مجلس النواب لم يضع آلية إلزامية لتحويل الدولار الطّالبي: المصارف تشرّد الطلّاب اللبنانيين في الخارج وتجوّعهم وتحرمهم من التعليم


2020-11-05    |   

مجلس النواب لم يضع آلية إلزامية لتحويل الدولار الطّالبي: المصارف تشرّد الطلّاب اللبنانيين في الخارج وتجوّعهم وتحرمهم من التعليم
تركت الدولة الطلّاب اللبنانيين في الخارج ليواجهوا مصيرهم

“أقول لأبي إنّي لا أريد البقاء هنا بعد فالجامعة لن تتحمّلني” (غادة سلمى، طالبة طب عام في أوكرانيا)

“رفض المصرف تحويل المال لابني المريض للعلاج” (خالد بلطجي، والد طالب طب في بيلاروسيا)

“يتناول ابني وجبة طعام واحدة فقط في اليوم”، (ليال، والدة طالب هندسة في ألمانيا)

تلحق المصارف اللبنانية، ومن ورائها السلطة بأركانها كافة، الطلاب اللبنانيين إلى الخارج لتحوّل حياتهم إلى كابوس وعوز فيه الكثير من الذل، على غرار ما تفعل بأهاليهم هنا، ومعهم من بقي صامداً من الشعب اللبناني المنهوب.

يتنطّح المجلس النيابي فيشرّع قانوناً للدولار الطلابي خالياً من أي آلية تطبيقية تلزم المصارف بتحويل الأموال للطلاب، فيما يصدر مصرف لبنان تعاميم لا تجدي، وكلّ ذلك لذرّ الرماد في العيون: النوّاب يقولون لناخبيهم “نحن قمنا بواجبنا ولكن المصارف لا تتجاوب”، فيما لا يتخذ مصرف لبنان أيّ إجراءات ردعية تمنع إذلال الطلاب اللبنانيين في الخارج ومعه حقهم في استكمال تخصصهم، بحجّة أنّ القانون منح سلطة التقرير لكل مصرف من المصارف.

ورأى المرصد البرلماني في “المفكرة القانونية” في تعليق على قانون الدولار الطالبي أنه قد “تمّ تفويض المصارف الخاصة صلاحية ‘استنسابية’ للتثبّت من تمتّع المستفيد بالشروط لإجراء التحاويل، وفتح مجال إضافي لها للتحكّم بمصائر المودعين، وهنا تمتّعهم بحق الانتفاع من الدولار الطالبي المدعوم، وهذا تحوّل خطير، حيث كانت الصيغة الأساسية للقانون تعطي هذه الصلاحية للمصرف المركزي”. وما يزيد من قابلية انتقاد القانون، يرى المرصد “أنه يفتقر إلى آليات تنفيذية وعقابية تحديداً على المصارف، مما يفتح المجال أمام استنسابية في تطبيقه، خصوصاً في ظلّ أداء المصارف في السنة الماضية والتي اقتربت أكثر إلى سلطة أمر واقع، عوض أن تشدّد رقابة السلطات العامّة وجهات الوصاية عليها، وأن تحمّل مسؤولية إفلاسها وتوقّفها عن الدفع”.

كل ذلك ولا أحد يلتفت إلى معاناة عائلات الطلاب، سواء ممن قضوا عمرهم يدّخرون بعض المال لتعليم أبنائهم فسرقته المصارف، أو أولئك الذين أفقدهم الانهيار الاقتصادي قيمة رواتبهم ومداخليهم وحتى فرص عملهم. يجدون الدولة تصرف ملايين الدولارات لدعم سلع يستفيد منها المحتكرون، فيما لا تكلّف نفسها وضع آلية ترغم المصارف على تحويل جنى عمرهم لأبنائهم المهددين بطردهم من جامعاتهم وسكنهم وصولاً إلى عدم قدرتهم حتى على تأمين غذائهم.

بذلك، تركت الدولة الطلّاب اللبنانيين في الخارج ليواجهوا مصيرهم الذي لا يبدو أنّ أيّاً من احتمالاته جيّد إذ تتراوح بين الحرمان من التعلّم، وتشريد من لم يعد لديه المال ليدفع كلفة السكن، وحتى مواجهة الجوع والمرض لعدم قدرتهم حتى على دفع ثمن طعامهم أو دوائهم. وأهالي الطلّاب ما عادوا قادرين على تحمّل الظروف التي يواجهها أبناؤهم في الخارج وهم عاجزون عن فعل شيء بخاصّة بعدما نسفت المصارف آخر أمل لهم وهو القانون “المنقوص” رقم 193 المتعلّق بإلزامها تحويل مبلغ لا يتعدّى 10 آلاف دولار للطلّاب المسجّلين خارج لبنان قبل العام 2020، بعد أن قررت المصارف عدم تنفيذه بذرائع مختلفة.

ولا شكّ أنّ قضيّة الطلّاب في الخارج لا تنفصل عن وضع الطلّاب اللبنانيين في الداخل الّذين يواجهون أيضاً خطر توقّفهم عن التعلّم بسبب الإجراءات والقيود المصرفيّة الجائرة. وهذا ما يدعو إلى وضع تشريعات عامّة عادلة للجميع وآليّات لمراقبة تطبيقها.

المصارف لا تنفّذ القانون بذرائع مختلفة

صدر القانون رقم 193 المعروف بقانون “الدولار الطالبي” في 16 تشرين الأول 2020، وهو ينصّ على إلزام المصارف بتحويل مبلغ لا يتعدى 10 آلاف دولار أميركي للطلاّب في الخارج ولمرّة واحدة، وذلك بالعملة الوطنيّة على سعر الصرف الرسمي 1505 أم بالدولار الأميركي، ويسري الأمر على أولياء الأمور ممن يمتلكون أو لا يمتلكون حسابات مصرفيّة. ومع كل سيّئات القانون الذي لم يشمل الطلّاب الجدد الّذين تسجّلوا للعام 2021، عدا عن حصر المبلغ المرسل بـ 10 آلاف دولار، ومنح المصارف صلاحيّة تحديد من يستوفي الشروط لتحويل المال، إلّا أنّ المصارف لا تُطبّقه، بخاصّة مع افتقار القانون لأيّ عقوبة على المصارف المخالفة. ويُشار إلى أنّ التشريع المذكور لم ينظر في أوضاع الطلّاب الّذين يتعلّمون في لبنان وتم الحجز على أموال ذويهم أو تراجعت قدراتهم الشرائية وباتوا غير قادرين على دفع أقساطهم الجامعيّة.

يشرح أمين سر الجمعيّة اللبنانية لأولياء الطلّاب في الجامعات الأجنبية” ربيع كنج لـ “المفكرة القانونية” أنّ المطالبات الرئيسيّة التي لطالما كنّا في انتظار تحقيقها من خلال قانون الدولار الطالبي اتصلت بـ: “الدولار المدعوم على سعر 1500 ليرة لبنانية لتغطية أقساط ومصاريف الطلاب، وثانياً، طالبنا تحرير التحويلات المصرفية للطلاب الذين يمتلك ذووهم حسابات بالعملات الأجنبية والّذين يدرسون في الجامعات والدول التي لا تكفي فيها التغطية المالية المدعومة، فيعمد ذووهم إلى تغطيّة الفارق من حساباتهم الخاصّة. وثالثاً، أن يؤمّن قانون الدولار الطالبي كلّ طالب لبناني في الجامعات الأجنبية إلى حين تخرّجه ويغطّي كل سنوات دراسته، إضافة إلى أن يشمل

الذين حصلوا على قبول للتسجيل في الجامعات الأجنبية في العام 2020/2021″.

بحسب كنج، “لم تتحقق هذه المطالب وانحصر القانون بالسماح بتحويل مبلغ عشرة آلاف دولار أميركي من دون أن يشمل الطلّاب الجدد، وعلى الرغم من شوائبه الكثيرة تمسّك به الأهالي، وتوجّه معظمهم إلى المصارف لتحويل الأموال لأولادهم إلّا أنّ الأخيرة رفضت تنفيذه”. تباينت حجج المصارف إلّا أنّ الواضح أنّها لا تريد إخراج دولار واحد لمساعدة الأهالي. هناك مصارف أبلغت الأهالي بأنّ القانون محصور بالأقساط الجامعيّة فهي بذلك لن تحوّل المال المتعلّق بالمصاريف الخاصّة، أي لا شأن لها إن مات الطلّاب جوعاً. وامتنعت مصارف أخرى عن تحويل الأموال الخاصّة بالأقساط بحجّة أنّه لم يصلها بعد تعميم من مصرف لبنان، بحسب ما ينقل الأهالي.

والجدير ذكره أنّ مصرف لبنان كان قد اكتفى في بيان يوم السبت 3 تشرين الثاني بالقول إنّه “سيسعى مع وزير الماليّة لإجراء المقتضى لوضع آلية تنظيمية لتطبيق القانون 193 في أقرب وقت ممكن”. واستذكر المصرف في بيانه قراره الأساسي رقم 13257 بتاريخ 19 آب 2020، الذي أشار فيه إلى إلزام المصارف بتحويل 10 آلاف دولار للطلّاب في الخارج.

تبعاً لذلك، توجه جزء من الأهالي يوم الثلاثاء في الثالث من الشهر الجاري إلى الاعتصام أمام مصرف لبنان بدعوة من “الجمعية اللبنانية لأولياء الطلاب في الجامعات الأجنبية” للمطالبة بوضع آلية واضحة لإلزام المصارف تنفيذ القانون رقم 193. ويقول عضو الجمعيّة عماد دبوس الذي لديه ابن يدرس الهندسة في بيلاروسيا أنّ “الأهالي طالبوا أمام بوابة مصرف لبنان مقابلة الحاكم لكنّه رفض استقبالنا”. ويُضيف، “كنّا نريد منه معرفة سبب عدم إصدار أي تعميم يشمل آلية تنفيذ المصارف لقانون الدولار الطالبي لكن وصلنا الخبر من المصرف أنّ المسألة ليست عند مصرف لبنان بل لدى جمعيّة المصارف”.

هكذا تُرك الأهالي من دون جواب واضح حول مصير أبنائهم في الخارج، بينما يترك للمصارف حريّة التصرّف بودائع الناس عبر حجزها ومنع المودعين من استخدامها. وما يخشاه كنج أن يتفاقم غضب الأهالي، إذ يٌشير إلى أنّ “الاعتصام أمام مصرف لبنان كان فيه علامات تشنّج وغضب على بعض المعتصمين، وهذا ما نحذر منه لأنّ هناك أهالي لم يعد لديهم قدرة على التحمّل”.

الأهالي يخشون على أولادهم من أن يموتوا جوعاً

يُعاني أولياء الطلّاب اللبنانيين في الخارج منذ نحو العام من هذه الأزمة، ويواجه آلاف الطلّاب في الخارج مصير الفصل من الجامعات أو حتى التشرّد بسبب عدم قدرتهم على دفع بدل السّكن. وتتراكم الديون عليهم وعلى أسرهم على أمل أن تنظر الدولة في حالهم، وأقلّه تطبيق قانون الدولار الطالبي، لتفتح المجال للطلاب اللبنانيين أن يكملوا تعليمهم بدل من تركهم لمصير مجهول.

من بين هؤلاء غادة وأحمد ابنا نمر سلمى الذي تحدّث إلى “المفكرة” عن تحوّل أوضاع ابنه وابنته إلى “ظروف مأساوية أوصلتهما إلى عدم التمكّن من حضور الصفوف في الجامعة بسبب عدم دفع الأقساط وهما يتلقّيان كل يوم تهديداً برميهما في الشارع من مالك الشقة التي يسكنانها بسبب تأخرهما عدّة شهور عن دفع الإيجار”. حين قرر سلمى إرسال غادة وأحمد للتعلّم في الخارج كان سعر صرف الدولار 1505 ليرة لبنانيّة، في حين تعدّى اليوم 7000 ليرة، ما يعني أنّ إرسال المصاريف إليهما أصبح اليوم مستحيلاً. ويوضح: “كل ما أنتجه من عملي في الشهر الواحد لا يتعدّى المليون وخمسمئة ليرة لبنانيّة، ما يعني نحو 200 دولار شهرياً على سعر الصرف في السوق السوداء، فيما حاجة ابنيّ الشهريّة كمصاريف تصل إلى 500 دولار أميركي هذا غير الأقساط الجامعيّة التي تتعدى 4000 دولار لكل منهما”. وما يزيد الطين بلّة أنّ سلمى يعمل بوظائف حرّة أي أنّه إذا “اشتغلت بقبض إذا ما اشتغلت ما بقبض” بحسب تعبيره.

يروي سلمى عن حبّه للتعلّم وحلمه في أن يتخرج أولاده كأطباء من أوكرانيا ويعودوا إلى لبنان ليكون من شبيبة لبنان الذي يفتخر بأبنائه مع الإشارة إلى أنّ ولديه من المتفوّقين، ويقول: “ألا تُريد هذه الدولة أن تفتخر بأبنائها، ألا يعنيها الحفاظ على المتفوقين والاستفادة منهم، لماذا كل هذا التجاهل لهم؟”.

تدرس غادة (21 عاماً) الطب العام وأخوها أحمد يدرس طب الأسنان، ويعيشان معاً في منطقة ايفانو فرانكوفسك غرب أوكرانيا لأنّ الكلفة المعيشية فيها متدنّية. وكان والدها يُرسل لها ولأخيها المصاريف الشهرية وقسط الجامعة على سعر الصرف الرسمي 1505 عبر شركات التحويل الماليّة وليس عبر المصارف. تقول لـ”المفكرة”: “هذا العام كان قاسياً جداً، لم يعد والدي قادراً على إرسال المال، واضطررنا أكثر من مرّة للاستدانة لأجل تأمين حاجياتنا الأساسيّة وخاصّة الغذاء”.

تلفت إلى أنّ الجامعة اعتبرتها غير مسجلّة هذا العام بسبب عدم دفع الأقساط، ومع العلم أنّها قادرة على الدخول إلى الدروس الإلكترونيّة إلّا أنّه تُسجّل غائبة ولا يُسمح لها المشاركة في الأعمال التطبيقيّة. تقول بحزن: “”أقول لوالدي يا بابا ما عاد قادرة إبقى هون، يُجيبني: ح تفرج يا بابا، لكنني أقول له الجامعة ما ح تتحملني”.

المصرف رفض أن أرسل إلى ابني ثمن الدواء

غادة وأحمد لم يتمكّنا من زيارة عائلتهما هذا الصيف بسبب عدم قدرتهما على دفع ثمن تذكرة السفر، الأمر الذي يزيد الحزن لدى والديهما بسبب مرور أكثر من عام من دون رؤيتهما. والحال نفسه بالنسبة لخالد بلطجي والد يوسف (25 عاماً) وهو طالب طب في بيلاروسيا حيث يدرس منذ ما يزيد عن سبع سنوات.

يُناديه والده بالدكتور كونه أنهى دراسة الطب العام ودخل هذا العام في مرحلة التخصص في الجراحة العامة، الغصّة تسيطر على صوت أبو يوسف وهو يتحدث عن ابنه. “منذ أشهر وأنا غير قادر على إرسال المال لابني”. وما يزيد الغصّة أنّ يوسف أُصيب بفيروس كورونا وهو اليوم في المستشفى. ويروي بلطجي: “وصل الحال بابني ألّا يقدر على شراء الدواء، فحملت تقريره الطبّي وأخذته إلى المصرف ليسمحوا لي إرسال المصروف لابني لكنّهم رفضوا”. هكذا رفض المصرف حتى إرسال ثمن الدواء لابن بلطجي إلى أن تأزّم وضعه قبل ثلاثة أيّام واضطر الدخول إلى المستشفى، وما يُقلق بلطجي اليوم هي الوحدة التي يعيشها ابنه بعيداً عنه إضافة إلى خشيته من أن يخسر عامه الدراسي، فأمام يوسف عامين فقط ليُنهي دراسته، وتزداد المخاوف إن فكّر للحظة أنّه سيُجبر على إعادة ابنه إلى لبنان من دون أن يستكمل تعليمه نهائياً.

لم يترك بلطجي طريقة للبحث عن حلول، فبعدما “رفض فرنسبنك السماح لي بتحويل المال تقدمت بشكوى إلى مصرف لبنان قبل شهر تقريباً وإلى اليوم لا جواب”. يُضيف، “ثم أرسلت بطاقة بريديّة للمصرف أشرح فيها ظروف ابني الصحيّة، أيضاً لا جواب”. وأرسل بلطجي للمصرف كتاباً موقّعاً لدى كاتب عدل يُطالبه تحويل المال لابنه تجاهله المصرف أيضاً.

انشر المقال

متوفر من خلال:

الحق في الصحة والتعليم ، مساواة ، سياسات عامة ، تحقيقات ، أطراف معنية ، البرلمان ، مصارف ، تشريعات وقوانين ، الحق في التعليم ، لبنان ، لا مساواة وتمييز وتهميش



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني