممكن. وما يزيد من رمزيته هو أنه يؤدّي إلى تكريس قرار قضائيّ، كانت جمعية المصارف بمعية ميقاتي أعلنت حربا ضده وصولا إلى إعلان إضراب شامل احتجاجا على شعبوية القضاء.

بقي أن نشير أن فرنسبنك أغلق الجمعة فروعه كافة احتجاجا على قراري محكمة التمييز وعلى حساب جميع عملائه.  

فلنراقب..

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، مصارف ، قرارات قضائية ، حقوق المستهلك ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني