قانون تشريع زراعة القنّب ما زال “في الجارور”: “شرَّعوها” بالنسبة للمزارعين فماذا عن الدولة؟


2021-08-26    |   

قانون تشريع زراعة القنّب ما زال “في الجارور”: “شرَّعوها” بالنسبة للمزارعين فماذا عن الدولة؟

قبل عام، تبارى مناصرو رئيس المجلس النيابي وحركة أمل نبيه برّي في نشر فيديو له تحت عنوان “إلى البقاع درّ” يعد فيه أهل البقاع الشمالي بالفرز والضمّ والعفو العام وتشريع زراعة الحشيشة لأغراض طبية وصناعية، بما يفيد بأنّ “دورهم في الإنماء” قد بدأ، كما قال الرئيس بري، رداً على اتّهام البقاعيين له ضمناً أنّه يولي اهتمامه للجنوبيين دونهم. أُعيد نشر الفيديو بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي إثر إقرار مجلس النوّاب القانون 178/2020 الرامي إلى الترخيص لزراعة نبتة القنّب (الحشيشة) للاستخدام الطبّي والصناعي بتاريخ 21/04/2020، في إشارة إلى تنفيذ رئيس المجلس النيابي وحركة أمل وعدهما، وكأنّ سماء بعلبك الهرمل ستمطر الذهب الأخضر.

بعد عام بالتمام على إقرار القانون، لا يشبه المشهد في بعلبك الهرمل، المحافظة المعنيّة تاريخياً بزراعة حشيشة الكيف، وبالتالي بالقانون (رغم أنّه لم يخصّها بالتراخيص دون غيرها)، تلك الصورة التي بشّر بها نوّاب الكتل البرلمانية التي صوّتت على القانون وفي طليعتها التحرير والتنمية (أمل) والجمهورية القويّة (القوات اللبنانية) والإصلاح والتغيير (التيار الوطني الحر) ومعهما نوّاب تيار المستقبل، (حزب الله لم يصوّت عليه)، الذين خرجوا من الجلسة التشريعية في إثر إقرار القانون فخورين بهذا “الإنجاز الإنمائي”. لا بل بدأ بعضهم أيضاً الحديث عن اتصالات دولية للاستثمار في قنّب لبنان، وعن مساطر وصلت لصناعات الألياف والأنسجة والمناشف والأدوية والمستحضرات الطبية، وعن فرص عمل عديدة سيفتحها تشريع زراعة القنّب غير الإفادة التي ستعود على المزارعين أنفسهم. يومها، بدت الصورة وكأنّ لبنان أمام نفطين: أسود في البحر وأخضر في البقاع.

لم يحظَ أهالي البقاع الشمالي بالضمّ والفرز، وهو مطلب قديم من عمر الاستقلال، ولا سمحت المساومات بين أحزاب السلطة وقواها في مجلس النواب بإقرار قانون عفو عامّ يسمح بمعالجة 48 ألف مذكّرة توقيف وبلاغ بحث وتحرّي ووثيقة اتّصال أمنية في المنطقة أيضاً، أمّا تشريع الحشيشة فـ”في الجارور”، كما يؤكّد النائب ياسين جابر لـ”المفكرة القانونية”. 

يعتبر جابر أنّ المجلس النيابي قام بواجبه التشريعي عبر إقرار القانون، ووقّعه رئيس الجمهورية (بتاريخ 28/05/2020) ونُشر في الجريدة الرسمية (04/06/2020، العدد رقم 23)، “وصارت الكرة في ملعب الحكومة التي يجب أن تُعيّن الهيئة الناظمة لتضع النظام الداخلي والمالي ليوافق عليهما مجلس الوزراء ويبدأ التنفيذ”. وكلّ هذا لم يُنجز، وفق جابر، بينما “أقرّ العدو الإسرائيلي قانون تشريع زراعة القنّب بعد إقراره في لبنان، وبدأوا بالتراخيص والزراعة، ومثلهم دول أخرى، ونحن ولا ضربة عملنا”.

 

“شرّعوها”

لا تنافس طوابير محطّات الوقود والملاحم والسوبرماركات سوى حركة التراكتورات الزراعية في أنحاء البقاع الشمالي: إنّه موسم الزراعات الصيفية وعلى رأسها حشيشة الكيف التي “شرّعتها الدولة” كما يعتبر الجميع. فالسلطة التي لم تسأل المزارعين رأيهم في تشريع زراعة القنّب، ولم تكلّفْ نفسها عناء إطلاعهم على القانون وحيثيّاته، لم تُصدر بياناً واحداً يوضح مصير القانون ومعه موسم العام الحالي ولم تضع خطوطاً حمراء أو خضراء تحدّد وضع المزارعين الذين يجهلون بالأساس أنّ هناك هيئة ناظمة ونظاماً داخلياً ومالياً وتراخيص. إنّ مجمل ما أوحى به إقرار القانون بالنسبة إليهم هو “تشريع الحشيشة”، وبالتالي لم تعد زراعتها فعلاً خارج القانون. “شرّعوها” وفق ما يؤكّد أحد المزارعين الذي كان يرش حبوب القنبز، في سهله في إحدى مناطق البقاع الشمالي.      

مزارع آخر يبدو أكثر متابعة لما يجري، يعتبر أن من حقّه زراعة الحشيشة بعد التعديل الذي أدخله رئيس الجمهورية على القانون قبل توقيعه “بعد تعديل رئيس الجمهورية، لم يعد شرط عدم تجاوز THC، أي المخدر في النبتة، نسبة 1% ملزماً يعني فينا نزرع كمان حشيشتنا التي تبلغ نسبة المخدر فيها 23%”، كما يقول. 

مزارع ثالث يبدأ من سعر كيلوغرام البندورة الذي انخفض بعد “صفقة رمّان الكبتاغون المهرّب إلى السعودية، وتوقُف الأخيرة عن استيراد الخضار والفاكهة اللبنانية، من 5 آلاف إلى 1500 ليرة، يعني أقلّ من دولار، والخيار من 8000 إلى 1000 ليرة، يعني أقل من 50 سنتاً، شو بدهن نزرع بندورة وخيار؟ أكيد لا، منفضّل تبقى أرضنا بور على تكبّد الخسائر”.

مزارع رابع يمسك بالآلة الحاسبة ويحسب: “يبلغ سعر 25 كيلوغرام من بذار البطاطا الأجنبية 15 دولاراً، ونحتاج لزراعة حقل بمساحة ألف متر إلى 100 كيلوغرام بذار بطاطا، يعني 60 دولاراً، ما يساوي 750 ألف ليرة لبنانية، من وين منجيب الدولار والمصاري؟” أما الشتلة الواحدة من البندورة العنقودية فتباع اليوم بـ 3500 ليرة لبنانية، بعدما كانت بأقلّ من 500 ليرة، “معقول نقدر نشتري الشتلة بهالمبلغ ونبيع الكيلوغرام بـ 1500 ليرة؟”، يسأل كمن يحدّث نفسه، في إشارة إلى الارتفاع الكبير الذي دخل على زراعة الخضار وبالتالي الجدوى منها. 

عدا عن ثمن شتول الخضار وبذارها، يحسب مزارع آخر كلفة الأسمدة والأدوية الزراعية “وكلّها بالدولار لأنّها مستوردة”. إذ يبلغ ثمن ليتر دواء الفطريّات التي تصيب كلّ أنواع المزروعات 15 دولاراً، على سبيل المثال وليس الحصر، “ومش ممكن ما نكافح الفطريّات والأمراض لأنه ما منقدر نبيع الإنتاج”.  

 

الحشيشة “شغلة لي ما عنده شغلة”

غلاء البذور والشتول والأدوية والأسمدة والمبيدات المستوردة جميعها بالدولار، يضيفها المزارعون إلى طبيعة الأراضي في جرود البقاع الشمالي “معظم أراضينا تحتاج إلى استصلاح، ليس لدينا قنوات للري، ولا برك زراعية لتجميع مياه الشتاء، كما أنّ الأودية التي تشكّل نصف مساحة الجرود كلّها بعليّة، وهناك مناطق لا تصلها الطرقات ولا الكهرباء، فكيف سنعيش؟” سؤال مماثل “لا يعني الدولة” كما يرى أحد المزارعين “المهمّ يعملوا مذكّرات توقيف، هذا مفهومهم لوجود الدولة الأمني في منطقتنا، أما أمننا المعيشي فلا يعنيهم، ولا كيف نواجه كل هذه الظروف ومعها فقرنا وعوزنا، لا يعتبرونها مشكلتهم”. ويشير المزارع وهو صاحب أراضٍ تمتدّ على مئات الدونمات إلى أنّ أهل البقاع الشمالي وخصوصاً القابعين في الجرود يعانون الأمريّن منذ ما قبل انهيار سعر صرف الليرة والغلاء الفاحش مع انهيار البلاد “فهل فكّروا فينا اليوم؟ كيف نطعم أبناءنا؟ كيف سنعلّمهم؟ كيف نردّ الجوع عنا؟” ويختم بالقول “لا أعتقد أنّ الدولة ستفكّر في معاقبة المزارعين في حال بذروا حقولهم بالحشيشة، وإلّا فإنّنا سنكون أمام مظلومية كبيرة، ومش ناقصنا مزيد من الطفّار والمطلوبين”. 

يقول أحد المزارعين إنّه يريد أن يوجّه سؤالاً إلى السلطات عبر “المفكرة”: “فليقولوا لنا متى قصدوا المنطقة آخر مرة؟ ماذا قدّموا لنا؟ هل درسوا تربة أراضينا وماذا يناسبها؟ متى منحنا المشروع الأخضر مساعدات لاستصلاح أراضينا؟ ومتى جاءنا دعم زراعي؟ وماذا عن طرقاتنا التي تتكسّر عليها سياراتنا، ولا نجد آلية بيك آب تنقل منتوجاتنا إلّا بأسعار تقارب سعر المبيع؟ ويخلص المزارع إلى القول وهو يمسك بكمشة بذور القنبز ويرشّها وراء التراكتور الزراعي “هنّي شرّعوها وأنا بدّي إزرع، متلي متل غيري”.

مزارع آخر يصف زراعة الحشيشة سواء شرعية أم مخالفة للقانون بـ”شغلة لي ما عنده شغلة”، ليؤكّد أنّ سعر “هُقّة الحشيشة” اليوم (1260 غراماً) لا يتجاوز مئة دولار في أفضل الأحوال “بيستاهل هيدا المبلغ نصير مطلوبين وطفّار؟”

والسؤال الذي يشغل بال المزارعين اليوم هو أنْ يشكّل الوضع الحالي سبباً إضافياً لجعلهم أكثر هشاشة وعرضة للمساءلة والملاحقة القانونية في وقت قصّرت فيه الدولة في وضع الآليات التي تمهّد لتطبيق القانون. 

 

نُشر هذا المقال في العدد 1 من “ملف” المفكرة القانونية | الهرمل

انشر المقال

متوفر من خلال:

حريات ، مجلة ، سياسات عامة ، أجهزة أمنية ، قرارات قضائية ، تشريعات وقوانين ، استخدام المخدرات ، مجلة لبنان ، لبنان ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني