لبنان يولّد الطاقة الشمسية بمبادرات سكّانه: طاقة بديلة عن دولة ضائعة


2022-11-24    |   

لبنان يولّد الطاقة الشمسية بمبادرات سكّانه: طاقة بديلة عن دولة ضائعة

في تاريخ 12 تشرين الثاني 2022، وقف وزير الطاقة اللبناني وليد فياض في مؤتمر تغيّر المناخ في شرم الشيخ، ليُعلن وصول لبنان مع نهاية العام 2022، إلى إنتاج 450 ميغاواط من الطاقة المتجددة. لكن الوزير لم يخبر المشاركين في المؤتمر كيف بلغ لبنان هذه النسبة التي قُدرت كلفتها بـ 600 مليون دولار، بحسب بيار خوري رئيس المركز اللبناني لحفظ الطاقة التابع لوزارة الطاقة. 

لم يقل فياض، وهو يفتخر بهذا التقدّم، إنّ هذه الأموال دفعها المواطنون الذين استدانوا وباع بعضهم ممتلكاته، لكي يتجنّبوا العيش في العتمة المطبقة 24/24 بعد وعود الكهرباء 24/24 التي اتّضح أنّها كانت من أساسها كاذبة والتي تجاوزت كلفة الخطط لتحقيقها 40 مليار دولار على مدى سنوات ودامت أكثر من 30 عاماً.  

عام 2009، تعهّد رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري في مؤتمر “تغيّر المناخ العالمي” الذي انعقد في كوبنهاغن بوصول لبنان في العام 2020 إلى إنتاج 12% من مجمل إنتاج لبنان للكهرباء من الطاقة البديلة، وهي نسبة تعادل حوالي 900 ميغاواط بحسب خوري. وبين عامي 2010 و2020، بلغ إنتاج الطاقة البديلة، 100 ميغاواط، وعام 2021 أنتجت 100 ميغاواط إضافية ومن المتوقع في نهاية 2022 أن تضاف 250 ميغاواط ليبلغ مجمل إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية في لبنان 450 ميغاواط. إنجاز، ولكن من حققه هم المواطنون الذين تمكّنوا مما عجزت عنه الحكومات، حيث يبلغ عدد المنازل التي ركّبت أنظمة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية حوالي 25 إلى 35 ألف منزل، بحسب خوري نفسه. وذلك ليس بتوجيهٍ أو دعمٍ من حكوماتهم، إنما خوفاً من الغرق في العتمة لانعدام ثقتهم في حكومات لم تعجز فقط عن إيجاد حلولٍ ناجعة، بل ذهبت بالبلاد إلى “جهنم” على حد قول رئيس الجمهورية المنتهية ولايته ميشال عون يوماً.  

إقبال الناس على تركيب نظام الطاقة البديلة، فتح باب النقاش حول ضرورة تنظيم هذا المجال وكيفية ضبطه للحفاظ على معايير السلامة العامة أولاً وضبط الأسعار ومعايير التركيب ومواصفات المعدّات لحماية المستهلك ثانياً كي لا يكون المواطن قد انتقل من كونه ضحية جشع أصحاب المولّدات إلى غش مركبي أنظمة الطاقة الشمسية. 

وقد سجّلت مؤخراً حوادث مأساوية سببها ألواح الطاقة، منها حادثة عكار حيث توفي شاب بـ”صعقة كهربائية” وهو يُنظف ألواح الطاقة الشمسية، وهناك حوادث اشتعال بطاريات لعدم حفظها بطريقة صحيحة. 

تراخيص بلا مناقصة

بدلاً من تلقّف الفرصة لتحسين قطاع الكهرباء في لبنان، بدأت رائحة الصفقات المشبوهة تفوح من سياسات الحكومات، فقد أعلن فياض في كلمته في شرم الشيخ عن موافقة الحكومة في تاريخ 12-5-2022 منح 11 ترخيصاً لإنتاج الكهرباء حصراً من الطاقة الشمسية بقدرة إنتاجية تصل إلى 165 ميغاواط. وهذه “صفقة” تشوبها الكثير من علامات الاستفهام، ومشكوك في قانونيتها كما رأى غسان بيضون، المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة، “أنّ استدراج العروض لم يجرِ على أساس مناقصة عمومية كما ينص القانون 462، بل أجراه وزير الطاقة الأسبق سيزار أبي خليل في مكتبه في العام 2017 “استناداً إلى “إعلان نوايا” وهو تعبير لا سند قانوني له”.

وأعلن فياض في شرم الشيخ أيضاً أن وزارة الطاقة والمياه تعمل على تشجيع هذا القطاع ودعمه من خلال  مشروعي قانون: الأول هو حفظ الطاقة“، لا يزال في اللجان المشتركة، والثاني مشروع قانون الطاقة المتجدد الموزعة والذي يتم مناقشته حالياً في اللجنة الفرعية للجنة الأشغال العامة برئاسة النائب إبراهيم منيمنة. 

ينظم المشروع الأخير السماح للمواطنين والمنشآت الصناعية والتجارية بضخ وبيع الفائض من الكهرباء المولّدة من نظام الطاقة الشمسية لديهم لصالح شبكة مصلحة كهرباء لبنان. كذلك يشرّع مشروع القانون، التبادل التجاري بين الأفراد والمنشآت الصناعية والتجارية، عبر استعمال شبكة كهرباء لبنان ضمن ما يسمى “اتفاقية الربط ورسوم عبور”.

كذلك ومن باب التشجيع، قام المركز اللبناني لحفظ الطاقة بالتعاون مع مصرف الإسكان، بإطلاق قرض الطاقة البديلة تستهدف ذوي الدخل المحدود، كما وأطلقت مؤسسة القرض الحسن أيضاً قرض الطاقة الشمسية. علماً أن المجلس النيابي دُعي مؤخراً للنظر في إلغاء اتفاقية قرض مع الوكالة الفرنسية للتنمية، متعلّقة بمساهمة الوكالة في تمويل استثمارات القطاع الخاص في مجال توفير الطاقة والطاقة المتجددة. وقد أرسلت الحكومة مشروع قانون لإلغاء الاتفاقية  بالمرسوم رقم 9333 في 27/5/2022 إلى المجلس النيابي، قبل أن تعود وتسحب المشروع خلال الجلسة التشريعية في تاريخ 26/7/2022 بعد اعتراضات النواب، وذلك لتقرير مصيره ومفاوضة الوكالة الفرنسية للتنمية مجدداً حوله. ولم يعرف حتى اليوم مآل هذه المفاوضات. 

 بين الأرقام الرسمية وأرقام الاستيراد

بحسب خوري بلغ إنتاج الكهرباء من الطاقة البديلة في العام 2010 ولغاية 2020 حوالي 100 ميغاواط طاقة. إلاّ أنه زاد في العام 2021 وحده 100 ميغاواط إضافية. أما في نهاية العام 2022 فمن المفترض الوصول إلى 250 ميغاواط، ليبلغ إجمالي الإنتاج التراكمي حوالي 450 ميغاواط بقيمة 600 مليون دولار. ويضيف خوري لـ “المفكرة” أنّ أنظمة الطاقة خفّضت الفاتورة النفطية بقيمة 300 مليون دولار سنوياً تقريباً، وأن هناك حوالي 200 شركة كبيرة متخصّصة بتركيب ألواح الطاقة  الشمسية في لبنان حالياً، وحوالي 500 شركة طارئة. 

ولم تتمكن “المفكرة” من معرفة كيفية احتساب قوة إنتاج الطاقة البديلة في السوق اللبناني، ولا أساس الأرقام والإحصاءات التي يتداولها كل من الوزير وخوري. هل يستندون إلى كمية الاستيراد أو إلى معطيات من شركات التركيب الخاصة بالطاقة المتجددة، حيث لم يجب خوري على كيفية وصول المركز ومن ورائه وزارة الطاقة إلى هذه الأرقام، فيما اعتبر غسان بيضون، المدير العام السابق في وزارة الطاقة والمياه أن الأرقام المتداولة هي مجرد “تخمينات” عشوائية. 

في المقابل أكد مصدر في الجمارك اللبنانية لـ “المفكرة” أنّ الحجم المالي لاستيراد الألواح الخاصة بالطاقة الشمسية بلغ في العام 2021 حوالي 56 مليون دولار بوزن 13.720 ألف طن، وقفز في العام 2022 (لغاية أوائل تشرين الثاني) إلى نحو 385 مليون دولار بوزن 80 ألف طن. نحن نتحدث هنا عن ألواح الطاقة الشمسية فقط ولم نتطرّق إلى كامل أدوات نظام توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية من البطاريات إلى محوّل الطاقة الشمسية إلى كهرباء Inverter، إلى كابلات الكهرباء والفلاتر وغيرها من الأدوات. 

وأفاد أحد مهندسي الكهرباء الذي يعمل في مجال تركيب الطاقة الشمسية، أنّ وزن اللوح الواحد يوازي حوالي 30 كيلوغرام (هناك ألواح لا يتجاوز وزنها 19 كيلوغراماً) وأن معدل استطاعته الإنتاجية هو 500 واط، من هنا وللحصول على عدد الألواح المستوردة للعام 2022 لا بد من قسمة 80000 على 30 لتكون النتيجة 2.664.411 لوح، وللحصول على استطاعة الإنتاج المفترضة يمكن ضرب 500 بعدد الألواح 2.664.411 والنتيجة 1300 ميغاواط بيك وفق بيانات استيراد العام 2022 وحده. 

ويعتبر المهندس نفسه أنّ أي تباين بين أرقام وزارة الطاقة وحجم الاستيراد يمكن تفسيره عبر ثلاثة احتمالات: الأول أن تقدير الإنتاج الكهربائي عبر الطاقة الشمسية لحساب الداخل اللبناني غير دقيق، والثاني يتعلق بتهريب تجهيزات الطاقة الشمسية إلى سوريا، والذي رصدته “المفكرة” بالعين المجردة على الحدود اللبنانية السورية، مدعّماً بشهادات مهربين وسكان المناطق الحدودية، والثالث يرتبط بما أفاد به “المفكّرة” أحد العاملين في القطاع بأن معظم التجار اليوم يخزّنون بضائعهم بانتظار صدور قرار الدولار الجمركي، وبالتالي لزيادة أسعارها وهامش الربح. إلا أنّ هذا الأمر لم يعد قائماً طالما أن قانون الموازنة العامة لسنة 2022 أعفى التجهيزات لإنتاج الطاقة الشمسية من الرسم الجمركي. 

الآلية التنظيمية لقطاع تركيب الطاقة الشمسية الوليد

يمكن القول إنه لغاية اليوم لا آلية تنظيمية لإنتاج الكهرباء من الطاقة البديلة، إذ يحق لأي فرد أو شركة تركيب نظام توليد للطاقة، وكان وزير الطاقة والمياه وليد فياض قد أعلن في العام 2021 عن “آلية مسهلة لدعم وتطوير قطاع الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء تأخذ بعين الاعتبار الحرص الكامل على مراعاة السلامة العامة في تنفيذ المشاريع”، ذلك من خلال تسجيل طلب خطي يضبط آلية التركيب استناداً لوجود مهندسين مختصين ويراعي شروط السلامة العامة. إلاّ أنه بحسب خوري هو طلب غير ملزم. عليه، من يحدد ويراقب مدى التزامهم شروط الصحة والسلامة العامة طالما أنّ لا آلية ملزمة وواضحة للتركيب؟ مع العلم أنّ استطلاع “المفكرة” لعدد من العائلات التي اعتمدت أنظمة الطاقة الشمسية بيّن أنّ هناك من اضطروا للاستحصال على ترخيص للتركيب، وأنّ بعضهم اكتفى بنيل موافقة سكان المبنى الذي يسكنه، فيما لم يحتج أصحاب المنازل المستقلة في المناطق لأي ترخيص أو موافقة من أحد.

أما لجهة عملية ضبط استيراد المعدات فقد صدر  في تاريخ 8- 10-2020 المرسوم رقم 6997 الرامي إلى إعطاء صفة الإلزام القانوني لمواصفات قياسية وطنية تتعلق بمعدات قياس الكهرباء. توكل المادة الثانية من المرسوم لمعهد البحوث الصناعية إصدار شهادات مطابقة للمواصفات (وضعتها المؤسسة اللبنانية للمعايير والمواصفات، ليبنور) والتي على أساسها يسمح للبضائع المطابقة من الدخول إلى السوق اللبنانية، ولا يمكن إدخال البضائع المستوردة قبل حصولها على هذه الشهادة. ويؤكد أحد المهندسين العاملين في المجال أنّ لا تطبيق لأيّ من هذه المواصفات وأنّ لا رقابة لا على المقاسات ولا العوازل ولا حتى السلامة العامة، وهو “ما تسبب بهدر أموال الكثير من العائلات على بضائع غير صالحة أو تتعطل بسرعة، وكذلك يهدد السلامة العامة للمواطنين.

سكان لبنان ملوا من انتظار “كهرباء الدولة”، اكثر من 35 الف وحدة سكنية باتت تعتمد على الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء

قروض للطاقة البديلة والمنازل “نوّرت”

كل من تواصلت معهم “المفكرة” تحدثوا عن تحرّرهم من هيمنة أصحاب المولّدات. آمال، على سبيل المثال، عمدت إلى تركيب نظام الطاقة الشمسية بعدما تجاوزت فاتورة اشتراك الموّلد سعة 5 أمبير ستة ملايين ليرة، لست ساعات تشغيل. وتقول إنها وبدلاً من هدر أموالها على اشتراك لا يعود عليها بالفائدة، قامت تركيب نظام شمسي يدوم لسنوات، مقابل 24 ساعة كهرباء “كان لازم من زمان نركّب طاقة، ليش كنا مرهونين لأصحاب الموتيرات”.

بدوره أخبر أحمد عن نجاته من استغلال صاحب المولّد له عبر تركيب نظام يعمل على الطاقة الشمسية، كذلك اشترى مولّداً صغيراً يشحن عبره البطاريات ليلاً لمدة ساعة أو ساعتين “يعني بلا اشتراك موتور”. 

تعتبر حوراء التي استفادت من قرض مؤسسة القرض الحسن أنها اتخذت القرار السليم. فلمدّة خمسة أشهر عجزت فيها عن سداد فاتورة المولد، عاشت مع أطفالها “كما في العصر الحجري”. كانت العتمة تخيّم على المنزل عند المغيب فتقوم بإضاءة الشموع. فقررت استعارة مجوهرات شقيقتها ورهنها لدى القرض الحسن وركبت نظام توليد كهرباء.

وفي ظل إقبال المواطنين على أنظمة الطاقة الشمسية، أطلقت مؤسسة القرض الحسن، قرض الطاقة البديلة الذي يقوم على رهن ذهب أو عقار للحصول على القرض، وسهّلت المؤسسة من آلية الدفع عبر إطالة مدة التسديد وتخفيض الدفعات الشهرية. وقد تجاوز عدد المستفيدين من قرض المؤسسة 11500 مقترض بقيمة قروض تجاوزت 45 مليون دولار.

أما قرض الطاقة الذي أطلقه مصرف الإسكان – بالتعاون مع المركز اللبناني لحفظ الطاقة (تابع لوزارة الطاقة) فيمنح القروض بالليرة اللبنانية. إلّا أنّ أحداً لم يتمكن حتى اليوم من الاستفادة من هذا القرض الذي يستهدف ذوي الدخل المحدود والمتوسط بقيمة تتراوح بين 75 و200 مليون ليرة لبنانية بفائدة 5% لمدة 5 سنوات. وأوضح مدير بنك الإسكان، أنطوان حبيب لـ”المفكرة”، أنّ القرض موجّه لمن لا يقلّ دخلهم عن 6 ملايين ليرة ولا يزيد عن 20 مليون ليرة سنوياً. ومن الشروط الواجب توافرها: أن يكون لبنانياً منذ أكثر من 10 سنوات، وأن يكون غير محكوم بجرم شائن “لا حكم عليه”، كذلك ألّا يكون اسمه قد ورد على لائحة الشيكات المرتجعة خلال السنوات الـ 10 الماضية، وأن يكون المنزل ملكاً، وأن يحوز المتقدّم موافقة 75% من السكان للسماح له بتركيب الألواح. كذلك يُشترط أن يكون موظفاً عاملاً منذ أكثر من ثلاث سنوات. لكن على الرغم من أنه تمت الموافقة على أكثر من 120 ألف طلب، بحسب حبيب، إلّا أنّ هؤلاء لم يتمكّنوا إلى اليوم من جمع وتقديم المستندات والأوراق المطلوبة اللازمة.   

من جهة ثانية، اعتبر الباحث الاقتصادي في المعهد اللبناني لدراسة السوق، كارابيد فكراجيان أنّ القرض يستهدف الطبقة المتوسطة وليس الطبقات الفقيرة، “إذ أن هؤلاء معظمهم لا يملكون منازل خاصة ويسكنون في مناطق مكتظة لا مساحات فيها لتركيب ألواح، كما سيكبّد المؤسسة الخسائر كون القرض بالليرة اللبنانية التي تفقد من قيمتها مع مرور الوقت: يعني لو ما الناس فاقدة ثقتها بالليرة وعارفة انها مع الوقت عم تنهار ما كانوا بيقدموا عالقرض”. وأضاف أنه من الأجدى فتح باب الاستثمار في قطاع الطاقة الشمسية ليكون الإنتاج على مستوى بلديات ومحافظات تنهض بالاقتصاد اللبناني ككل: “العمل على صعيد بلديات وأقضية، من شأنه تشغيل  المدارس والمستشفيات والمعامل والمؤسسات وغيرها، بيكون أوفر وأجدى”. 

تجارب القرى مع الطاقة الشمسية حلول تتسم بالكلية 

اقتراح فكراجيان الأخير، يجد ترجمته في عدد من القرى التي عمدت إلى الاستفادة من نظام توليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية حتى قبل وجود الأزمة الأخيرة. ففي قرية رميش الجنوبية عمد أستاذ الفيزياء دوري غناطيوس،  منذ العام 2017 إلى تأسيس مشروع لتوليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية حيث قام بتركيب الألواح المعاكسة على قطعة أرض كبيرة، وكان يبيع فائض الكهرباء من الطاقة الشمسية إلى أصحاب المولدات الخاص للبلدة، بنصف تسعيرة وزارة الطاقة “يعني سعر الكيلوواط 15 ألف ليرة أنا ببيعو 7.5 آلاف ليرة”. ومع حلول الأزمة شجع غناطيوس، وفق ما أكد لـ “المفكرة”، الأهالي، الذين يريدون تركيب نظام لتوليد الطاقة الشمسية، على شراء العدادات الذكية والأنفيرتيرات القادرة على ربط الطاقة الشمسية الخاصة بالشبكة الخاصة بالمولدات وبالتالي على بيع فائض الإنتاج لأصحاب المولدات. واليوم يستفيد أكثر  من 40 % من سكان البلدة من هذه التقنية مادياً. 

أما قرية “جبوله” في قضاء بعلبك، فقد بدأت بالاستفادة من نظام توليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية منذ العام 2019. ويقول رئيس بلديتها محمد الغضبان، لـ”المفكرة” إنّ المشروع الذي أطلق بالتعاقد مع شركة خاصة كان بمثابة الحلم، وإنّ هناك حوالي 600 وحدة سكنية تستفيد من إنتاج الطاقة إضافة إلى 50 مزارعاً، كذلك يتم تشغيل المدرسة والمعامل الموجودة وبئر الماء في القرية، مشيراً إلى أنّ بدلات الاشتراك تبلغ حوالي مليون ليرة عن كل 180 kva استهلاك، وغالباً ما تحتاج المنازل الصغيرة 90  kva ، أما المنازل الكبيرة فتحتاج إلى 180. 

ويضيف أنه بحسب الجدوى الاقتصادية للمشروع كان بإمكان الشركة الممولة استرجاع أموالها خلال 8 سنوات إلاّ أنه بسبب الأزمة الاقتصادية الراهنة، فإن استرداد قيمة القرض والربح ستتأخر كونه لا يمكنهم رفع التكلفة على الأفراد.

من جهة ثانية، تقوم بلدية جبوله بإضاءة مركزي بلديّتي اللبوة وجرناية (جيرانها) إضافة إلى حي من أحياء قرية اللبوة، “نحن بوقت كل القرى معتمة ضيعتنا الوحيدة مضواية”.  

ويضيف الغضبان أنّ فائدة المشروع على أهالي القرية طاولت معظم الحاجيات، فعدا عن توفيرهم من فاتورة المحروقات مقابل الحصول على الكهرباء والإنارة، ساهم نظام الطاقة الشمسية بتشغيل مضخّات بئر الماء في القرية ما ساهم بتوفير المياه للقرية بأسرها، وتمكّن المزارعون من البقاء على زراعة أراضيهم بعدما تم تشغيل أنظمة الري والآبار الارتوازية عبر الطاقة الشمسية. كذلك تُمكّن أصحاب المصالح الفردية من إعادة فتح مصالحهم بدوامات كاملة بعدما كانوا مقيدين بدوامات الكهرباء وتشغيل المولدات. كما طال تأثير المشروع المدارس والتلامذة، حيث تم توفير الإنارة وخدمات الشبكة العنكبوتية لجميع الطلاب. 

صورة لألواح الطاقة الشمسية من مدينة خلدة

تركيب ألواح الطاقة ليس حكراً على المهندسين: أخطاء كثيرة وبعضها خطير

وفّر واقع  حاجة  الأفراد لتركيب نظام توليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية، باب رزق للعديدين الذين تركوا مهنهم الأصلية، (عناصر من الأسلاك العسكرية، فران، ناطور، دهان ..) عدا عن الحدادين وتقنيي الكهرباء (كهربجي) كونهم يشتغلون ضمن خبراتهم، للعمل في هذا المجال “المربح”. فما من مادة قانونية واحدة تمنع هؤلاء من العمل في هذا القطاع المستجد، ما فتح النقاش حول كيفية تنظيمه، لضرورات الحفاظ على معايير السلامة العامة.

ويفسّر مهندس كهربائي وصاحب إحدى الشركات المعروفة في المجال أنّ أعمال الشركة ترتكز اليوم بشكل أساسي على تصليح الأخطاء الطارئة على  أنظمة الطاقة الشمسية التي تم تركيبها مؤخراً. وهو يعتبر أنّ تدخّل غير الاختصاصيين في مجال تركيب الطاقة كبد المواطن اللبناني بالدرجة الأولى خسائر مادية بدأت ملامحه بالظهور اليوم، وبعد  مرور العام على “الفورة” التي شهدها القطاع، وذلك من خلال الأعطال المتكررة للأنظمة نتيجة الأخطاء في طرق التركيب والتشبيك.

من جهةٍ ثانية أفاد المدير الفني في معهد البحوث الصناعية عماد الحاج شحادة، في تصريح لـ”المفكرة” أنّ  المعهد يقوم  بمهام مراقبة دخول أجهزة الطاقة، والواردة معظمها من الصين والهند، وكشف مدى تطابقها مع المواصفات والمقاييس اللبنانية الصادرة عن وزارة الصناعة، وأن المعهد يقوم بالكشف فقط على الطلبات المقدّمة من الشركات، وأن مسؤولية جهاز الجمارك عدم تحرير أي بضاعة قبل  إبراز الشهادات المصادقة من قبل المعهد.

بدوره رأى نقيب المهندسين في بيروت عارف ياسين أنّ “هناك فوضى في تركيب الطاقة الشمسية، مطالباً “بوجود مهندسات ومهندسين في كل مشروع أكان صغيراً أو كبيراً وأن تحصل هذه المشاريع على موافقة نقابة المهندسين للعمل من أجل تأمين الشروط الفنية”. وأضاف أنّ النقابة تعمل بالتعاون مع التنظيم المدني لإصدار آلية تنظم العمل بهذا القطاع، مؤكداً أنّ النقابة شاركت في جلسات اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة الأشغال العامة والنقل والمكلّفة درس مشروع القانون الوارد في مرسوم رقم 9000 تاريخ 6-4-2022 الرامي إلى تنظيم القطاع.

فوضى عارمة تسيطر على قطاع الطاقة البديلة، الجميع تحولوا إلى اختصاصيين والقرارات الضابطة غير ملزمة

الأشغال تناقش مشروع القانون “كهرباء للبيع”

من جهة ثانية يأسف الخبير البيئي علي درويش  في اتصالٍ مع “المفكرة” لهدر الفائض من الطاقة المتولّدة من الطاقة الشمسية التي يتم تركيبها، واصفاً ذلك بالفرصة التاريخية الضائعة. ويوضح أنّه بدلاً من الاستفادة من فائض الإنتاج عبر بيعه لشركة الكهرباء وإعادة  توزيعه، وهي آلية تتطلب تركيب “عدادات معيّنة” لم يدرك المواطن ضرورة تركيبها بسبب غياب التوجيه، وبالتالي فإنّ الاستفادة من الطاقة التي يتمّ توليدها حالياً من أنظمة الطاقة الشمسية تقتصر على الأفراد ولم يتم مأسسة ذلك. 

إلاّ أنّ ما يتحدث عنه درويش يتم اليوم مناقشته في اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه والمكلّفة بدرس مشروع القانون الوارد من وزارة الطاقة والمياه بالمرسوم رقم 9000 تاريخ 6/4/2022 الرامي إلى تنظيم إنتاج الطاقة المتجددة الموزّعة وربطها بالشبكة العامة. ويقول النائب إبراهيم منيمنة، عضو لجنة الأشغال العامة، ورئيس اللجنة الفرعية التي تقوم بمناقشة مشروع القانون، في اتصالٍ مع “المفكرة” أن هدف مشروع القانون هو “قوننة” إنتاج الكهرباء من خارج مصلحة كهرباء لبنان، والاستفادة من الفائض إما عبر ضخّها إلى الشبكة، أو مقابل بيعها إلى مواطن آخر أو منشأة تجارية أو صناعية أخرى، باستعمال الشبكة، ومنها تستفيد مصلحة الكهرباء من رسوم العبور. وأفاد منيمنة أنّ اللجنة الفرعية انتهت اليوم من مناقشة المشروع وتم تحويله إلى لجنة الأشغال لمناقشته والبت به، وهو يواجه تحدياً وحيداً في تحديد الهيئة الناظمة والجهة المخوّلة تحديد الصلاحيات سواء كانت وزارة الطاقة أو مصلحة كهرباء لبنان.

هذا مع العلم أنّ ضرورة إنشاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء ورد بالقانون 462/2002 ولم ينفذ بعد بحجة أنه يجب تعديله، ولا تزال عالقة إلى اليوم. وأنّ أحد شروط المجتمع الدولي لمساعدة لبنان هو إنشاء الهيئة التي تنظّم قطاع الطاقة والكهرباء في لبنان.

انشر المقال

متوفر من خلال:

سياسات عامة ، تحقيقات ، سلطات إدارية ، مصارف ، منظمات دولية ، حقوق المستهلك ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني