قرار قضائي بحماية انتخابات المحامين من التعسّف


2021-10-21    |   

قرار قضائي بحماية انتخابات المحامين من التعسّف

فسختْ محكمة استئناف بيروت في تاريخ 14 تشرين الأول قراريْن لمجلس نقابة المحامين في بيروت برفض ترشح محامييْن للانتخابات النقابية. وبذلك، تدخّلت المحكمة لوضع حدّ لتوجّه كان بإمكانه في حال تحوّله إلى ممارسة أن يهدّد حقّ الدّفاع للمحامين وحرية الانتخابات النقابية.  

وكان مجلس نقابة المحامين في بيروت اتخذ قراريْه باستبعاد ترشّح هذيْن المحامييْن معتبراً  أنّهما لا يتمتّعان وفق تقديره الإداري بسيرة توحي بالثقة والاحترام. وقد استند بشكل خاصّ لتبرير موقفه إلى المادة الخامسة من قانون تنظيم مهنة المحاماة مع تعديلاته (فقرة رابعة) التي تشترط على من ينوي ممارسة مهنة المحاماة بأن يتمتّع بسيرة مماثلة، معتبرا أن مجرّد صدور حكم تأديبيّ بحقّ كلا من المرشّحين المستبعديْن يبرّر التقدير الذي وصل إليه. ويلحظ أن المجلس اعتمد هذا التوجّه من دون الاستماع لأي من المرشّحيْن وتاليا في ظروف تمّ إهمال حقّ الدفاع فيها بالكامل. كما يلحظ أنّه تعامل مع الأحكام التأديبيّة الصّادرة بحقّ المحامين (ومنهم المرشّحيْن) على أنّها وقائع نهائيّة وثابتة رغم الطعن بها أمام محكمة استئناف بيروت وتعليق نفاذها من قبل هذه الأخيرة. ومن اللافت أيضا أن المجلس لم يتكبّدْ حتى عناء تبليغ القرار إلى المحاميين اللذين تم استبعاد ترشُّحهما. وقد كاد هذا الأمر يفقدهما حقّ الطعن بقرار الاستبعاد الواجب حصوله خلال 3 أيام من إيداعِه لدى ديوان النقابة، لولا تسرّبه إلى بعض المواقع الصحفية وتداول محامين ومحاميات به قبل صدوره. 

وقبل المضي في إبداء أهم الملاحظات على قراريْ محكمة الاستئناف، تقتضي الإشارة إلى أن الغرفة التي أصدرتْهما تكوّنت من الرئيس أيمن عويدات والمستشارين حسام عطا الله وكارلا معماري. كما تقتضي الإشارة إلى أن ترشّح أحدهما (جاد طعمة) تميّز بأنه لم يتمّ فقط بموجب ترشّح شخصي إنما أيضا بموجب عريضة وقعها 92 محاميا وذلك في إحياء للمادة 47 من قانون تنظيم مهنة المحاماة. وهذا ما يفسر أن المحكمة أصدرت قرارها بخصوصه بناء على طعنيْن قدّم الأول المرشّح طعمة والثاني 20 محاميا من الذين رشحوه. 

ومن أهم الخلاصات التي تستدعيها هذه القضية وهذا القرار، الآتية: 

 

أولا: مساسٌ متكرّر بحقّ الدفاع من مؤسسة انوجدت لضمانه 

في حين تستمدّ نقابة المحامين سبب وجودها من مسؤوليتها في ضمان حق الدفاع للمتقاضين، فإن وقائع هذه القضية تثبت مرة أخرى مجانبتها في بعض الأحيان هذه المسؤولية. وهذا يتحصّل من اتخاذ عقوبات إدارية بحقّ محامين من دون تمكينهم من ممارسة حقّ الدفاع. وكان المجلس اعتمد من قبل توجّها ذات مفاعيل مشابهة حين حلّل لنفسه إمكانية منع محامين من مزاولة المهنة على خلفية تقديره لمدى تمتعهم ب “سيرة توحي بالثقة والاحترام” وذلك بصورة إدارية ومن دون تمكين المحامين الدفاع عن أنفسهم. ورغم أنّ محكمة استئناف بيروت أقرّت لمجلس النقابة هذه الصلاحية، فإنها عمدتْ في موازاة ذلك إلى مراقبة مدى التزامه بحقوق الدفاع عند ممارستها وصولا إلى إبطال قرارات عدّة بشطب محامين على خلفية عدم احترام هذه الحقوق (القرارين الصادرين عن محكمة الإستئناف المدنية – الغرفة الحادية عشرة بتاريخ 29 تشرين الأول 2018 و28 آذار 2019). وكانت المفكرة القانونية اعتبرت أنّه من غير الجائز استخدام آلية الشطب الإداري كأداة تأديبية موازية إذ أن النتيجة المباشرة لذلك تتمثل في حرمان المحامي من ضمانات المحاكمة العادلة. فآلية الشطب الإداري (المادة 15 من النظام الداخلي للنقابة معطوفة على المادتين 5 و7- تنظيم مهنة) تخلو من أي من هذه الضمانات، وذلك بعكس الآلية التأديبية (المواد 96 وما يليها – تنظيم مهنة) التي تتضمّن عددا من الضمانات (تشكيل المجلس التأديبي ومبدأ تناسب العقوبة والخطأ وأصول المحاكمة أمامه وتنظيم حقوق الدفاع وطرق مراجعة قراراته) وإن بقيَتْ غير كافية.

وما يفاقم من هذه المخالفة، عدم دعوة المحامي المعني لأيّ جلسة استماع، فضلا عن عدم إبلاغه قرار منعه من الترشّح مقابل تسريب الخبر إلى بعض المواقع الصحفية.

 

ثانيا: توجّه مُخلّ بحريّة الانتخابات 

فضلا عما تقدم، يمس قرار مجلس النقابة بحقّ الترشح للانتخابات النقابية. فأن يخوّل المجلس لنفسه إمكانية استبعاد أيّ مرشّح لا توحي سيرته بالثقة والاحترام وفق تقديره الذاتي إنّما يمنحه هامشا واسعا للتدخّل في اللعبة الانتخابية من خلال استبعاد المرشحين، وبخاصة الذين يكونون في خصام مع أعضائه. وهذه هي حالة جاد طعمة الذي خاض معركة نقابية على خلفية المخالفات الحاصلة في التغطية الصحية للمحامين، وقد كان من أول الذين واجهوا النقيب السابق أندره الشدياق في الجمعية العمومية للمحامين في 2018 متهما إياه بالتنمّر على كلّ من ينتقده. وهذه هي أيضا حالة زاهر عازوري (المرشح الثاني الذي تمّ استبعاده) والذي كان استقال من مجلس النقابة تضامنا مع الاحتجاجات على قراراته المتصلة بهذه التغطية. 

ولا يردّ على ذلك أن مجلس النقابة استند إلى معيار موضوعي وهو الحكمان التأديبيان الصادران بحق هذيْن المرشحين، وذلك لسببيْن: 

أولا، أنّ كلا الحكمين موضع استئناف أمام محكمة استئناف بيروت وقد تمّ وقف تنفيذه كما سبق بيانه. وهذا ما أكّدت عليه محكمة الاستئناف بقولها “لا يجوز اعتبار القرار المستأنف معجل التنفيذ في ظل عدم النص قانونًا على تعجيل تنفيذه”، مؤكدة أن الاستئناف يوقف بحد ذاته الأحكام التأديبية التي لا يمكن اعتبارها معجلة التنفيذ وأنّ تضمين النظام الداخلي لنقابة المحامين أحكاما مخالفة إنما يشكل مخالفة للقانون لا يعتدّ بها. وما يزيد من قابلية هذا الأمر للانتقاد هو أن محكمة الاستئناف كانت أصدرت أحكاما سابقة ذهبت في الاتجاه نفسه من دون أن تبادر نقابة المحامين إلى تعديل نظامها الداخلي أو على الأقل إلى تعديل ممارساتها بما يتناسب مع هذه الأحكام. بل على العكس من ذلك، فإنها استمرّت كما يظهر في هذه القضية في التعامل مع  الأحكام التأديبية الصادرة عن النقابة على أنّها نافذة حتى ولو تمّ الطعن بها أمام محكمة الاستئناف ومن دون أن تنتظر ما قد تنتهي إليه هذه المحكمة. ثانيا، أن المجلس لم يستند فقط على الحكم التأديبيّ والعقوبة التي تضمّنها، بل اعتبر أن له في كل الأحوال (أي حتى في حال عدم وجود أي ملاحقة تأديبية) “الحقّ بعدم قبول ترشّح المحامي إذا تبيّن أنّ سيرته لا توحي بالثقة والاحترام”. وبذلك، بدَا المجلس وكأنّه يكرّس لذاته هذا الحقّ وفق معايير يستنْسب في تقديرها، بما يزيد من هامش تدخّله. واللافت أن مجلس النقابة أوقع نفسه هنا في تناقض بيّن. ففي حين ادّعى أن سيرة طعمة لا توحي بالثقة والاحترام (وهو شرط لممارسة مهنة المحاماة)، فإنه اكتفى باتخاذ قرار بمنعه من الترشح لمجلس النقابة فقط من دون التعرّض لحقه في مزاولة المهنة. فكأنما هذا الشرط (التمتع بالثقة والاحترام) يجدر توفره فقط لدى أعضاء المجلس وليس لدى المحامين كافة. ومن شأن هذا الأمر أن يعزز الاعتقاد بوجود نيّة في التأثير على مسار الانتخابات.    

 

ثالثا: مجلس النقابة يراكم الخيبات القضائية ولا يتعلّم من أخطائه 

أخيرا، تجدر الإشارة إلى تواتر الأحكام القضائية الصادرة ضدّ مجلس النقابة في قضايا عدة على خلفية مخالفات بديهية وجسيمة، منها قضايا إبطال قرارات شطب محامين بالصورة الإدارية أو إبطال مصادقة الجمعيات العمومية على حسابات النقابة في سنتي 2015 و2018  أو فسخ قرار بمنع ملاحقة محام مشتبه به في قضية سمسرة قضائية. وما يؤسف له هو أن مجلس النقابة قلّما يعدّل من ممارساته أو يتّخذ خطوات عملية انطلاقا من القرارات الصادرة بحقه. ولعلّ أبرز دليل على ذلك هو أنه ما زال متمسّكا بالنظام الداخلي للنقابة وضمنا المادة 110 منه التي تعتبر الأحكام التأديبية الصادرة عنه معجّلة التّنفيذ رغم اجتهاد ثابت وراسخ من محكمة استئناف بيروت بعدم الاعتداد بهذه المادة ومفاعيلها تبعا لتعارضها مع قوانين تعلوها قيمة وتحديدا قانون أصول المحاكمات المدنية. وهذا ما عادت محكمة الاستئناف لتذكر به. فلنتعلم.    

 

قرار محكمة الاستئناف المدنية في بيروت

قرار مجلس نقابة المحامين

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، نقابات ، حركات اجتماعية ، قرارات قضائية ، لبنان ، حراكات اجتماعية ، حقوق العمال والنقابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، المهن القانونية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني