فضيحة التحرّش في “جورج صرّاف” تفتح باب الإفصاح: “ما وقفت ع سامر”


2021-12-18    |   

فضيحة التحرّش في “جورج صرّاف” تفتح باب الإفصاح: “ما وقفت ع سامر”

وعيٌ متزايد بخطورة التحرّش وضرورة فضحه، سبقه وعي أدّى إلى انتفاضة طالبات ثانوية جورج صرّاف الرسمية في طرابلس على ممارسات أستاذهنّ المتهم بالتحرّش، احتضان شعبي واسع للطالبات، أوقف الأستاذ عن العمل، واستبدال مدير الثانوية، وبدء الملاحقة القضائية بحقّ المتهم. هذه هي الحصيلة الأوّلية لصرخة ضحايا الأستاذ المتهم بالتحرش سامر مولوي في الثانوية. ولكنّ الأهم أن كشف الطالبات لممارسات الأستاذ فتح الباب لطالبات أخريات للإفصاح عن تجاربهنّ معه كما فتح الباب لتعبير أخريات في القطاع التعليمي عن قصصهنّ مع التحرّش سواء على مواقع التواصل الإجتماعي أو في أحاديث أجرتها “المفكرة القانونية” معهن، يمكن اختصارها بعبارة وردت على لسان إحدى المعلّمات: “شو وقفت ع سامر، في متلو متايل”.

فبعد سنوات من الشكاوى ضد سامر مولوي، تحرّكت وزارة التربية أخيراً وفتحت تحقيقاً داخلياً موسّعاً حيث قام جهاز التفتيش بتتبع مسار المخالفات في الثانويات التي سبق للأستاذ أن مارس العمل فيها، وصولاً إلى توجّه واضح ببدء ملاحقته قضائياً. كما قامت وزارة التربية باستبدال المدير السابق محي الدين حداد بالأستاذ أحمد حروق في إدارة الثانوية الواقعة في منطقة أبي سمراء طرابلس، وأعلنت عن نيّتها بدء عملية التأهيل النفسي والدعم للناجيات. 

في موازاة ذلك، تتّجه الطالبات الناجيات إلى الادّعاء قضائياً بصورة مستقلة عن الوزارة، وقامت مجموعة منهنّ بتوكيل المحامي خالد مرعب الذي يؤكّد لـ “المفكرة”أنّ التوجّه هو إلى ادّعاء جماعي ضد الأستاذ. 

صرخة غنى في وجه التحرّش وانعدام المحاسبة

في 3 كانون الأول كتبت الشابة غنى ضنّاوي شهادة عمّا جرى ويجري معها ومع رفيقاتها في الصفّ على فيسبوك وطلبت مشاركة منشورها على نطاق واسع. كتبت غنى في المنشور أنّ الأستاذ سامر مولوي بعد انتهاء الصف قرر أخذ صورة مع الطالبات ولكن الأستاذ “اللي بيمسك إيادي تلميذاته يهدّدهن إنّو علاماتهن رح تنحدر لو رفضو تصرّفاته، ورح يضايقه وجود بنات مش حابين يتصوّرو معه”. وتتابع أنّه بعد انتهاء الصورة  توجّه الأستاذ إلى تلميذة معيّنة بكلام مذلّ جداً مثل: “يا حقيرة، يا حيوانة، إخرسي”. وتتابع: “الكلّ سكت بعدين في بنت طلبت الذهاب إلى الحمام، فقال لها: إنتو بدكن صرماية تدعس على راسكن، وهو رافع إجرو”. وتضيف “طبعاً توجّهنا للإدارة اللي ما إستجابت وتجاهلت طلباتنا منشان هيك اليوم رح إحكي هون عن هالشخص وتصرفاته واطلب منكم انتو توصلو انو في بنات مش حاسة بالأمان بوجود هيك شخص بمنصب أستاذ”.  

تقول غنى في حديث مع “المفكرة” أنّ الفتيات انتفضن في تلك الحصة لكرامتهن، وطلبن منه بعضاً من الاحترام، وهو ما أدّى إلى مشاحنة داخل الصف، وانتهت الأمور إلى شكوى لدى الإدارة من غنى التي اتهمت الأستاذ بالتحرّش العلني لفظياً وجسدياً بها وبرفاقها.

تصف ابنة الـ17عاماً أستاذ مادة التربية المدنية بأنّه استعراضي وأنّه في كل مرّة يدخل الصف يبدأ الـ “show” المعتاد حيث يتعامل حيناً بفوقية مع بعض الطلاب، وأحياناً يخرج عن لياقات التخاطب والتصرّف السليم. تروي غنى أنّ:”سامر (الأستاذ) يقترب من الفتيات، يضع يده أحياناً على أكتافهن، كما اعتاد أن يفعل، ويرافق ذلك مع كلام غزل وكلام رقيق  يمتلك منه قاموساً غنياً. ودائماً مع عبارات “يا عمري، حبيبتي، يا حلوة” في كلّ حين وآن”. 

تعتبر غنى أنّ موقف الإدارة غير مقبول إذ تعاملت معهنّ بذكورية، مشيرة إلى أنّ المدير محي الدين حداد ردّ بأنهنّ “في عمر الزواج” وأنّ “والدته كانت متزوّجة عندما كانت في سنّهنّ”. كما طلب المدير من غنى إحضار أهلها بسبب مشاجرتها مع الأستاذ في الصف حسب روايتها. عادت غنى إلى البيت، وهي حانقة على ما جرى هناك، ف”جدران الصف الأربعة، يجب أن تكون مكاناً للتعلم والتعليم وليس للتعدّي والتحرّش بالأطفال”، كما تعبّر.

في المقابل وجدت غنى في بيتها مكاناً أفضل وأكثر أماناً للنقاش حيث أخبرت أهلها بما جرى ولم تخف من ردة فعلهم، كما أنّها لم تخفِ مما جرى معها في المدرسة، وأبلغتهم نيّتها “فضح” ما جرى، ورفع صرخة بوجه الثقافة السائدة للتحرّش والإفلات من العقاب. وبعد موقف الإدارة المتخاذل بالنسبة لغنى وزميلاتها، قررت غنى نشر القصة على صفحتها على فيسبوك، لتخبر ما جرى معها ومع رفيقاتها من شتائم وتحرّش.

باب الإفصاح يُفتح

شكلت صرخة غنى فرصة لإفصاح عدد كبير من الطالبات عمّا يجري معهنّ في المدارس، وكانت كرأس جبل جليد يخفي في عمقه أسراراً كثيرة. بدأت الفتيات ومعهن الفتيان في مدرستها ومدارس أخرى تنقل بينها الأستاذ برواية ما جرى معهم. المشترك في الروايات أنّ مصير شكاويهم كانت تنتهي إلى الجارور في الإدارة أو الوزارة، وبقرار نقل الأستاذ إلى ثانوية أخرى من دون معاقبته. استمعت “المفكرة” إلى قصص  طالبات وطلّاب سابقين وحاليين في هذا المجال، وكذلك معلّمات وأساتذة شاركوا شهادات تؤكّد انتشار ظاهرة التحرّش الجنسي في المدارس، والمشترك في الشهادات هو الخشية من نظرة المجتمع التي حالت دون إفصاح الضحايا عما يتعرّضون إليه، لأنّ شرائح واسعة من المجتمع تساوي بين المجرم المتحرّش وضحاياه.

تروي إحدى الطالبات التي تحفّظت على ذكر اسمها، إلى أنّها تعرّضت للتحرّش من قبل الأستاذ نفسه مرّات عدّة، وشكّلت مرحلة التعلّم عن بُعد إحدى محطاتها، إذ لم يكتف بكلام الغزل والدعوة للقائه، إنّما “قام في إحدى المرّات بالاتصال عبر تقنية الفيديو بالطالبة بحجّة إجراء اختبار لها، وكان موجوداً في سريره”، بالإضافة إلى إرسال “ستيكرز غير مرغوب فيها للطالبات”. وتقول إنّها لم تمتلك جرأة زميلتها للحديث في السابق، لأنّ المجتمع لا ينصف الفتاة، وقد يجد مبرّراً للمتحرّش بما يهين الضحايا. وهذا ما تؤكّده غنى التي تتحدث باسم الضحايا عن “صرخة بوجه مجتمع ذكوري يبرّر الاعتداء على الفتيات، ويمنعهنّ من التعبير عن معاناتهنّ”، مضيفةً أنّها “عبّرت عن تجارب مرّت بها المئات من الطالبات والطلاب الذين كانت لديهم الخشية من الحديث بالأمر أمام الرأي العام بسبب الخشية من ردود الفعل السلبية في حين أنّ الاحتضان يشجّع آخرين على الكلام ورفض التحرّش لما فيه من أثر نفسي شديد”.

من هنا تؤكّد غنى أنّ “ردود الفعل التي احتضنت قضيتها ودعمتها، وإفصاح فتيات أخريات وشبّان عن تعرّضهم للتحرّش، يؤكّد صوابية إثارة القضية أمام الرأي العام”، وأنّ صرختها “فتحت الباب أمام توعية الرأي العام من مخاطر التحرّش وآثاره النفسية والاجتماعية العميقة على الشبّان والشابات”. 

انتفاضة الطلبة والمناصرة

كان لصرخة غنى الفيسبوكية تداعياتها على أرض الواقع، حيث وبدءاً من نهار الإثنين 6 كانون أول تحول الشارع المقابل لثانوية جورج صراف في أبي سمراء إلى ساحة للإعتصام. وإجتاح الطلاب الغاضبون حرم الثانوية، ودخلوا إلى الإدارة. وإستمر الإضراب والتحركات التي لاقت تضامناً في أوساط الطلاب من مختلف المدارس بصورة يومية، وصولاً إلى تعيين الأستاذ أحمد حروق لإدارة شؤون الثانوية بديلاً عن محي الدين حداد. 

ويلفت هادي مجدلاني من نادي الطلبة إلى أنّ دورهم أساسي لتحصين مطالب غنى، وعدم الاستفراد بها “بعد أن كسرت تابو خطيراً برأي المجتمع”، و”كان من الضروري تأمين الحصانة الشعبية للفتيات من أجل تشجيعهنّ على الكلام”. واتّخذت حملة المناصرة مستويات مختلفة، فمن ناحية نشرت دعوات التحرّك أمام الثانوية عبر المنصات المختلفة، كما ساهم النادي في نشر الأخبار الموثوقة عن حالات تحرّش على نطاق واسع، الأمر الذي جعلها في مقدّمة اهتمامات وسائل الإعلام. كما نشرت المنصة شهادات مكتوبة لطالبات عن حصول حالات تحرش على فترات مختلفة، وفي مؤسسات تربوية متعددة. ولكن لم يخلُ الأمر من “انسحاب بعض الطالبات من المشهد، بعد أن تحدّثن عن التعرّض للتحرّش، ربما بسبب ضغوط مورست عليهنّ والتي يمكن أن تأخذ أشكال مختلفة”.  

وعبّر الناشط مجدلاني عن استهجانه لتقديم بعض المنصّات الإعلامية الفرصة للمتهم بالتحرّش من أجل الحديث، والادّعاء بأنّ هناك من يستهدفه بسبب مسيرته الناجحة. وحذر من محاولات تحجيم القضية من خلال البحث عن أسباب تبرّر له وانتشر بعضها عبر مواقع التواصل الإجتماعي.

المزيد من الشهادات من طالبات ومعلّمات

وثق نادي الطلبة على حسابه على “إنستاغرام” مجموعة من شهادات ضحايا تحرّش الأستاذ نفسه من بينها شهادة لإحدى الطالبات تروي فيها أن “كنّا بصف كلّو بنات، وهو كان موجود. رفيقتي طلبت إذن تروح على التواليت، وبعد مجادلة لأنها مضطرة للذهاب إلى الحمام مش للكزدورة، بعدها قبل، وأثناء خروجها من الصف، وضع يده عليها من الخلف”. وتضمّنت الشهادات إشارة إلى أسلوب التقييم والعلامات، “كلّ البنات بينجحوا، بإستثناء اللي بيتخانق معهن، أما الشباب ف تحت المعدل”. 

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، “لما بنت تقرأ بالصف، كان يقرّب عليها، ويمسك إيدها أو فخذها”. كما كان يطلب التقاط الصور مع الطلاب، وفي إحدى المرّات “وضع يده على صدر إحدى الفتيات، فتخانق معه شباب الصف”. كما قدّم أحد الشباب شهادته التي يقول فيها “كانت ملامحي ناعمة وصوتي مش خشن كفاية، قام الأستاذ بمناداتي لتقديم دفتر الدروس، وضع يده على خصري، وقرّبني لعندو، بحجّة إسمعو منيح. وبعد ذلك غرغرني ببطني. أنا ما عرفت شو إعمل لأن اعتبرت الموقف عادي”. ويضيف الشاب أنّ “أهلي ما بيعرفو هالحكي لأنّ بعرف الناس شو لح تحكي عليي”.

وخلال عملية البحث الميداني واستطلاع الآراء والقصص، كان ملفتاً أحد التعليقات في الأوساط التربوية: “ما وقفت على سامر”، فهو بالنسبة إليهم واحد من “شريحة” من المتحرّشين. تروي إحدى المعلمات التي كانت في ثانوية للبنات لـ “المفكرة” أنّه “كان هناك أستاذان يتحرّشان صراحة بالفتيات، تارة بالغناء والمزاح الذي يحمل معان وتلميحات، وطوراً يلاعب هذه ويلاطف تلك، ويربّت على شعر إحداهنّ، ويمسك بيد أخرى”. وتضيف “لا نعلم لماذا لم تكن لدينا الجرأة حتى بإخبار أهلنا بما يجري هناك”. وتذهب معلمة أخرى بعيداً حيث تؤكد أنّها “تعرّضت لتحرّش واضح من قبل زميل لها خلال الامتحانات الرسمية، ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحد وإنما انتقل إلى واتساب حيث أخذ رقمها عن مجموعة الأساتذة، وبدأ بإرسال رسائل تدعوها إلى ترك زوجها ومرافقته، وصولاً إلى إرسال فيديو فاضح”.   

ممارسات متمادية من الأستاذ من دون محاسبة

تقول مصادر تربوية لـ “المفكرة” إنّ “التفتيش التربوي بدأ بتتبّع ملفّ الأستاذ سامر وممارساته في المدارس التي سبق أن درّس بها، ولكنهم تأخروا لأنّ المشكلة عمرها سنوات طويلة، حيث تعاقَب على مدارس مختلفة”.   

إذاً لم تقتصر ممارسات الأستاذ على ثانوية جورج صرّاف، فقد وردت شكاوى بشأن إساءته معاملة الطلاب في ثانويات أخرى وكان في كلّ مرّة يتمّ نقله إلى مدرسة أخرى. يروي الشاب محمد لـ “المفكرة”: “تخانقت مع الأستاذ، وضربته عندما طرحت عليه سؤالاً خلال شرح الدرس، فعوضاً عن الإجابة عن الاستيضاح، قال لي: روح إسأل أمك”. ويروي آخر من ثانوية الحدادين للصبيان: “كان يتوجّه إلينا بعبارات مخزية، يا كلب، ويا حيوان، وقد تضارب معه أحد الطلاب عندما قال له كلمة نابية بحق أمّه”.

من جهته، يقول مدير الثانوية محي الدين حداد (مدير ثانوية جورج صراف) في حديث سبق استبداله بأحمد حروق، إنّه “منذ 2017 تاريخ نقل الأستاذ إلى ثانويته، أرسل 7 كتب إلى وزارة التربية طالباً فيها طرد الأستاذ من التعليم بسبب ممارساته غير التربوية مع الطلاب”، لأنّه وحسب حداد “مرفوض الاكتفاء بإجراء نقله من مدرسة إلى مدرسة عند كلّ مخالفة، لأنّه لا يمكن تركه في الصف مع الطلاب، ولا يجب إدخاله إلى أيّ صرح تربوي”. ويردّ حداد على اتّهامه بالتقصير في التعامل مع شكوى غنى، قائلاً “أرسلت الاستجواب إلى سامر، ولم يصلني منه جواب إذ يفترض أن أقرنه مع شكوى الطالبات لإرسالها وفق التراتبية إلى المديرية العامّة للتعليم الثانوية حيث يتّخذ القرار”. وكشف أنّه خلال اجتماع في وزارة التربية، وعند سؤاله من قبل الوزير عباس حلبي عن الإجراءات التي اتّخذها بحق هذا الأستاذ، “أحلت السؤال إلى مدير عام التربية، ومدير التعليم الثانوي”، مكرّراً أنه “لا يمتلك صلاحية إنهاء استخدام أستاذ من الناحية القانونية، فحتى الحاجب لا يمكنني إنهاء أعماله من دون العودة إلى الوزارة”. 

يعبّر حداد عن تقديره لما فعلته الطالبات من إثارة القضية أمام الرأي العام، فهنّ برأيه قمن بما لم يتمكّن غيرهن من القيام به. ويعلّق على اتّهامه من قبل الطلاب وبعض الأهالي بالتقصير “الإدارة تقوم بواجباتها”، من دون أي توضيح إضافي.

بعد فضح الأستاذ، هيّا إلى المحاسبة 

لم تكتفِ غنى بعرض القضية أمام الرأي العام إنّما انتقلت إلى مرحلة تقديم شكوى قضائية ضد سامر لأنها “لا تثق كثيراً بالإجراءات التي يمكن أن تتخذها الإدارة التي لم تنصفها، ولم تستمع إلى شكاوى زملاء أخرين في السابق”، وفق ما تقول لـ “المفكرة”. 

وليست غنى وحدها من ستتحرّك في القضاء ضدّ الأستاذ إذ يتمّ التحضير لدعوى قضائية جماعية تضمّ سبع ناجيات. وسيتمّ رفع الدعوى عند اكتمال التوكيلات. ويشير المحامي خالد مرعب إلى أنّ الادّعاء سيستند إلى قانون التحرّش والقوانين الجزائية الأخرى، ولن يقتصر على الفعل الأخير وإنّما سيتجاوزه إلى الأفعال السابقة للأستاذ. 

ودخل ناشطو نادي الطلبة الذي ولد من رحم 17 تشرين، على خطّ تنسيق الجهود وجمع الملفات، ويلفت الناشط سعيد السمّان إلى أنّ إعداد الملف بات على المشارف النهائية، وأنّ سبع ناجيات سيتقدّمن بالدعوى القضائية، فيما ستقوم ناجيات أخريات بالمساندة من خلال الشهادات.  

ويقول مجدلاني إنّه كان هناك “نقزة من بعض المحامين الساعين وراء الشهرة والإعلام. ولكن أظهرت الفتيات مستوى عال من الوعي، وكذلك لدى الطلّاب حيث تم التدقيق في سيرة ومسيرة كلّ محام يعرض خدماته للدفاع عن الشابات وخلفياته السياسية”.

القانون ينتظر الملاحقة 

في 21 كانون الأوّل 2020، أقرّ مجلس النواب اللبناني “قانون تجريم التحرّش الجنسي وتأهيل ضحاياه”، وبعد مرور عام على القانون ما زالت ثقافة التحرّش منتشرة على نطاق واسع، وفتح العالم الافتراضي مساحة إضافية لهذه الانتهاكات. ولكن بالرغم من ذلك، يؤمّن القانون إطاراً لحماية الناجين والناجيات وملاحقة المنتهكين. 

يذكّر المحامي كريم نمور أنّ المادة الأولى من القانون تعرّف التحرّش الجنسي بأنّه أي سلوك سيئ متكرّر خارج عن المألوف، غير مرغوب فيه من الضحية، ذي مدلول جنسي يشكل انتهاكاً للجسد أو للخصوصية أو للمشاعر يقع على الضحية في أي مكان وجدت، عبر أقوال أو أفعال أو إشارات أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية وبأي وسيلة تم التحرش بما في ذلك الوسائل الإلكترونية. ويعتبر أيضاً تحرّشاً جنسياً كلّ فعل أو مسعى ولو كان غير متكرّر يستخدم أي نوع من الضغط النفسي أو المعنوي أو المادي أو العنصري يهدف فعلياً للحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية يستفيد منها الفاعل أو الغير. 

يؤكد نمور ضرورة اللجوء لوسائل الإثبات العادية التي من خلالها يمكن الكشف عن التحرّش، كالرسائل النصية، واستجواب المتهم، والشهادات وغيرها من الوسائل. ويبقى على القضاء تقييم هذاه الأفعال، وتوصيفها وفق السياق الذي حصل فيه التحرّش، لافتاً إلى أنّ الفعل موضوع القضية الحالية هو جناية وليس جنحة، لأنّه، وفق القانون، ينقلب الفعل إلى جناية في حال وقع على حدث، أو كان الجاني ممن يمتلك سلطة مادية ومعنوية، وظيفية أو تعليمية على المجني عليه.

كما يوضح نمور مفهوم التكرار فهو على خلاف الفكرة السائدة بأنّه تكرار للأفعال المخالفة على فترات زمنية، إذ إنّ التكرار من الناحية القانونية يقتضي صدور حكم يدين الفاعل في الفترة السابقة على الفعل المدعى به.   

لناحية الجزاء، أقرّ القانون عقوبة الحبس من شهر حتى السنة وبغرامة تتراوح بين 3 اضعاف و10 أضعاف الحد الأدنى الرسمي للأجور أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكلّ من أقدم على جريمة التحرّش الجنسي. وتشدّد العقوبة لتصبح من 6 أشهر إلى سنتين حبس، وبغرامة من 10 أضعاف إلى 20 ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور أو بإحدى هاتين العقوبتين، في حال كان ضمن المؤسسات الرسمية أو التربوية. وإذا كان المتحرّش موظفاً وتعسّف في استعمال السلطة التي يتمتع بها، وصولاً إلى إنزال عقوبة تتراوح بين 4 سنوات حبس وغرامة تتراوح بين 30 إلى 50  ضعف الحد الأدنى للأجور في حالات عدّة نصّت عليها الفقرة ج من المادة الثانية من القانون، ومن ضمنها “إذا كان الجاني ممن له سلطة مادية أو معنوية أو وظيفية أو تعليمية على المجني عليه”.   

الوزارة تتحرّك متأخّرة: ماذا عن سياسة الحماية؟

دفعت قضية التحرش في ثانوية صراف إلى تحرك وزارة التربية لإجراء التحقيقات والملاحقة الوظيفية والقضائية. وتكشف مديرة الإرشاد والتوجيه في وزارة التربية هيلدا خوري في حديث لـ “المفكرة” أن ملف الأستاذ أحيل فوراً إلى وزارة العدل، وتقدم الوزير عباس الحلبي بدعوى جزائية ضد الأستاذ المعني. وتشير خوري التي تولّت مهمة التحقيق في الملف ضمن ثانوية جورج صراف، إلى أنّه “عندما علم الوزير بالموضوع طلب كامل الملف المتعلق بموضوع الأستاذ المعني، وفتح تحقيقاً لمعرفة تفاصيل ما جرى في السنوات السابقة”. 

ويبقى التساؤل مشروعاً عن سقف التحرّك الذي بدأته وزارة التربية، بعد أن تاهت الشكاوى في ثنايا الوزارة والسياسة. وترد خوري على السؤال المرتبط بسقف الملاحقة، فتؤكد أنه “فور تبلغ الوزارة بالموضوع، وبعد القيام بتحقيق أولي فوري، وبناء لاقتراح المدير العام والوحدات المعنية، اتخذ الوزير القرار بوقف الأستاذ المعني عن التدريس وأحال الملف إلى الهيئة العليا للتأديب، كما أحيل الملف إلى مصلحة الأحداث في وزارة العدل التي أكدت أنّ النيابة العامّة في الشمال فتحت تحقيقاً في الموضوع”. 

كما تلفت خوري إلى قيام وفد من الوزارة بزيارة للثانوية لأكثر من مرّة، وعقد اجتماعات عدّة مع الأساتذة والتلامذة والإداريين، متحدثةً عن متابعة للتلامذة من خلال برنامج متخصّص من قبل جهاز الإرشاد والتوجيه ومنظمات متخصصة، كما تم تكليف أستاذ جديد لمتابعة الشؤون الإدارية للثانوية وهو الأستاذ أحمد حروق بدلاً من المدير حداد. 

ولكن بعد حادثة التحرّش التي وقعت في ثانوية جورج صرّاف والشهادات الكثيرة التي تبعتها، من الملحّ السؤال عن دور الوزارة في تفعيل سياسات تحمي التلامذة في المدارس من العنف والتحرّش بكافّة أشكاله علماً أنّها أطلقت مع اليونيسف عام 2018 “سياسة حماية التلميذ في البيئة المدرسية” التي تلتزم بموجبها بتأمين “بيئة إيجابية توفّر التعليم الجيد والمنصف للجميع”. 

على صعيد المدارس، تشير خوري إلى ان “الوزارة من خلال المركز التربوي للبحوث والإنماء وبالتعاون مع منظمة يونيسف درّبت أستاذين في كلّ مدرسة ليكونا نقاط ارتكاز لسياسة حماية التلميذ . حتى الآن تمّ تدريب أساتذة  لهذه الغاية في ٤٨٠ مدرسة ويستكمل العمل هذه السنة لتغطية كلّ مدارس لبنان الرسمية”.

وتضيف أنّه “في ظلّ القوانين الحالية التي تمنع التوظيف لا إمكانية لتوظيف موجّه تربوي أو التعاقد معه  في كلّ مدرسة، لذلك تعتمد الوزارة تدريب أساتذة ليواكبوا سياسة حماية التلميذ”. 

توضح هيلدا خوري أنه “على الصعيد المركزي هناك وحدة التوجيه التربوي في الإرشاد تدير وحدة حماية التلميذ في الوزارة من خلال أخصائيين، وهناك تعاون مع وزارة الشؤون الإجتماعية ووزارة العدل. وملف الحماية مفعّل في الوزارة منذ 2018”. وتشرح آلية العمل حيث “يتم تسيير زيارات إلى المدارس والثانويات الرسمية من قبل الموجهين النفسيين في الإرشاد والتوجيه وإلى المدارس الخاصة عندما تستدعي الحاجة بالتعاون مع مصلحة التعليم الخاص، مؤكدةً أن “الوزارة تتلقى أسبوعياً عدة حالات حماية عبر خطها الساخن 01772000، وبعد إجراء ما يلزم داخل الوزارة تحوّل بعض الحالات إلى وزارة الشؤون وبعضها إلى وزارة العدل عندما تسلك الحالة المسار القضائي”.  

ورشة توعية مستمرّة

في موازاة قضية التحرّش وبصورة مستقلة، شهدت طرابلس على حملة “بدي بلّغ” التي انطلقت بناءً لجهود مجموعة من الناشطين، بعد تعاظم حالات “التحرّش الجنسي أونلاين، في التاكسي أو على الطريق”. ويشير الناشط محمد يونس مدير البرامج في جمعية مساواة إلى إطلاق حملة توعية ميدانياً في الشارع، وصولاً إلى تنظيم ورش عمل، لافتاً إلى التعاون مع بلدية طرابلس ونقابة السائقين في الشمال من أجل إقامة ورش التدريب التي شملت السائقين، شرطة بلدية طرابلس، الشبان والشابات في الجامعات والمعاهد والمدارس، وكذلك الأطفال حول مواضيع متعلّقة بالتحرّش الجنسي.     

يوضح يونس أنّه تمّ تدريب 50 سائق عمومي من 6 مواقف أساسية في طرابلس للتعريف بالتحرش الجنسي وذلك في الفترة الممتدة بين 25 تشرين الثاني و10 كانون الأول الجاري. ويلفت إلى العمل لإنتاج أفلام قصيرة للتوعية ضمن الإمكانيات المتوافرة و”الصفر موازنة”، حيث يتم تغطية نفقات الحملة من الحسابات الخاصة للمتطوعين. ويطمح يونس لتأسيس مركز لتقديم الدعم النفسي، وبناء الثقة، والتدريب على التعامل مع المتحرشين، وأن يكون صلة وصل بين الناجيات وقوى الأمن الداخلي من أجل توقيف المتحرشين.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مساواة ، جندر ، مؤسسات عامة ، حركات اجتماعية ، لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، لا مساواة وتمييز وتهميش



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني