7 مخالفات للهيئة النيابية المشتركة ضدّ ضحايا المجزرة وذويهم

،
2021-07-16    |   

7 مخالفات للهيئة النيابية المشتركة ضدّ ضحايا المجزرة وذويهم

في مطلع هذا الأسبوع، أبلغ المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار مكتب مجلس النواب رفضه تزويدها بأيّ مستندات إضافية تتعلق بالنواب نهاد المشنوق، غازي زعيتر وعلي حسن خليل، لرفع الحصانة عنهم. وكانت الهيئة المشتركة في مجلس النواب (المكوّنة من مكتبِه ولجنة الإدارة والعدل) اعتبرتْ بتاريخ 9/7/2021 الطّلب المُوجَّه منه غير مستوفٍ للشروط القانونية. وقد برّرت ذلك بأن المادة 91 من النظام الداخلي لمجلس النواب[1] توجب على القاضي تزويدها ب “جميع الأوراق والمستندات التي من شأنها إثبات الشبهات المتعلّقة بكل منهم (من النواب المشتبه بهم) للتأكّد من حيثيات الملاحقة”. وعليه، يأتي هذا الرفض متوافقا مع ما كانت “المفكرة القانونية” قد أكدت عليه لجهة أن طلب الهيئة المشتركة يتعارض مع سرية التحقيق، فضلا عن أنه يتعارض مع مضمون المادة 91 التي توجب على القاضي تزويد المجلس بخلاصة عن الأدلة فقط بدون مزيد من المعلومات.

يعرض هذا المقال المخالفات القانونية التي ارتكبتْها الهيئة المُشتركة في هذا الصدد، والتي يُستشفّ منها مسعى لافتعال إشكالات قانونية وهمية للتسويف والمماطلة وصولا إلى ترسيخ منظومة الإفلات من العقاب.

تشويه المادة 91 بغية ردّ الكرة إلى القاضي

بالعودة إلى المادة 91 من النظام الداخلي لمجلس النواب، نلحظ أنها فرضت على القاضي أن يضمن طلبه برفع الحصانة عن النائب “خلاصة عن الأدلة” التي تبرر ملاحقته. ومن البيّن عند النظر في الطلبات الصادرة عن القاضي البيطار برفع الحصانة عن النواب الثلاثة أنه التزم بهذه المادة، حيث ذكر بوضوح المراسلات الخطّية التي تلقّاها هؤلاء لإعلامهم بوجود مادة النترات موضحا الجرائم التي يشتبه بهم ارتكابها.

وبدل أن تعمد الهيئة المشتركة إلى التعامل مع الطلب بجدية وفق مُندرجات النظام الداخلي للمجلس، فإنّها اعتبرتً أنه لا يتوافق مع المادة 91 من النظام الداخلي للمجلس النيابي مطالبةً القاضي بيطار بإبراز “جميع المستندات والأوراق التي من شأنِها إثبات الشّبهات المتعلّقة بكلّ متّهم” كما سبق بيانه. وهي بذلك أعادتْ الكرة إليه من دون أن تتكبّد عناء النّظر في طلبه. وما كان أمكن الهيئة أن تفعل ذلك من دون تشويه المادة المذكورة من خلال إضافة عبارة إلى “خلاصة الأدلة” قوامها “جميع الأوراق والمستندات”.

تشويه المادة 92 بغية تعليق مهلة ملزمة

المخالفة الثانية التي ارتكبتْها الهيئة المشتركة تمثّلت في تأخير سريان المهلة التي يتعيّن على الهيئة أن تُقدّم خلالها تقريرها بشأن طلب رفع الحصانة إلى الهيئة العامة لمجلس النواب. ففي حين نصّت المادة (92) من النظام الداخلي لمجلس النواب[2] أن على الهيئة المشتركة تقديم تقريرها خلال مهلة أسبوعين، صرّح نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي بعد تلاوة محضر الهيئة أن “مهلة الخمسة عشر يوما تبدأ من لحظة توفّر كامل الملف”. وبموجَب هذا التصريح، تكون الهيئة المُشتركة قد حرّرت نفسها من المهلة المنصوص عليها في النظام الداخلي بعدما ادّعت زورا، ليس فقط أن الطلب الذي استلمتْه ليس وافيا، بل أيضا أن المهلة لا تسري إلا بعد استلام طلب تراه وافيا وفق معاييرها. ويعكس موقف الهيئة هذا تشويها للمادة 92 التي ألزمتْها بإصدار تقريرها “خلال أسبوعين” بغضّ النّظر عن رأِيها في اكتمال الطّلب من عدمه، وهو تشويه يأتي ليكمل ما كانت بدأته بتشويه المادة 91. وبنتيجة هذه المخالفة، انتهتْ الهيئة ليس فقط إلى عرقلة مسار القضية القضائية بل أيضا إلى الحؤول دون تمكين الهيئة العامّة للمجلس النيابي من ممارسة مسؤوليتها في التصويت على طلب رفع الحصانة، على مرأى من الرأي العام برمته.

خرق سرية التحقيق

مخالفة ثالثة ارتكبتها الهيئة من خلال المطالبة بكامل “الأوراق والمستندات” وهي تتمثل في خرق سرية التحقيق المنصوص عليه في قانون أصول المحاكمات الجزائية (المادة 53).

انتهاك مبدأ الفصل بين السلطات

بعد تلاوة محضر الهيئة المشتركة، لم يجدْ الفرزلي حرجا في التأكيد بأن الهيئة تعتزم درس الملف بحذافيره بعد تسليمها الأوراق والمستندات، وصولا إلى الحقيقة. وبذلك، بدا الفرزلي وكأنه يعلن عزم الهيئة للتغول على صلاحية المحقق العدلي من خلال الغوص في الملف بحذافيره على نحو يشكل انتهاكا صريحا لمبدأ الفصل بين السلطات المكرس في الفقرة ه من مقدمة الدستور أيضا لاستقلالية القضاء المكرّسة في المادة 20 منه.

انتهاك المادة 40 من الدستور

إن توسُّع الهيئة المشتركة في تحديد صلاحياتها بما يتصل بدرس طلبات الحصانات، لا يخلّ فقط بالنظام الداخلي للمجلس كما سبق بيانه، ولكن أيضا بالمادة 40 من الدستور[3]. فهذه المادة توجب استئذان المجلس لملاحقة أي من النواب فقط أثناء دورة انعقاده، معتبرة تاليا أنّ الحصانة التي تكرسها مرتبطة ارتباطا وثيقًا بانعقاد المجلس وتاليا بتحصين العمل البرلماني للنواب خلاله حيال أي تعسّف يهدف إلى عرقلته أو تعطيله. وعليه، فإن إصرار الهيئة على التدقيق في حذافير الملف بغياب أي معلومات عن استهداف لأي من الأدوار النيابية للنواب الثلاثة يشكل تحويرا سافرا للغاية من هذه المادة وحدود الحصانة المكرسة فيها.

نقض للسّوابق البرلمانية

من المخالفات التي ارتكبتها الهيئة المشتركة أيضا هي مخالفة السوابق البرلمانية وبخاصة عند النظر في طلبيْ رفع الحصانة النيابية المقدّميْن بعد الطائف. الأول في 1994 واتّصل بالنائب السابق يحيى شمص، والثاني في 1999 واتّصل بالنائب الراحل حبيب حكيم. ويتأتّى من هذه السوابق اتجاه واضح للنواب في تحديد صلاحيتهم بالتثبت من غياب التعسف بحق النائب لمنعه من ممارسة دوره النيابي من دون التغوّل في تفاصيل الأدلة ضدّه.

وهذا ما نستشفّه بشكل خاص من مداخلة رئيس مجلس النواب نفسه نبيه بري في 1994 والتي جاء فيها حرفيًا: المجلس النيابي، وفقا للمادة 106 (التي أصبحت 98 لاحقًا) التي أثارها بحقّ، دولة الرئيس كرامي ونبه لها، لا تنظر إذا كان هذا الأمر أنت مذنب فيه أم لا، مدان أو غير مدان. هذا أمر بينك وبين القضاء، وبينك وبين الله تعالى، والله تعالى يمثل كلمة القضاء في هذا الأمر. المجلس النيابي يرى إذا كانت الملاحقة المقدمة للمجلس النيابي تهدف الى منع النائب من أداء واجبه كنائب، أو منعه من لعب دوره كنائب، أو منعه من الكلام أو المعارضة أو الموالاة. المجلس النيابي ينظر إلى جدية الأمر من هذه الزاوية فقط. هذا الأمر لا يبرئك منه سوى القضاء لأنه هو الذي يقول أن الزميل يحيى شمص هو نظيف كالثلج أو أنه لا سمح الله مدان كأي مجرم آخر. لقد حلفتني، وأنا أقول لك بكل صراحة وكل وضوح إن هذا هو موقفي لا أكثر ولا أقل، وشكرا.”

وهذا أيضا ما نشتشفّه من مداخلات النواب في 1999.

من أبرزها مداخلة بطرس حرب: “المجلس النيابي ليس محكمة يدرس قضية حبيب حكيم والمجلس النيابي إن رفع الحصانة لا يدين حبيب حكيم، وإن رفض رفع الحصانة لا يبرئ حبيب حكيم. إن دور المجلس النيابي لا يمكن أن يتوغل في الملف لمعرفة ما ارتكب حبيب حكيم أو ما ارتكب غيره. نحن في المجلس النيابي لا يجوز بنظري أن نقف من هذا الملف موقف المتفرج او المتهرب. (…) أنا أدعو المجلس النيابي إلى رفع الحصانة عن حبيب حكيم، وأن نضع ثقتنا في قضاء طالما نادينا ونطالب وننادي بأن يكون صاحب الكلمة الفصل في الحفاظ على كرامته”.

ومنها أيضا مداخلة نجاح واكيم: “أما رفع الحصانة فيجب التأكيد أنها ليست إدانة، وليس من حق مجلس النواب أن يدين، كما أنه ليس من حق مجلس النواب أن يبرىء، بما أن هناك طلبا جديا بموضوع جزائي فعلى مجلس النواب أن يسهل عمل القضاء، وأرجو أن تكون هذه الحادثة، هذه الواقعة نموذجا يحتذى في المستقبل… ملاحقة المسؤولين الذين قد يكونون أبرياء أو غير أبرياء، هي التي تعزز ثقة المواطن بالدولة، فإذا لم يرفع مجلس النواب الحصانة فقد يكون هناك التباس في ذهن الرأي العام بأن مجلس النواب يحمي مرتكبين أو يحمي متهمين”.

ومنها أيضا مداخلة زاهر الخطيب: “القانون والدستور لا يحميان النائب بل يضعان أصولا لملاحقته، يعني نحن لا نستطيع حتى الآن، لا نستطيع مطلقا أن نحول دون إمكانية ملاحقة نائب إذا ارتكب جرما جزائيا.. ليس على المجلس أن يبحث إذا كانت التهم الموجهة الى النائب هي صحيحة أم لا، ليس لنا الحق بأن ندخل باستنسابيّة الوقائع، لأن هذا من اختصاص القضاء، بل ينحصر البحث فيما إذا كان طلب رفع الحصانة مقدما بدافع الانتقام أو لمصلحة حزب من الأحزاب لحرمانه مقعدا من مقاعده”.

ومنها أيضا مداخلة عمار الموسوي: “أمام جدية الملف المعروض من النيابة العامة التمييزية بواسطة معالي وزير العدل نعتقد أن رفع الحصانة مسألة طبيعية دون أن يعني مجرد رفعها إدانة للزميل حبيب حكيم هو تسهيل لعمل القضاء في قضية جزائية، وبالتالي أيضا هي تحصين لسمعة المجلس النيابي بحيث انه لا يظهر بصورة انه يحمي مرتكبين، بل هو حاضر دائما لأن يتعاون”.

ومنها أيضا مداخلة أنطوان حداد: “أولا أننا لسنا هيئة محكمة لندخل في كل هذه التفاصيل […] نحن هيئة تصويت على أمر واحد وهو رفع الحصانة، يعني أن دورنا كله هو إما أن نقف حاجزا ونترك الحصانة عائقا في سبيل تطبيق العدالة والقوانين وإما لا”. أو أيضا مداخلة جميل شماس: “إننا لسنا بهيئة قضائية بل نقول أننا سنسهل مهمة القضاء”.

تحفظ حمّال لاستيلاد حصانة جديدة

أخيرا، تعمّدت الهيئة تعريف النواب المطلوب رفع الحصانة على أنهم “وزراء سابقون” ضمن محضرها. كما تحفظت صراحة على “حقوقنا الدستورية والقانونية”. وقد بدتْ الهيئة من خلال ذلك وكأنها تعلن عن امتلاكها أرنبا آخر بإمكانها استخراجه إذا اضطرت وعند الاقتضاء في مواجهة طلبات البيطار للإمعان في عرقلة عمله. وبذلك، تكون الهيئة في صدد الحلول محلّ البيطار في تفسير المادة 70. ففي حين اعتبر البيطار أن جرائم القتل التي يحقق فيها تخرج عن أفعال الإخلال بالوظيفة الوزارية والتي تشملها هذه المادة مما يُجبز له ملاحقة الوزراء السابقين من دون استئذان أحد، لا تجد الهيئة هنا أيضا حرجا من الإيحاء بأن بإمكانها تغليب تفسيرها لهذه المادة على تفسيره لها.

خُلاصة:

بالخُلاصة، أمكن القول أنّ الهيئة المشتركة قد ارتكبتْ 7 مخالفات بهدف عرقلة التّحقيق في أخطر جريمة حصلتْ في لبنان، علما أن بعض هذه المخالفات تشكل استغلالا جرميا للسلطة بهدف تعطيل العدالة، استغلالا يؤمل هو الآخر أن يأخذ طريقه إلى المحاسبة.

 

  1. يقدم طلب الإذن بالملاحقة وزير العدل مرفقاً بمذكرة من النائب العام لدى محكمة التمييز تشتمل على نوع الجرم وزمان ومكان ارتكابه وعلى خلاصة عن الأدلة التي تستلزم اتخاذ إجراءات عاجلة.
  2. يقدم طلب رفع الحصانة إلى رئيس المجلس الذي يدعو هيئة مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل إلى جلسة مشتركة لدرس الطلب وعلى هذه الهيئة تقديم تقرير بشأنه في مهلة أقصاها أسبوعان
  3. لا يجوز أثناء دور الانعقاد اتخاذ إجراءات جزائية نحو أي عضو من أعضاء المجلس أو إلقاء القبض علیه إذا اقترف جرماً جزائیاً إلا بإذن المجلس ما خلا حالة التلبس بالجريمة (الجرم المشهود).

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، البرلمان ، أحزاب سياسية ، تشريعات وقوانين ، استقلال القضاء ، لبنان ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، مجزرة المرفأ



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني