فضيحة قضائية في تونس: والهيئة تتدخل لمحاسبة القاضي وصون القضاء


2016-08-12    |   

فضيحة قضائية في تونس: والهيئة تتدخل لمحاسبة القاضي وصون القضاء

ذكر النقابي الأمني عصام الدردوري أنه يمسك تسجيلات تؤكد استغلال “قاض” يشتغل بالقطب القضائي لمكافحة الارهاب لفتاة قاصرة متهمة في قضية إرهابية جنسياً وتوعّد بكشف ما لديه من مؤيدات بندوة صحفية يعقدها يوم 09-08-2016. منعت لاحقا الإدارة العامة للأمن الوطني عقد الندوة الصحفية، إلا  أن هذا المنع لم يحل دون تسرّب وقائع الفضيحة للإعلام.
استحال سريعا حديث التسجيل إلى موضوع سجال إعلامي. فمن جهة، الذين يتهمون القضاء بالفساد والتستر على الفاسدين والارهابيين، ومن جهة أخرى، الذين نبّهوا لكون التسجيلات التي يدعى حيازتها تمّ تسجيلها بعدما تولّى النقابي الأمني إقناع الفتاة القاصرة بالإيقاع بالقاضي المعني. وقد ألمح هؤلاء أن الهدف من هذه التسجيلات، هو استخدامها لاحقاً في مقايضات للتغطية على قضايا جارية[1]. أدى منع نشر الفضيحة من اكتشاف الحقائق، وأدى الخوف على الثقة العامة في القضاء الذي قُدّم كمبرّر لهذا المنع إلى جعل كل القضاء متهما بالفساد.
اختارت الهيئة الوقتية للقضاء العدلي بتاريخ 11-08-2016 أن تكسر حاجز الصمت الرسمي بأن أصدرت  بيانا في الموضوع موجها للرأي العام. أتى في البيان الإعلامي أن وزير العدل الذي تلقى بتاريخ 20-07-2016 شكاية من “المنظمة التونسية للأمن والمواطن”[2] موضوعها شبهة قيام مساعد أول  لوكيل الجمهورية بالقطب القضائي لمكافحة الارهاب بأفعال وصفتها الهيئة بأنها “أفعال يجرمها القانون وتنال من سمعة القضاء وهيبته”. وقد تولّى الوزير بذات التاريخ إحالة نسخ من الشكاية للهيئة والتفقدية العامة لوزارة العدل الأولى للاعلام والثانية للتعهد بالبحث.

وكشفت الهيئة في بيانها أنها وبعد اطلاعها على نص الشكاية استشعرت بالغ خطورة وقائعها فراسلت وزير العدل بتاريخ 26-07-2016 لتطلب منه استعجال الأبحاث، هذا الاستعجال الذي حرصت عليه التفقدية العامة لوزارة العدل تلقائيا بختمها لبحثها الاداري بتاريخ 28-07-2016.
ورد في بيان الهيئة أن التفقدية العامة لوزارة العدل انتهت في توصياتها إلى أن تطلب من وزير العدل “الإذن بإحالة القاضي المعني على مجلس التأديب من أجل خرقه لواجب الحياد والنزاهة وإتيان سلوك يتنافى وأخلاقيات القضاء والزيغ عن شروط ممارسته والإذن بإجراء تتبعات جزائية طبق الفصل 23 من مجلة الإجراءات الجزائية[3]كالإذن للجهات المعنية باتخاذ التدابير اللازمة طبقا للقانون عدد 26 المؤرخ في 7 أوت 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال ومقتضيات مجلة حماية الطفل.” كما ورد بذات البيان وفي إطار استعراض الوقائع أن الوزير طلب بتاريخ 29-07-2016 من التفقدية إجراء أبحاث تكميلية واختبارات فنية، وهو أمر رفضت التفقدية إجراؤه على أساس أن “الأبحاث المطلوبة تخرج عن اختصاصها وتعود لمجال البحث الجزائي”.

بينت الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي في بيانها أنها رفضت في جلستها العامة مطلب الاستقالة الذي تقدم به القاضي المشتبه به وذلك لتقديرها ضرورة تحميل المسؤوليات، وأنها ما زالت تنتظر إحالة الوزير باعتباره يحتكر صلاحية تعهيدها تأديبيا[4]لتنظر في المؤاخذات المدعى حصولها. وقد انتهت الهيئة إلى القول بأنها “وبقدر حرصها على تفعيل المساءلة لكل من خالف القانون ونال من شرف المهنة تؤكد رفضها توظيف واقعة شاذة معزولة للنيل من سمعة القضاءوزعزعة ثقة المواطنين فيه وتدين كل الممارسات التي تسعى إلى التشكيك في الدور الذي يضطلع به القطب القضائي لمكافحة الإرهاب في المجهود الوطني لمكافحة الإرهاب طبق الضوابط التي وضعها الدستور والقانون في إطار حماية الحقوق والحريات.”

يبدو بيان الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي هامّا لجهة أنه تضمن في صياغته اعترافاً بحق الرأي العام في الاطلاع على الفضيحة المدعى حصولها لتعلقها بمرفق القضاء ولجهة أنه كشف عن تدخل من وزير العدل لتعطيل الأبحاث في القضية. وبذلك، كرست الهيئة مبدأ هاما يقطع مع ثقافة قضائية كانت سائدة ومكرسة قانونا تفرض قانون الصمت فيما تعلق بالقضايا التي لا زالت محل بحث.
بالمقابل، يظهر سعي وزير العدل إلى تعطيل المحاسبة في  القضية التي شغلت الرأي العام أمراً يصعب تبريره ولا يمكن أن يخرج عن فرضية من ثلاث:

الفرضية الأولى: أن الوزير يبحث عن التأكد من صدقية الإتهام قبل الإذن بالإحالة على مجلس التأديب حماية للقاضي المشتبه به. وهذه الفرضية يدحضها تأكيد التفقدية العامة لوزارة العدل أنها لم تعد قادرة على مزيد تعميق أبحاثها الإدارية،  
الفرضية الثانية: أن الوزير يسعى للتغطية على القاضي المشتبه به منعا للفضيحة. وهذه فرضية تبدو مستبعدة في ظلّ توصّل الإعلام الكلاسيكي والبديل لتفاصيل الأفعال المعزوة للقاضي المعني،  
الفرضية الثالثة: أن الوزير يؤجل الإذن بالأبحاث لحين حلول الزمن الذي يلائم سياسيا الكشف الرسمي عن الوقائع. وقد تتعزز هذه الفرضية في الإعلان الرسمي عن قرب تشكيل الحكومة الجديدة والتي سيكون من أولوياتها مكافحة الفساد. وفي حال صحّت هذه الفرضية، يمسي تعاطي السياسي مع ملف فساد مدخلا لفساد من نوع آخر .
وبالنظر لأهمية بيان الهيئة الوقتية للإشراف العدلي ولصبغته المبدئية، تتولى المفكرة القانونية نشره لإطلاع الرأي العام على تفاصيل القضية أولا ولتأكيد أهمية الشفافية في معالجة التجاوزات الفردية بما يمنع من تحولها لخطيئة جماعية.
 
بيان الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي المؤرخ في 11-08-2016
 تبعا لما تم تداوله في وسائل الاعلام حول ما نسب لأحد المساعدين الأول لوكيل الجمهورية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب من شبهة ارتكاب أفعال يجرمها القانون وتنال من سمعة القضاء وهيبته، 
يهم الهيئة الوقتية للقضاء العدلي أن توضح للرأي العام ما يلي:
أنه بتاريخ 20 جويلية 2016 تقدمت المنظمة التونسية للأمن والمواطن بشكاية إلى السيد وزير العدل أحالها بنفس التاريخ على الهيئة الوقتية للقضاء العدلي للإعلام وعلى السيد المتفقد العام بوزارة العدل لتعهيده بالبحث فيها.
أنه بالنظر لما تتسم به هذه الوقائع من بالغ الخطورة وجهت الهيئة بتاريخ 26 جويلية 2016 مراسلة إلى السيد وزير العدل للتعجيل بإتمام الأبحاث المأذون بها للتفقدية العامة بوزارة العدل حتى تتمكن من اتخاذ الإجراءات المخولة لها قانونا.
أنه بتاريخ 28 جويلية 2016 ختمت التفقدية العامة أبحاثها بعد سماع جميع الأطراف المعنية وإجراء الاستقراءات اللازمة واقترحت ضمن المذكرة المعروضة على السيد وزير العدل بنفس التاريخ الإذن بإحالة القاضي المعني على مجلس التأديب من أجل خرقه لواجب الحياد والنزاهة وإتيان سلوك يتنافى وأخلاقيات القضاء والزيغ عن شروط ممارسته والإذن بإجراء تتبعات جزائية طبق الفصل 23 من مجلة الإجراءات الجزائية كالإذن للجهات المعنية باتخاذ التدابير اللازمة طبقا للقانون عدد 26 المؤرخ في 7 أوت 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال ومقتضيات مجلة حماية الطفل .

أنه بتاريخ 29 جويلية 2016 طلب السيد وزير العدل من التفقدية العامة القيام بأبحاث تكميلية واختبارات إلا أن التفقدية تمسكت بطلب إحالة القاضي المعني على مجلس التأديب والإذن بإحالة الأبحاث على النيابة العمومية باعتبار أن الأبحاث التكميلية المطلوبة يضيق بها مجال تدخل التفقدية العامة بوزارة العدل التي تختص بالأساس بإجراء الأبحاث الإدارية وليست لها الوسائل القانونية والمادية للقيام بالأبحاث المطلوبة منها التي تبقى من صميم اختصاص القضاء الجزائي دون سواه وفق ما ورد بمذكرتها المؤرخة في 2 أوت 2016.
أنه بالنظر إلى أن هيئة القضاء العدلي لا تتعهد تلقائيا بالملفات التأديبية عملا بأحكام الفصل 16 من القانون عدد 13 لسنة 2013 المتعلق بإحداث هيئة وقتية للإشراف على القضاء العدلي الذي قصر جهة الإحالة على وزير العدل فإنه تعذر عليها إلى حد هذا التاريخ البت تأديبيا فيما نسب للقاضي المعني بالأمر.

أنه بتاريخ 21 جويلية 2016 تقدم القاضي المعني بمطلب استقالة تم رفضه بموجب القرار الصادر عن الجلسة العامة للهيئة المنعقدة يوم 22 جويلية 2016 لتزامن طلب الاستقالة مع بلوغ العلم للهيئة بالأفعال المنسوبة له والتي تمس من هيبة القضاء وسمعته وتقتضي التحري فيها وترتيب الأثر المتعين عنها متى قامت الحجة على ثبوتها.
إن هيئة القضاء العدلي وبقدر حرصها على تفعيل المساءلة لكل من خالف القانون ونال من شرف المهنة تؤكد رفضها توظيف واقعة شاذة معزولة للنيل من سمعة القضاء وزعزعة ثقة المواطنين فيه وتدين كل الممارسات التي تسعى إلى التشكيك في الدور الذي يضطلع به القطب القضائي لمكافحة الإرهاب في المجهود الوطني لمكافحة الإرهاب طبق الضوابط التي وضعها الدستور والقانون في إطار حماية الحقوق والحريات.
 



[1]يراجع مقال :ماهر زيد يكشف تفاصيلها و خيوطها..ما يُعرف بفضيحة “سنبل آغا”..كيف إستخدم الدردوري الجنس لإبتزاز الدولة  – نشر بتاريخ 06-08-2016 بموقع الصدى نيوز
www.essada.net
 
[2]جمعية ذات صبغة نقابية ينشط بها امنييون                                                                                                                  
[3]يخول الفصل 23 من مجلة الاجراءات الجزائية لوزير العدل الاذن للنيابة العمومية باجراء الابحاث الجزائية بالجرائم التي يحصل له بها علم     
[4]ينص الفصل 16 من القانون الاساسي عدد 13 لسنــة 2013 مؤرخ في 2 ماي 2013 والذي يتعلق بإحداث هيئة وقتية للإشراف على القضاء العدلي   على انه “تتعهد الهيئة بالملف التأديبي الذي يحيله لها وزير العدل بناء على تقرير تعده التفقدية العامة  “.
 
انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، استقلال القضاء ، محاكمة عادلة وتعذيب ، مقالات ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني