ماذا بعد طلب الاتّهام النيابي؟


2021-07-29    |   

ماذا بعد طلب الاتّهام النيابي؟

وقّع عدد من النوّاب على طلب اتّهام لملاحقة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والوزراء السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق ويوسف فنيانوس في جريمة تفجير مرفأ بيروت بناءً على الإحالات الصادرة عن المحققيْن العدلييْن في القضية فادي صوّان وطارق بيطار. وإذ يشكّل هذا الطلب مناورة ثانية من المجلس النيابي لعرقلة عمل المحقق العدلي القاضي بيطار بعد الطلبات غير القانونية للهيئة المشتركة، سنستعرض هنا المسار القانوني الذي يندرج فيه هذا الطلب الرامي إلى إحالة الوزراء المشتبه بهم إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، مع ما يعتري هذا المسار من عوائق قانونية وواقعية تشكل خطراً على الملف برمّته.

الخطوة الأولى: طلب الاتّهام

يجب أن يُقدّم طلب الاتّهام من قبل خُمس (1/5) أعضاء المجلس النيابي، أي يجب أن يحمل توقيع ما لا يقلّ عن 26 نائباً. ومن المحتمل أن يثار جدل حول كيفية احتساب “خمس” النواب بعد انخفاض عدد النواب الفعليين من 128 إلى 117 بفعل استقالة 8 ووفاة ثلاثة منهم. إنّ المبدأ المتبّع هو اعتبار النصاب ثابتاً غير متبدّل بعدد النواب الذين قد تنتهي عضويّتهم بسبب الاستقالة أو الوفاة أو أي سبب آخر، وما يُتّبع فيما خصّ النصاب يُمكن اتّباعه فيما يخصّ احتساب الخمس فيبقى على 26 نائباً.

وإذ نشرت “المفكرة” أسماء 28 نائباً موقعاً على الطلب مع الإشارة إلى وجود توقيعين لم نستطِع تحديد اسمي صاحبهما، أعلن 6 نوّاب (سليم سعادة ونقولا نحّاس وسامي فتفت وديما جمالي وعدنان طرابلسي وألبير منصور) سحب تواقيعهم، ممّا خفّض عدد الموقّعين إلى 24 أي ما دون الخُمس المطلوب، ويتيح إمكانية اعتبارها بحكم الساقطة.

في مواجهة ذلك، أدلى نائب رئيس المجلس إيلي الفرزلي أنّ أيّ انسحاب من اللائحة لا يعتدّ به طالما لم يسجّل رسمياً لدى مجلس النوّاب. ولم يتسنّ لنا التأكّد من تسجيل الانسحابات سوى انسحاب ألبير منصور.

كما تسرّبت معلومات عن احتمال إضافة تواقيع أخرى على الطلب ما يُبقي موضوع تأمين الـ26 توقيعاً موضع شك.

الخطوة الثانية: إبلاغ الطلب

فور ورود طلب الاتّهام، يبلّغ رئيس المجلس النيابي نسخة عنه إلى جميع النوّاب إضافةً إلى الأشخاص المطلوب اتهامهم، ويمهلهم عشرة أيام للإجابة عليه خطياً ولتكليف محام أو أكثر بالدفاع عنهم.

وعليه، لا تسري هذه المهلة إلّا من تاريخ إبلاغ الطلب إلى جميع النوّاب والأشخاص المطلوب اتهامهم. وبالتالي، لا يعتدّ بالتواقيع الجديدة (في حال وجودها) في حال لم يتمّ إبلاغ الطلب ممهوراً بهذه التواقيع.

الخطوة الثالثة: البتّ بطلب الاتهام

بعد ذلك، تُدعى الهيئة العامّة للمجلس النيابيّ إلى جلسة خاصّة تنعقد بعد عشرة أيام من تبليغ الأشخاص المطلوب اتهامهم. ولا يكون بالمقابل رئيس مجلس النواب ملزماً بأي مهلة للدعوة إلى جلسة لهذه الغاية، وإن تعيّن عليه احترام انقضاء مهلة الأيام العشرة المذكورة. وبعد أن يستمع إلى مرافعة الادّعاء الممثّل بأحد موقّعي طلب الاتّهام إضافة إلى مرافعة الدفاع (الوزراء الخمسة)، يقرّر المجلس النيابي بالأكثرية المطلقة من أعضائه:

  • إمّا إحالته فوراً إلى لجنة نيابية خاصّة تسمّى “لجنة التحقيق”، وهي لجنة مؤلّفة من رئيس وعضويْن أصيليْن، وثلاثة نوّاب احتياطيين، ينتخبهم المجلس النيابي في الجلسة نفسها إذا ما تمّ التصويت لمصلحة الطلب المذكور أعلاه، على أن يُنتخب هؤلاء بالاقتراع السرّي وبالغالبية المطلقة.
  • أو ردّ الطلب.

وقد حصلت سابقة وحيدة في هذا الخصوص دفعت المجلس النيابي إلى البتّ بطلبَي اتّهام في العام 2003، الأوّل بحق الوزير السابق فؤاد السنيورة والثانية بحق الوزير السابق شاهي برصوميان. وفي حين رفض النوّاب التصويت على طلب اتّهام السنيورة ممّا أدى إلى ردّه، وافقت غالبية 70 نائباً على طلب اتّهام برصوميان. وعليه، عيّن هؤلاء أعضاء لجنة التحقيق التي أنيطت رئاستها بالنائب إيلي الفرزلي وعضويّة النائبين ياسين جابر ومحمد الصفدي. ويسجّل أنّ تلك الجلسة كانت سرّية بحيث أخرج منها جميع الحاضرين من غير النوّاب بمن فيهم أمين عام المجلس النيابي عدنان ضاهر، رغم أنّ قانون المجلس الأعلى نصّ صراحة على السرّية فقط بالنسبة إلى الاقتراع على أعضاء لجنة التحقيق.

ومن المحتمل أن يثار جدل هنا أيضاً حول كيفية احتساب الغالبية المطلوبة في ظلّ انخفاض عدد النواب الفعليين من 128 إلى 117. إنّ المبدأ المتبّع هو احتسابها على أساس العدد القانوني للنوّاب وفق ما سبق بيانه. وبالتالي، يتوجّب أن تتأمّن أكثرية مطلقة (النصف +1) من العدد المؤلّف قانوناً لنوّاب المجلس لإحالة الملف إلى لجنة التحقيق من دون الأخذ بعين الاعتبار موضوع الاستقالات والوفيّات، أي ما لا يقلّ عن 65 نائباً. هذا مع العلم أنّه لا يحق للنوّاب موضع طلب الاتّهام أي علي حسن خليل ونهاد المشنوق وغازي زعيتر التصويت.

كما سيثار جدل حول إمكانية تصويت أعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء المنتخبين أيضاً لكونهم لا يمكنهم الاشتراك في أعمال الملاحقة والتحقيق والمحاكمة في الوقت نفسه عملاً بمبدأ الفصل بين سلطات الملاحقة والحكم. وهو ما أكّدت عليه النائبة رولا الطبش في تصريح صحافي بشأن عدم توقيعها على الطلب. وعليه، ليس لا يمكن لجورج عقيص، سمير الجسر، علي عمّار، أغوب بقردونيان، فيصل الصايغ، جورج عطا الله، علي درويش، رولا الطبش، سليم عون، وعلي عسيران التصويت لكونهم من بين الأعضاء الأصيلين والاحتياطيين للمجلس الأعلى. يذكر رغم ذلك أنّ علي عسيران وقّع طلب الاتهام في مخالفة صريحة لمبدأ عدم إمكانية الاشتراك في أعمال الملاحقة والمحاكمة سوياً.

وعليه، يفترض أنّ مجموع النوّاب الذين يمكنهم التصويت هو 102 نوّاب. وهذا ما يجعل توفّر غالبية الـ 65 شبه مستحيل في حال تمسّك النوّاب الرافضين للإحالة إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الوزراء والقادرين على التصويت (الذين يتجاوز عددهم 47 نائباً) بمواقفهم.

الخطوة الرابعة: التحقيق البرلماني

إذا افترضنا أنّ الأكثرية تأمّنت وتمّ إنشاء “لجنة التحقيق” وفق ما بيّناه أعلاه، تكون اجتماعات هذه اللجنة سريّة، وتكون مهمّتها هي التحرّي فيما إذا كانت الأفعال المنسوبة إلى الأشخاص المطلوب اتهامهم ثابتة بما يكفي على أن تتمتّع بالسلطات نفسها لهيئات التحقيق القضائية كالتّوقيف وإصدار الاستنابات القضائية وغيرها، وعلى ألّا تقبل قرارات هذه اللجنة أي طريق من طرق المراجعة. ويجدر الذكر أنّه ليس لهذه اللجنة أي مهلة لإتمام أعمالها.

أمّا إذا ظهر للجنة التحقيق هذه أنّ هناك أشخاص آخرين يُشتبه بتورّطهم، لا يكون لها التحقيق معهم بل عليها إحالتهم إلى القضاء المختص. وبالتالي، ليس من صلاحية هذه اللجنة التحقيق مع غير الرؤساء والوزراء، ما يعني أنّ التحقيق والمحاكمة مع كل المتورّطين من غير هذه الفئة سيبقى في عهدة المجلس العدلي ومحققه. أمّا إذا أظهر التحقيق تدخّل أو اشتراك رؤساء ووزراء جدد، فعلى اللجنة أن تقترح على مجلس النواب، توسيع التحقيق ليشمل هؤلاء الأشخاص بالطريقة نفسها لطلب الاتهام المذكورة أعلاه.

فور اختتام التحقيق، تجتمع لجنة التحقيق في جلسة سرّية، فتتذاكر وتضع تقريرها في القضية الذي يقدّر من خلاله ما إذا كانت الأفعال ثابتة الثبوت الكافي وتعطيها الوصف القانوني المناسب.

الخطوة الخامسة: الاتّهام المستحيل

تحيل لجنة التحقيق تقريرها فوراً إلى المجلس النيابي الذي يلتئم في جلسة خاصّة بدعوة من رئيسه في مهلة لا تتعدّى عشرة أيام من تاريخ إيداع لجنة التحقيق تقريرها، يستمع فيها إلى التقرير وإلى مرافعتي الادّعاء والدفاع. أمّا إذا لم يُدعَ المجلس النيابي ضمن المهلة المحدّدة أعلاه، يلتئم حكماً في اليوم الحادي عشر، وفي جميع الحالات يستمرّ المجلس في جلساته حتى إصدار قراره في الموضوع.

يتمّ التصويت في هذه الجلسة بالاقتراع السرّي على الاتّهام بغالبية ثلثي مجموع أعضاء المجلس (86 نائباً)، ولا يُحال الرئيس أو الوزير إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء إلّا بموجب القرار الاتهامي هذا بعد تأمين غالبية الثلثين، وهي غالبية يستحيل توفّرها في ظلّ المواقف المعلنة للنوّاب التي لا تؤمّن حتى الأكثرية كما أشرنا أعلاه.

وقد سجّل المجلس في هذا الخصوص سابقة واحدة، بحيث انعقد بتاريخ 18 تموز 2005 وناقش تقرير لجنة التحقيق (برئاسة الفرزلي وعضوية الصفدي وجابر) الصادر في 7 أيار 2005 وانتهى إلى القول إنّ الأفعال المنسوبة إلى برصوميان “غير ثابتة الثبوت الكافي، ولا مبرّر قانونياً لاتهامه أو ملاحقته”. في الحصيلة، قرّر البرلمان إغلاق الملف ومنع محاكمة برصوميان، باقتراع 56 نائباً ضدّ اتهامه، في مقابل 10 أصوات اتّهمته، و27 ورقة بيضاء وملغاة. وقد حصل الاقتراع بصورة سرّية وفق القانون.

خلاصة:

 

  • إنّ طلب الاتّهام يعدّ بحكم الساقط في حال إثبات انسحاب 6 نوّاب منها ممّا يخفّض عددهم إلى 24 أي ما دون الخمس. وفي حال إضافة تواقيع أخرى، فإنّه يقتضي إعادة إبلاغ العريضة لجميع النواب والمشتبه بهم مع التواقيع الجديدة قبل 10 أيام من دعوة الهيئة العامّة للمجلس النيابي للنظر في الطلب،

  • إنّ الحصول على موافقة الغالبية المطلقة للنوّاب (65) على طلب الاتّهام لإنشاء لجنة التحقيق يبدو مستبعداً في حال تمسّك النوّاب الرافضين له بمواقفهم المعلنة،

  • إنّ عدم الحصول على هذه الغالبية يعني وقف المناورة المتمثلة به بما يسهّل على القاضي بيطار الاستمرار في عمله من دون خطر التشويش من المجلس النيابي.

  • في حال الحصول على هذه الغالبية بفعل تحوّلات مواقف النواب، فإنّه ليس أمام لجنة التحقيق مهلة لإنهاء عملها وقد تستخدم للتشويش على التحقيق القضائي وكحجّة لامتناع المجلس عن رفع الحصانات عن النوّاب المشتبه بهم بحجّة أنّهم وزراء سابقون،

  • مهما كانت نتيجة التحقيق، ثمة استحالة في توفير أكثرية ثلثي النوّاب لاتهام المشتبه بهم وإحالتهم أمام المجلس الأعلى. وهذا ما يؤكّد أنّ الخيار هو ليس بين المحاكمة أمام المجلس العدلي أو المجلس الأعلى، بل أنّ الخيار بكل وضوح هو بين المحاكمة واللامحاكمة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مجزرة المرفأ ، قضاء ، البرلمان ، سلطات إدارية ، أحزاب سياسية ، قرارات قضائية ، تشريعات وقوانين ، استقلال القضاء ، لبنان ، دستور وانتخابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني