ماذا يعني أن ينزع وزير الثقافة “الدرع الأزرق” في قلعة بعلبك؟


2023-11-02    |   

ماذا يعني أن ينزع وزير الثقافة “الدرع الأزرق” في قلعة بعلبك؟
الدرع الأزرق على أحد جدران بعلبك

أعلن وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد المرتضى، في منشور على منصة “إكس” فجر اليوم الخميس أنّه أمر بإزالة  شعار “الدرع الأزرق” Blue shield الذي علّق أمس الأربعاء على أحد جدران قلعة ⁧‫بعلبك‬⁩ “من قبل أحد الموظفين فيها عملاً باتفاقية دولية لحماية الممتلكات الثقافية خلال النزاع المسلح”. وقد برّر قراره باعتبار أنّ “الفظائع في ⁧‫غزّة‬⁩ أثبتت أنّ مثل هذه الدروع لا تحمي شيئًا” وأنّ “ما يحمي لبنان وشعبه والأملاك الخاصّة والعامّة فيه هو جيشنا الباسل والمقاومة‬⁩ المقتدرة التي تمثّل درعنا الحصينة التي جعلتْ العدو الإسرائيليّ متيقّنًا بأنّ مسّه فينا سوف يجرّ عليه ويلات لا قدرة له على تحمّلها”. وقد خلص الوزير إلى أنّ “هنالك من اجتهد فأخطأ بوضع ذلك الشعار ظنًّا منه بأنّ التذكير بالمواثيق الدولية والاحتماء بها والاحتكام إليها يحمينا ويحمي ممتلكاتنا ومعالمنا الأثرية، لكن الواقع أنّ هذه المواثيق حبرها بهت وجرى طمسه بفعل دماء أطفال غزة التي أريقت من قبل ⁧‫إسرائيل‬⁩ وداعميها”.

وفي التفاصيل، وضعت المديرية العامّة للآثار بالتنسيق مع جمعية “بلادي” التي تُعنى بالحفاظ على التراث أمس الأربعاء شارة “الدرع الأزرق لحماية الممتلكات الثقافية خلال النزاع المسلح” بقياس 3×5 أمتار على 22 موقعًا أثريًا (منها قلعة بعلبك)، وذلك إضافة إلى شارات أصغر حجمًا كانت وضعت في عام 2019، تبعًا لإبرام البروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي لعام 1954 والخاص بحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح، بموجب القانون رقم 150 الصادر في تاريخ 15/10/2019. والدرع الأزرق يهدف إلى إطلاع كل الجهات المتقاتلة بأنّ هذا الموقع هو ممتلك ثقافي وبالتالي يجب عدم استهدافه أو استخدامه عسكريًا. وقد أضيفت الشارة الأكبر بهدف ضمان مزيد من الحماية، علمًا أنّ الوزير أعلن إزالة الدرع الأزرق في حجمه الكبير عن قلعة بعلبك دون سائر المواقع، كما أبقى على شارات الدرع الأزرق الصغرى على جميع المواقع بما فيها بعلبك.

يذكر أنّ المواقع الـ 22 هي أهمّ المواقع الأثرية في لبنان ومنها معبد أشمون في صيدا، والمواقع الرومانية في صور، وساحة دير القمر، وعنجر، ووادي قاديشا، وقلعة فقرا، وقلعة نيحا، والمدينة القديمة في جبيل. 

وكانت “المفكرة القانونية” علّقت عام 2019 على إبرام البروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي بشأن حماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح، مشدّدة على أنّه  يعطي السند القانوني لـ “الدرع الأزرق”، علمًا أنّ هذه الاتفاقية تعدّ جزءًا من القانون الدولي الإنساني، المعروف أيضًا باسم قانون الحرب أو قانون النزاعات المسلحة. وقد وضع البروتوكول الثاني لتعزيز الحماية للممتلكات الثقافية وذلك من خلال تحديد طرق الحماية ووضع الآليات القانونية لمعاقبة الأشخاص، أو العسكريين الذين يقومون بتدمير أو تخريب الممتلكات الثقافية الموضوع عليها الدرع الأزرق. وعليه يعزز هذا البروتوكول العديد من أحكام الاتفاقية وبروتوكولها الأول، وينصّ على “الحماية المعززة” للممتلكات الثقافية ذات الأهمية الكبرى للإنسانية، إضافة إلى الفئات السابقة من “الحماية العامة” و”الحماية الخاصة”. وأتت الحماية المعززة مدعّمة بتدابير قانونية وإدارية محلية، إذ يمنع استخدام هذه المواقع المصنفة لأغراض عسكرية أو لحماية المواقع العسكرية. كما أنّه يحدّد بشكل مباشر العقوبات المفروضة في حالة ارتكاب انتهاكات خطيرة ضد الممتلكات الثقافية، والظروف التي يتم بموجبها تطبيق المسؤولية الجنائية الفردية.

وعليه، أثناء النزاع المسلح، ينبغي على الدول الأطراف في الاتفاقية والبروتوكولين احترام الممتلكات الثقافية عن طريق الامتناع عن توجيه أي عمل عدائي موجه ضدها وحظر ومنع جميع عمليات السرقة أو النهب أو التصدير غير المشروع أو نقل الممتلكات الثقافية، والامتناع عن توجيه أي عمل انتقامي ضدّ الممتلكات الثقافية. بالتالي يتمّ وضع أهم الممتلكات الثقافية غير المنقولة في “السجل الدولي للمُمتلكات الثقافية تحت الحماية الخاصة” ويجب إستخدام شعار Blue Shield المميّز لتسهيل تحديد الممتلكات الثقافية.

وعليه، وإذ يفهم الشعور بالإحباط من عدم تطبيق القانون الدولي والغضب إزاء انتهاك إسرائيل هذا القانون بشكل منتظم وفادح، إلّا أنّ ردة فعل الوزير تبدو بمثابة تفريط بضمانة غير مكلفة لحماية الأبنية الأثرية، الأمر الذي يجعله موقفًا سياسيًا عبثيًا يصعب تبريره من الوجهة الوطنية أو القانونية، وقد يستتبع تعريضًا لهذه المواقع للخطر أو استهدافًا مقصودًا لها بحجة إزالة الإشارات عنها، فضلًا عن تعريض إمكانية اللجوء للمحاكم الدولية للخطر. فنزع الدرع الأزرق يساوي من حيث خطورته الطلب من سيارات الإسعاف إزالة ما يشير إلى هويتها أو الطلب من الصحافيين نزع إشارة press، بحجة أنّ إسرائيل قصفت سيارات إسعاف في غزة وصحافيين كانوا يلبسون بزة الصحافة ومنهم الصحافي الشهيد عصام عبدالله  في 13 تشرين الأوّل. فكأنّما نتذرّع بالجرائم المرتكبة من إسرائيل لتسهيل ارتكابها مزيدًا من الجرائم.

انشر المقال

متوفر من خلال:

سياسات عامة ، أملاك عامة ، لبنان ، مقالات ، فلسطين



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني