في نتائج الاستفتاء: لا أهمية للأرقام فأنا الشعب والشعب أنا..”حدث تاريخي في غياب أكثر من ثلثيْ الناخبين والناخبات”


2022-07-27    |   

في نتائج الاستفتاء: لا أهمية للأرقام فأنا الشعب والشعب أنا..”حدث تاريخي في غياب أكثر من ثلثيْ الناخبين والناخبات”
من صفحة الرئاسة التونسية على فايسبوك

بمجرد إعلان هيئة الانتخابات النتائج الأولية للاستفتاء، خرج الرئيس قيس سعيد ليلتقي “شعبه” مهللا بالحدث التاريخي وبالعبور بفعل هذا “الانتصار المشهود” إلى “جمهورية وفق تصورات الشعب”، مردفا أن “وسيتمّ المرور إلى جمهورية وفق تصوّرات الشعب… سنحقّق المعجزات وليس هناك معجزات بالنسبة للتونسيين..”. وفي حين صرّح الرئيس بالمناسبة نفسها أن أصوات المقترعين على الدستور كانت مرتفعة، فإنّ الأرقام النهائية التي أعلنتْها الهيئة دحضت ذلك، حيث أن عدد المشاركات والمشاركين بلغ وفقها 2830094 أي ما نسبته 30.5% من مجموع المسجلين فقط، في حين أن عدد المصوتين بنعم بلغ 2607884 أي ما نسبته 28,1% فقط.

فكيف يمكن أن نفهم هذا ” الانتصار التاريخي” بمقاييس الرئيس قيس سعيد؟

1. استفتاء الرئيس: مسارٌ غير ديمقراطي

إذا كان الاستفتاء أسلوبًا من أساليب الديمقراطية المباشرة، فإن مسار إعداده و القيام به يتوجب أن يكون ديمقراطيًا أيضًا. وبالنظر في مسار استفتاء 25 جويلية 2022، نلاحظ غياب كلّ مقومات الشفافية والآجال المعقولة لإجراء استفتاء على وثيقة أساسية هي الدستور.

في غياب الشفافية

برزت مؤشرات عدة على غياب الشفافية، أبرزها الآتية:

  • عزل الرئيس أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وعوّضهم بأعضاء عيّنهم بنفسه “بموجب المرسوم عدد 22 المؤرخ في 21 أفريل 2022” و أصبح للرئيس الكلمة الفصل على هؤلاء الأعضاء. ثم نقح القانون المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء بموجب المرسوم عدد 34 المؤرخ في الأول من جوان 2022 والذي كان قد عدّله بالمرسوم عدد 32 المؤرخ في 25 ماي 2022. هذه التنقيحات المتكرّرة والمتلاحقة أحكمتْ قبضة الرئيس وسلطته التنفيذية على المسار.
  • تعيين اللجان التي تشرف على إعداد الدستور واقتراح الإصلاحات الكبرى بموجب المرسوم عدد 34 المؤرخ في 19 ماي 2022. هذه اللجان التي لم تحترم أيّ قاعدة من قواعد الشفافية ولا التمثيلية والتي لا يعلم أحد حتّى اليوم كيف اشتغلت بخاصّة بعدما رفض مجمل عمداء وعميدات كليات القانون الانضمام لها، ثم كان رفض الرئيس لمشروع الدستور المقدم من اللجنة وإصداره  مشروع دستوره الخاص به في 30 جوان 2022 ونقحه في نسخة محينه في 8 جويلية 2022.
  • في الأثناء، كان عمل هيئة الانتخابات يفتقر الى كل شفافية سواء في احتساب عدد المسجلين حيث تعلن تارة أن العدد يتجاوز 9 ملايين و3 مائة ألف ثم ينقص الى 9 ملايين وستين ألفا… دونما بيان لأسلوب الاحتساب ومصادر البيانات.

في التلاعب بالآجال

الآجال المعقولة والمقبولة مكوّن أساسي لجعل العملية الانتخابية والاستفتائية مقبولة ومشروعة. إلا أنّ للرئيس قيس سعيد مفهومه للآجال كما مفهومه للزمن حيث اختُزلتْ كل الآجال. فمنذ الانطلاق القانوني للاستفتاء بتنقيح قانون هيئة الانتخابات إلى اجراء الاستفتاء على الدستور، لم تستغرق المسألة أكثر من 3 أشهر بما في ذلك: تركيبة الهيئة وتغيير مكانتها الجهوية وانتداب الأعوان وتحيين قائمات المسجلين..وصياغة الدستور. “حملة الاستفتاء” التي لم تدُمْ إلا 15 يوما من 8 إلى 23 جويلية.. كلها لم تكن لتعطي أيّ مساحة زمنية للقراءة والنقاش والتحاور والتجادل.

هذه النقائص العميقة جدا والتي انتهت بتشكيك رئيس لجنة صياغة الدستور (العميد الصادق بالعيد) في نصّ رئيس الجمهورية مثلت خروقات جمّة لا يمكن أن تعطي لعملية الاستفتاء أي مشروعية. وهو ما دعا أغلب الطيف السياسيّ والمدنيّ إلى مقاطعته.

2. استفتاء فاقد لضمانات شرعيته

الاستفتاءات وخاصة التي يكون موضوعها الوثيقة الأسمى في الدولة تُحاط عادة بأعلى ضمانات الشرعية والتي ستؤدّي إلى مقبوليتها وعدم التشكيك فيها. إلا أنّ ما لاحظناه ورغم  المطالب العديدة منذ بدء عملية الإعداد للاستفتاء “أفريل 2022” والمتعلّقة بعتبة المشاركات والمشاركين فيه واشتراط ألا يكون الاستفتاء سليما إلا بمشاركة نصف المسجلين على الأقلّ إن لم يكن الثلثيْن، خاصة وأنه يتعلّق بالنصّ الأعلى في الدولة والذي سينظم الحياة السياسية ويؤسس للعقد الاجتماعي الجديد.

إلا أن الاستفتاء لم يتضمّن أيّا من هذه الضمانات في النصوص المتعاقبة التي أصدرها رئيس الجمهورية ولا التي أصدرتها هيئة الانتخابات. الأدهى من ذلك أنّ مشروع الدّستور قد نصّ في فصله 142 على أنه ” يدخل هذا الدستور حيّز النفاذ ابتداءً من تاريخ إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن نتيجة الاستفتاء النهائية” دونما تنصيص على وجوب أن يكون الاستفتاء بنعم ولا، أو أن تتوفر نسبة أو عتبة لهذه “النعم”.

المسألة محسومة لدى رئيس الجمهورية. فالدستور سيمرّ مهما كانت النتائج. هذا اليقين بمرور نصّ قانوني أو نجاح أي عملية انتخابية أو استفتائية لا نجده إلا في الديكتاتوريات.

وعلى سبيل المقارنة مع النصوص القانونية التونسية وبمعزل عن التجارب المقارنة، فإننا نلاحظ أن مجلة الجماعات المحلية وفي تنظيمها للاستفتاءات المحلية اشترطت ألا تقلّ عتبة المشاركة على ثلث المسجلين “الفصل 33 قانون عدد 29 سنة2018”. فهل يعقل اشتراط عتبة في أي استفتاء محلّي من دون اشتراط أي عتبة عند استفتاء الشعب بأكمله على النصّ الأعلى للدولة؟ فكيف يمكن ترتيب آثار قانونية هامة تتمثل في إقرار دستور لدولة في ظل امتناع 70% من المسجّلين والمسجّلات  من المشاركة في الاستفتاء عليه؟

إن هذه النتائج الأولية الهزيلة كانت متوقعة رغم تجنيد كل أجهزة الدولة وإصدار رئيس الجمهورية لقرارات شعبوية انتخابية وصرف رواتب المتقاعدين قبل مواعيدها وتغيير شروط الالتحاق بالمدارس والمعاهد النموذجية فضلا عن كسره للصمت الانتخابي عند خروجه من مكتب الاقتراع بدعوته الناخبين الى التصويت بنعم.

هذه الأرقام لا تعني الرئيس قيس سعيد في شيء ولا قيمة لها لديه. فقد كان رئيس الجمهورية قد دستر نتائج استشارته الشعبية رغم مشاركة 534 ألف شخص فقط فيها… لأن الرئيس فقط هو الذي ينطق باسم الشعب، لأنه هو الشعب.  

انشر المقال

متوفر من خلال:

أحزاب سياسية ، حركات اجتماعية ، تشريعات وقوانين ، حرية التعبير ، مقالات ، تونس ، دستور وانتخابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني