قرار المحكمة العليا بشأن مذبحة سجن أبو سليم: القضاء العسكري ليس مختصّا في قضايا القتل الجماعيّ


2024-04-19    |   

قرار المحكمة العليا بشأن مذبحة سجن أبو سليم: القضاء العسكري ليس مختصّا في قضايا القتل الجماعيّ

عادت قضية مذبحة سجن أبو سليم إلى الواجهة بعدما أكّدتْ الدائرة الجنائية في المحكمة العليا اختصاص القضاء العادي للنظر في القضية. تدخّل المحكمة العليا حصل في تاريخ 3 مارس 2024 وتمثل في نقض الحكم الصادر عن محكمة جنايات طرابلس بتاريخ 15/6/2022 بإعلان عدم اختصاصها في القضية وإحالتها إلى القضاء العسكري. وفيما بررت محكمة جنايات طرابلس حكمها بأن المتّهمين عسكريون والواقعة حصلت داخل معسكر، رأت المحكمة العليا عدم اختصاص القضاء العسكري نظر الدعوى من دون أن تنشر بعد الحجج التي استندت إليها في هذا الخصوص. وعليه، ستعود القضية إلى محكمة جنايات طرابلس لتنظر بها هيئة أخرى.

وبمناسبة هذا القرار، من المهم التذكير ولفت النظر إلى الأمور الآتية:

أولا، تعود أحداث هذه القضية إلى 1996 حين نفذت قوات الأمن الليبية ما يصحّ اعتباره قتلا جماعيا بحقّ سجناء يقدر عددهم ب 1275، داخل سجن بوسليم المركزي بالعاصمة طرابلس لاحتجاجهم على سوء أوضاعهم. وبحسب رواية أهالي الضحايا و تقارير المنظمات الحقوقية، وقعت المجزرة في سجن بوسليم يومي 28 و29 يونيو 1996 بعدما دهمتْه قوات خاصة تابعة لنظام العقيد معمر القذافي مطلقةً النار على السجناء بهدف إطفاء تمردهم ومطالباتهم بتحسين ظروف الاعتقال. وقد رفضت السلطات بعدئذ الكشف عن أي معلومات لذوي الضحايا كما تمّ إخفاء جثث السجناء القتلى في باحة السجن، وكذلك في مقابر جماعية متفرّقة في ضواحي العاصمة طرابلس.[1] وقد قامت النيابة العامة بتقديم عدد 82 متهم أبرزهم عبدالله السنوسي رئيس المخابرات الليبية في نظام القذافي ومنصور ضو آمر الحرس الشعبي وتمّ اتهامهم بالقتل العمد وحجز حرية إنسان والتمثيل بجثث المجني عليهم واخفائها  وايداع سجناء في السجن من دون  أمر من السلطات المختصة.

ثانيا: أنها ليست المرة الأولى التي تنظر فيها المحكمة العليا في القضية. فقد سبق لها أن نقضت من قبل في تاريخ 2/5/2021 حكما سابقا لمحكمة جنايات طرابلس كان قضى بسقوط الجريمة بمضي المدة، معلّلة إيّاه بأن ليبيا صادقت على الاتفاقية الدولية المبرمة بشأن عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية بالقانون رقم 7 لسنة 1989. وفي هذا الصدد، أكدت المحكمة العليا أن الفعل موضوع الاتهام وهو تصفية عدد كبير من المساجين بإطلاق الرصاص عليهم هي إبادة جماعية خارج القانون وهي من أوضح الجرائم ضد الإنسانية. وقد اعتمدت المحكمة على  القانون رقم 2013/31 الذي اعتبر مذبحة أبو سليم (موضوع القضية) جريمة ضد الإنسانية. كما أن المحكمة قد أشارت الى أحد مبادئها الرئيسية الذي استقر عليه قضاؤها وهو سمو الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من الدولة الليبية على التشريع المحليّ ولها الاسبقية في التطبيق.

ثالثا، باشرت النيابة العامة إجراءاتها في الدعوى في سنة 2012 أي منذ 12 سنة،  من دون أن نتجاوز حتى الآن المسائل الإجرائية للمحاكمة. وعليه، دعا حراك العدالة الانتقالية الذي أسّسته مجموعة منظمات منها رابطة أهالي ضحايا أبو سليم عبر بيان رسمي بتاريخ 5 مارس إلى اعتبار أن العدالة المتباطئة هي مساس بحقوق الضحايا، ما يستوجب سرعة الفصل في هذه القضية وغيرها بعيدا عن التجاذبات السياسية حتى تتحقق دولة العدل والقانون. وإذ أكّد الحراك أنّه لا سبيل لطيّ صفحة الماضي البغيض المُتخم بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والتصفيات الجسدية والإبادة الجماعية، إلا بإرساء العدالة والقصاص للضحايا[2]، طالب القضاء بتحمل مسؤولياته الوطنية والتاريخية والسماح بإطلاق مسيرة العدالة وإحقاق الحق وصناعة الحقيقة في هذا الوطن المكلوم. وإذ عبّر مصطفى المجدوب المستشار القانوني لرابطة ضحايا أبو سليم للمفكرة عن تبرّم الأهالي من طول مدة التقاضي، ذكّر أنّ المسألة لا ترتبط بكشف الحقيقة ومعاقبة الجناة فقط بل هي مرتبطة بأمور حياتية هامة لأهالي الضحايا وذويهم خاصة في المسائل المرتبطة بالميراث وحقوق الأزواج والأولاد. فعلى سبيل المثال النظام السابق قام بصرف شهادات الوفاة منذ سنة 2002 وأعطيت الشهادات بشكل عشوائي  من سنة 2002 حتى 2010. أخيرا، انتقد المجدوب تأخر محكمة جنايات طرابلس في إصدار قراريها في الأمور الشكلية، حيث استغرقت سنتين للنظر في مسألة التقادم وعادت واستغرقت ما يقارب عاما كاملا للفصل في مسألة الاختصاص.[3]


[1] المرجع السابق

[2] بيان حراك العدالة الانتقالية

[3] المرجع السابق

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، محاكم عسكرية ، قرارات قضائية ، مقالات ، ليبيا



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني