قراءة في نتائج استمارة حول الأخلاقيات القضائية: قضاة تونسيون كما يتصورون مهنتهم


2022-05-27    |   

قراءة في نتائج استمارة حول الأخلاقيات القضائية: قضاة تونسيون كما يتصورون مهنتهم
تصميم الكتاب ورسم الغلاف: عثمان سالمي

احتلّ القضاء والقضاة، طيلة حقبة الجمهوريّة الأولى، المنطقة المظلمة من المشهد العامّ. فقد كان الصمت الذي يبرَّر بوقار المهنة وضرورة احترام خصوصيّتها يلفّ بصورةٍ عامّة قصور العدل، يتخلّله حديث مناسباتي يشارك فيه كبار القضاة عادةً موضوعه تثمين رعاية رئيس الدولة الموصولة للقضاة والقضاء، بالإضافة إلى بعض ما يُكتَب عن القضايا الجزائية. ولا يشذّ عن هذا الأمر إلّا ما يجدّ من فترة لأخرى من انفلات أصوات قضائية تحتجّ مطالِبةً بالإصلاح وما يتمسّك به معارضو الحكم وناشطون حقوقيون من انتقاد لتوظيف السلطة للقضاء في صراعاتها السياسية.

لاحقاً، كسرت الثورة رتابة المشهد القضائي وجموده في وقت وجيز بما سمحت به من حرّيّة تعبير للقضاة وما فرضته من إخضاع لعملهم وأدائهم لرقابة الرأي العامّ. وقد بات مذّاك منسوب الحرّيّة الذي اجتاح القضاة في ممارساتهم وخطابهم عالياً، ما طرح أسئلة ملحّة عن الضوابط التي تقتضيها الوظيفة القضائية من دون المسّ بجوهرها. وتجلّى هذا الأمر في تضمين القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء ضرورةَ وضع مدوّنة سلوك قضائية يصدرها مجلس القضاء، ستكون الأولى في تاريخ القضاء التونسي.

مدوّنة السلوك، تصوّر تجديدي ينطلق من الواقع ويهدف إلى تطويره

تزامنت بداية التفكير في مدوّنة السلوك القضائية في تونس مع استحقاق مماثل في المملكة المغربية اقتضاه التعديل الدستوري لسنة 2011، والعمل الذي بادرت إليه المفكّرة القانونية لإصلاح القضاء في لبنان وكان من ضمن مطالبه إعادة التفكير بالمدوّنة القائمة هناك التي قاربتْ قاضياً متخيّلاً لا يمتّ إلى العالم الواقعي بصلة. تبعاً لذلك، عقدت المفكّرة القانونية وُرش عمل إقليمية عدّة بهدف التوصّل إلى تصوّر تجديدي للمدوّنة ينتهي إلى إرساء قواعد مرجعية تلائم حاجيّات القضاء في المنطقة وخصوصيّات ما يواجهه من تحدّيات في سبل تحقيق استقلاليّته، إلى تصوّر تجديدي ينطلق من فهم عميق للواقع بهدف تطويره. وإذ تكلّل هذا العمل في وضع تصوّرها بالشراكة مع قضاة تونسيين ومغربيين في مقدّمتهم نادي قضاة المغرب، ارتأتْ أنّ من الضروري، في موازاة ذلك، سبْر آراء القضاة حول تصوّراتهم في هذا الشأن عملاً بمبدأ التشاركيّة وضماناً لانسجام المدوّنات الجديدة مع هذه التصوّرات.

سبر الآراء: مورد مهمّ لوضع مدوّنة السلوك القضائي

صِيغَت استمارة سبر الآراء تبعاً لاجتماعات عقدها فريق المفكّرة في لبنان مع قضاة من الدول المذكورة أعلاه، بالإضافة إلى ليبيا. وقد شارك في هذا الجهد بصورة فعّالة ممثّلون عن جمعيّة القضاة التونسيين ونادي قضاة المغرب. فإذا تمّ ذلك، نجح فريق المفكّرة القانونية في تونس، بالتعاون مع عدد من القضاة، في إقناع نسبة كبيرة من القضاة التونسيين من مختلِف الرتب، يعملون في محاكم توزّعت على مختلف جهات البلاد، على المشاركة في سبر آرائهم. فشكّل المستجوبون باعتبار معيار عددهم الذي تجاوز 10% من القضاة المباشِرين وانتشارهم الجغرافي عيّنة ممثِّلة للقضاة يصلح الاستئناس بها. فكان المنجَز في منتهاه وثيقة لا تقلّ أهمّيّةً عن المشروع الذي أُنجزت صلبه، فهو يمثّل نافذة لم تُفتَح على القضاء سابقاً وتصلح لأن ينظر فيها وصولاً إلى فهم أفضل لواقعه وتطلّعاته. ويزيد عاملان من أهمّيّة هذه الاستمارة: (1) رسم الخطاب السائد بشأن القضاء التونسي القائم أساساً على فكرة متخيَّلة ترى جميع القضاة واحداً وأيّ حكم يصدر عن إحدى المحاكم كأنّه يعكس موقف جميع القضاة من القضيّة التي تناولها؛ و(2) التغييرات الكبيرة التي شهدها القضاء خلال العشريّة الفائتة نتيجة التحوّلات السياسية والاجتماعية التي شهدتها تونس، فضلاً عن تشبيب إطاره البشري نتيجة الانتدابات.

ومن هذه الزوايا مجتمعةً، تبدو هذه الدراسة الخاصّة بنتائج سبر آراء القضاة التونسيين حول انتظاراتهم من مدوّنة السلوك وتصوّراتهم لها على درجة من الأهمّيّة. ويؤمَل أن تكون مدخلاً لدراسات اجتماعية لاحقة تعتمد المنهج العلمي ذاته وتهدف إلى تحليل مختلِف المهن القضائية، ما من شأنه تطوير الثقة العامّة فيها وتحسين فرص النجاح في إصلاحها، الذي من أوّل شروطه حسن الإنصات للعاملين فيها والمتعاملين معها.

كما وقد صادف أن تم العمل على   هذه الدراسة في تاريخ قريب من حل الرئيس التونسي قيس سعيد للمجلس الأعلى للقضاء وتنصيبه مجلسا بديلا له مواليا له.  فيبدو من المشروع أن يحدونا الأمل في أن يكون نشرها وما ينتظر من تعاط معه من الباحثين والمهتمين معها مناسبة لتصحيح الأسئلة ولإعادة توجيه الاهتمام لما هو مطلوب من بناء للقضاء السلطة و من استثمار ثقافي في صناعة القاضي الحامي للحقوق والحريات  لعل  ذلك يكون من تباشير عودة نأمل ان تكون قريبة من تونس لديمواقراطيتها  التي لن يشتد عودها الا بقضاء مستقل وبقضاة يؤمنون بقيم مهنتهم و ينتصرون لها .

إعداد: نزار صاغية وخليل الهاشم

تقديم: محمد عفيف الجعيدي

لتحميل الدراسة

انشر المقال



متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، محاكم جزائية ، قرارات قضائية ، استقلال القضاء ، تونس ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، دراسات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني