لماذا تخفي وزارة الطاقة ملف سدّ المسيْلحة؟ أو هكذا طوّر القضاء الإداري أدواته ضمانا للحق بالمعلومة


2023-07-27    |   

لماذا تخفي وزارة الطاقة ملف سدّ المسيْلحة؟ أو هكذا طوّر القضاء الإداري أدواته ضمانا للحق بالمعلومة
من صفحة الصحافية لاريسا عون

أصدر مجلس شورى الدولة قراره بوضع غرامة إكراهية على الدولة في حال تأخّرها عن تنفيذ القرار الصادر عنه بتسليم المُستندات المتّصلة بسدّ المسيْلحة. القرار صدر بتاريخ 26/7/2023 تحديدا عن القاضي الإداري كارل عيراني وذلك للضغط عليها لتنفيذ قرار سابق صدر عنه بتاريخ 4/4/2023 بإلزام وزارة الطاقة والمياه بتسليم كامل المستندات والمعلومات المتعلّقة بمشروع “سدّ المسيْلحة” لكلا من المحامي علي عباس والصحافي إدمون ساسين. ومن اللافت أنّ القرار بفرض الغرامة الإكراهيّة (ثلاثة ملايين ليرة لبنانية عن كل يوم تأخير) صدر للمرة الأولى بالصورة المستعجلة بهدف تسريع تنفيذ قرار صدر أيضا بهذه الصورة، كل ذلك ضمانا لحق الوصول للمعلومات.  

وقد ردّ القرار جميع الحجج التي أدلت بها الدولة اللبنانية حول غياب الموظفين وعدم توفرهم، كما ردّ طلبها بإعطاء مهلة إضافية للإدارة المختصة من أجل استكمال إعداد التقارير وتجهيز المستندات المفروض تسليمها بموجب القرار القضائي. ومن أهمّ ما أثبته مجلس شورى الدولة في سياق تعليل قراره، الأمور الآتية:

  •        أنّ القرار الصادر باسم الشعب اللبناني بوجه الإدارة العامة له قوة الإلزام وواجب التنفيذ من قبلها، وأّنّه لا يعود لها الاستنساب في تنفيذه من عدمه كونه ليس مراسلة إداريةً أو رأيًا قانونيًا.
  • أن العبرة في قضايا العجلة هي ضرورة الإسراع في التنفيذ نظرًا لطابع العجلة الذي يكون المرتكز الأساسي في مراجعة القضاء الإداري.
  • أنّه لا يجوز للإدارة التذرّع بحاجتها لمهلة إضافية لتنفيذ القرار بعد مرور أكثر من سنة على تقديم طلب الحصول على المعلومات وما يقارب الأربعة أشهر على صدور قرار قاضي العجلة بإلزامها بتسليم المستندات.
  • أنه يقتضي التمييز بين الغرامة الإكراهية المنصوص عليها في المادة 93 من نظام مجلس شورى الدولة والتي تضمّنت إعطاء الإدارة مهلة معقولة لتنفيذ الأحكام المبرمة، والغرامة الإكراهية التي نصت عليها المادة 66 فقرة 2 والتي لم تنص على أيّة مهلة معقولة لتنفيذ قرارات قضاء العجلة، بل اشترطت امتناع الإدارة عن التنفيذ لفرض الغرامة الإكراهية. ويجد هذا التمييز ما يبرره في طابع العجلة لهذه القرارات الأخيرة.

هكذا كان السدّ سابقاً قبل انخفاض منسوب مياهه

 انطلاقا مما تقدم، يستدعي القرار الصادر عن القاضي عيراني في هذه القضية الملاحظات الآتية:

1- إعادة الاعتبار للقوة التنفيذية للقرارات الإدارية:

 لطالما تعاملت الدولة وإداراتها باستخفاف واستنسابيّة مع القرارات الصادرة عن مجلس شورى الدولة، ولم تجد نفسها معنية بتنفيذها، بحجة ذرائع عديدة منها تفسير وفهم مشوّهين لمبدأ فصل السلطات وتهميش لصلاحيات وأدوار السلطة القضائية. بالإضافة إلى التذرّع بعدم وضع القانون مهلة زمنية واضحة لتنفيذ القرار الإداري والتفسير غير السليم لعبارة المهلة “المعقولة” الواردة في القانون بجعلها مطاطة إلى ما لا نهاية. وقد أعاد تاليا القرار بحيثياته الجازمة الاعتبار للأحكام الإدارية الصادرة باسم الشعب اللبناني، من خلال التذكير بقوتها الإلزامية تحت طائلة التغريم في موازاة تجريد الإدارة من حقّ التنصل منها بحجة عدم صوابيّتها خارج أصول الطعن المسموح بها.

وقد سبق للمفكرة القانونية أن تناولت مسألة القوة التنفيذية للأحكام الإدارية في عرضها للأسباب الموجبة لاقتراح القانون الذي أعدته وفي متن الاقتراح نفسه والذي يناقش حاليا من قبل اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة الإدارة والعدل.

2- قرار يعزز حق المواطنين في الوصول إلى المعلومات:

بموجب هذا القرار، يواصل شورى الدولة اجتهاده لضمان حق الوصول للمعلومات. إذ يسجل للمجلس أولا أنه طور اجتهادا راسخا وثابتا لتجاوز عقبة النص الذي جعل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد المرجع الصالح للنظر في صحة قرارات رفض إعطاء المعلومات فلا تنعقد صلاحية مجلس شورى الدولة إلا بعد نظرها فيها. وقد تجاوز المجلس هذه العقبة من خلال التأكيد على “حق التقاضي”، إذ لا يصحّ أن يفقد الفرد حقه بالطعن لمجرد أن الهيئة الوطنية ما تزال معطّلة وأنه لا بدّ في هذه الحالة من أن ينظر المجلس مباشرة في الطعون بانتظار تفعيل عملها. كما يسجّل للمجلس ثانيا أنّه اجتهد لتوسيع حقّ الوصول للمعلومات والتضييق من الاستثناءات، وبخاصة في قضية المطالبة بالاطلاع على نتائج التدقيق الجنائي. وقد جاء قراره الأخير ليعزز من ضمانات الحق للوصول إلى المعلومات وتفعيله، ليس فقط من خلال اعتماد أصول تقاضٍ سريعة بل أيضا من خلال اعتماد أصول سريعة لتغريم الإدارة المتأخرة في تنفيذ القرارات الصادرة بحقها في تسليم المعلومات. وبذلك، يكون المجلس في إطار إرساء مسار قانونيّ فعّال ومتكامل لتذليل العقبات القانونية وغير القانونية التي تضعها الإدارة في وجه المواطنين لحرمانهم من حقهم في الوصول إلى المعلومات. وليس أدل على ذلك من أن القرار بفرض غرامة بصورة مستعجلة إنما يشكل سابقة قضائية, يؤمل أن تفتح هذه السابقة بابا واسعا لضمان شرعية القرارات القضائية وأن تمهد لتوسيع إطار القضاء المستعجل لدى شورى الدولة والذي يبقى في حدّه الأدنى، وفق ما أشارت إليه المفكرة القانونية في أسبابها الموجبة لاقتراح إصلاحات على القضاء الإداري وفي متن الاقتراح نفسه.

3- قرار هام في توقيته

تأتي الأهميّة المضاعفة لهذا القرار، في إعطاء أدوات قضائيّة تنفيذية تعزّز الوصول للمعلومات بشأن شبهات جرائم الفساد والجرائم المالية، مما يشكل مساهمة في تعزيز المساءلة والكشف عن أسباب الانهيار الاقتصادي والمالي والمسؤولين عنه، وعمليا بصيص نور في ظل العتمة التي تجتهد السلطة السياسية الحاكمة في تعميمها وصولا إلى تعميم الإفلات من العقاب.

للاطّلاع على قرار مجلس شورى الدولة

انشر المقال



متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، قرارات قضائية ، الحق في الوصول إلى المعلومات ، لبنان ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني