لبنان مدان دوليا: ما يمارسه الأمن العام يسمى احتجازا تعسفيا أو بانتظار غودو


2013-01-31    |   

لبنان مدان دوليا: ما يمارسه الأمن العام يسمى احتجازا تعسفيا أو بانتظار غودو

سارة ونسا
صدر بتاريخ 17-11-2011رأي عن الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي التابع للامم المتحدة، حول حالة احتجاز لاجئ من قبل الدولة اللبنانية لمدة تقارب الأربع سنوات بشكل تعسفي.[1]وقد إعتبر الفريق في رأيه ان احتجاز اللاجئ لم يرتكز على أي سند قانوني وأعرب عن “قلقه إزاء ممارسة تثير الاضطراب في لبنان، تتمثل باحتجاز اللاجئين”، حيث صدر عن فريق العمل بين عامي 2009 و2011 عدد من الآراء المتعلقة بحالات احتجاز في لبنان اعتبر فيها الاحتجاز تعسفيا.[2]
لا نطرح موضوع رأي الفريق وهذه الحالة بشكل خاص لمخاطبة دولة لا تسمع او إيمانا منا انها سوف تنفذ ما هو وارد في رأي صادر عن فريق عمل تابع للامم المتحدة، حيث لم يسبق ان فعلت ذلك يوما، إنما لأنه يمكن ان يستخدم كأداة قانونية ومناصرة  في حالات مماثلة ولأنه آخر رأي صادر عن الفريق حول لبنان، ولأنه يلخص ويدين اهم الاشكاليات المرتبطة بالاحتجاز التعسفي، منها على وجه الخصوص اعتكاف الدولة عن تنفيذ أحكام صادرة عن القضاء اللبناني، وأيضا لما يحمل جواب الدولة اللبنانية من دلالة على سياسة “عدم الاكتراث” عندما تكون هي المعتدي على الحرية الشخصية وتصبح سجّانا ممثلا بجهاز أمني لا يعير أي أهمية لاحتجاز لاجئ دون سند قانوني لمدة تقارب الاربعة أعوام.
خلفية الحالة
إن الحالة موضوع الرأي الصادر عن الفريق العامل هي حالة لاجئ عراقي، تم توقيفه بسبب دخوله الاراضي اللبنانية خلسة وصدر بحقه حكم بتاريخ 15-11-2007 قضى بحبسه ثلاثة اشهر، تغريمه مبلغ قدره 300,000 ليرة لبنانية وترحيله من البلاد بعد تنفيذ العقوبة. إلا أن جهاز الامن العام أبقى اللاجئ قيد الاحتجاز بعد تنفيذه عقوبته دون أي مبرر قانوني لمدة تناهز السنتين.[3]
خلال هذه الفترة، كان قد بدأ حراك حقوقي متعدد الأوجه أمام القضاء، كما لدى الرأي العام المحلي (الصحافة) والمجتمع الدولي لوضع حد لممارسة الاحتجاز التعسفي من قبل الأمن العام. فبتاريخ 5-3-2010، تقدم محاميه بدعوى ضد الدولة أمام قاضي الامور المستعجلة طالبا رفع التعدي عن حريته الشخصية واخلاء سبيله فورا. وردا على هذه الدعوى، لجأ الامن العام بتاريخ 27-3-2010 الى النيابة العامة في محاولة لاستصدار حكم قضائي يعطي سندا قانونيا للاحتجاز، متذرعا برفض اللاجئ الجبوري تنفيذ “قرار” الابعاد.[4]غير أن القضاء أصدر قرارا بوقف التعقبات بحقه لعدم توافر عناصر الجرم، وأمر بإخلاء سبيله الفوري ما لم يكن موقوفا بجرم آخر[5]، إلا أن الأمن العام أصر، بتغطية من وزارة الداخلية، وبتخط واضح للقانون والقضاء، على ابقاء اللاجئ محتجزا من دون أي سند قانوني الى أن سطر القضاء اللبناني قرارا آخر بتاريخ 8-6-2010 (في دعوى الجبوري ضد الدولة) أدان انتهاك الدولة للحرية الشخصية وأمر بإخلاء سبيل اللاجئ فورا، كما حكم على الدولة بالتعويض عن العطل والضرر المرتكب وتغريمها 250.000 ليرة لبنانية عن كل يوم تأخير بالتنفيذ. ومرة أخرى، رد الأمن العام بالادعاء أمام النيابة العامة على اللاجئ بتاريخ 20-9-2010 بجرم مخالفة قرار إبعاد وقرر القضاء أيضا وأيضا بتاريخ 5-10-2010 اسقاط الدعوى لسبق الادعاء وأمر باخلاء سبيل اللاجئ الفوري. ومرة اخرى، ضرب جهاز الامن العام هذه الاحكام القضائية الصريحة والواضحة بعرض الحائط ولم ينفذها لأن “سلطتهم هي يلي بدها تمشي”[6]غير مكترث بالقضاء أو مكانته وأبقى اللاجئ قيد الاحتجاز التعسفي لحين ترحيله بشكل قسري الى العراق بتاريخ 4-10-2011.
جواب الدولة اللبنانية على إحالة الفريق العامل
خلال هذا المخاض الأمني – القضائي، تم تقديم بلاغ الى الفريق العامل الأممي المعني بالاحتجاز التعسفي. واذ خاطب هذا الفريق الدولة اللبنانية بهذا الشأن، جاء جوابها فارغا من أية معطيات مفيدة وذات صلة أو أي أساس قانوني مثبتا سياسة عدم الاكتراث بالدستور والقانون والقضاء أو بأية مساءلة ومحاسبة. فقد اكتفت الدولة برد جهاز الأمن العام على الاحالة الموجهة اليه من وزارة الداخلية. فوفق الدولة، “ان اللاجئ العراقي تم تحويله بتاريخ 2-11-2010 الى المديرية العامة للأمن العام بناء على حكم قضائي بجرم مخالفة قرار إبعاد وأنه موضوع منع دخول بسبب التزوير واستعمال مزور. كما أفادت المديرية العامة للأمن العام انه تمت مرافقة اللاجئ الى مبنى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بتاريخ 12-5-2011 لتقديم طلب لجوء تم رفضه وقام هو باستئنافه وانه يرفض رفضا قطعيا العودة الطوعية”.[7]
أول ما يلفت النظر، نظرا لخطورة الاتهام والحالة، هو مدى اقتضاب جواب الدولة الذي ان دل على شيء فعلى عدم اكتراثها وعدم جديتها في التعاطي مع كثير من المسائل كسلطة القانون وحماية حقوق الانسان! خاصة أن المادة 368 من قانون العقوبات اللبناني تعاقب بالحبس من سنة الى ثلاث سنوات “من قبلوا شخصا دون مذكرة قضائية أو قرار قضائي او استبقوه الى أبعد من الأجل المحدد”. الجواب لم يتطرق الى مسألة الاحتجاز التعسفي واكتفى بإعطاء تاريخ تحويل المحتجز الى نظارة الأمن العام. وأكثر من ذلك، أعطى الأمن العام – اما عن جهل أو عن قصد –  معلومات خاطئة، حيث لفتت المديرية العامة للأمن العام / الدولة اللبنانية في جوابها، الى أنه تم تحويل الجبوري بتاريخ 2-11-2010 الى نظارة الأمن العام بناء على حكم قضائي بجرم مخالفة قرار إبعاد. والواقع أن الجبوري كان حصل سابقا وخلال مدة قصيرة على حكمين اثنين بإبطال التعقبات ضده بهذا الجرم، وأمرا بإخلاء سبيله فورا. غير أن العادة درجت، من خارج القانون، على تحويل الأجانب الى الأمن العام وان صدر بحقهم حكم براءة او وقف تعقبات! فما هو السند القانوني الذي استند عليه جهاز الامن العام لإبقاء اللاجئ قيد الاحتجاز؟ وأكثر من ذلك، كيف يفسر الأمن العام احتجاز اللاجئ في نظارته (اقله خلال الفترة من 2-11-2010 الى 12-5-2011 كما يزعم في جوابه)[8]وهي نظارة توقيف مؤقت وليست سجنا، باعتراف الامن العام[9]، مع ما يستتبع ذلك لجهة عدم إمكانية توقيف أي شخص فيها لأكثر من 48 ساعة مجددة مرة بقرار من النائب العام. والخطأ الثاني في جواب الدولة يتصل برفض طلب اللجوء من قبل المفوضية كون الجبوري كان يحمل صفة لاجئ والمقابلة المشار اليها هي مجرد جزء من اجراءات اعادة التوطين! وأخيرا الامر المضحك المبكي – هو ادعاء الامن العام أن اللاجئ يرفض العودة الطوعية رفضا قاطعا، حيث أن العودة الطوعية، كونها “طوعية”، تطلب ولا ترفض رفضا قاطعا!
رأي الفريق العامل
بناء على جواب الدولة، أصدر الفريق العامل الأممي رأيا اعتبر فيه أن حجز حرية اللاجئ العراقي من قبل السلطات اللبنانية كان تعسفيا ويشكل انتهاكا للمواد 9 و10 و11 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان، والمادتين 9 و14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، معتبرا أن حجز الحرية هذا يقع في الفئتين IوIVمن الفئات القابلة للتطبيق في درس الحالات المحالة أمام الفريق.[10]إن المواد المشار اليها في رأي الفريق تؤكد على عدم جواز احتجاز أي فرد بشكل تعسفي والحق في الحصول على محاكمة عادلة والتأكيد على قرينة البرائة، وهذه المواد ملزمة للبنان حيث كرس الدستور اللبناني في مقدمته التزام لبنان بمواثيق الامم المتحدة وتجسيد الدولة لهذه المبادئ في جميع الحقوق والمجالات دون استثناء. كما أكدت المادة 2 من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني على تقدم أحكام المعاهدات الدولية في التطبيق على أحكام القانون العادي في حال التعارض بينهما. كما لفت الفريق العامل في رأيه الى “ممارسة تثير الاضطراب في لبنان، تتمثل باحتجاز اللاجئين (رأي 5/2011، رأي 6/2011، رأي 14/2011)” وأسف لأن الدولة اللبنانية “لم تأت في جوابها بأي خطوة تعاون مع الفريق العامل وعدم تزويده بمعلومات مفيدة، خاصة بما هو مرتبط بالاتهامات الخطيرة الذي يتضمها هذا الرأي. وأبعد من ذلك، يدين الفريق العامل، بشكل قطعي، قرار الحكومة بترحيل الجبوري”. وقد طالب الفريق الدولة، أسوة بالقضاء اللبناني بالتعويض عن العطل والضرر الملحق واحترام المبادئ التي ترعى حماية المهاجرين واللاجئين إضافة الى وجوب احترام مبدأ عدم الترحيل الذي يشكل عرفا دوليا وطالب الدولة بالتعامل بشكل وثيق مع فريق العمل بناء على مقرارت مجلس حقوق الانسان.
خلاصة
إدانة الدولة اللبنانية، من قبل المجتمع الدولي، لانتهاكها حقوق الانسان ليس بالأمر الجديد. فلطالما كان سجلها حافلا بالانتهاكات، بالرغم مما يدعيه سياسيو هذا البلد في خطاباتهم الطنانة، أن لبنان “دولة القانون والمؤسسات” وأنه بلد “الديمقراطية والحريات”، وبالرغم من تأكيدهم على “استقلالية القضاء ومكانته” في وقت تمتنع الدولة نفسها – ككيان وأفراد –  عن تنفيذ أحكام صدرت عن نفس القضاء الذي تصدح المنابر لتأكيد “هيبته”. ورغم بعض المحاولات – التي تتمتع بذات جدية الخطابات – بتحويل وزارة الداخلية الى وزارة حقوق الانسان، فيبدو أننا نعيش رواية 1984 لجورج أرويل حيث تتحول وزارة الداخلية الى “وزارة الحب” ووزارة الدفاع الى وزارة السلام.
“بيروت أم الشرائع” لن تعود، ولعلها لم تكن يوما لكن حتما لن تعود، طالما ستبقى “الدولة” بكل مكوناتها خارجة عن أي احترام لقانون تصنعه هي، ثم تعدله ليناسبها أكثر، ولتشرع انتهاكات ترتكبها وارتكبتها منذ بداية الحرب الاهلية، من تعد على الاملاك العامة الى احتجاز حرية أشخاص لسنوات دون أي سند قانوني، ولو كان ذلك على حساب أحكام أصدرها القضاء باسم الشعب اللبناني الذي أصبح ثقيل الحراك. وعلى أحد أن يتجرأ ويبدأ بمحاسبة أصحاب المعالي والضباط الذين لا يكفون عن ارتكاب أبشع الجرائم كل يوم بحق وطن يعيش على أمجاد ماض بعيد… لقد أقلع القطار في العالم العربي… فأين نحن؟

*باحثة في القانون، عضو في جمعية رواد فرونتيرز

نُشر في العدد السابع من مجلة المفكرة القانونية


 [1]رأي رقم 55/2011 صادر بتاريخ 17-11-2011 موجود على الرابط التالي: http://www.unwgaddatabase.org/un/Document.aspx?id=2817&terms=%28+lebanon+%29
[2] يمكن الاطلاع على هذه الآراء على موقع الفريق العامل:http://www.unwgaddatabase.orgs
[3]علما انه كانت هناك محاولات لترحيله من قبل جهاز الامن العام انتهاكا لالتزام لبنان بالعرف الدولي القاضي بعدم جواز اعادة اللاجئ قسرا الى بلده الا انه كان يرفض ذلك كونه يحمل صفة اللاجئ.
[4] مخالفة أحكام المادة 34 من قانون تنظيم الدخول والخروج والاقامة في لبنان الصادر عام 1962.
[5] للتفاصيل، انظر دراسة “اللجوء الى اللاحتجاز التعسفي سياسة فوق الدستور” لجمعية روّاد فرونتيرز، متوفرة على https://frontiersruwad.wordpress.com/2011/03/25/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ac%d9%88%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%ad%d8%aa%d8%ac%d8%a7%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%b3%d9%81%d9%8a/
[6]يراجع، “القضاء يدون أقوالا منسوبة للامن العام “سلطتنا نحن يلي بدها تمشي وليس سلطة القضاء” ويطلب المسائلة”، سارة ونسا- جمعية رواد فرونتيرز، المفكرة القانونية، العدد الاول، https://legal-agenda.com/article.php?id=8&folder=articles&lang=ar
[7] ترجمة غير رسمية لجواب الدولة كما أتى في الرأي رقم 55/2011 الصادر بتاريخ 17-11-2011 الموجود على الرابط الاتي : http://www.unwgaddatabase.org/un/Document.aspx?id=2817&terms=%28+lebanon+%29
[8]علما انه كان محتجزا لدى الامن العام لفترات متعددة من 2007 الى 2011 عند ترحيله، بلغ اطولها سنتين كما اشرنا اعلاه.
[9] دراسة اللجوء الى الاحتجاز التعسفي، اعلاه، وحلقة الفساد مع الجنرال حركة بتاريخ 10-4-2010،قناة الجديد.
[10] الفئة Iعند غياب اي سند قانوني لحجز الحرية كأن يبقى الشخص قيد الاحتجاز بعد انتهاء مدة العقوبة المحكوم عليه بها والفئة IVعند إحتجاز اللاجئين وطالبي اللجوء احتجازا إداريا مطولا في غياب اجراءات الانتصاف القضائي او الاداري.
انشر المقال

متوفر من خلال:

لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، لا مساواة وتمييز وتهميش



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني