مجلس الوزراء يسقط صفقة البريد… ويسمح بإدارة القطاع من شركة ديليفيري


2023-11-16    |   

مجلس الوزراء يسقط صفقة البريد… ويسمح بإدارة القطاع من شركة ديليفيري
رسم رائد شرف

أبى وزير الاتّصالات أن يتقبّل الخسارة، فانتقل إلى مرحلة التهويل. عدم موافقة مجلس الوزراء على طلبه توقيع العقد مع شركة “ميريت انفست” لإدارة قطاع البريد خلافاً لرأي ديوان المحاسبة نقلته من حالة الدفاع المستميت عن عقد مخالف للقانون إلى حالة التهويل بصعوبة إطلاق مزايدة رابعة قريباً. 

في حوار إذاعي قبل يوم من موعد جلسة مجلس الوزراء أمس، قال الوزير جوني القرم إن المزايدة الرابعة قد تحتاج إلى سنتين. علماً أنه هو نفسه أعد 3 دفاتر شروط وأطلق 3 مزايدات في سنة واحدة. فإما كان يبالغ بالتعجيل بإطلاق المزايدات، وبالتالي كان هذا أحد أسباب فشلها جميعها، وهو ما يتحمل مسؤوليته شخصياً. وإما أنه يبالغ في الإشارة إلى الحاجة إلى سنتين للإيحاء أن عدم الموافقة على نتيجة المزايدة الثالثة هو خطأ كبير ارتكبته الحكومة. مع ذلك، فإن الوقائع تثبت أنه بالغ بالأمرين معاً:

  • أولاً، كان همّه الإسراع في إطلاق المزايدات، ولا سيما الثالثة منها، حيث رفض الالتزام برأي هيئة الاستشارات والتشريع ورأي ديوان المحاسبة اللذين أكدا أن مهلة الخمسة أسابيع غير كافية لإطلاق مزايدة بحجم مزايدة البريد. أضف إلى أنه عندما كان قد خاط شروطاً على قياس شركة واحدة، بحجة توسيع هامش المشاركة، لم يهتم باعتراض 3 شركات على خلفية قصر المهلة، وبالتالي لم يهتم فعلياً باستقطاب أكبر عدد ممكن من العارضين. 
  • ثانياً، إن التهويل بالحاجة إلى سنتين تدحضه معطيات سبق أن قدمها رئيس ديوان المحاسبة محمد بدران ورئيس هيئة الشراء العام جان العلية في مجلس الوزراء والتي يؤكدان فيها الاستعداد للمساعدة في التعجيل في إطلاق المزايدة. مع ذلك لم يكترث القرم واعتبر أن الشرط الذي وضعه ديوان المحاسبة في تقريره ويقضي بوجوب إجراء دراسة مالية للقطاع تُحدد على أساسها حصة الدولة، بحاجة إلى 8 أشهر وإلى نحو 4 مليون دولار. بحيث يفترض وضع دفتر شروط ثم إطلاق مناقصة عبر هيئة الشراء العام قبل التعاقد مع الشركة الفائزة لإجراء الدراسة. هنا تجاهل القرم أيضاً ما سبق أن أعلنه بدران عن إمكان اختصار الوقت من خلال الاستعانة بالدراسة التي أجريت في العام 1997، وتحديث أرقامها ومعطياتها، بما لا يحتاج إلى أكثر من شهر. 

جائزة ترضية لوزير الاتصالات

ما سبق يؤكد أنه متى وجدت الإرادة لن يكون صعباً إطلاق مزايدة بدفتر شروط يؤمّن المساواة في الفرص بمهلة كافية لتقدّم كل العارضين المهتمّين ولا يكون على قياس أي منهم، كما حصل في المزايدة الأخيرة التي أوضح الديوان، في تقريره الصادر في 14/9/2023، أن دفتر شروطها أعد على قياس تحالف شركتي Merit Invest اللبنانية وColis privé france (مملوكتان من شركة CMA CGM). حينها تساءل الديوان: “كيف يمكن للإدارة أن تقوم بتعديل دفتر شروط يفترض أن يكون تمّ وضعه تماشياً مع حاجات تنوي تلبيتها وأهداف تتوخاها من ذلك (إدارة مكاتب البريد)؟”. الإجابة على هذا السؤال جاءت بقرار مجلس الوزراء الذي أعطى وزير الاتصالات جائزة ترضية تمثلت بالموافقة على الاقتراح الثاني المقدم منه في تقريره النهائي، الذي يتضمن إطلاق مزايدة جديدة مع تعديل عنوان الصفقة، بحيث أسقطت عبارة “مزايدة تلزيم الخدمات والمنتجات البريدية” ليحل محلها “مزايدة البريد للطرود و/أو الطرود البريدية و/أو الرزم والتجارة الالكترونية و/أو مواد المراسلات”. وهو ما يسمح لأي شركة حاصلة على ترخيص للعمل في أي من تلك المجالات التقدم إلى المزايدة، وبالتالي إلغاء الغاية الأساس المتمثّلة بالسعي إلى استقدام شركات بريد وطنية لإدارة القطاع واستبدالها بإدارته من شركات ديليفيري. إقرار مجلس الوزراء هذا البند بالرغم من أنه مخالف لمبدأ الحاجة إلى شركة بريد تدير القطاع، يؤكد أن وزير الاتصالات كان خالف القرار السابق للمجلس بتعديله طبيعة الصفقة من دون العودة إليه.

إحياء “ليبان بوست” 

الاقتراح الذي وافق عليه مجلس الوزراء ينص أيضاً على “تمديد عقد ليبان بوست لغاية توقيع العقد مع مشغّل جديد وتكليف الوزارة بتعديل جداول أسعار الخدمات البريدية إلى حين إطلاق المزايدة التالية وتسلّم الفائز”. وهذا التمديد بالرغم مما يدّعيه وزير الاتصالات بأنه “مخيب للآمال”، سبق أن شكّل واحداً من الأهداف التي لطالما سعى إلى تحقيقها. فهو سبق أن استمات في الدفاع عن الشركة وعن حقها في المشاركة في المزايدة، متجاهلاً الدعوى العالقة بين الدولة وبينها في مجلس شورى الدولة. كما سبق أن برّأ ذمّتها بحجة أن لا حكم عليها، وبحجة أن براءة الذمة محصورة بتنفيذ قرار سابق لديوان المحاسبة. لكن ذلك لم يكن كافياً للإبقاء على حظوظ الشركة في المشاركة في المزايدة، خاصة  أن المادة 20 من قانون تنظيم وزارة العدل لا تميز بين طبيعة الدعاوى إن كانت جزائية أو إدارية أو مدنية، إذ تنص بشكل واضح على أنه “لا يجوز للإدارات العامة التابعة للدولة إجراء المصالحات في الدعاوى العالقة أمام المحاكم والتي يكون للدولة علاقة بها إلا بعد موافقة رئيس هيئة القضايا ومدير عام وزارة العدل وتعتبر باطلة كل مصالحة تعقد خلافا لهذا النص”. 

استبعاد “ليبان بوست” عن الصفقة، تزامن مع خروج عرض “ميريت إنفست” إلى النور، مع ما تشكّله من استمرار إداري لـ “ليبان بوست”. فانتقل الوزير من دعم مسار “ليبان بوست” إلى دعم ملف الشركة الجديدة إلى حدّ تعديل دفتر الشروط بما يتناسب مع مؤهلاتها. 

اليوم وبعدما رفض مجلس الوزراء توقيع العقد مع “ميريت إنفست”، فقد عاد القرم إلى المسار الأول ملمّحاً إلى البدء بمرحلة ابتزاز عنوانها: رفض نتيجة المزايدة سيولّد انتظاراً طويلاً للمزايدة الرابعة، وإلا كيف يفسّر إشارته إلى الحاجة إلى سنتين لإنجاز الصفقة؟ وكيف يفسّر إشارته إلى الحاجة إلى 8 أشهر لإعداد الدراسة التحليلية التي تحدّد من خلالها إيرادات الدولة من قطاع البريد؟ علماً أن الوزير الحريص على عدم هدر الوقت، هو نفسه أهدر 5 أشهر منذ فض عروض المزايدة الثالثة في 12 تموز الماضي، تارة في رفض قرار هيئة الشراء، وتارة أخرى في الإمعان في رفض قرار ديوان المحاسبة، ثم في السعي إلى توريط مجلس الوزراء في تبني موقفه. ولو استفاد من هذا الوقت، أقله منذ صدور تقرير هيئة الشراء العام في 31/7/2023، لكان على الأقل أنجز الدراسة المطلوبة.

تأسيس شركة تدير القطاع “ليس مطروحاً”

مجلس الوزراء الذي اضطر إلى مخالفة رأي الوزير نظراً لصعوبة كسر قرار الهيئات الرقابية، لم يقرن التمديد لـ”ليبان بوست”، كما فعل سابقاً، بتاريخ محدد، بل أقرنه بتوقيع العقد مع الملتزم الجديد. أما مسألة تكليف الوزارة بتعديل جداول أسعار الخدمات البريدية، فذلك مطلب قديم ترافق مع التمديد الأخير للشركة، حيث اكتفى القرم بدور ساعي البريد ناقلاً إلى مجلس الوزراء رفض الشركة أي تعديل للأسعار، إلا في حال توقيع عقد جديد معها. فهل سيكرر الأمر اليوم أم سيسعى إلى الحد من الخسائر الناتجة عن استمرار “ليبان بوست” بالعقد نفسه، والتي قال إنها تبلغ 5 مليون سنوياً؟ وماذا عن إمكانية السعي فعلياً إلى الحد من الخسائر عن طريق الإسراع في الإعداد للمزايدة الرابعة؟

أخيراً، كما كل الجلسات الحكومية السابقة، لم يطلب مجلس الوزراء أمس أو يسأل وزير الاتصالات عما فعله منذ تكليفه، في نيسان 2023، تأسيس شركة مساهمة لبنانية يكون موضوعها تأمين الخدمات البريدية. وحتى مع وضع هذا الخيار ضمن الخيارات التي اقترحها وزير الاتصالات للتعامل مع المشكلة، لم يكترث أي من الوزراء إلى احتمال أن تتولى الشركة المنشأة تشغيل القطاع البريدي لصالح الدولة – وزارة الاتصالات خلال المرحلة الانتقالية. وتعاملوا معه كأنه غير موجود.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مؤسسات عامة ، قرارات إدارية ، أملاك عامة ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني