“
الحكم الصادر عن محكمة استئناف بيروت بإبطال المصادقة على حسابات نقابة محامي بيروت لسنة 2014/2015 ليس عاديا. فعدا عن أنه تصويب لممارسة التصويت بالأيدي المعتمدة من النقابة في جمعياتها العمومية، هو بمثابة بشارة لعشرات المحامين الذين طعنوا في مقررات المصادقة على حسابات سنة 2017/2018 الحاصلة في تشرين الثاني الماضي، على خلفية إشكال التصويت برفع الأيدي نفسه.
الحكم صدر عن محكمة الاستئناف المدنية في بيروت برئاسة القاضي فادي الياس وعضوية المستشارين فاطمة جوني ورودني ضو بتاريخ 27/3/2019. وكان المحامي مطانيوس عيد قدّم الدعوى أمام المحكمة الابتدائية في بيروت، وطالب خلالها بإبطال أعمال الجمعية العامة تاريخ 15/11/2015، وعاد واستأنف قرار هذه المحكمة برد دعواه أمام محكمة الاستئناف التي انتهت إلى قبولها. وقد استهلّ دعواه بالقول بأن “نقابة المحامين خالفت كل القوانين والأنظمة الصريحة التي تضمن رسالة المحاماة والمحامين بالرغم من أن الجمعية العامة هي المرجع الأعلى للمحامين، وبالرغم من أصوات عدد كبير من المحامين في الجمعية العامة المعترضين على مخالفة النقابة للأصول”. وقد أضاف عيد بأنه “يستحيل استحالة مطلقة معرفة الأكثرية النسبية التي تنص عليها المادة 38 محاماة في جمعية عامة من سبعة آلاف محامٍ”. ومن أبرز حيثيات الحكم الاستئنافي لقبول الدعوى، أنه “لم تتم مراعاة الأحكام النظامية المتعلقة بطرق التصويت وبكيفية حصوله عن طريق رفع الأيادي طالما أنه لم يحصل تعداد للأعضاء الذين قاموا برفع أيديهم لمعرفة ما إذا كانت قد تأمنت الأكثرية النسبية المنصوص عليها في المادة 38 من قانون تنظيم مهنة المحاماة”.
الدعوى تحسّرا على العهد الذهبي
وفي اتصال “للمفكرة القانونية” مع المحامي مطانيوس عيد، تحدث هذا الأخير عن الأسباب التي دفعته إلى التقدم بهذه الدعوى فقال: “انقلبت الآية معنا. كنّا نعيش في عصر ذهبي، إلى أن وصلنا اليوم إلى هذا الدرك”. بهذه الكلمات يختصر المحامي عيد واقع النقابة اليوم. “أنا من الأشخاص الذين دخلوا النقابة في العام 1966، نحن طول عمرنا نصوّت عبر الصندوق علماً أننا من قبل كنا نقول للنقيب أننا موافقون. لكن ما كان النقيب يقبل أن يتم شيء إلّا بالتصويت من خلال الصندوق. بعد 1988، صرنا نقول لهم أننا لا نريد، لكنهم يصرون على التصويت برفع الأيدي. اليوم، باتت القرارات تؤخذ رغماً عن المحامين، فيما نقابة المحامين تعترف بوجود سرقات وقد قامت برفع دعاوى على عدد من الموظفين. لكن أنا جئت وقلت لهم “أن هناك مادة في القانون تقول أن دفع المال هو من مسؤوليتكم في حال حصول أي خطأ، فما علاقتنا نحن بالموظف؟ خمسون عاماً ولم تنته الدعاوى. هم المسؤولون ليعطونا أموال النقابة وليتكفلوا هم بالموظفين والسرقات إن كانت تحصل. لذلك رفضت ومعي كثيرون المصادقة على حسابات النقابة وتقدمت بهذه الدعوى بعدما قرروا أن المصادقة تمت خلافا للواقع”.
تابع: “بداية، أنا قمت برفع دعوى أمام محكمة البداية في بيروت، وقلت أنهم يقومون بالتجديد خلافاً للقانون باعتبار أن هناك مادة صريحة بالقانون تفيد بأنه لا يجوز التجديد إلا بعد مرور سنتين على الأقل من انتهاء الولاية. لكن في نهاية العام 1988 قالوا أن لديهم الحق بالتجديد مرة، فرفضنا وقلنا لهم أنه المفروضَ أن تأتوا ثم تغيبوا ليتسنى لكم التجديد. لكن صرنا منذ العام 1988 إلى اليوم نجد نفس الأشخاص، نترشح نحن لكن هم يفوزون”.
ورأى عيد أن الحكم الاستئنافي “أزاح الهم عن صدر 15000 محامي كانوا يشعرون بالضيق لعدم تطبيق القانون”. وأن قيمته تكمن بأنه”قام بتصحيح قضايا النقابة مالياً إذ أعاد المال للمحامين، وليس تبذيرها هنا وهناك. هذا الحكم أعاد العصب للمحامين. هناك أناس يريدون ان يعيشوا. في السابق كان معاش التقاعد ألف ليرة عندما كان الدولار بليرتين. اليوم لا يصل إلى ألف دولار”. وختم قائلاً إن”القضية قانونية بحت ومن المفروض أن تكون النقابة هي الأحرص على تطبيق القانون وليس العكس، وقد أُجبرنا للأسف على القيام بهذا الإجراء”.
كما علّق عيد على حكم البداية الذي كان ردّ دعواه. قال: “كيف تمكنوا من معرفة الأكثرية انطلاقاً من رفع الأيادي؟ أنا في كل مرة كنت أسجل على المحضر الرسمي للجمعية العمومية: “نقيب المحامين ارتكبت جناية تزوير”. إذ كيف يقول أنه تم التدقيق والإقرار؟ من دقق لك ومن قرر لك؟ وقد جئنا إلى محكمة الاستئناف فأصدرت غرفة الرئيس فادي الياس القرار بإبطال أعمال الجمعية العامة. وبناء عليه، أصبح التدقيق والإقرار برفع الأيادي اليوم غير مقبول، وعدنا إلى ما كان يعتمد في السابق وهو التصويت داخل الصندوق. وبالتالي باتوا مجبرين على القيام بتدقيق حقيقي وليس صوريا”.
انتصار كبير لحراك المحامين
بالاتصال بعضو لجنة المتابعة في قضية التأمين المحامي ابراهيم مسلم، اعتبر هذا الأخير أن الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف هو “انتصار كبير للمحامين والقانون” وقال: “إن الحكم جاء نتيجة نضال مستمر من دون كلل أو ملل. ويهمني أن أذكر أن حسابات السنة المالية 2015-2016 لم تصدقها الجمعية العمومية التي انعقدت بتاريخ 20 تشرين الثاني 2016 بناء لطلبي وإصراري في كلمتي أثناء الجمعية على خلفية إشكالات الصندوق الاستشفائي. وكان النقيب أنطونيو الهاشم أعلن آنذاك أنه سيحدد موعدا لجمعية عمومية خاصةً للتصديق على حسابات السنة المالية 2015-2016 ومشروع موازنة 2016-2017 وما زال المحامون لغاية اللحظة ينتظرون انعقادها”.
واعتبر مسلّم أن هذا الحكم يعني: “أنّ كل شي تم منذ 2015 إلى اليوم هو غير قانون وغير مغطى ولا توجد موافقة عليه من قبل الجمعيات العمومية. وهذا الأمر يتحمل مسؤوليته النقيب وأمين الصندوق. والمسؤولية تقع على عاتق ثلاث نقباء هم جورج جريج وأنطونيو الهاشم والنقيب الحالي أندريه الشدياق”.
وختم قائلاً: “إن هذا الحكم أطاح بالتصديق الصوري على حسابات 2017-2018 الصورية ومشروع موازنة 2018-2019 المطعون فيها أمام المحكمة الابتدائية في بيروت”، معتبراً أن تصحيح الفوضى الحاصلة اليوم داخل النقابة” يتم من خلال استقالة مجلس النقابة الحالي والإتيان بمجلس نقابة جديد ومساءلة النقباء السابقين بسبب مخالفة القانون”.
وبسؤال المحامي جاد طعمة، وهو من قياديي الحركة الاعتراضية الحاضرة، حول تأثير هذا الحكم على الدعوى المرفوعة من المحامين بخصوص حسابات 2017-2018، قال:هذا الحكم يضيئ على سلسلة من الأمور، أحدها عدم جواز التصديق على حسابات النقابة من خلال التصويت برفع الأيدي. وهي مسألة تتطابق مع فحوى الدعوى المقدمة اليوم من مجموعة المحامين وعلى رأسهم النقيبين السابقين ميشال خطار وعصام كرم. وبالتالي هذا الحكم يبشر بأن طعننا سيتوج بنتيجة إيجابية ألا وهي إبطال المصادقة على البيان المالي الحاصل في العام 2018. وعليه، ندعو مجلس نقابة المحامين وعلى راسهم النقيب للتحلي بالحكمة لدراسة الحكم الصادر بروية وترتيب النتائج القانونية اللازمة بعيدا عن أي شعور بالانكسار. فمن ينتصر في مثل هذه الدعاوى هو القانون ونقابة المحامين وعلى راسها النقيب ومجلس النقابة التي من صلب مهامهم تطبيق أحكام القانون. في دعاوى مماثلة، لا يوجد رابح أو خاسر إنما الرابح هو القانون وكلنا تحت سقف القانون. أمر آخر لا بد من تسجيله وهو أن الحكم يشير إلى أن الدومينو منذ العام 2015 كرج وانهار، حيث أن حسابات 2015 شملت بداية تنفيذ عقد التعاون الذي وقع مع “غلوب ميد” بكل مضمانيه المحاسبية والذي سيكون موضع محاسبة من قبل الجمعية العامة للمحامين كون عمليات المصادقة على الحسابات لم تعد تعتبر بعد هذا الحكم قائمة قانوناً.”
رفع أقلية أياديهم، فقال النقيب: “صدق” وسط ذهول المحامين
بالحديث إلى المدير التنفيذي للمفكرة القانونية المحامي نزار صاغية، وهو أحد الموقعين على مراجعة إبطال المصادقة 2017-2018، أشار هذا الأخير أن هذا الحكم بالغ الأهمية وهو يشكل رسالة قضائية شديدة البلاغة إلى مجلس نقابة المحامين بوجوب وقف الممارسات غير الديمقراطية لمجالس النقابة المتعاقبة بحق محاميها. منذ فترة، نسجل ملاحظات كبيرة على أداء مجالس النقابة على صعيد الحريات العامة وحق الدفاع ومبادئ الديمقراطية والشفافية وضمان احترام آداب المهنة ومحاسبة الإخلالات الكبرى بها.
لا أريد هنا أن أفصل كل ذلك: أود فقط الإدلاء بالشهادة الآتية: أني كنت حاضرا في الجمعية العمومية للمحامين، جالسا بالقرب من عشرات المحامين (العدد يقارب 200). وحين دعا النقيب المحامين إلى التصويت على المصادقة على الموازنة برفع الأيادي، لم يرفع إلا قلة أياديهم. بدأ النقيب يقلب نظره حوالي 30 ثانية من محامٍ إلى آخر وكأنه يحثهم على رفع أياديهم: ارتفعت إذ ذاك بعض الأيادي الأخرى. وكانت كلها لا تصل إلى 10% من الحاضرين. كان واضحا أن النتيجة كانت سلبية وأن المحامين الحاضرين رفضوا المصادقة. رغم ذلك، قال النقيب بصوته الجهوري: “صدّق”. شعرنا إذ ذاك بالذهول وفي الوقت نفسه بالإهانة. كثيرون منا اعترضوا بالصوت أو وقوفا. لكن استكملت الإجراءات وكأن شيئا لم يحصل، وكأن المصادقة قدرٌ لا بد منه. إذ ذاك انسحبت من اجتماع الجمعية العمومية اعتراضا على هذه الممارسة غير الديمقراطية. الحكم الحاضر ينصفني وزملائي وأرجو أن يضع حدّا نهائيا لهذه الممارسة. آمل حقيقة بعد صدور هذا الحكم، أن نربح دعوانا ضمن أقصر المهل في المحكمة الابتدائية هذه المرة”.
اقتراح قانون بولا يعقوبيان
أخيرا، يجدر التذكير بأن النائبة بولا يعقوبيان كانت قدمت بتاريخ 28 كانون الأول 2018 اقتراح قانون باستبدال التصويت برفع الأيدي بالتصويت السري في نقابة المحامين. وقد بررت يعقوبيان آنذاك اقتراحها بأن سلبيات اعتماد طريقة رفع الأيدي في التصويت ظهرَت بشكل جليّ في أعمال الجمعية العامة لنقابة المحامين المنعقدة في 18/11/2018 حيث صوَّتت أقليّة واضحة على موازنة النقابة وحساباتها النهائيّة ورغم ذلك اعتبرها النقيب مُصدَّقة. وأضافت يعقوبيان أن الأمر ثابت بتسجيل فيديو جرى تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي.
“